منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#48462
المحاضرة الحادية عشرة: الأحد 23 جمادى الأولى 1433 – 15 إبريل 2012

II- أيديولوجية المجال الحيوي:
ظهرت هذه النظرية في كتاب (كفاحي) لهتلر، أي أنها ألمانية المنشأ. كان أحد مستشاري هتلر مفكراً جغرافياً اسمه كارل هاوسهوفر من أنصار مدرسة الجيوپولِتِكْس و مؤمن بنظرية ماكندر (التي تقول أن من يريد السيطرة على العالم فليحتل إقليم شرق أوربا). و لأن هتلر كان يريد السيطرة على العالم قَبِلَ ما أشار عليه هاوسهوفر. و قد أقنعه هاوسهوفر بأن السلاڤ (الشعوب القاطنة شرق أوربا) شعوب حقيرة ما خلقت إلا ليستعبدهم الشعب الألماني العظيم. و لكن هتلر كان يريد أساساً أيديولوجياً لغزواته القادمة (أي أنه أراد أن ’يقنّع‘ سياساته) فابتكر هتلر نظرية المجال الحيوي التي هي خليط من نظرية سمو الجنس الآري و نظرية الضغط السكاني. فالجنس الآري الذي يتحمل مصير الحضارة الإنسانية يجب أن يتوسع في مساحة جغرافية مناسبة لأنه يزيد سنوياً بمقدار 900 ألف نسمة. ثم انطلق هتلر يغزو العالم كما هو مدون في كتب التاريخ.

و يبقى السؤال: هل تأثير المساحة على قوة الدولة حتمي أم نسبي؟ و للإجابة نقول أنه لا شك بان المساحة مهمة لأن انبساط الرقعة تعني إيواء المزيد من السكان. كما تعني أيضاً احتمالية في زيادة الموارد و احتمالية في زيادة الأمن. و لتفصيل الإجابة يجب علينا أن ننظر إلى فترتي السلم و الحرب.

ففي وقت السلم:
- ما فائدة الصحاري الشاسعة؟
- ما فائدة المناطق الجليدية؟
- ما فائدة المناطق ذات الحرارة الشديدة؟

و في وقت الحرب:
- المساحة تتيح فرصة للجنود أن يتقهقروا دون أن ينسحبوا
- المساحة تتيح توزيع المراكز الحيوية في الدولة من مصانع و مفاعلات و غيرها
- إلا أنه ما فائدة المساحة دون كثافة سكانية؟

و بذلك نصل إلى ان تأثير المساحة نسبي، فلو كانت كل دولة ذات مساحة كبيرة قوية لكانت الجزائر و البرازيل من القوى الكبرى؛ و في المقابل لما رأينا بريطانيا و فرنسا من القوى الكبرى.

العلاقة بين الجغرافيا و السياسة: حتمية أم نسبية؟
سنعرض تحت هذا العنوان ثلاث مدارس هي: الجيوپولِتِكْس و أنصار القوة البحرية و المدرسة الجغرافية الفرنسية. و لكل من هذه المدارس إجابة على التساؤل السابق.

1- مدرسة الجيوپولِتِكْس:
أسسها فرِدْرِك راتزل و عُرفت بمدرسة الحتمية الجغرافية. و أتباع هذه المدرسة يربطون بين موقع الدولة و قدرها؛ فراتزل يقول: "إن سياسة الدولة هي في جغرافيتها". و قد أُتُّهِمَ راتزل بأنه مغرض في نظريته هذه لأنه ألماني و لأن بلاده كانت تتبع سياسات توسعية؛ و رغم ذلك انتشرت مدرسته حتى في بريطانيا المعادية لألمانيا. و يعد البريطاني هالفورد جون ماكندر ثاني أبرز مفكري هذه المدرسة، و هو صاحب نظرية المراكز الطبيعية للقوة.
و فروض نظرية ماكندر هي:
• هناك صراع دائم بين إمبراطورية البر (و يرمز لها بالدب) و إمبراطورية البحر (و يرمز لها بالحوت).
• و الملاحظة تقطع بأن الغلبة دائماً كانت لإمبراطورية البر (للدب على الحوت).
• فقلب القوة هو قلب الأرض، و قلب الأرض هو إقليم شرق أوربا.
• من يحكم شرق أوربا يحكم جزيرة العالم (آسيا و أفريقيا و أوربا).
• و من يحكم جزيرة العالم يحكم العالم.


إلا أن هذه النظرية لم تتحقق في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد السوڤييتي. لأن الحوت هنا كان الولايات المتحدة، و الدب كان الاتحاد السوڤييتي. و مع ذلك انتصر الحوت على الدب. فالمسألة ليست حوتاً و لا دباً، بل عوامل قوة أخرى لم تتطرق لها هذه النظرية. و بذلك ثبت أن هذه النظرية ليست دقيقة.

أما هاوسهوفر فقد كان ينظر إلى نظرية الجيوپولتكس بإعجاب و يرى أنها أعظم ما قدمه الجغرافيون. و عرّف الجيوپولتكس بأنها "علم دراسة العلاقة بين الأرض و السياسة". و قال بأن السياسي الذي لا يعتد بالحقائق الجغرافية سياساته هشة.

2- أنصار القوة البحرية:
الأدميرال ألفرِد ثاير ماهان يقول بأن الغلبة للقوة البحرية لأن التحرك العسكري في البحر أيسر منه في البر. و يبرر اتساع الإمبراطورية البريطانية بأنها غزت العالم عن طريق البحر بأسطول بحري قوي. كما يقول أن الشعوب البحرية التي لم تهتم بقوة أساطيلها اندثرت. و يقول أيضاً: "دور الجغرافيا في تشكيل تاريخ الشعوب البحرية يجاوز في الأهمية دور الحكومات". و في هذه المقولة إشارة صريحة من ماهان على حتمية نظريته.

3- المدرسة الجغرافية الفرنسية:
هذه المدرسة ترى أن العلاقة نسبية بين الجغرافيا و السياسة. و تأخذ على كلام القائلين بأن المساحة الكبيرة تحتم وجود قوة كبيرة، إذ أن السودان أكبر من بريطانيا و لكنها لا تعادلها في القوة. و أقرت هذه المدرسة بأن الجغرافيا مهمة في السياسة و لكنها ليست حتمية.