منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

By عبدالمجيد المضيان 0
#50467
بداية حياته
ولد سليمان في طرابزون الواقعة على سواحل البحر الأسود يوم 6 نوفمبر 1494 لوالدته عايشه حفصة سلطان أو حفصة حاتون سلطان التي ماتت في 1534. حينما بلغ سبع سنوات، ذهب ليدرس العلوم والتاريخ والأدب والفقه والتكتيكات العسكرية في مدارس الباب العالي في القسطنطينية. استصحب في طفولته إبراهيم وهو عبد سيعينه لاحقاً صدراً أعظماً في المستقبل . تولى سليمان الشاب وعمره سبعة عشر سنة منصب والي فيودوسيا ثم ساروخان (مانيسا) ولفترة قصيرة أدرنة بعد وفاة والده سليم الأول (1465-1520)، دخل سليمان القسطنطنية وتولى الحكم كعاشر السلاطين العثمنيين. يقدم مبعوث جمهورية البندقية، بارتلوميو كونتاريني، أقدم وصف للسلطان بعد أسابيع من توليه الحكم فيقول:يبلغ من العمر الخمسة والعشرين، طويل ونحيف، وبشرته حساسة. عنقه طويل قليلا، وجهه رقيق ومعقوف الأنف. شارباه متدليان ولحيته قصيرة ومع ذلك له طلعة لطيفة مع بشرة تميل إلى الشحوبة. يقال أنه حكيم ومولع بالدراسة والتعلم وكل الرجال يأملون الخير من حكمه وله عمامة كبيرة للغاية[8]. يعتقد بعض المؤرخين أن سليمان الشاب كان يكن التقدير للإسكندر الأكبرحيث تأثر برؤية ألكسندر لبناء إمبراطورية عالمية من شأنها أن تشمل الشرق والغرب، وهذا خلق دافعا لحملاته العسكرية لاحقة في آسيا وأفريقيا، وكذلك في أوروبا.
توليه مقاليد السلطة
تولى السلطان سليمان القانوني بعد موت والده السلطان سليم الأول في 9 شوال 926هـ - 22 سبتمبر 1520م، وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها، وكان يستهل خطاباته بالآية الكريمة {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة.
في الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سن السلطان الذي كان في السادسة والعشرين من عمره فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القوية التي لا تلين، فقضى على تمرد "جان بردي الغزالي" في الشام، و"أحمد باشا" في مصر، و"قلندر جلبي" في منطقتي قونيه ومرعش الذي كان شيعيًا جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة.
الحلف مع فرنسا
كان العداء متبادلا بين ملك فرنسا فرنسوا الأول وشارل الخامس (أو شارلكان) ملك إسبانيا وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة فكان شارل الخامس بموجب ذلك يحكم أجزاءا شاسعة من أوروبا بما فيها ألمانيا وهولاندا والنمسا والمجر وغيرها، ولأن الملك الفرنسي لم يكن يملك القوة الكافية لمنازلة غريمه ومنازعته على لقب الإمبراطور، حاول التقرب من الدولة العثمانية
وحدث أن ذهب وفد فرنسي إلى سليمان القانوني يطلب منه مهاجمة بلاد المجر في سبيل تشتيت جيوش شارلكان وإضعافها، واكتفى السلطان بكتاب من طرفه يعد فيه بالمساعدة وكان يريد الاستفادة من هذه الفرصة من أجل تسديد ضرباته لمملكة النمسا وتشديد الخناق على دول أوروبا، ومما يجدر الإشارة إليه أن استعانة فرنسا بما لها من قوة وثقل كاثوليكي مسيحي في أوروبا آنذاك بالدولة العثمانية المسلمة يعطي المطلع فكرة عما وصل إليه العثمانيون من قوة وصيت وعالمية في ذلك الزمان.
لقد أثمر هذا الحلف بين الدولتين في إضعاف ممالك شارل الخامس والجمهوريات الإيطالية، فعلى الرغم أن الفرنسيين لم يستطيعوا الانتصار على الإسبان في الغرب إلا أن شارلكان خسر أراض عديدة من أوروبا الشرقية، كما قامت القوات البحرية العثمانية-الفرنسية بقيادة خير الدين بربروس باستعادة مدينة نيس وجزيرة كورسيكا لصالح الفرنسيين كما انتصرت الأساطيل العثمانية على البحرية الإسبانية والإيطالية في مواقع عديدة.
أراد الحلف الفرنسي العثماني غزو إيطاليا بسبب ثراء المدن الإيطالية وازدهار ثقافاتها بالإضافة إلى وجود مقر البابا قائد المسيحية في روما، وبالفعل توجه سليمان الأول بمئة ألف جندي لمهاجمة إيطاليا من الشرق، وهبط خير الدين بربروس من جهة الجنوب في ميناء أوترانة الايطالي، كما تقدم الفرنسيون من جهة الغرب الإيطالي، وكان الهدف من هذا هو هجوم واحد وكبير من ثلاثة جهات، إلا أن توجس الملك الفرنسي من أن يتهم بالردة عن المسيحية من قبل العامة ورجال الدين (لتعاونه عسكريا مع دولة مسلمة) جعله يعلق عملياته العسكرية ويكتفي بمهادنة شارلكان، ولو أن الحملة العسكرية المشتركة تمت كما خطط لها لغدت إيطاليا بكاملها ولاية عثمانية.
تطوير البحرية العثمانية
كانت البحرية العثمانية قد نمت نموًا كبيرًا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني، وأصبحت مسؤولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة، وفي عهد سليمان ازدادت قوة البحرية على نحو لم تشهده من قبل بانضمام "خير الدين برباروسا"، وكان يقود أسطولاً قويًا يهاجم به سواحل إسبانيا والسفن الصليبية في البحر المتوسط، وبعد انضمامه إلى الدولة منحه السلطان لقب "قبودان".
وقد قام خير الدين -بفضل المساعدات التي كان يتلقاها من السلطان سليمان القانوني- بضرب السواحل الإسبانية، وإنقاذ آلاف من المسلمين في إسبانيا، فقام في سنة 935هـ - 1529م بسبع رحلات إلى السواحل الإسبانية لنقل سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الإسبانية
وقد وكل السلطان إلى خير الدين قيادة الحملات البحرية في غرب البحر المتوسط، وحاولت إسبانيا أن تقضي على أسطوله، لكنها تخفق في كل مرة وتتكبد خسائر فادحة، ولعل أقسى هزائمها كانت معركة بروزة سنة 945هـ - 1538م.
وقد انضم أسطول خير الدين إلى الأسطول الفرنسي في حربه مع الهابسيورج، وساعد الفرنسيين في استعادة مدينة نيس 950هـ - 1543م بالإضافة إلى جزيرة كورسيكا.
واتسع نطاق عمل الأسطول العثماني فشمل البحر الأحمر، حيث استولى العثمانيون على سواكن ومصوع، وأخرج البرتغاليين من مياه البحر الأحمر، واستولى العثمانيون على سواحل الحبشة؛ مما أدى إلى انتعاش حركة التجارة بين آسيا والغرب عن طريق البلاد الإسلامية[.
مكائد زوجته روكسلان وابنها
أرادت إحدى زوجات السلطان المعروفة باسم روكسلان الروسية في المراجع الغربية أو خرم (بتشديد وكسر الراء) في المراجع التركية تمهيد الطريق لابنها سليم ليتولى ميراث أبيه فيما بعد، فاشتغلت بالدسائس وساعدها الصدر الأعظم رستم باشا على ذلك، فانتهز الأخير فرصة سفر ابن السلطان مصطفى في إحدى الحملات العسكرية إلى بلاد فارس وكاتب سليمان الأول يخبره أن ابنه يريد أن يثور عليه كما ثار أبوه(سليم الأول) على جده بايزيد الثاني، فانطلت الحيلة على الخليفة الذي سافر من فوره إلى معسكر الجيش في بلاد فارس متظاهرا بقيادة الجيش بنفسه، واستدعى ابنه إلى خيمته وقتله فور دخوله إياها، وكان للسلطان سليمان ابن آخر يدعى جهانكير توفي أيضا بعد مقتل أخيه مصطفى بقليل من شدة الحزن
وبعد وفاة روكسلان الروسية، قام إبنها سليم بالكيد لبايزيد ابن السلطان سليمان المتبقي وأخوه من زوجة ثانية، وتمكن من استئجار مربي بايزيد ليسرب له معلومات كاذبة مفادها أن والده الخليفة كان ينوي استخلاف سليم الأصغر سنا على ملك آل عثمان، وجرت مراسلات بين الأخوين تمكن فيها سليم من إثارة غضب بايزيد، وقام الأخير بمس كرامة أبيهما ببعض العبارات في إحدى المراسلات، فأرسل سليم الكتاب إلى الخليفة سليمان الذي غضب غضبا شديدا وكتب إلى بايزيد يوبخه ويأمره بالانتقال من إمارته في قونية إلى مدينة أماسيا، فخشي بايزيد غدر أبيه فجمع قرابة عشرين ألفا من الجنود وآثر التمرد على أبيه[، إلا أن نار التمرد أخمدت على يدي جيش الوزير صقللي محمد باشا، وإلتجأ بايزيد مع أبنائه إلى جوار طهماسب شاه فارس، ولكن طهماسب غدر في الابن المسكين وسلمه إلى أبيه بعد أن أظهر له المودة وقبل أن يجيره، وقتل رسل السلطان بايزيد مع أبنائه الأربعة
التطور الحضاري
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة، وبخاصة في دمشق ومكة وبغداد، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة.
اعماله
قام سليمان القانوني بالعديد من أعمال التشييد، ففي عصره بنى مدينة السليمانية بالعراق العجمي على انقاض قرية قديمة. كما بنى جامع السليمانية الذي بناه المعماري سنان، والتكية السليمانية في دمشق، كما قام بحملة معمارية في القدس من ضمنها ترميم سور القدس الحالي. كما عرف بسنّه قوانين لتنظيم شؤون الدولة عرفت باسم "قانون نامه سلطان سليمان" أي دستور السلطان سليمان، وظلت هذه القوانين تطبق حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وكان ذلك مصدر تلقيبه بالقانوني. ولقد سماه الفرنجه بسليمان العظيم. ويعرف أيضا بلقب سليمان المشرع.