منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#50402
تصاعد الخلاف السعودي القطري في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق, حتى وصل حد التهديد بقطع العلاقات, وبروز مخاوف من انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي, بسبب هذا الخلاف, الذي تأجج بعد برامج أذاعتها قناة الجزيرة/الفضائية القطرية, اعتبرتها الرياض تتضمن إهانات لها، وكذلك بسبب علاقات قطر بالدولة العبرية, التي تعتبرها السعودية خرقا للإجماع العربي.

فقد رأت السعودية أن موقف قطر من تل أبيب يقلل من شأن الجهود التي تبذلها السعودية لإنهاء المشكلة الفلسطينية. وانتقدت الرياض لقاء وزير الخارجية القطري بوزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز في السابع والعشرين من شهر تموز (يوليو) الماضي.

وقد انتقدت الصحافة السعودية بشدة وزير خارجية قطر, ووصفته بأنه "(..) الذي يحاول أن يجعل لبلاده قيمة". وقالت إنه يسعى لـ"دخول التاريخ ولكن من الباب الخطأ"!, كما اتهمته بتحويل الدوحة إلى قاعدة للاستخبارات الإسرائيلية, للتجسس على دول الخليج!؟.

وأشهرت قطر بالمقابل سلاح قناة الجزيرة، إذ قامت الفضائية المثيرة للكثير من الجدل بعرض فيلم وثائقي عن مؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود, اعتبرته الرياض فيلما مهينا. ثم عرضت القناة برامج حوارية لمنشقين سعوديين متعاطفين مع أسامة بن لادن هاجموا فيه العائلة الحاكمة السعودية.

وقد شهدت الأسابيع الماضية تدهورا في العلاقات بين البلدين إلى درجة أن الرياض أحجمت عن توجيه دعوة إلى وزير خارجية قطر, حين أعلن الشيخ حمد بن جاسم أنه يرغب في زيارة الرياض, لإعادة المياه إلى مجاريها، كما تحاشى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل زيارة قطر, في جولته الأخيرة في دول الخليج.

ومع أن قطر هوّنت من شأن الخلاف مع السعودية, وقالت إنه "مجرد سوء فهم", لن يؤثر على العلاقات الثنائية, وسيحل وديا في وقت قريب، فقد تردد أن السعودية ربما تقاطع القمة السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي المقرر أن تستضيفها قطر هذا العام.

ويرجع الخبراء جذور "التنافس" السعودي القطري إلى عام 1995 عندما تولى الأمير الشاب حمد بن خليفة آل الثاني إمارة قطر, بدلا من أبيه الشيخ خليفة بن حمد، ليبدأ مرحلة جديدة, كان من الواضح أنها تتضمن إخراج قطر, إذا جاز التعبير, من تحت عباءة الجارة المهيمنه السعودية, وتحويلها إلى قوة مهمة في الخليج.

ولأن الإمارة الصغيرة, التي لا تتجاوز مساحتها 11 ألف كيلومتر مربع, وعدد سكانها 600 ألف نسمة، ثلثهم فقط من القطريين, كانت تريد الوثوب بسرعة لأعلى القمم في الخليج, فقد اعتمدت سياسة إعلامية مفتوحة, لتصبح مركز إعلاميا يستفيد من كل وسائل تكنولوجيا الفضائيات والانترنيت, وكانت الحصيلة الأبرز لهذه السياسة قناة الجزيرة التي تفوقت على مختلف القنوات الفضائية العربية.

أما النقطة الأخرى الحساسة, التي بدأت قطر "تنافس" فيها السعودية, فكانت "التنافس" حول استضافة "الوجود العسكري الأمريكي" في الخليج, خصوصا مع تصاعد الرفض الشعبي الخليجي, في السعودية لوجود القوات الأمريكية في جزيرة العرب, وظهور مواقف سعودية غير رسمية, تتحدث عن رغبة المملكة في رحيل القوات الأمريكية عن أراضيها.

ويرى خبراء في الشؤون الخليجية أن السبب الظاهر للخلاف بين البلدين هو ما تبثه قناة الجزيرة عن المملكة السعودية, وتعمد نقلها لآراء بعض الساسة والصحافيين الأمريكان بشأن ما سمي "الفساد" و"الصراع على السلطة" في المملكة العتيدة, مع ما تحمله هذه البرامج من آراء تبدو أشبه بالإهانات لأعضاء في الأسرة السعودية الحاكمة، لكن السبب الحقيقي للخلاف, في ما يرى الخبراء, هو "الوجود الأجنبي" في الخليج.

ويذهب أولئك الخبراء إلى أن قطر, بسبب محدودية حجمها وقوتها, تحتاج إلى حماية القوات الأمريكية. وسبق للدوحة أن أعلنت ذلك بوضوح على لسان وزير خارجيتها. كما أن هذا الارتباط الوثيق بأقوى دولة في العالم يوفر لقطر فرصة لتقوية موقعها المستقبلي, ونفوذها في المنطقة, خصوصا أنها الأقل حجما وسكانا بين دول الخليج.

ويرى القطريون أن دورهم سيتعاظم في المنطقة بالنظر إلى الحملة الأمريكية الحالية علي العراق, وما سينتج عنها، وبالنظر إلى النوايا الأمريكية العدائية المعلنة ضد الحكم السعودي, خصوصا بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر), وهما أكبر دولتين يمكن أن تقودا الخليج وتحولا دون دور قطري بارز في المنطقة. ويستشهد الخبراء لتدعيم رأيهم في هذا الصدد بما نشرته مجلة " Energy Compas" اللندنية يوم 6 آب (أغسطس) 2002 عن "موقع قطر المستقبلي في الاستراتيجية الأميركية بالمنطقة بعد ضرب العراق؟".

لكن ذلك لا يعني ضرورة أن ضرب العراق سيكون لصالح قطر, وذلك أن الأمريكيين لا يحتاجون للدوحة الآن سوى بغرض استخدام قواعدهم العسكرية على أرضها, وأشهرها قاعدة "العديد".وإذا تحققت لهم الهيمنة على الخليج, بإزاحة الرئيس العراقي صدام حسين, فقد لا يحتاج الأمريكيون للقطريين إلا باعتبار بلادهم مخزنا للسلاح.

قاعدة العديد.. مركز الثقل الأمريكي

والملفت ضمن هذا السياق أن قاعدة العديد التي تضم 3000 جندي أميركي في توسع مستمر, منذ بدء الحملة على أفغانستان. وقد وردت تقارير غير مؤكدة في الصحف الغربية, مفادها إنفاق قطر 400 مليون دولار لتحديث القاعدة, لتستوعب 50 طائرة حربية, وعدة آلاف من الجنود, ومركز قيادة وتحكم ودبابات عملاقة, بهدف ضمان بقاء قاعدة عسكرية أميركية دائمة لتحمي هذه الدولة الصغيرة والغنية ضد جاراتها من الدول الكبيرة والأقل ثراء.

وتحدثت التقارير عن قيام أميركا بسحب معداتها من مركز التحكم في قاعدة سلطان الجوية في السعودية إلى قطر. وقد بثت شبكة (سي. إن. إن) الأميركية يوم الثاني من آب (أغسطس) الجاري تقريرا قالت فيه إن صور الأقمار الصناعية الحديثة لقاعدة العديد الجوية, قد أظهرت أن الحكومة القطرية بالتعاون مع الولايات المتحدة قامتا بعمل توسعات كبيرة للقاعدة, خلال الأشهر الأخيرة.

والصور التقطتها شركة أميركية متخصصة في التصوير الفضائي ومقرها دنفر كلورادو, وقد قامت بنشرها على موقع إلكتروني, بعد مقارنتها بالصور المشابهة في شهر كانون ثاني (يناير) الماضي. ووفقا للموقع الإلكتروني الذي نشرت به الصور الجديدة فإن التصــوير الحديث للقاعدة يظهر منطقة مساحتها 18 فدانا لإيواء الطـــائرات, بالإضافة إلي مخابئ محصنة, تكفي لاستيعاب 40 طائرة حربية.

وكانت الولايات المتحدة قد خفضت من تواجدها العسكري في قاعدة الأمير سلطان بالمملكة العربية السعودية, وقامت بنقل جزء من معداتها لقاعدة العديد القطرية في آذار (مارس) الماضي. وقد نفت القيادة المركزية الأميركية في بيان لها, نشر على الموقع ذاته, أن تكون التوسعات الحالية دليل على هجوم وشيك تنوي الولايات المتحدة القيام به تجاه العراق.

ولكن البيان العسكري الأمريكي لفت الأنظار لمعلومة هامة, وهي أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وقطر يسمح بقدر أكبر من العمليات العسكرية, بالقياس لما كان عليه الأمر مع السعودية. إذ كانت القواعد المعمول بها في السعودية تمنع الطيران الأميركي من شن أي هجمات, وتسمح باستخدام القوة في حالة الدفاع عن النفس فقط, بعكس الحالة مع قواعد قطر, التي من الواضح أنها تعطي الأمريكان حق شن هجمات في أي وقت.

وقالت صحيفة "الوطن" السعودية الصادرة يوم 6 آب (أغسطس) 2002, ضمن تقرير مطول بعنوان "أميركا تأمر بنقل قيادة الجيش الثالث إلي الكويت وتجهيز قاعدة العديد القطرية بمخابئ ومركز تحكم متطور", إن تقارير أميركية كشفت أن القادة العسكريين يهيئون الأرضية لضرب العراق خلال كانون ثاني (يناير) أو شباط (فبراير) المقبلين, وأن قيادة الجيش الثالث انتقلت من ولاية جورجيا إلى الكويت، وهذا الجيش هو العمود الفقري لأي قوة هجومية أميركية.

وأضافت الصحيفة أنه تم نقل معدات اتصال, ومن ضمنها مركز عـمليات متطور إلى قطر، وتعزيز القوات الأميركية الموجودة في قاعدة (العديد) القطرية, وتجهيزها بمخابئ للطائرات الحربية، علماً أن هذه القاعدة تتضمن أطول مدرج للطيران في المنطقة, ويبلغ 15000 قدم, ويستطيع استيعاب أكبر طائرات نقل للقوات الجوية, التي ستنقل أي شيء من العتاد العسكري.

السعودية دولة معادية!

والملفت أن التحسن في العلاقات الأمريكية القطرية، قد قابله توتر في علاقات السعودية مع كل من أمريكا وقطر. وكانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد أوردت في عددها الصادر يوم 6 آب (أغسطس) 2002 تحت عنوان "تقرير يصور السعوديين بأنهم أعداء ويحث البنتاجون على توجيه إنذار لـــهم", أن تقريرا قُدم إلى اللجنة الاستشارية في البنتاجون, وصف السعودية بأنها "عدو للولايات المتحدة". وأوصى التقرير المسؤولين الأميركيين أن يوجهوا إنذارا لها (السعودية) للكف عن دعم الإرهاب, أو مواجهة العقوبات, بالاستيلاء على حقول النفط وأموالها المستثمرة في الولايات المتحدة!.

ووفقا للصحيفة الأمريكية، فقد قدم هذا التقرير في العاشر من شهر تموز (يوليو) الماضي إلى لجنة السياسة الدفاعية, وهي مجموعة من المفكرين والسياسيين السابقين, مهمتها إسداء النصيحة إلى البنتاغون, بشأن السياسة الدفاعية. وبالرغم من أن التقرير لا يمثل السياسة الرسمية للدولة الأمريكية، إلا أنه يمثل اتجاها متناميا في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش, وخاصة بين العاملين مع نائب الرئيس ديك تشيني وقادة البنتاجون وغيرهم من المفكرين والكتاب المتحالفين مع واضعي السياسة الأمريكية.

ويذهب التقرير الأمريكي إلى أن تغيير النظام في العراق سيؤدي إلى تغيير في السعودية, التي يرى التقرير أنها تمثل مشكلة أكبر من مشكلة العراق, بسبب دورها كممول وداعم للحركات الإسلامية المتطرفة. ومع أن الناطقة الرسمية باسم البنتاغون فكتوريا كلارك قالت إن كل التعليقات التي وردت في التقرير لا تمثل آراء وزارة الدفاع الأمريكية, وأن السعودية "صديق قديم وحليف للولايات المتحدة"، فلم يمنع ذلك العديد من الصحف الأمريكية من نقل تقارير أخرى عديدة تدور حول كراهية الإدارة الأمريكية للسعودية, ونيتها الانقلاب عليها, فور ضرب العراق, وخلو الطريق نسبيا أمامها.

ويذهب المراقبون إلى أن واشنطن تلعب على وتر الخلاف بين الشقيقتين قطر والسعودية, وتستغل حاجة كل منهما للأمن في تأجيج الخلافات بينهما. وبينما توعز للقطريين بنيتها الاعتماد كليا عليهم, ونقل قواعدها إليهم, مقابل حمايتهم, وإعطائهم دورا أكبر في الخليج، تؤكد للسعوديين أنهم لا يزالون حلفاء, ولكن قطر تعرض عليهم خدمات لوجيستية وعسكرية أكثر وأوسع وأكبر وبثمن أقل, وذلك كنوع من الابتزاز الواضح, الذي تعززه صحف أمريكا والكونجرس بالهجوم على السعودية, واتهامها بالإرهاب, في مقابل امتداح قطر ومواقفها الإيجابية من الدولة العبرية.

ويؤكد المراقبون أن واشنطن منزعجة بالفعل من تنامي العداء لها في الخليج عموما، ولكنها تعتبر قطر أقل عداء, وأن الأوضاع فيها أقل انفجارا ضدها من السعودية, التي شهدت أكثر من عملية تفجير ضد المنشآت العسكرية الأمريكية, أبرزها انفجار "الخبر" الشهير, الذي قتل فيه 19 أمريكيا.

وفي الواقع فإنه ليس ثمة شك لدى معظم المراقبين من أن واشنطن قد نقلت جزء كبير جداًمن عتادها الحربي إلى قطر، ولكن الحقيقة أن واشنطن لا تستطيع أن تستغني على السعودية بسهولة, لأسباب عديدة تتعلق بمصالحها البترولية, وأهمية ورمزية المكان بالنسبة لنحو مليار ونصف المليار مسلم .