- الاثنين إبريل 30, 2012 5:06 pm
#49549
مواقف الدول من الاحتلال
تباينت المواقف الدولية من سقوط الدولة الجزائرية بأيدي القوات الفرنسية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ .
فقد كان موقف الدول الأوروبية في عمومه مؤيدا للغزو والاحتلال حيث أيدت روسيا وألمانيا الحملة واضطرت النمسا إلى التأييد بعدما كانت في الصف البريطاني المعارض الوحيد لان بريطانيا رأت في ذلك تهديدا للتفوق الانجليزي في البحر المتوسط وأعلنت أنها لن تسمح بأكثر من عملية قصف لتأديب مدينة الجزائر
ولكن بريطانيا لم تستطع ترجمة هذا الموقف عمليا
كما أيدت الدول الاسكندينافية ودول الضفة الشمالية للبحر المتوسط الحملة بعد المساعي الدبلوماسية الفرنسية المبذولة في هذا الإطار.
أما في العالم الإسلامي فقد كان باي تونس من المؤيدين للاحتلال انتقاما من دايات الجزائر الذين كانوا يعتبرون تونس تابعة لهم،في حين التزم المغرب التحفظ والصمت.
أما ايالة طرابلس فقد عارضت الحملة سياسيا ولم تجسد ذلك عمليا, اما الدولة العثمانية الحليف الإسلامي الأكبر والدولة الأم فلم يكن موقفها في مستوى الحدث نظرا لحالة الضعف التي كانت تعيشها بتفشي الفوضى في قواتها العسكرية وعدم مواكبتها للتطورات الحضارية الحاصلة في أوروبا.
وبالتالي اقتصر موقفها في إرسال مبعوث عثماني خاص هو الطاهر باشا لتبديد الخلاف بين الجزائر وفرنسا لكن هاته الوساطة جاءت متأخرة ثم إن فرنسا لم تعرض اهتماما وكانت قوتها قد حققت انتصارا على الأرض والميدان
حقيقة فرنسا في الجزائر
لقد بشر الفرنسيون قبل دخولهم إلى الجزائر أنهم يدخلون الحضارة لهذا البلد الذي كان تحت وطأة الأتراك لقرون عديدة من الظلم و الغطرسة ، و أنهم بإمكانهم أن يخرجوه من تلك الظروف المزرية ، وروجوا أكاذيب عدة لكسب الرأي العام الفرنسي و العالمي، بل قالوا أن اهتمامهم بالقضية الجزائرية مرده لإهانة القنصل الفرنسي دوفال ، وطرد الأتراك الدخلاء على الجزائر و تحريرها منهم ، ترى هل طبقت فرنسا ما جاء في المنشور الذي وزعته على الجزائريين عشية الحملة ؟ و هل أوصلت فرنسا الحضارة و الرقي و الإخاء و المساواة للجزائريين بعد أن استقر أمرها في أرجاء الوطن
بعد استسلام الداي والسيطرة على مدينة الجزائر وضواحيها شرعت فرنسا في توجيه فرقها العسكرية للسيطرة على منِاطق أخرى بل وفي توجيه حملات بحرية إلى عنابة ووهران وبجاية وغيرها وكانت شدة المقاومة سببا في انسحاب القوات الفرنسية عدة مرات من هذه المناطق. كما أن فرنسا تجاهلت تجاهلا تاما ما تم التوقيع عليه في معاهدة 5 جويلية 1830م. وهذا ما دفع حمدان بن عثمان خوجة إلى القول في كتابه "المرآة": (...إني أتساءل لماذا تزعزع بلادي في جميع أسسها وتصاب في جميع مبادئها الحيوية. وإلى جانب ذلك أنظر إلى الأوضاع التي توجد عليها دول أخرى مجاورة لنا فلا أرى واحدة مجبرة على تحمل ظروف مشابهة للظروف المفروضة علينا... وعندما أدير البصر إلى الجزائر فإني أرى هؤلاء المساكين يخضعون للاستبداد معرضين للإبادة ولجميع آفات.(…..
ومن بين الأعمال الأولى التي قامت بها فرنسا في الجزائر :
1/ طرد العثمانيين من الجزائر
2/ نهب خزينة الداي و خزينة الدولة
3/ تنظيم الاستيطان الفرنسي بالجزائر
4/ طمس المعالم الجزائرية و إبطال القيم الوطنية
5/ الاستهتار بالمؤسسات الدينية و نشر المسيحية
كما ارتكب جيش الاحتلال العديد من الجرائم ضد المدنيين، والتي سماها المؤرخون بالرازيا وفي هذا يروي العقيد مونتانياك (Montagnac):
«أخبرني بعض الجنود أن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيا بين العرب.. كل العسكريين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يجلدوا»
. ويقول النائب البرلماني طوكوفيل (Tocqueville): «إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم.. لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيا فهزموهم بالتدمير والجوع»
ويقول مونتانياك.. لقد محا الجنرال لاموريسيير (La Moricière) من الوجود خمسة وعشرين قرية في خرجة واحدة، إنه عمل أكثر انعداما للإنسانية...)
ويروي: (....فبمجرد أن حدد موقع القبيلة انطلق سائر الجنود نحوها ووصلنا الخيام التي صحا سكانها على اقتراب الجنود فخرجوا هاربين نساء وأطفالا ورجالا مع قطعان ماشيتهم في سائر الاتجاهات، هذا جندي يقتل نعجة، بعض الجنود يدخلون الخيام ويخرجون منها حاملين زرابي على أكتافهم، بعضهم يحمل دجاجة، تضرم النار في كل شيء، يلاحق الناس والحيوانات وسط صراخ وغثاء وخوار، إنها ضجة تصم الآذان..)
ملاحظة : الرازيا (الغارات)لا تهدف إلى معاقبة المخطئين وإنما صارت مصدرا لتموين الجيش. كان كل ما ينهب يباع ويوزع ثمنه على الضباط والجنود، ربع الغنائم للضباط والنصف للجنود كما يذكر شارل أندري جوليان.[3]
يقول دوكرو (DUCROT): «ما نهب في [رازيا] واحدة حمولة 2000 بغل»
. ويقول النقيب لافاي (LAFAYE): «كان الضباط يخيرون الفلاحين بين أن يقدموا لهم الأكل أو الإبادة، كنا نخيم قرب القرية، يعطيهم الجنرال مهلة لإعداد الطعام أو الموت، كنا نوجه سلاحنا نحو القرية وننتظر، ثم نراهم يتوجهون لنا ببيضهم الطازج، وخرافهم السمينة، ودجاجاتهم الجميلة، وبعسلهم الحلو جدا للمذاق....»
. يعلق شارل أندري جوليان: «...وتنتشر الرازيا فتصير أسلوبا للتدمير المنظم والمنهجي الذي لم يسلم منه لا الأشخاص ولا الأشياء. إن جنرالات جيش الفرنسي لا يحرقون البلاد خفية. إنهم يستعملون ذلك ويعتبرونه مجدا لهم سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أو بونابارتيين»
. يقول مونتانياك: «إن الجنرال لاموريسيير يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء نساء وأطفالا ومواشي و يخطف النساء، يحتفظ ببعضهن رهائن والبعض الآخر يستبدلهن بالخيول، والباقي تباع في المزاد كالحيوانات، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط...»
ويروي الضابط تارنو: «إن بلاد بني مناصر رائعة، لقد أحرقنا كل شيء، ودمرنا كل شيء..آه من الحرب ! ! ! كم من نساء وأطفال هربوا منا إلى ثلوج الأطلس ماتوا بالبرد والجوع....إننا ندمر، نحرق، ننهب، نخرب البيوت، ونحرق الشجر المثمر....أنا على رأس جيشي أحرق الدواوير والأكواخ ونفرغ المطامير من الحبوب، ونرسل لمراكزنا في مليانة القمح والشعير ...»
. ويروي الجنرال لاموريسيير: «...في الغد انحدرت إلى حميدة، كنت أحرق كل شيء في طريقي. لقد دمرت هذه القرية الجميلة.. أكداس من الجثث لاصقة الجثة مع الأخرى مات أصحابها مجمدين بالليل.. إنه شعب بني مناصر، إنهم هم الذين أحرقت قراهم وسقتهم أمامي ....»
و يقول مونتانياك: « ...النساء والأطفال اللاجئون إلى أعشاب كثيفة يسلمون أنفسهم لنا، نقتل، نذبح، صراخ الضحايا واللاقطين لأنفاسهم الأخيرة يختلط بأصوات الحيوانات التي ترغي وتخور كل هذا آت من سائر الاتجاهات، إنه الجحيم بعينه وسط أكداس من الثلج.... إن كل ذلك في هذه العمليات التي قمنا بها خلال أربعة أشهر تثير الشفقة حتى في الصخور إذا كان عندنا وقت للشفقة، وكنا نتعامل معها بلا مبالاة جافة تثير الرجفة في الأبدان....»
ويقول الجنرال شانغارنييه (Changarnier): إن هذا يتم تحت القيادة المباشرة ل :بوجو الذي راح جنوده يذبحون اثنتي عشرة امرأة عجوزا بلا دفاع بمدينة الجزائر......»
ويقول الجنرال كانروبير ِ(Canrobert): «... ينفذ جنودنا هذا التدمير بحماس، إن التأثير الكارثي لهذا العمل البربري والتخريب العميق للأخلاق الذي يبث في قلوب جنودنا وهم يذبحون ويغتصبون وينهب كل واحد منهم لصالحه الشخصي، »
ويقول النقيب لافاي (Lafaye): «لقد أحرقنا قرى لقبيلة بني سنوس. لم يتراجع جنودنا أمام قتل العجائز والنساء والأطفال. إن أكثر الأعمال وحشية هو أن النساء يقتلن بعد أن يغتصبن، وكان هؤلاء العرب لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم.»
إن العدوان على الجزائر كان حلقة من حلقات تلك الحروب ، فهدف فرنسا كان –1/ محاربة الإسلام و أهله
2/ إدخال أهل الجزائر في النصرانية
3/ لتضمن أمنها و استقرارها في البحر المتوسط
4/ تثبت بقاءها و سيطرتها في البحر المتوسط لأن المسلمين ظلوا يطاردونها ، و يحاصرونها و يضايقون تجارها .
لقد جاء الاستعمار بحده و حديده و أقبل بخيله و رجله ، حاملا العقائد النصرانية و التقاليد الأوربية ، محاولا زعزعة عقيدة الجزائريين و أخلاقهم ، جاهدا في طمس عروبتهم و أصالتهم ، ساعيا في تقويض شخصيتهم و وحدتهم و لم يزل هذا دأبه و سعيه منذ وطئت قدمه هذا البلد الطيب
يقول محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله : جاء الاستعمار الدنس الجزائر يحمل السيف و الصليب ، ذاك للتمكن و هذا للتمكين و قال : احتلال فرنسا للجزائر كان حلقة من الصليبية الأولى و لا غرابة في ذلك
و الدليل:
1– / بناء الكنائس
2/ تخريب المساجد و هدمها
3/ تحويل بعض المساجد إلى كنائس ،
لقد شيدت فرنسا كنيسة كبيرة تطل على البحر المعروفة باسم ( السيدة الإفريقية ) و حولت مسجد كتشاوة إلى كنيسة و بارك البابا هذا العمل ، قال الإبراهيمي : حولت بعض المساجد الكبرى كنائس و عمرتها برجال الكنيسة المسيحيين ... و ناهيك بمسجد كتشاوة العظيم الذي صيرته كاتدرائية عظمى في العاصمة .
4/ – تشجيع نابليون الثالث النشاط النصراني و تعيينه الكردينال لافيجري رئيسا للنصارى في الجزائر ، فنشط وسط الفقراء و الأطفال و النساء ، و بلغت جهوده أصقاع الصحراء .
و في برنامجه التنصيري) : علينا أن نجعل من الأرض الجزائرية مهدا لدولة عظيمة مسيحية أعني بذلك فرنسا أخرى يسودها الإنجيل دينا و عقيدة (.
5/ – تكوين لا فيجري فرقة الآباء و الأخوات البيض ( péres blancs ) لتنصير الجزائريين ، و كان نشاطها يرتكز على التعليم و التطبيب و الخدمات الاجتماعية .
6/ – تخريب المدارس العربية الإسلامية .
7/- استقدام عدد كبير من الرهبان و المعلمين و الأطباء ، فالراهب ينشر النصرانية و يشكك المسلمين في عقيدتهم ، و المعلم يفسد العقول و يبعد الأمة عن لغتها و يشوه التاريخ و يزهد في الدين ، و الطبيب يداوي علة بعلل ، و يقتل جرثومة بجراثيم
/8- محاربة اللغة العربية ، لأنها لغة القرآن و لسان الأمة ، يقول مصطفى صادق الرافعي : و لغة الأمة هي الهدف الأول للمستعمرين ، فلن يتحول الشعب أول ما يتحول إلا من لغته ....
و قال الحاكم الفرنسي للجزائر في الاحتفال بمرور مائة سنة على الاحتلال : إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ، و يتكلمون بالعربية ، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ، و نقتلع اللسان العربي من ألسنتهم (…..
9/- محاربة الوحدة الإسلامية التي تجمع بين العرب و البربر ، فزرع الاستعمار الخلاف و الشقاق بينهم و شحن أدمغة البربر بأنهم هم الأصليون في هذه الأرض ، و أن العرب ظلموهم و غصبوهم أرضهم.
هذه بعض الأدلة التي تجعلنا موقنين بأن احتلال الجزائر – كما يقول الإبراهيمي - : " إنما هو قرن من الصليبية نجم ، لا جيش من الفرنسيين هجم .
و لا أدل على هذا من تصريح قادته و اعترافهم – و الاعتراف سيد الأدلة - ، قال خطيب في الاحتفال بمرور مائة سنة من احتلال الجزائر : " ليس الداعي الأكبر لهذه المهرجانات هو الاحتفال بمرور مائة سنة على احتلالنا للجزائر ... و لكن الباعث الأعظم على هذا هو أننا دعوناكم لتمشوا معنا في جنازة الإسلام
تباينت المواقف الدولية من سقوط الدولة الجزائرية بأيدي القوات الفرنسية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ .
فقد كان موقف الدول الأوروبية في عمومه مؤيدا للغزو والاحتلال حيث أيدت روسيا وألمانيا الحملة واضطرت النمسا إلى التأييد بعدما كانت في الصف البريطاني المعارض الوحيد لان بريطانيا رأت في ذلك تهديدا للتفوق الانجليزي في البحر المتوسط وأعلنت أنها لن تسمح بأكثر من عملية قصف لتأديب مدينة الجزائر
ولكن بريطانيا لم تستطع ترجمة هذا الموقف عمليا
كما أيدت الدول الاسكندينافية ودول الضفة الشمالية للبحر المتوسط الحملة بعد المساعي الدبلوماسية الفرنسية المبذولة في هذا الإطار.
أما في العالم الإسلامي فقد كان باي تونس من المؤيدين للاحتلال انتقاما من دايات الجزائر الذين كانوا يعتبرون تونس تابعة لهم،في حين التزم المغرب التحفظ والصمت.
أما ايالة طرابلس فقد عارضت الحملة سياسيا ولم تجسد ذلك عمليا, اما الدولة العثمانية الحليف الإسلامي الأكبر والدولة الأم فلم يكن موقفها في مستوى الحدث نظرا لحالة الضعف التي كانت تعيشها بتفشي الفوضى في قواتها العسكرية وعدم مواكبتها للتطورات الحضارية الحاصلة في أوروبا.
وبالتالي اقتصر موقفها في إرسال مبعوث عثماني خاص هو الطاهر باشا لتبديد الخلاف بين الجزائر وفرنسا لكن هاته الوساطة جاءت متأخرة ثم إن فرنسا لم تعرض اهتماما وكانت قوتها قد حققت انتصارا على الأرض والميدان
حقيقة فرنسا في الجزائر
لقد بشر الفرنسيون قبل دخولهم إلى الجزائر أنهم يدخلون الحضارة لهذا البلد الذي كان تحت وطأة الأتراك لقرون عديدة من الظلم و الغطرسة ، و أنهم بإمكانهم أن يخرجوه من تلك الظروف المزرية ، وروجوا أكاذيب عدة لكسب الرأي العام الفرنسي و العالمي، بل قالوا أن اهتمامهم بالقضية الجزائرية مرده لإهانة القنصل الفرنسي دوفال ، وطرد الأتراك الدخلاء على الجزائر و تحريرها منهم ، ترى هل طبقت فرنسا ما جاء في المنشور الذي وزعته على الجزائريين عشية الحملة ؟ و هل أوصلت فرنسا الحضارة و الرقي و الإخاء و المساواة للجزائريين بعد أن استقر أمرها في أرجاء الوطن
بعد استسلام الداي والسيطرة على مدينة الجزائر وضواحيها شرعت فرنسا في توجيه فرقها العسكرية للسيطرة على منِاطق أخرى بل وفي توجيه حملات بحرية إلى عنابة ووهران وبجاية وغيرها وكانت شدة المقاومة سببا في انسحاب القوات الفرنسية عدة مرات من هذه المناطق. كما أن فرنسا تجاهلت تجاهلا تاما ما تم التوقيع عليه في معاهدة 5 جويلية 1830م. وهذا ما دفع حمدان بن عثمان خوجة إلى القول في كتابه "المرآة": (...إني أتساءل لماذا تزعزع بلادي في جميع أسسها وتصاب في جميع مبادئها الحيوية. وإلى جانب ذلك أنظر إلى الأوضاع التي توجد عليها دول أخرى مجاورة لنا فلا أرى واحدة مجبرة على تحمل ظروف مشابهة للظروف المفروضة علينا... وعندما أدير البصر إلى الجزائر فإني أرى هؤلاء المساكين يخضعون للاستبداد معرضين للإبادة ولجميع آفات.(…..
ومن بين الأعمال الأولى التي قامت بها فرنسا في الجزائر :
1/ طرد العثمانيين من الجزائر
2/ نهب خزينة الداي و خزينة الدولة
3/ تنظيم الاستيطان الفرنسي بالجزائر
4/ طمس المعالم الجزائرية و إبطال القيم الوطنية
5/ الاستهتار بالمؤسسات الدينية و نشر المسيحية
كما ارتكب جيش الاحتلال العديد من الجرائم ضد المدنيين، والتي سماها المؤرخون بالرازيا وفي هذا يروي العقيد مونتانياك (Montagnac):
«أخبرني بعض الجنود أن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيا بين العرب.. كل العسكريين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يجلدوا»
. ويقول النائب البرلماني طوكوفيل (Tocqueville): «إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم.. لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيا فهزموهم بالتدمير والجوع»
ويقول مونتانياك.. لقد محا الجنرال لاموريسيير (La Moricière) من الوجود خمسة وعشرين قرية في خرجة واحدة، إنه عمل أكثر انعداما للإنسانية...)
ويروي: (....فبمجرد أن حدد موقع القبيلة انطلق سائر الجنود نحوها ووصلنا الخيام التي صحا سكانها على اقتراب الجنود فخرجوا هاربين نساء وأطفالا ورجالا مع قطعان ماشيتهم في سائر الاتجاهات، هذا جندي يقتل نعجة، بعض الجنود يدخلون الخيام ويخرجون منها حاملين زرابي على أكتافهم، بعضهم يحمل دجاجة، تضرم النار في كل شيء، يلاحق الناس والحيوانات وسط صراخ وغثاء وخوار، إنها ضجة تصم الآذان..)
ملاحظة : الرازيا (الغارات)لا تهدف إلى معاقبة المخطئين وإنما صارت مصدرا لتموين الجيش. كان كل ما ينهب يباع ويوزع ثمنه على الضباط والجنود، ربع الغنائم للضباط والنصف للجنود كما يذكر شارل أندري جوليان.[3]
يقول دوكرو (DUCROT): «ما نهب في [رازيا] واحدة حمولة 2000 بغل»
. ويقول النقيب لافاي (LAFAYE): «كان الضباط يخيرون الفلاحين بين أن يقدموا لهم الأكل أو الإبادة، كنا نخيم قرب القرية، يعطيهم الجنرال مهلة لإعداد الطعام أو الموت، كنا نوجه سلاحنا نحو القرية وننتظر، ثم نراهم يتوجهون لنا ببيضهم الطازج، وخرافهم السمينة، ودجاجاتهم الجميلة، وبعسلهم الحلو جدا للمذاق....»
. يعلق شارل أندري جوليان: «...وتنتشر الرازيا فتصير أسلوبا للتدمير المنظم والمنهجي الذي لم يسلم منه لا الأشخاص ولا الأشياء. إن جنرالات جيش الفرنسي لا يحرقون البلاد خفية. إنهم يستعملون ذلك ويعتبرونه مجدا لهم سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أو بونابارتيين»
. يقول مونتانياك: «إن الجنرال لاموريسيير يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء نساء وأطفالا ومواشي و يخطف النساء، يحتفظ ببعضهن رهائن والبعض الآخر يستبدلهن بالخيول، والباقي تباع في المزاد كالحيوانات، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط...»
ويروي الضابط تارنو: «إن بلاد بني مناصر رائعة، لقد أحرقنا كل شيء، ودمرنا كل شيء..آه من الحرب ! ! ! كم من نساء وأطفال هربوا منا إلى ثلوج الأطلس ماتوا بالبرد والجوع....إننا ندمر، نحرق، ننهب، نخرب البيوت، ونحرق الشجر المثمر....أنا على رأس جيشي أحرق الدواوير والأكواخ ونفرغ المطامير من الحبوب، ونرسل لمراكزنا في مليانة القمح والشعير ...»
. ويروي الجنرال لاموريسيير: «...في الغد انحدرت إلى حميدة، كنت أحرق كل شيء في طريقي. لقد دمرت هذه القرية الجميلة.. أكداس من الجثث لاصقة الجثة مع الأخرى مات أصحابها مجمدين بالليل.. إنه شعب بني مناصر، إنهم هم الذين أحرقت قراهم وسقتهم أمامي ....»
و يقول مونتانياك: « ...النساء والأطفال اللاجئون إلى أعشاب كثيفة يسلمون أنفسهم لنا، نقتل، نذبح، صراخ الضحايا واللاقطين لأنفاسهم الأخيرة يختلط بأصوات الحيوانات التي ترغي وتخور كل هذا آت من سائر الاتجاهات، إنه الجحيم بعينه وسط أكداس من الثلج.... إن كل ذلك في هذه العمليات التي قمنا بها خلال أربعة أشهر تثير الشفقة حتى في الصخور إذا كان عندنا وقت للشفقة، وكنا نتعامل معها بلا مبالاة جافة تثير الرجفة في الأبدان....»
ويقول الجنرال شانغارنييه (Changarnier): إن هذا يتم تحت القيادة المباشرة ل :بوجو الذي راح جنوده يذبحون اثنتي عشرة امرأة عجوزا بلا دفاع بمدينة الجزائر......»
ويقول الجنرال كانروبير ِ(Canrobert): «... ينفذ جنودنا هذا التدمير بحماس، إن التأثير الكارثي لهذا العمل البربري والتخريب العميق للأخلاق الذي يبث في قلوب جنودنا وهم يذبحون ويغتصبون وينهب كل واحد منهم لصالحه الشخصي، »
ويقول النقيب لافاي (Lafaye): «لقد أحرقنا قرى لقبيلة بني سنوس. لم يتراجع جنودنا أمام قتل العجائز والنساء والأطفال. إن أكثر الأعمال وحشية هو أن النساء يقتلن بعد أن يغتصبن، وكان هؤلاء العرب لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم.»
إن العدوان على الجزائر كان حلقة من حلقات تلك الحروب ، فهدف فرنسا كان –1/ محاربة الإسلام و أهله
2/ إدخال أهل الجزائر في النصرانية
3/ لتضمن أمنها و استقرارها في البحر المتوسط
4/ تثبت بقاءها و سيطرتها في البحر المتوسط لأن المسلمين ظلوا يطاردونها ، و يحاصرونها و يضايقون تجارها .
لقد جاء الاستعمار بحده و حديده و أقبل بخيله و رجله ، حاملا العقائد النصرانية و التقاليد الأوربية ، محاولا زعزعة عقيدة الجزائريين و أخلاقهم ، جاهدا في طمس عروبتهم و أصالتهم ، ساعيا في تقويض شخصيتهم و وحدتهم و لم يزل هذا دأبه و سعيه منذ وطئت قدمه هذا البلد الطيب
يقول محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله : جاء الاستعمار الدنس الجزائر يحمل السيف و الصليب ، ذاك للتمكن و هذا للتمكين و قال : احتلال فرنسا للجزائر كان حلقة من الصليبية الأولى و لا غرابة في ذلك
و الدليل:
1– / بناء الكنائس
2/ تخريب المساجد و هدمها
3/ تحويل بعض المساجد إلى كنائس ،
لقد شيدت فرنسا كنيسة كبيرة تطل على البحر المعروفة باسم ( السيدة الإفريقية ) و حولت مسجد كتشاوة إلى كنيسة و بارك البابا هذا العمل ، قال الإبراهيمي : حولت بعض المساجد الكبرى كنائس و عمرتها برجال الكنيسة المسيحيين ... و ناهيك بمسجد كتشاوة العظيم الذي صيرته كاتدرائية عظمى في العاصمة .
4/ – تشجيع نابليون الثالث النشاط النصراني و تعيينه الكردينال لافيجري رئيسا للنصارى في الجزائر ، فنشط وسط الفقراء و الأطفال و النساء ، و بلغت جهوده أصقاع الصحراء .
و في برنامجه التنصيري) : علينا أن نجعل من الأرض الجزائرية مهدا لدولة عظيمة مسيحية أعني بذلك فرنسا أخرى يسودها الإنجيل دينا و عقيدة (.
5/ – تكوين لا فيجري فرقة الآباء و الأخوات البيض ( péres blancs ) لتنصير الجزائريين ، و كان نشاطها يرتكز على التعليم و التطبيب و الخدمات الاجتماعية .
6/ – تخريب المدارس العربية الإسلامية .
7/- استقدام عدد كبير من الرهبان و المعلمين و الأطباء ، فالراهب ينشر النصرانية و يشكك المسلمين في عقيدتهم ، و المعلم يفسد العقول و يبعد الأمة عن لغتها و يشوه التاريخ و يزهد في الدين ، و الطبيب يداوي علة بعلل ، و يقتل جرثومة بجراثيم
/8- محاربة اللغة العربية ، لأنها لغة القرآن و لسان الأمة ، يقول مصطفى صادق الرافعي : و لغة الأمة هي الهدف الأول للمستعمرين ، فلن يتحول الشعب أول ما يتحول إلا من لغته ....
و قال الحاكم الفرنسي للجزائر في الاحتفال بمرور مائة سنة على الاحتلال : إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ، و يتكلمون بالعربية ، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ، و نقتلع اللسان العربي من ألسنتهم (…..
9/- محاربة الوحدة الإسلامية التي تجمع بين العرب و البربر ، فزرع الاستعمار الخلاف و الشقاق بينهم و شحن أدمغة البربر بأنهم هم الأصليون في هذه الأرض ، و أن العرب ظلموهم و غصبوهم أرضهم.
هذه بعض الأدلة التي تجعلنا موقنين بأن احتلال الجزائر – كما يقول الإبراهيمي - : " إنما هو قرن من الصليبية نجم ، لا جيش من الفرنسيين هجم .
و لا أدل على هذا من تصريح قادته و اعترافهم – و الاعتراف سيد الأدلة - ، قال خطيب في الاحتفال بمرور مائة سنة من احتلال الجزائر : " ليس الداعي الأكبر لهذه المهرجانات هو الاحتفال بمرور مائة سنة على احتلالنا للجزائر ... و لكن الباعث الأعظم على هذا هو أننا دعوناكم لتمشوا معنا في جنازة الإسلام