- الأربعاء يوليو 11, 2012 6:22 am
#52406
شيماء أحمد منير
ثمة علاقة محتملة بين التفجيرات التي حاولت استهداف سفارات إسرائيل في كل من بانكوك والهند وجورجيا، وبين واقعة اعتقال السلطات الأميركية لمهاجر مغربي بتهمة محاولة القيام بتفجير في الكونغرس، يعتقد أنه موجهاً من قبل تنظيم القاعدة. فضلاً عن المعلومات التي تناولتها صحفاً بريطانية نقلاً عن مصادر مخابراتية بشأن تحالف إيران مع تنظيم القاعدة من أجل التخطيط لشن عملية إرهابية جديدة شبيهة بهجمات 11 سبتمبر 2001 ، وتعد بريطانيا على رأس لائحة أهدافهما. وتزامن ذلك مع تحذير وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من أن سعي إيران للحصول على "أسلحة دمار شامل" من شأنه أن يُشعل فتيل "حرب باردة جديدة" تحمل في طياتها نُذُر صراع نووي أكبر من المواجهة التي كانت سائدة بين الاتحاد السوفيتي والغرب في وقت سابق.
و في ضوء ما سبق يمكن الاستدلال على التلاحق الزمني لتلك الأحداث بأنها تندرج ضمن فعاليات الحرب السرية التي تخوضها كل من إسرائيل وأمريكا فضلا عن بريطانيا ضد إيران من أجل تطويق قدراتها النووية؛ من خلال إلحاق تهم الإرهاب إليها كورقة ضغط في إطار الحرب النفسية التي تستهدفها، و إثبات أنه ليست فقط إسرائيل المستهدفة من الإرهاب الإيراني المزعوم بل الأسرة الدولية برمتها، من خلال إلحاق تهم خاصة بعلاقتها بتنظيم القاعدة يبرر القلق الدولي من أن تلك القدرات النووية سوف توظف لصالح عمليات إرهابية ضد المصالح الغربية وفى مقدمتهم الدول الثلاث سالفة الذكر. وتأكيداً على ذلك قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على وزارة الاستخبارات الإيرانية بعد اتهامها بدعم تنظيم القاعدة والنظام السوري؛ ودعت الأوروبيين إلى استبعاد طهران من هيئة (سويفت) المالية، وهي هيئة تعاونية دولية تتيح وفق موقعها الالكتروني لأكثر من 9700 مؤسسة مالية إبرام الصفقات المالية بسرعة. وتشرف على هذه الهيئة مباشرة عشرة مصارف مركزية بينها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي. والتي تستفيد منها المصارف الإيرانية التي تتهمها الولايات المتحدة بالمساهمة في البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من أن حرمان إيران من خدمات سويفت يمكن أن يؤدى إلى منعها من الحصول على سيولة مالية لكنه يمكن أن يسبب في الوقت نفسه صدمة للنظام المالي العالمي في الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن أزمة الديون في منطقة اليورو.
أما بالنسبة لإسرائيل فسرعان ما قامت بتوظيف تلك الاعتداءات في إطار حملتها السياسية على إيران، حيث تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين تل أبيب وطهران. ومن ثم يجب عدم اعتبار تلك الردود والتحركات من جانب الدول الثلاث بشأن إيران بأنها أمراً واقعاً ومسلماً به، حيث أن لتلك الحرب السرية إستراتيجية وتحركات محسوبة، أثبتت إسرائيل تفوقها على إيران وتحالفها الشيعي، والتي جاءت كبديل ممكن للمواجهة العسكرية المباشرة بين الدولتين نتيجة لـ"توازن الرعب" الذي صار يقينا داخل الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي. وقد نتج عن ذلك إدراكاً إسرائيلياً بأن تعطيل المشروع النووي الإيراني وليس خوض مواجهة عسكرية مباشرة سوف يحقق لإسرائيل أهدافها المنشودة، بحيث تكون خسائرها في أضيق الحدود، وذلك يتطلب تفعيل أدوات الحرب الاستخبارية والتي تتضمن حملة اغتيالات لعلماء إيرانيين على صلة بالبرنامج النووي، وقصف وهجمات إلكترونية سرية بهدف تصفية كوادرها النووية وتخريب برنامجها النووي . وقد كان اختيار أمير إيشيل قائدا للسلاح الجو الاسرائيلى، وهو من ترشيح رئيس الأركان بينى غانتس له دلالة هامة لميوله الرافضة لضرب إيران، خير دليلاً على تفضيل خوض تلك الحرب السرية، مع تكثيف نوعية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها حتى تكون موجعة ومؤثرة. وكان من أبرز التحركات المخابراتية الإسرائيلية حادث الانفجار الذي استهدف منشأة للصواريخ طويلة المدى قرب طهران، والذي أسفر عن مقتل أحد مؤسسي برنامج إيران الصاروخي وهو اللواء حسن مقدم و16 من الضباط. فضلاً عن حادث اغتيال الأستاذ الجامعي مصطفي أحمدي روشن والذي يعمل في منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم.
وقد كان رد الفعل الإيراني على تلك الحرب السرية محدودا وكان من بينه نجاح إيران في إسقاط طائرة التجسس الأمريكية التي تعمل بدون طيار، من طراز 071-QR، حيث يعد السيطرة الإيرانية عليها دون إلحاق أضراراً بالغة بها إنجازاً استخباراتياً للإيرانيين، ثم سقوط العميل الأمريكي يوم 18/12/ 2011 الذي قيل أنه عنصر في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) كانت مهمته اختراق وزارة الاستخبارات الإيرانية. وقد التزم الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه تلك الاغتيالات بعدم التأكيد أو النفي على الرغم من بعض التصريحات الضمنية التي عبرت عن حالة من الرضا تجاه تلك الأحداث، وذلك على عكس موقف وسائل الإعلام الإسرائيلية التي رأت أن تلك الحوادث تجسيدا للحرب الإسرائيلية على إيران. وفى الوقت نفسه نفت واشنطن على لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية مسئوليته بلادها عن ضلوع بلادها في تلك الحرب السرية الموجهة ضد إيران.
ومن ثم هل يمكن القول أن الاعتداءات الأخيرة على السفارات الإسرائيلية جاءت كرد فعل من إيران لردع إسرائيل عن مواصلة تلك الحرب السرية ضد برنامجها النووي؟ فإن الإجابة على ذلك التساؤل يتطلب الوقوف عند احتمالين، أولهما افتراض صحة الاتهامات الإسرائيلية التي جاءت بعد دقائق فقط من وقوع التفجيرات على لسان رئيس الحكومة، وفى تلك الحالة فإنه يوجد إخفاقات متبادلة من جانب كل من إيران وحزب الله - الذي قيل أنه أراد أن ينتقم من مقتل القائد عماد مغنية خاصة وأن تلك الحوادث جاءت في الذكرى السنوية لمقتله في 12 فبراير من عام 2008، أي قبل أربع سنوات - في إلحاق أضراراً بالمصالح الإسرائيلية تعادل الخسائر التي لحقت يهما. بما يعنى فشل إيران في إدارتها لتلك الحرب السرية. إلا أنه يوجد أراء ترى أن محدودية الأهداف كانت مقصودة من قبل إيران وحزب الله، ويراد بها مجرد إنذار إسرائيل لردعها عن عمليات الاغتيال التي تستهدف علمائها وإنذارها بأن القادم سوف يكون أشد وأخطر، وربما يكون مماثلا لما حدث في تفجير مبنى الجالية اليهودية في بيونس آيرس في عام 1994 ، والذي قتل فيه خمسة وثمانون شخصا، فضلا عن الهجوم على سفارة إسرائيل في تلك المدينة قبل ذلك بعامين وأودى بحياة أكثر من عشرين شخصاً. فضلا عن كونها إنذاراً لردع الغرب عن توجيه ضربة عسكرية ضد منشئاتها النووية من خلال الإظهار للعالم بأن تنظيمها الشيعي ومنظماته المتحالفة مع إيران عبر العالم لديها القدرة على إصابة أهدافاً عديدة ليست فقط ضد إسرائيل بل ضد المصالح الأمريكية والأوروبية. أما بالنسبة لإسرائيل وفقاً لذلك الاحتمال فقد أخفقت هي الأخرى في ردع تلك الاعتداءات بما يعد بمثابة قصوراًُ في عمل الاستخبارات الإسرائيلية المتمثلة بالشاباك والموساد وأمان (شعبة الاستخبارات) .
ومن ثم فإذا افترضنا تورط إيران وحزب الله في تلك الأعمال، فهل يمكن اعتبارها بمثابة خطوة هامة يمكن أن تساهم في ردع إسرائيل عن مواصلة اغتيال العلماء الإيرانيين، أم أنها ستعطى لإسرائيل مبرراً لمواصلة إعتداءتها بذريعة ردع الإرهاب الإيراني؟.
أما الاحتمال الأخر، فإنه يشير إلى أن تلك العمليات التي لم تلحق بإسرائيل إلا أضراراً طفيفة تعد هي المستفيد الوحيد منها، وتشبه حادث محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، والتي أعتبرها الكثيرين من المحللين بمثابة محاولة أمريكية لتضيق الخناق على إيران من جانب دول الخليج وفى مقدمتهم السعودية، واتهامها بدعم الإرهاب. ومن بين المؤشرات التي ترجح من احتمال ضلوع أجهزة المخابرات الإسرائيلية في تلك العمليات، فمن ناحية وقعت تلك الاعتداءات في بلدان ذات علاقات جيدة بإيران، وهى في أمس الحاجة لتوطيد علاقتها بها، خاصة مع الضغوط الاقتصادية التي تواجهها من أثر العقوبات المفروضة عليها. فبالنسبة للهند تعد العلاقات التجارية معها ركيزة حيوية تدعم الجبهة الداخلية الاقتصادية لإيران، خاصة مع تصاعد العقوبات المفروضة عليها؛ حيث تعد الهند مستوردة النفط الإيراني الأكبر في العالم. ومن ثم لا يعقل أن تفتح إيران أبواب عداوة مع تلك الدولة في ذلك التوقيت، وبالطبع سيصب ذلك في مصالح إسرائيل التي تريد عزل إيران دوليا، وقد أشارت بشكل ضمني إلى ذلك صحيفة "جيروزالم بوست" بأن "إسرائيل ستحاول استغلال موجة الهجمات تلك لمصلحتها، وخاصة للحصول على الدعم الدولي ضد البرنامج النووي الإيراني".
وطالما لغة الاحتمالات هي المتاحة في ظل الغموض الذي يحيط بتلك الحرب السرية المحتدمة بين الجانبين، فإنه يمكن القول أنه ربما أرادت إسرائيل من تلك الحوادث المتفرقة غير الموجعة لمصالحها تحقيق مأرب عدة فمن ناحية توتير تلك العلاقات ما بين تلك الدول وإيران ومن ناحية أخرى الاستفادة منها داخلياً لزيادة الذرائع الأمنية التي يستطيع من خلالها الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف أن يتحايل ويضلل الشعب الإسرائيلي من أجل توطيد ركائز ذلك الائتلاف المستند على الفزاعة الأمنية ومن ثم عدم الالتزام بتطبيق توصيات لجنة تراختبرغ لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي عمت أرجاء إسرائيل في صيف العام الماضي، خاصة مع وجود مخاوف من تجددها نظراً لاستمرار الأسباب التي أدت لإندلاعها دون معالجة جذرية لها، والاكتفاء بوضع المسكنات والحلول الشكلية لمشاكل متأزمة في البلاد. كما أنه يمكن اعتبار تلك الاعتداءات بمثابة ضربة استباقية من جانب إسرائيل لردع ضربة كانت متوقعة وعلى وشك الحدوث أدركتها المخابرات الإسرائيلية من جانب إيران كانت تستهدف أهدافاً إسرائيلياً ربما تكون أكثر دقة مما حدث في تلك البلدان. وقد سبق وحذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال "بيني غانتس" قبل حدوث تلك العمليات بشهر حزب الله من اختبار قدرة "إسرائيل" بارتكاب هجوم ضد أهداف إسرائيلية في الخارج.
كما أن إيران ليست من السذاجة التي تجند أشخاصاً يحملون أوراقا رسمية تثبت تورطهم في تلك الأحداث، فلدى إيران الكثير من العملاء من جنسيات أخرى، كما أنه ليس عجيباً ًأن يكون هناك إيرانيين عملاء للمخابرات الإسرائيلية. كما أن الاتهام المزدوج لكل من حزب الله وإيران له دلالاته وهو التأكيد على أن تطويق برنامج إيران النووي لا يمكن أن ينجز بمعزل عن تطويق القدرات الصاروخية لحزب الله، وأن صواريخ حزب الله في لبنان جزء لا ينفصل عن الجهد الإيراني لإحراز سلاح ذري ومن ثم يجب أن يكون إبطال تهديد هذه الصواريخ جزءاً من الإستراتيجية التي تستهدف تطويق وردع إيران نووياً.
وكعادة إيران فإنها حينما تستشعر أن الخناق أحكمت عليها فإنها سرعان ما تدعوا إلى الحوار بشأن برنامجها النووي؛ وذلك إدراكاً منها من ذلك الفخ الذي دبر ضدها من قبل كل من إسرائيل وأمريكا وبريطانيا. وقد استقبلت تلك الدعوة للحوار من قبل واشنطن وبريطانيا بالترحيب الممزوج بالريبة من نوايا إيران، وتخوفاً من جانب إسرائيل التي اعتبرتها بمثابة حيلة من جانب إيران للمراوغة لاستئناف برنامجها النووي.
ومن ثم هل يمكن القول أنه في حالة صحة الاحتمال الثاني - الذي يرى أن المخابرات الإسرائيلية هي المسئولة عن تلك الاعتداءات - بأن إسرائيل تسير بخطى متقدمة في الحرب السرية من أجل ردع إيران نووياً، وهل إيران وحزب الله سيتجاهلان تلك التهديدات الإسرائيلية خاصة في ضوء التلبد في غيوم المشهد الثوري السوري، والذي يعقد من سيناريوهات الانفراج، والتي تستوجب من إيران وتنظيماتها الشيعية عبر العالم أن تكون في كامل الاستعداد لتوظيف العديد من الأوراق التي مازالت في حوزة إيران ولم يتم تفعيلها بعد، منتظرة ساعة الصفر لانطلاقها والتي ترتبط بشكل وثيق بتضييق الخناق على النظام السوري، واحتمالات تخلى روسيا والصين عنه في حالة تقديم واشنطن ودول الخليج صفقة رابحة لهما، هذا في الوقت الذي لا يبدوا في الأفق القريب أي تحركا فعالاً من جانب الدول العربية لتحتل مكان الصدارة في معالجة الأزمة السورية.
وأخيراً فإنه يحتمل أن تشهد فعاليات تلك الحرب السرية ردود فعل غير متوقعة من جانب إيران وحلفاءها مع بروز الملف السوري كمحور هام متداخل مع تطورات الملف النووي الإيراني وسوف يثبت المستقبل القريب أن ردع إيران نووياً ليس من الأمور السهلة، على الرغم من دقة السيناريوهات والحيل التي تحيكها إسرائيل بالتعاون مع واشنطن وبريطانيا في تلك الحرب السرية.
ثمة علاقة محتملة بين التفجيرات التي حاولت استهداف سفارات إسرائيل في كل من بانكوك والهند وجورجيا، وبين واقعة اعتقال السلطات الأميركية لمهاجر مغربي بتهمة محاولة القيام بتفجير في الكونغرس، يعتقد أنه موجهاً من قبل تنظيم القاعدة. فضلاً عن المعلومات التي تناولتها صحفاً بريطانية نقلاً عن مصادر مخابراتية بشأن تحالف إيران مع تنظيم القاعدة من أجل التخطيط لشن عملية إرهابية جديدة شبيهة بهجمات 11 سبتمبر 2001 ، وتعد بريطانيا على رأس لائحة أهدافهما. وتزامن ذلك مع تحذير وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من أن سعي إيران للحصول على "أسلحة دمار شامل" من شأنه أن يُشعل فتيل "حرب باردة جديدة" تحمل في طياتها نُذُر صراع نووي أكبر من المواجهة التي كانت سائدة بين الاتحاد السوفيتي والغرب في وقت سابق.
و في ضوء ما سبق يمكن الاستدلال على التلاحق الزمني لتلك الأحداث بأنها تندرج ضمن فعاليات الحرب السرية التي تخوضها كل من إسرائيل وأمريكا فضلا عن بريطانيا ضد إيران من أجل تطويق قدراتها النووية؛ من خلال إلحاق تهم الإرهاب إليها كورقة ضغط في إطار الحرب النفسية التي تستهدفها، و إثبات أنه ليست فقط إسرائيل المستهدفة من الإرهاب الإيراني المزعوم بل الأسرة الدولية برمتها، من خلال إلحاق تهم خاصة بعلاقتها بتنظيم القاعدة يبرر القلق الدولي من أن تلك القدرات النووية سوف توظف لصالح عمليات إرهابية ضد المصالح الغربية وفى مقدمتهم الدول الثلاث سالفة الذكر. وتأكيداً على ذلك قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على وزارة الاستخبارات الإيرانية بعد اتهامها بدعم تنظيم القاعدة والنظام السوري؛ ودعت الأوروبيين إلى استبعاد طهران من هيئة (سويفت) المالية، وهي هيئة تعاونية دولية تتيح وفق موقعها الالكتروني لأكثر من 9700 مؤسسة مالية إبرام الصفقات المالية بسرعة. وتشرف على هذه الهيئة مباشرة عشرة مصارف مركزية بينها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي. والتي تستفيد منها المصارف الإيرانية التي تتهمها الولايات المتحدة بالمساهمة في البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من أن حرمان إيران من خدمات سويفت يمكن أن يؤدى إلى منعها من الحصول على سيولة مالية لكنه يمكن أن يسبب في الوقت نفسه صدمة للنظام المالي العالمي في الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن أزمة الديون في منطقة اليورو.
أما بالنسبة لإسرائيل فسرعان ما قامت بتوظيف تلك الاعتداءات في إطار حملتها السياسية على إيران، حيث تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين تل أبيب وطهران. ومن ثم يجب عدم اعتبار تلك الردود والتحركات من جانب الدول الثلاث بشأن إيران بأنها أمراً واقعاً ومسلماً به، حيث أن لتلك الحرب السرية إستراتيجية وتحركات محسوبة، أثبتت إسرائيل تفوقها على إيران وتحالفها الشيعي، والتي جاءت كبديل ممكن للمواجهة العسكرية المباشرة بين الدولتين نتيجة لـ"توازن الرعب" الذي صار يقينا داخل الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي. وقد نتج عن ذلك إدراكاً إسرائيلياً بأن تعطيل المشروع النووي الإيراني وليس خوض مواجهة عسكرية مباشرة سوف يحقق لإسرائيل أهدافها المنشودة، بحيث تكون خسائرها في أضيق الحدود، وذلك يتطلب تفعيل أدوات الحرب الاستخبارية والتي تتضمن حملة اغتيالات لعلماء إيرانيين على صلة بالبرنامج النووي، وقصف وهجمات إلكترونية سرية بهدف تصفية كوادرها النووية وتخريب برنامجها النووي . وقد كان اختيار أمير إيشيل قائدا للسلاح الجو الاسرائيلى، وهو من ترشيح رئيس الأركان بينى غانتس له دلالة هامة لميوله الرافضة لضرب إيران، خير دليلاً على تفضيل خوض تلك الحرب السرية، مع تكثيف نوعية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها حتى تكون موجعة ومؤثرة. وكان من أبرز التحركات المخابراتية الإسرائيلية حادث الانفجار الذي استهدف منشأة للصواريخ طويلة المدى قرب طهران، والذي أسفر عن مقتل أحد مؤسسي برنامج إيران الصاروخي وهو اللواء حسن مقدم و16 من الضباط. فضلاً عن حادث اغتيال الأستاذ الجامعي مصطفي أحمدي روشن والذي يعمل في منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم.
وقد كان رد الفعل الإيراني على تلك الحرب السرية محدودا وكان من بينه نجاح إيران في إسقاط طائرة التجسس الأمريكية التي تعمل بدون طيار، من طراز 071-QR، حيث يعد السيطرة الإيرانية عليها دون إلحاق أضراراً بالغة بها إنجازاً استخباراتياً للإيرانيين، ثم سقوط العميل الأمريكي يوم 18/12/ 2011 الذي قيل أنه عنصر في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) كانت مهمته اختراق وزارة الاستخبارات الإيرانية. وقد التزم الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه تلك الاغتيالات بعدم التأكيد أو النفي على الرغم من بعض التصريحات الضمنية التي عبرت عن حالة من الرضا تجاه تلك الأحداث، وذلك على عكس موقف وسائل الإعلام الإسرائيلية التي رأت أن تلك الحوادث تجسيدا للحرب الإسرائيلية على إيران. وفى الوقت نفسه نفت واشنطن على لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية مسئوليته بلادها عن ضلوع بلادها في تلك الحرب السرية الموجهة ضد إيران.
ومن ثم هل يمكن القول أن الاعتداءات الأخيرة على السفارات الإسرائيلية جاءت كرد فعل من إيران لردع إسرائيل عن مواصلة تلك الحرب السرية ضد برنامجها النووي؟ فإن الإجابة على ذلك التساؤل يتطلب الوقوف عند احتمالين، أولهما افتراض صحة الاتهامات الإسرائيلية التي جاءت بعد دقائق فقط من وقوع التفجيرات على لسان رئيس الحكومة، وفى تلك الحالة فإنه يوجد إخفاقات متبادلة من جانب كل من إيران وحزب الله - الذي قيل أنه أراد أن ينتقم من مقتل القائد عماد مغنية خاصة وأن تلك الحوادث جاءت في الذكرى السنوية لمقتله في 12 فبراير من عام 2008، أي قبل أربع سنوات - في إلحاق أضراراً بالمصالح الإسرائيلية تعادل الخسائر التي لحقت يهما. بما يعنى فشل إيران في إدارتها لتلك الحرب السرية. إلا أنه يوجد أراء ترى أن محدودية الأهداف كانت مقصودة من قبل إيران وحزب الله، ويراد بها مجرد إنذار إسرائيل لردعها عن عمليات الاغتيال التي تستهدف علمائها وإنذارها بأن القادم سوف يكون أشد وأخطر، وربما يكون مماثلا لما حدث في تفجير مبنى الجالية اليهودية في بيونس آيرس في عام 1994 ، والذي قتل فيه خمسة وثمانون شخصا، فضلا عن الهجوم على سفارة إسرائيل في تلك المدينة قبل ذلك بعامين وأودى بحياة أكثر من عشرين شخصاً. فضلا عن كونها إنذاراً لردع الغرب عن توجيه ضربة عسكرية ضد منشئاتها النووية من خلال الإظهار للعالم بأن تنظيمها الشيعي ومنظماته المتحالفة مع إيران عبر العالم لديها القدرة على إصابة أهدافاً عديدة ليست فقط ضد إسرائيل بل ضد المصالح الأمريكية والأوروبية. أما بالنسبة لإسرائيل وفقاً لذلك الاحتمال فقد أخفقت هي الأخرى في ردع تلك الاعتداءات بما يعد بمثابة قصوراًُ في عمل الاستخبارات الإسرائيلية المتمثلة بالشاباك والموساد وأمان (شعبة الاستخبارات) .
ومن ثم فإذا افترضنا تورط إيران وحزب الله في تلك الأعمال، فهل يمكن اعتبارها بمثابة خطوة هامة يمكن أن تساهم في ردع إسرائيل عن مواصلة اغتيال العلماء الإيرانيين، أم أنها ستعطى لإسرائيل مبرراً لمواصلة إعتداءتها بذريعة ردع الإرهاب الإيراني؟.
أما الاحتمال الأخر، فإنه يشير إلى أن تلك العمليات التي لم تلحق بإسرائيل إلا أضراراً طفيفة تعد هي المستفيد الوحيد منها، وتشبه حادث محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، والتي أعتبرها الكثيرين من المحللين بمثابة محاولة أمريكية لتضيق الخناق على إيران من جانب دول الخليج وفى مقدمتهم السعودية، واتهامها بدعم الإرهاب. ومن بين المؤشرات التي ترجح من احتمال ضلوع أجهزة المخابرات الإسرائيلية في تلك العمليات، فمن ناحية وقعت تلك الاعتداءات في بلدان ذات علاقات جيدة بإيران، وهى في أمس الحاجة لتوطيد علاقتها بها، خاصة مع الضغوط الاقتصادية التي تواجهها من أثر العقوبات المفروضة عليها. فبالنسبة للهند تعد العلاقات التجارية معها ركيزة حيوية تدعم الجبهة الداخلية الاقتصادية لإيران، خاصة مع تصاعد العقوبات المفروضة عليها؛ حيث تعد الهند مستوردة النفط الإيراني الأكبر في العالم. ومن ثم لا يعقل أن تفتح إيران أبواب عداوة مع تلك الدولة في ذلك التوقيت، وبالطبع سيصب ذلك في مصالح إسرائيل التي تريد عزل إيران دوليا، وقد أشارت بشكل ضمني إلى ذلك صحيفة "جيروزالم بوست" بأن "إسرائيل ستحاول استغلال موجة الهجمات تلك لمصلحتها، وخاصة للحصول على الدعم الدولي ضد البرنامج النووي الإيراني".
وطالما لغة الاحتمالات هي المتاحة في ظل الغموض الذي يحيط بتلك الحرب السرية المحتدمة بين الجانبين، فإنه يمكن القول أنه ربما أرادت إسرائيل من تلك الحوادث المتفرقة غير الموجعة لمصالحها تحقيق مأرب عدة فمن ناحية توتير تلك العلاقات ما بين تلك الدول وإيران ومن ناحية أخرى الاستفادة منها داخلياً لزيادة الذرائع الأمنية التي يستطيع من خلالها الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف أن يتحايل ويضلل الشعب الإسرائيلي من أجل توطيد ركائز ذلك الائتلاف المستند على الفزاعة الأمنية ومن ثم عدم الالتزام بتطبيق توصيات لجنة تراختبرغ لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي عمت أرجاء إسرائيل في صيف العام الماضي، خاصة مع وجود مخاوف من تجددها نظراً لاستمرار الأسباب التي أدت لإندلاعها دون معالجة جذرية لها، والاكتفاء بوضع المسكنات والحلول الشكلية لمشاكل متأزمة في البلاد. كما أنه يمكن اعتبار تلك الاعتداءات بمثابة ضربة استباقية من جانب إسرائيل لردع ضربة كانت متوقعة وعلى وشك الحدوث أدركتها المخابرات الإسرائيلية من جانب إيران كانت تستهدف أهدافاً إسرائيلياً ربما تكون أكثر دقة مما حدث في تلك البلدان. وقد سبق وحذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال "بيني غانتس" قبل حدوث تلك العمليات بشهر حزب الله من اختبار قدرة "إسرائيل" بارتكاب هجوم ضد أهداف إسرائيلية في الخارج.
كما أن إيران ليست من السذاجة التي تجند أشخاصاً يحملون أوراقا رسمية تثبت تورطهم في تلك الأحداث، فلدى إيران الكثير من العملاء من جنسيات أخرى، كما أنه ليس عجيباً ًأن يكون هناك إيرانيين عملاء للمخابرات الإسرائيلية. كما أن الاتهام المزدوج لكل من حزب الله وإيران له دلالاته وهو التأكيد على أن تطويق برنامج إيران النووي لا يمكن أن ينجز بمعزل عن تطويق القدرات الصاروخية لحزب الله، وأن صواريخ حزب الله في لبنان جزء لا ينفصل عن الجهد الإيراني لإحراز سلاح ذري ومن ثم يجب أن يكون إبطال تهديد هذه الصواريخ جزءاً من الإستراتيجية التي تستهدف تطويق وردع إيران نووياً.
وكعادة إيران فإنها حينما تستشعر أن الخناق أحكمت عليها فإنها سرعان ما تدعوا إلى الحوار بشأن برنامجها النووي؛ وذلك إدراكاً منها من ذلك الفخ الذي دبر ضدها من قبل كل من إسرائيل وأمريكا وبريطانيا. وقد استقبلت تلك الدعوة للحوار من قبل واشنطن وبريطانيا بالترحيب الممزوج بالريبة من نوايا إيران، وتخوفاً من جانب إسرائيل التي اعتبرتها بمثابة حيلة من جانب إيران للمراوغة لاستئناف برنامجها النووي.
ومن ثم هل يمكن القول أنه في حالة صحة الاحتمال الثاني - الذي يرى أن المخابرات الإسرائيلية هي المسئولة عن تلك الاعتداءات - بأن إسرائيل تسير بخطى متقدمة في الحرب السرية من أجل ردع إيران نووياً، وهل إيران وحزب الله سيتجاهلان تلك التهديدات الإسرائيلية خاصة في ضوء التلبد في غيوم المشهد الثوري السوري، والذي يعقد من سيناريوهات الانفراج، والتي تستوجب من إيران وتنظيماتها الشيعية عبر العالم أن تكون في كامل الاستعداد لتوظيف العديد من الأوراق التي مازالت في حوزة إيران ولم يتم تفعيلها بعد، منتظرة ساعة الصفر لانطلاقها والتي ترتبط بشكل وثيق بتضييق الخناق على النظام السوري، واحتمالات تخلى روسيا والصين عنه في حالة تقديم واشنطن ودول الخليج صفقة رابحة لهما، هذا في الوقت الذي لا يبدوا في الأفق القريب أي تحركا فعالاً من جانب الدول العربية لتحتل مكان الصدارة في معالجة الأزمة السورية.
وأخيراً فإنه يحتمل أن تشهد فعاليات تلك الحرب السرية ردود فعل غير متوقعة من جانب إيران وحلفاءها مع بروز الملف السوري كمحور هام متداخل مع تطورات الملف النووي الإيراني وسوف يثبت المستقبل القريب أن ردع إيران نووياً ليس من الأمور السهلة، على الرغم من دقة السيناريوهات والحيل التي تحيكها إسرائيل بالتعاون مع واشنطن وبريطانيا في تلك الحرب السرية.