By محمد الغامدي (5)(8) - الاثنين إبريل 30, 2012 12:52 am
- الاثنين إبريل 30, 2012 12:52 am
#49479
هنري كيسنجر
إذا قمنا بدمج معاهدة "ستارت" الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تعيد تأسيس سياسة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتي دخلت حيز التنفيذ مؤخراً، مع التقليصات الأخيرة في ميزانية الدفاع الأميركية، فإننا سنتوصل لنتيجة مفادها أن المعاهدة الجديدة وتحفيضات الميزانية سيخفضان عدد الأسلحة النووية الموجودة بحوزة الولايات المتحدة الأميركية إلى أدنى مستوى كلي لها منذ خمسينيات القرن الماضي.
وفي الوقت الراهن، تقوم إدارة أوباما – حسبما يقال- بالنظر في إمكانية الدخول في مفاوضات تهدف إلى التوصل لجولة جديدة من تقليص الترسانة النووية، بحيث يصل السقف المسموح بامتلاكه من تلك الأسلحة إلى مستوى منخفض لا يزيد عن 300 رأس حربي فقط.
وقبل المضي قدماً في هذا الطريق، فإننا نشعر بأننا ملتزمون أولاً بالتأكيد على إيماننا بأن هدف المفاوضات المستقبلية، يجب أن يكون هو تحقيق الاستقرار الاستراتيجي، وأن تخفيض أعداد الأسلحة النووية يجب أن يكون محصلة لتحليل استراتيجي، وليس لتصميم مجرد، مدرك سلفاً.
بصرف النظر عن رؤية المرء المتعلقة بالمستقبل النهائي للأسلحة النووية، فإن الهدف الأعم والأشمل للسياسة النووية الأميركية المعاصرة، يجب أن يتبلور في ضمان أن تلك الأسلحة لن تستخدم أبداً. وهنا ينبغي التأكيد على نقطة مهمة وهي أن الاستقرار الاستراتيجي ليس شيئاً مرتبطاً ارتباطاً جذرياً بالانخفاض في أعداد الأسلحة، بمعنى أنه كلما تقلص عدد تلك الأسلحة كلما ضمن ذلك الاستقرار، لأن الحقيقة هي أن الأعداد الأقل من تلك الأسلحة يمكن أن تقود إلى موقف تصبح فيه الهجمات المفاجئة، من الأمور الواردة.
لقد ساندنا عملية التصديق على معاهدة "ستارت"، كما أننا نحبذ أيضاً مراجعة التخفيضات المتفق عليها في أعداد الأسلحة النووية، وكذلك مراجعة الإجراءات التي تعزز من الشفافية والقدرة على التنبؤ. وهناك واحد منا(كسينجر) دعم العمل من أجل إزالة الأسلحة النووية، وإنْ بشرط يتمثل في سلسلة من الخطوات الوسيطة القابلة للتحقيق، والقادرة على صون الاستقرار، يجب أن تسبق هذه النقطة النهائية، وأن تكون كل مرحلة من مراحل العملية على حدة شفافة، وقابلة للتحقق منها في الوقت نفسه.
إن الشرط المسبق للمرحلة التالية من سياسة الأسلحة النووية الأميركية، يجب أن يتمثل في تعزيز وتقديس الاستقرار الاستراتيجي، الذي حفظَ السلام العالمي، وحال دون استخدام الأسلحة النووية لعقدين من الزمن.
وهناك ثماني حقائق مفتاحية يجب أن تحكم هذه السياسة هي:
أولاً: إن الاستقرار الاستراتيجي يتطلب المحافظة على قوات استراتيجية ذات حجم وتكوين كافيين، بحيث لا يكون بمقدور الضربة الأولى تقليص احتمالات الانتقام إلى مستوى يكون مقبولاً للمعتدي.
ثانياً: عند تقييم مستوى الضرر المقبول، لا يمكن للولايات المتحدة افتراض أن العدو المحتمل سيلتزم بقيم وحسابات مطابقة لقيمنا وحساباتنا.
ثالثاً: إن تكوين قواتنا الاستراتيجية لا يمكن تعريفه من خلال منظور عددي فحسب، وإنما يجب أن يعتمد على تحديد نوع المركبات التي ستحمل الرأس النووي للهدف. وإذا تم تعديل تكوين قوة الردع الأميركية كنتيجة للتقليص النووي، أو لاتفاقية نووية، أو لأي سبب آخر، فإنه يجب، مع ذلك، استبقاء تشكيلة كافية من تلك القوات، مع نظام قيادة وسيطرة داعم وقوي، لضمان أن أي هجوم استباقي لن ينجح.
رابعاً: عند اتخاذ القرار المتعلق بمستويات القوة، وحجم التخفيض في الأسلحة النووية، تكون عملية التدقيق والتحقق عملية حيوية للغاية. والشيء فائق الأهمية في هذا المجال، هو تحديد ما هو بالضبط مستوى عدم اليقين الذي يهدد حسابات الاستقرار الاستراتيجي. ويجب في هذه الجزئية أن نكون متأكدين من أن المستويات المستهدفة تحافظ على - وتعزز عند الضرورة- هذه الثقة.
خامساً: لقد تعرض نظام عدم الانتشار النووي للإضعاف، حتى وصل لنقطة أن بعض الدول التي تحوز أسلحة نووية باتت تمتلك كما تفيد تقارير موثوقة ترسانات تزيد على 100 سلاح نووي. والأسئلة التي تطرح نفسها منطقياً هنا هي: عند أي مستوى من المستويات الأميركية المخفضة(أعداد الأسلحة النووية) تمثل تلك الترسانات تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة؟ وماذا سيكون تأثيرها إذا انهار نظام الردع في العلاقات الإستراتيجية النووية العالمية؟ وهل يفتح هذا الاحتمال الباب لخطر نشوء تحالفات معادية مكونة من الدول التي لا تعتبر قوة كل دولة منها على حدة كافية لتهديد الاستقرار الاستراتيجي، والتي يمكنها، مع ذلك، إذا دخلت في تحالفات مع بعضها بعضاً، أن تزعزع التوازن النووي؟
سادساً: هذا يوحي ضمناً بأنه تحت مستوى لم يحدد بعد، لا يمكن قصر التقليصات النووية على روسيا والولايات المتحدة فقط، وإنما يجب ضم البلدان الأخرى إلى المناقشة التي تجري في هذا الصدد.
سابعاً: يتأثر الاستقرار الاستراتيجي بعوامل أخرى مثل الدفاع الصاروخي، وأدوار وأعداد الأسلحة النووية التكتيكية، التي لا تعتبر خاضعة في الوقت الراهن للتقييدات والحدود المتفق عليها.
ثامناً: يجب التأكد من أن الدول التي اعتمدت على الولايات المتحدة في الحماية النووية ستحافظ على ثقتها في قدرتها على الردع.
ستظل الأسلحة النووية تؤثر على المشهد الدولي كجزء من استراتيجية، وكجانب من جوانب المفاوضات. وفي رأينا أن الدروس المستفادة خلال العقود السبعة الماضية ستظل صالحة للتطبيق من أجل التحكم في المستقبل النووي.
الاستراتيجية الأميركية في تخفيض الأسلحة النووية
هنري كيسنجر
إذا قمنا بدمج معاهدة "ستارت" الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تعيد تأسيس سياسة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتي دخلت حيز التنفيذ مؤخراً، مع التقليصات الأخيرة في ميزانية الدفاع الأميركية، فإننا سنتوصل لنتيجة مفادها أن المعاهدة الجديدة وتحفيضات الميزانية سيخفضان عدد الأسلحة النووية الموجودة بحوزة الولايات المتحدة الأميركية إلى أدنى مستوى كلي لها منذ خمسينيات القرن الماضي.
وفي الوقت الراهن، تقوم إدارة أوباما – حسبما يقال- بالنظر في إمكانية الدخول في مفاوضات تهدف إلى التوصل لجولة جديدة من تقليص الترسانة النووية، بحيث يصل السقف المسموح بامتلاكه من تلك الأسلحة إلى مستوى منخفض لا يزيد عن 300 رأس حربي فقط.
وقبل المضي قدماً في هذا الطريق، فإننا نشعر بأننا ملتزمون أولاً بالتأكيد على إيماننا بأن هدف المفاوضات المستقبلية، يجب أن يكون هو تحقيق الاستقرار الاستراتيجي، وأن تخفيض أعداد الأسلحة النووية يجب أن يكون محصلة لتحليل استراتيجي، وليس لتصميم مجرد، مدرك سلفاً.
بصرف النظر عن رؤية المرء المتعلقة بالمستقبل النهائي للأسلحة النووية، فإن الهدف الأعم والأشمل للسياسة النووية الأميركية المعاصرة، يجب أن يتبلور في ضمان أن تلك الأسلحة لن تستخدم أبداً. وهنا ينبغي التأكيد على نقطة مهمة وهي أن الاستقرار الاستراتيجي ليس شيئاً مرتبطاً ارتباطاً جذرياً بالانخفاض في أعداد الأسلحة، بمعنى أنه كلما تقلص عدد تلك الأسلحة كلما ضمن ذلك الاستقرار، لأن الحقيقة هي أن الأعداد الأقل من تلك الأسلحة يمكن أن تقود إلى موقف تصبح فيه الهجمات المفاجئة، من الأمور الواردة.
لقد ساندنا عملية التصديق على معاهدة "ستارت"، كما أننا نحبذ أيضاً مراجعة التخفيضات المتفق عليها في أعداد الأسلحة النووية، وكذلك مراجعة الإجراءات التي تعزز من الشفافية والقدرة على التنبؤ. وهناك واحد منا(كسينجر) دعم العمل من أجل إزالة الأسلحة النووية، وإنْ بشرط يتمثل في سلسلة من الخطوات الوسيطة القابلة للتحقيق، والقادرة على صون الاستقرار، يجب أن تسبق هذه النقطة النهائية، وأن تكون كل مرحلة من مراحل العملية على حدة شفافة، وقابلة للتحقق منها في الوقت نفسه.
إن الشرط المسبق للمرحلة التالية من سياسة الأسلحة النووية الأميركية، يجب أن يتمثل في تعزيز وتقديس الاستقرار الاستراتيجي، الذي حفظَ السلام العالمي، وحال دون استخدام الأسلحة النووية لعقدين من الزمن.
وهناك ثماني حقائق مفتاحية يجب أن تحكم هذه السياسة هي:
أولاً: إن الاستقرار الاستراتيجي يتطلب المحافظة على قوات استراتيجية ذات حجم وتكوين كافيين، بحيث لا يكون بمقدور الضربة الأولى تقليص احتمالات الانتقام إلى مستوى يكون مقبولاً للمعتدي.
ثانياً: عند تقييم مستوى الضرر المقبول، لا يمكن للولايات المتحدة افتراض أن العدو المحتمل سيلتزم بقيم وحسابات مطابقة لقيمنا وحساباتنا.
ثالثاً: إن تكوين قواتنا الاستراتيجية لا يمكن تعريفه من خلال منظور عددي فحسب، وإنما يجب أن يعتمد على تحديد نوع المركبات التي ستحمل الرأس النووي للهدف. وإذا تم تعديل تكوين قوة الردع الأميركية كنتيجة للتقليص النووي، أو لاتفاقية نووية، أو لأي سبب آخر، فإنه يجب، مع ذلك، استبقاء تشكيلة كافية من تلك القوات، مع نظام قيادة وسيطرة داعم وقوي، لضمان أن أي هجوم استباقي لن ينجح.
رابعاً: عند اتخاذ القرار المتعلق بمستويات القوة، وحجم التخفيض في الأسلحة النووية، تكون عملية التدقيق والتحقق عملية حيوية للغاية. والشيء فائق الأهمية في هذا المجال، هو تحديد ما هو بالضبط مستوى عدم اليقين الذي يهدد حسابات الاستقرار الاستراتيجي. ويجب في هذه الجزئية أن نكون متأكدين من أن المستويات المستهدفة تحافظ على - وتعزز عند الضرورة- هذه الثقة.
خامساً: لقد تعرض نظام عدم الانتشار النووي للإضعاف، حتى وصل لنقطة أن بعض الدول التي تحوز أسلحة نووية باتت تمتلك كما تفيد تقارير موثوقة ترسانات تزيد على 100 سلاح نووي. والأسئلة التي تطرح نفسها منطقياً هنا هي: عند أي مستوى من المستويات الأميركية المخفضة(أعداد الأسلحة النووية) تمثل تلك الترسانات تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة؟ وماذا سيكون تأثيرها إذا انهار نظام الردع في العلاقات الإستراتيجية النووية العالمية؟ وهل يفتح هذا الاحتمال الباب لخطر نشوء تحالفات معادية مكونة من الدول التي لا تعتبر قوة كل دولة منها على حدة كافية لتهديد الاستقرار الاستراتيجي، والتي يمكنها، مع ذلك، إذا دخلت في تحالفات مع بعضها بعضاً، أن تزعزع التوازن النووي؟
سادساً: هذا يوحي ضمناً بأنه تحت مستوى لم يحدد بعد، لا يمكن قصر التقليصات النووية على روسيا والولايات المتحدة فقط، وإنما يجب ضم البلدان الأخرى إلى المناقشة التي تجري في هذا الصدد.
سابعاً: يتأثر الاستقرار الاستراتيجي بعوامل أخرى مثل الدفاع الصاروخي، وأدوار وأعداد الأسلحة النووية التكتيكية، التي لا تعتبر خاضعة في الوقت الراهن للتقييدات والحدود المتفق عليها.
ثامناً: يجب التأكد من أن الدول التي اعتمدت على الولايات المتحدة في الحماية النووية ستحافظ على ثقتها في قدرتها على الردع.
ستظل الأسلحة النووية تؤثر على المشهد الدولي كجزء من استراتيجية، وكجانب من جوانب المفاوضات. وفي رأينا أن الدروس المستفادة خلال العقود السبعة الماضية ستظل صالحة للتطبيق من أجل التحكم في المستقبل النووي.