منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By ماجد العتيبي381
#56237
إن مسألة العروبة أو القومية العربية والإسلام والعلاقة بينهما قد فرضت نفسها على الفكر السياسي العربي لمدة طويلة خلال هذا القرن. وعلى كثرة ما قيل وطرح في هذه المسالة فإن الحوار سيبقى قائماً بسبب الجذور العميقة للموضوع وجوانبه المتعددة المتداخلة وأهميته الكبيرة.

فلقد أدى الاختلاف على طبيعة العلاقة بين العروبة والإسلام إلى التأثير بشكل قوي وسوف نطلع على نماذج بناء الدول العربية القطرية . هذا من جانب ، ومن جانب آخر فلقد أثرت مسألتا العروبة والإسلام على تفاعلات السياسة العربية الجوهرية. فقضية الوحدة العربية ومسألة التضامن العربي والإسلامي والقضية الفلسطينية ، ومسائل السياسة العربية الجوهرية التي غالباً ما يُرجع فيها إلى طرح العروبة والإسلام والعلاقة بينهما . ولقد أدى الاختلاف في النظرة إلى طبيعة هذين البعدين وأهميتها وفي تحديد العلاقة بينهما إلى وجود اختلافات واضحة في تحديد أولويات السياسات العربية، وفي بعض مواقف السياسة الخارجية العربية الإقليمية والدولية المهمة.

وتقدم نظريات تحليل السياسة الخارجية وتفسيرها مجموعة من العوامل أو العناصر التي تؤثر في تكوين السياسات الخارجية للدول ، وفي تحديد مواقفها من قضايا السياسة الدولية . ومن أهم هذه العناصر الأمن الوطني ، والمصلحة الوطنية ، والخصائص الشخصية لمتخذي القرارات ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية للدولة ، والمؤثرات الخارجية الإقليمية والدولية والنظام القيمي والأنساق العقدية.

ويتأثر عنصر النظام القيمي بمجموعة من المحددات ، وأهمها المعتقدات الدينية ، والأسس الأخلاقية ، والقيم والتقاليد . وأما مكونات الأنساق العقدية أو مضموناته فتضم الأيدولوجيا والدين والتاريخ والتقاليد . ومن ثم فإن مضموني العروبة والإسلام يؤثران على السياسات الخارجية العربية ، ويندرجان بشكل رئيس في نظريات السياسة الخارجية ضمن عنصري النظام القيمي والنسق أو الأنساق العقدية.



وإذا سلمنا بأهمية تأثير الإسلام والعروبة على سياسات الدول العربية ومواقفها ، وعلى نماذج بناء الدولة العربية القطرية فما درجة هذا التأثير وطبيعته؟ وما موقع الإسلام في هذا الطرح القومي العربي؟ وما موقع العروبة في الطرح أو النموذج الإسلامي؟ وما تأثير العروبة والإسلام والعلاقة بينهما على نماذج تأسيس الدول العربية المختلفة ؟ وما طبيعة تأثير العروبة والإسلام على سياسات الدول العربية ومواقفها ؟ وأي المواقف أو المسائل هي أكثر تأثيراً من غيرها بعنصري العروبة والإسلام ؟ وكيف تأثرت قضايا الوحدة العربية والتضامن العربي والإسلامي بشكل خاص بالمفاهيم والتصورات الخاصة بالعروبة والإسلام في الدول العربية المختلفة؟

وإذا كانت دراسة تأثير عنصري العروبة أو القومية العربية والإسلام على مواقف غالبية الدول العربية أو جميعها تجاه قضايا السياسة العربية الجوهرية وخاصة قضايا الوحدة العربية والتضامن العربي والإسلامي تعد دراسة مهمة بصفة عامة، فإن هناك أهمية خاصة لدراسة هذا التأثير في سياسة ومواقف المملكة العربية السعودية بسبب المكانة المتميزة التي تتمتع بها المملكة في هذين البعدين المهمين العروبة والإسلام. فالجزيرة العربية هي أصل العرب بقبائلهم وفروعهم كافة ، وهي مصدر الهجرات القديمة إلى المناطق المجاورة في الشرق الأوسط . ومنها خرج العرب يحملون راية الإسلام وينشرون رسالته حتى مكنهم الله من تأسيس دولة إسلامية مترامية الأطراف ، ومن وضع أسس أمة عربية واحدة تمتد في مساحة واسعة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.

وسوف يتركز النقاش في هذا البحث على استعراض مواقف المملكة العربية السعودية وتحليلها في بعض القضايا السياسية العربية الجوهرية التي تتعلق بالتضامن العربي والإسلامي والوحدة العربية التي أدت رؤية المملكة الخاصة بها إلى تبني مواقف سعودية متميزة ومهمة وذات تأثير كبير في تفاعلات السياسة العربية. ولكن قبل البدء بطرح هذه القضايا ضمن سياق إطار المناقشة المحدد في هذا البحث ، سوف أستعراض ثلاثة نماذج رئيسة لبناء الدولة العربية القطرية في عالمنا العربي ، وذلك لتوضيح أهمية مسألة العلاقة بين العروبة والإسلام وتأثيرها على عملية بناء الدولة العربية القطرية نفسها التي بنيت على أسس مختلفة ، وتجسدت في نماذج متباينة.

1– النموذج القومي العربي في بلاد الشام والعراق ومصر:

لقد تطور النموذج القومي العربي بوصفه أساساً للدولة العربية القطرية في بلاد الشام والعراق ومصر بعد أن شكل الفكر القومي العربي في المدرسة الشامية أساس هذا التيار الفكري القومي ، ولقد تأثر الفكر القومي العربي بظروف الهيمنة العثمانية على بلاد الشام والعراق. ولهذا فإن القومية العربية – وليس الإسلام – هي التي انبثقت عن هذا الفكر بوصفها أساس الدولة العربية القطرية وجوهرها . وعلى الرغم من وجود بعض المتطرفين في الفكر القومي العربي ونظر بعضهم إلى القومية العربية بوصفها دين العرب إلا أن رواد الفكر القومي العربي المتميزين بما في ذلك بعض المسيحيين منهم قد حرصوا على تأكيد أهمية الإسلام في العروبة والهوية العربية. ومن ذلك مثلاً ما ذكره قسطنطين زريق في أواخر الثلاثينيات الميلادية من أن واجب أي عربي أياً كانت طائفته أن يحيي ويمجد ذكرى دعوة الرسول العربي ، وإن يؤمن بأن مصلحته تتحقق بالدفاع عن الإسلام ، وكذلك فقد أكد ساطع الحصري أبرز مفكري هذه المدرسة أهمية الإسلام في الهوية العربية ، ولكن الفكر القومي العربي حتى في طرحه المعتدل قد جعل العروبة وليس الإسلام هي أساس الدولة العربية الحديثة فأهمية الإسلام للدولة العربية وفق التصور القومي تأتى من خلال أثره في تزويد الأمة العربية بأهم أسس ثقافتها ومعالمها الوطنية ومن خلال تدعيمه وتعزيزه للروابط التي تجمع أبناء العروبة فالأخوة الإسلامية – كما يجدها ساطع الحصري – هي عامل مساعد على نمو الشعور القومي وعامل الدين عموماً كما يضيف : " لم يقو على إزالة الفوارق القومية بين الشعوب"

ولم يتطور الفكر القومي العربي في مصر في بداية الأمر بنفس درجة تطوره في بلاد الشام. ولعل سبب ذلك يتعلق باختلاف الظروف السياسية والتاريخية في مصر التي لم تشهد هيمنة عثمانية مطلقة كما كان الحال في منطقة الهلال الخصيب .

وتبلورت وجهات الفكر السياسي المصري في النصف الأول من القرن العشرين في التيارات الإسلامية ممثلة في علماء الأزهر ومفكري الإخوان المسلمين ، وكذلك التوجهات العروبية المعتدلة التي أبرزت الصبغة الإسلامية في طرحها العروبي ، كما هو الحال في كتابات عبد الرحمن عزام الذي أكد في عام 1943م صلة الإسلام بالقومية العربية ، وتحدث عن الأسس والقيم الإسلامية التي تقوم عليها كما رأى عزام مُثل القويمة العربية وقيمها، وفي أعقاب ثورة عام 1952م تبنت القيادة المصرية الثورية الطرح القومي العربي الذي تطور في بلاد الشام . ولقد ساعدت ظروف مصر السكانية ووجود أقلية قبطية على تبني الفكرة القومية التي تميز بين الإسلام والعروبة.

2– النموذج العروبي الإسلامي في المغرب العربي:

يمكننا في حالة المغرب العربي أن نلحظ وجود النموذج العروبي الإسلامي الذي برز فيه دور الإسلام بشكل رئيس في تكوين الهوية السياسية لدول المغرب العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين ، فلقد كان الإسلام هو أساس تكوين حركات الكفاح الوطنى وتطويرها ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا.

وجاءت أهمية الإسلام في المغرب العربي نتيجة تطور تاريخي طويل. فلقد بقيت الدول والإمارات الإسلامية مستمرة في المغرب العربي حتى خضوع دول المنطقة للاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر الميلادي. ولقد وحد الإسلام بين العرب والأمازيغ في المغرب العربي ، وعاشو معا في ظل الحضارة العربية الإسلامية أخوة أشقاء، وتطور في أذهانهم خلال امتداد التاريخ الإسلامي الطويل ارتباط قوي بين العروبة والإسلام ، على حين عد الفكر القومي العربي المشرقي الإسلام مجرد رابطة من روابط الأمة العربية ، ومصدراً رئيساً لثقافتها الوطنية فإن مفهومها العروبي في المغرب العربي بني وتمحور بشكل كامل حول الإسلام.

وبخلاف دول المشرق العربي القومية فإن التمييز بين العروبة والإسلام هو أمر مستحيل في دول المغرب العربي. فمجرد إثارة التساؤل عن العلاقة أو الفرق بين العروبة والإسلام في المغرب العربي – كما يرى الدكتور أنور عبد الملك– هو أمر غير مفهوم من الناحيتين الفكرية واللغوية.

وإذا ارتبط التميز بين العروبة والإسلام في سورية والعراق ولبنان ومصر وفلسطين بظروف الهيمنة العثمانية ، وبسبب وجود الأقليات المسيحية في هذه الدول فإن عدم التميز بين العروبة والإسلام في المغرب العربي أصبح هو الأمر الطبعي الذي يمكن فهمه في ضوء الاعتبارات التاريخية والسكانية ، ففرنسا وإيطاليا – وليست الدولة العثمانية– كانتا هما القوتين اللتين استعمرتا دول المغرب العربي . ولقد انتفت بذلك الحاجة إلى التمييز بين العروبة والإسلام في خطاب التحرر من الاستعمار على غرار ما حدث في المشرق العربي ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن من شأن التمييز بين العروبة والإسلام أن يمزق التلاحم التاريخي العربي الأمازيغي الطويل تحت المظلة الإسلامية.

والعروبة بمعناها الإسلامي هي العروبة الوحيدة التي فهمها وقبلها زعماء المغرب العربي الذين قادوا حركة التحرير الوطني ضد فرنسا مثل علي باشي حمبة في تونس ، وعبد الحميد بن باديس في الجزائر ، وعبد الكريم الخطابي في المغرب. ويوضح الدكتور أنور عبد الملك هذه الحقيقة المهمة ؛ إذ يذكر أن الإسلام في المغرب العربي كان "أساس تكوين الدولة الوطنية التونسية وليبيا"

وإن مضمون فكرة المغرب العربي : التي أفرزها الكفاح المشترك ضد الاحتلال الفرنسي تمثلت كما يرى الدكتور محمد عابد الجابري في " الارتباط بالإسلام والعروبة وإقرار وحدة الهدف".ولكن هذا الأساس الإسلامي الموجود في الوجدان المغربي الذي شكل أساس الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي في تونس والجزائر والمغرب وضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا ، وقد أدى في المغرب وحدها الدور الكبير في بناء الدولة القطرية الحديثة. وأما في دول المغرب العربي الأخرى فلقد تطورت نماذج وتجارب مختلفة اعتمدت على المنهج الثوري الاشتراكي (الجزائر وليبيا) ، أو المنهج الليبرالي التحرري العلماني (تونس).

3– النموذج الإسلامي العربي في المملكة العربية السعودية:

يتميز النموذج الإسلامي العربي في المملكة العربية السعودية بخصائص فريدة تربطه بالتاريخ وبالأهمية الدينية للمملكة العربية السعودية وبالفكر العقدي لحركة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب . فلقد شرف الله المملكة باحتضان الحرمين الشريفين ، ومن أرضها انطلقت رسالة الإسلام إلى العالم أجمع. وإن المملكة العربية السعودية التي أنجز الملك عبد العزيز – يرحمه الله – مشروعه الوطني في توحيدها عام1351هـ /1932م معتمداً على عبقرية سياسية كبيرة ، وعقيدة دينية راسخة هي استمرار تاريخي متواصل للدولتين السعوديتين الأولى والثانية اللتين قامتا كما قامت المملكة العربية السعودية أو الدولة السعودية الثالثة من بعدها على أسس حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي دعت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي في إحياء مبادئ العقيدة الإسلامية الصحيحة في جزيرة العرب.

فالهوية الإسلامية "للمملكة العربية السعودية " تعود في جذورها البعيدة إلى الدولة الإسلامية الأولى التي قامت في جزيرة العرب في القرن الأول الهجري / السابع الميلادي. وعلى الرغم من أن غالبية أرجاء الجزيرة العربية وخاصة هضبة نجد لم تخضع لأي نفوذ عثماني مباشر فلقد حدثت مواجهات عدة عسكرية سعودية عثمانية خلال حقبة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية ، واستمرت بعض هذه المواجهات أثناء سنوات توحيد المملكة العربية السعودية وبناء الدولة السعودية الثالثة.

ولقد جسدت هذه المواجهات تميز التجربة السعودية من حيث أسس العقيدة التي قامت عليها ، ومن حيث قياداتها العربية النجدية ، والمملكة العربية السعودية في الحقيقة هي مصدر الرسالة الإسلامية من ناحية وأرض العرب وأصل العروبة من ناحية أخرى. ولهذا فإن نموذج بناء الدولة السعودية هو نموذج عربي إسلامي ، والمملكة العربية السعودية هي دولة عربية إسلامية ، عروبة الأصالة الطبعية عروبة الصحراء إذا صح التعبير ، وليس عروبة إيديولوجية القومية العربية.

هي إسلامية في احتضانها لمكة المكرمة والمدينة المنورة وفي قيامها على مبادئ العقيدة الإسلامية التي أنزلها الله على الرسول العربي محمد بن عبد الله e ، ودعا إلى إحيائها الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وإن هناك أهمية خاصة ينبغي توضيحها بالنسبة للبعد العربي الإسلامي في النموذج السعودي فبعد انهيار الخلافة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى والإحباط الذي لحق بالمفكرين والعلماء المسلمين تركز اهتمام بعضهم على دعم فكرة قيام العرب بإعادة بعث مجد الدولة الإسلامية القديمة. وأشهر هؤلاء المفكرين هو محمد رشيد رضا الذي أصبح يعتقد بعد انهيار الدولة العثمانية بأن الأمل في إعادة بناء الخلافة الإسلامية أصبح مرهوناً بالعرب ، فهم وحدهم القادرون على إعادة بعث مجد الأمة الإسلامية القديمة تماماً كما فعلوا ذلك في القرن الأول الهجري عندما انطلقوا من جزيرة العرب رافعين راية الإسلام العظيمة ، وعندما نجح الملك عبد العزيز في توحيد أرجاء المملكة العربية السعودية في دولة واحدة أصبح محمد رشيد رضا من أشد مؤيديه والمتحمسين له ولدولته. فلقد رأى بتجربة الملك عبد العزيز في توحيد المملكة نموذجاً لخطوة أولى نحو توحيد العرب في دولة عربية واحدة تكون نواة لإعادة بناء الدولة الإسلامية.

وإن المملكة العربية السعودية في تاريخها ونشأتها وتطورها وقيمتها وتقاليدها الأساسية قامت وتقوم ولا بد لها أن تستمر على الإسلام. وهذه حقيقة تاريخية مهمة ينبغي إدراكها وفهم أهميتها السياسية والاجتماعية في ماض المملكة وحاضرها ومستقبلها ، فالإسلام كان وما زال وسيبقى هو قدر الدولة السعودية ، وأساس وجودها ، والمصدر الرئيس لشريعتها . ولقد التزمت المملكة العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي منذ اليوم الأول لتأسيسها بتطبيق الشريعة الإسلامية السمحاء ، وعلى الرغم من جميع مظاهر التحديث والعصرنة والانفتاح التي طرأت على المجتمع السعودي ، فما زوال هذا المجتمع يحافظ على تمسكه بالقيم الإسلامية الأساسية.

وإن العودة إلى خطب الملك عبد العزيز – يرحمه الله– وتصريحاته وكذلك إلى خطب أبنائه الملوك الأربعة وتصريحاتهم الذين تعاقبوا على حكم المملكة من بعده توضح حرصهم الكبير جميعاً على تمسك الدولة بالعقيدة الإسلامية والتزامها بتطبيق الشريعة.

وإذا تأملنا في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الذي ألقاه بمناسبة صدور النظام الأساس للحكم ، ونظام مجلس الشورى ، ونظام المناطق في 27/8/1412هـ/ الأول من شهر مارس 1992م فسنلحظ أن خطابه قد ركز على الثوابـــت الإسلاميــة التي قامت عليهــا الدولة السعوديـــة ، ولن تحيد عنها قيد أنملة .

ولقد أوضحت المادة الأولى للنظام الأساس للحكم في المملكة بأن دستور الدولة هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله . كما أكدت أنظمة الدولة الرئيسة الأربعة : ( النظام الأساسي للحكم ، ونظام مجلس الوزراء ، ونظام مجلس الشورى ، ونظام المناطق) على الالتـــزام بالشريعـــة الإسلاميــة . وإضافة إلى ذلك فلقد جاء ذكر الإسلام والشريعة الإسلامية في خمس وعشرين مادة من مواد النظام الأساسي للحكم الثلاث والثمانين .



التضامن العربي والقومية العربية :

عندما انتهى الملك عبد العزيز من توحيد المملكة العربية السعودية وحصل على اعتراف بريطانيا بالمملكة دولة مستقلة في اتفاقية عام 1927م كانت غالبية الدول العربية لم تزل ترضخ لحكم الاستعمار الأوربي. ولقد حظي الملك في ذلك الوقت باهتمام خاص من مختلف الزعامات الوطنية العربية التي كانت تقاوم الاستعمار في دولها . فلقد جسد الملك عبد العزيز لهذه القيادات الأمل بإمكانية تحقيق الاستقلال والوحدة العربية . كما كان عبد العزيز مصدراً رئيسًا لتزويد القيادات الوطنية العربية بالدعم السياسي والمالي .

فلقد لجأ إليه مجموعة من القادة الوطنيين الهاربين من الحكم الاستعماري في دولهم، حصل بعضهم على مناصب سياسية مهمة لدى عبد العزيز . وفي عام 1935م زار المملكة بعثة وطنية سورية ، وطرحت على الملك عبد العزيز فكرة تأسيس دولة عربية واحدة . ولقد قام الرئيس شكري القوتلي عندما كان قائداً للحركة الوطنية السورية ضد الاستعمار بزيارة الملك عبد العزيز مرات عدة ، وحصل منه على الدعم والتأييد , وعندما دخلت قوات الحلفاء سوريا عام 1942م بذل الملك عبد العزيز مساعي حميدة لدى حكومات الحلفاء بشأن المسألة السورية في ذلك الوقت.

ولقد كانت السعودية في مقدمة دول العالم التي اعترفت باستقلال سوريا . كما دعم الملك عبد العزيز أيضاً مقاومة سوريا لبعض الضغوط الخارجية التي كانت تمارس عليها في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات الميلادية ، وأشاد الرئيس السوري شكري القوتلي في 15/9/1947م بدعم المملكة لسورية في تصريح له جاء فيه :"ولقد ظاهرنا وأيدنا في موقفنا بيان حكومة جلالة ملك المملكة العربية السعودية البين القاطع ".

واستعمل بعض الناس في ذلك الوقت مصطلح المحور السعودي لوصف العلاقات المتميزة بين سوريا والسعودية ، وأعلن الرئيس السوري أديب الشيشكلي في ذلك الوقت وفي أكثر من مناسبة عن دعمه لهذا المحور الذي يهدف إلى تقوية الروابط العربية, وفي 18أبريل 1951م زار الشيشكلي المملكة العربية السعودية ، واجتمع مع الملك عبدالعزيز ، وأجرى معه محادثات مطولة هدفت إلى تقوية الروابط الأخوية بين سورية والمملكة العربية السعودية .

وكما هو الحال بالنسبة إلى سورية فإن بعض مظاهر الود والتضامن بين المملكة العربية السعودية ومصر تعود إلى العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي . فعندما احتلفت مصر في يناير 1924م بافتتاح أول برلمان لها في عهد حكم الملك فؤاد أرسل الملك عبد العزيز برقية تهنئة إلى ملك مصر بهذه المناسبة . وفي صيف 1926م زار الأمير سعود القاهرة ، واستقبله المصريون بحفاوة بالغة .

وفي 7(مايو)1936م وقعت أول معاهدة ود وصداقة بين السعودية ومصر وقعها عن الجانب السعودي ممثل الملك عبد العزيز وعن الجانب المصري رئيس مجلس وزراء مصر علي ماهر باشا ، وقد كان رئيساً لمجلس الوصاية على عرش الملك فاروق الذي خلف الملك فؤاد في " أبريل " 1934م وكان قاصراً .

وازدهرت علاقات الود والتضامن بين الدولتين عقب تسلم الملك فاروق لسلطاته الدستورية ، وفي ديسمبر 1945م زار الملك فاروق المملكة لشكر الملك عبد العزيز على موافقته لدخول المملكة في الجامعة العربية ، ولتوطيد صلات الود والأخوة بين البلدين الشقيقين ، وتلبية لدعوة الملك فاروق قام الملك عبد العزيز بزيارة مصر في "يناير "1947م ، وزار بصحبة الملك فاروق دار الجامعة العربية في القاهرة ، وفي 31 "مايو" 1949م وقع أول اتفاق تجاري بين مصر والسعودية .

وتطورت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والأردن والعراق في الثلاثينيات والأربعينيات الميلادية من خلال توقيع مجموعة من اتفاقيات الحدود والصداقة وحسن الجوار ، وتنظيم شئون الرعية ، وتسليم المجرمين . واجتمع الملك عبد العزيز مع ملك العراق فيصل بن الحسين في فبراير 1930م على ظهر بارجة في الخليج ، كما استقبل ملك الأردن عبد الله بن الحسين الذي زار المملكة في يونيو 1948م ، وقبل ذلك استقبلت الأردن الأمير سعود ولي عهد المملكة في أغسطس 1936م ، كما زار الأردن أيضاً الأمير فيصل بن عبد العزيز في ديسمبر 1946م ، واحتفلت به الأردن احتفالاً رسمياً وشعبياً كبيراً ، وفي أبريل 1936م اتفقت السعودية والعراق على عقد حلف سعودي – عراقي على أن تنضم إليه اليمن إذا أرادت ، ولقد تضمن الحلف الذي وضع إطار التعاون والسلام المشترك بين الدولتين أربع عشرة مادة ، وانضمت اليمن إلى هـــذا الحلف بموجـــب تصريح خاص وقعه الإمام يحيى بن حميد الدين في سبتمبر 1937م، وأصبح يعرف بالحلف السعودي العراقي اليمني .

وفي منتصف الخمسينيات الميلادية برزت مصر بوصفها المركز الرئيس في السياسة العربية ، وقبل وقوع العدوان الثلاثي على مصر نُسقت المواقف بين مصر وسوريا والسعودية في مجموعة من قضايا السياسة العربية الجوهرية ، وبرز في تفاعلات السياسة العربية في ذلك الوقت ما عرف بمحور مصر وسوريا والسعودية الذي سعى إلى تحقيق الأهداف الآتية :

(1) توحيد الصف العربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لمواجهة إسرائيل ، والأخطار الخارجية الأخرى .

(2) دعم الموقف المصري في مواجهات التحديات البريطانية والفرنسية ، ودعم الموقف السوري في مواجهة تحديات تركيا وإسرائيل .

(3) معارضة حلف بغداد الذي كانت بريطانيا تسعى إلى تأسيسه في المنطقة لتعويض خسارتها التي نجمت عن جلاء القوات المصرية في عام 1954م ، وكانت بريطانيا تعقد أملاً كبيراً على انضمام سوريا للحلف ، وتمارس مختلف الضغوط عليها لجرها إليه ، ولكن التوجهات الوطنية العربية في سوريا عارضت حلف بغداد ، وحصلت على دعم مصر والسعودية في هذه المعارضة ، ففي مطلع عام 1955م اتخذت الدول الثلاث مواقف مشابهة في الجامعة العربية وخارجها لمعارضة حلف بغداد ، وقدمت المملكة قرضين الأول لسوريا في (نوفمبر 1955م) قيمته عشرة ملايين دولار ، والثانى لمصر في (أغسطس 1956م) قيمته مائة مليون دولار ؛ وذلك لدعمهما في صفقات شراء الأسلحة من الدول الشرقية ، وفي صيف 1956م أعلن الملك فيصل بن عبد العزيز ، وقد كان عندئذٍ ولياً للعهد عن تأييده لقرارات قمة بريوني التي جمعت تيتو ونهرو وناصر، وأسف لسحب العرض الأمريكي لتمويل السد العالي ، وعارضت المملكة بعد ذلك المبادرة البريطانية الفرنسية الخاصة بتشكيل رابطة تضم مستخدمي قناة السويس .

وكانت المملكة بعد ذلك قد انضمت إلى الحلف المصري السوري في مارس 1955م الذي أقرته الدولتان في فبراير 1955م ، وتلا انضمام المملكة بعدة أشهر انضمام الأردن واليمن ، وعندما أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس في يوليو 1956م كانت القوات المصرية والسورية والسعودية والأردنية واليمنية موحدة تحت قيادة هيئة الأركان المصرية ، وفي اليوم الثاني للعدوان الثلاثي على مصر أعلنت الحكومة السعودية التعبئة العامة ، دعا الملك سعود الدول العربية الأخرى إلى اتخاذ القرارات والخطوات نفسها وصدرت الأوامر الملكية إلى بعض وحدات الجيش السعودي بالذهاب إلى الأردن للمشاركة في حرب إسرائيل في حال توسع رقعة الحرب وشكلت مجموعات عدة من المتطوعين المدنيين في المملكة ضمت عدداً من الأمراء السعوديين .

وفي 6/11/1956م أي بعد أسبوع من مهاجمة القوات الإسرائيلية للقوات المصرية في سيناء قررت الرياض قطع علاقتها الدبلوماسية مع لندن وباريس ، وأعلنت الحظر النفطي عليهما أيضاً . وكانت المملكة وسوريا هما الدافع الرئيس وراء عقد اجتماع الملوك والرؤساء العرب في بيروت في نوفمبر 1956م لشجب العدوان الثلاثي والتباحث في إمكان دعم مصر ، وفي عام 1975م دعمت المملكة سورية في مواجهتها لتركيا أثناء الأزمة الشديدة التي تفجرت بين الدولتين في تلك السنة .

يتضح من هذا الاستعراض أن المملكة كانت خلال حقبة الخمسينيات الميلادية في مقدمة الدول العربية التي سعت إلى تخطيط التضامن العربي لسد أخطار التحديات الخارجية التي واجهتها الأمة العربية من إسرائيل وتركيا وأوربا خلال تلك الحقبة .

واستمرت المملكة على موقفها هذا خلال الستينيات الميلادية ، وشاركت في مؤتمرات القمة العربية المصيرية وأهمها مؤتمر القمة العربي الرابع الذي انعقد في الخرطوم (سبتمبر 1967م) بتدارس الموقف العربي ، ووضع خطة عربية مشتركة لإزالة آثار العدوان . وضمن قرارات هذا المؤتمر وافقت المملكة العربية السعودية والكويت وليبيا على دفع المبالغ الخاصة بها لدعم الإمداد العسكري لدول المواجهة . وبلغت حصة المملكة الثانوية خمسون مليون جنيه إسترليني تدفع مقدماً عن كل ثلاثة أشهر ابتداء من منتصف أكتوبر إلى حين إزالة آثار العدوان .

وقد وصل دور المملكة العربية السعودية في تفاعلات السياسة العربية ذروته في السبعينيات الميلادية ، وهي الحقبة التي يسميها المفكرون السياسيون العرب بالحقبة السعودية بسبب أهمية الدور السعودي ونفوذه في مواقف السياسة العربية خلالها .

ومن أبرز ملامح هذه الحقبة التضامن المطلق الذي حدث بين مصر وسورية والسعودية في حرب أكتوبر 1973م التي ردت كرامة العرب ، وأثبتت قدرتهم على القتال ، وعلى التفاعل مع التقنية العسكرية المتقدمة . ولقد ذكر التحالف المصري السعودي السوري في حرب أكتوبر 1973م وما بعدها بتحالف هذه الدول الثلاث في منتصف الخمسينيات الميلادية . وإضافة إلى دور المملكة في تقديم الدعم المالي لضمان تزويد سوريا ومصر بالعتاد والسلاح أثناء الحرب وبعدها فلقد أرسلت وحدات من القوات السعودية إلى سوريا . وعندما أرسلت إدارة نيكسون إلى الكونجرس الأمريكى في 19(أكتوبر) 1973م مشروع قانون المساعدات العسكرية الاستثنائية إلى إسرائيل رفض الملك فيصل هذا التحدي الأمريكي للعرب مقرراً تنفيذ حظر فوري للنفط ضد الولايات المتحدة الأمريكية .

واستمرت المملكة بعد حرب أكتوبر في أداء دور بارز في علاقات السياسة العربية التي تبلورت في نشاطات التنسيق ، وبذل الجهود لتدعيم وحدة الصف العربي ، ومعالجة المشكلات والقضايا العربية ، وبذل الجهود والمساعي الحميدة لمعالجة المنازعات العربية مثل المنازعات الفلسطينية اللبنانية ، واللبنانية اللبنانية ، والفلسطينية الفلسطينية، والسورية الفلسطينية . ولقد انعكست هذه السياسة في قمة الرياض السداسية التي انعقدت في مارس 1976م لبحث الأزمة اللبنانية . هذا ولقد نجحت الوساطة السعودية قبل ذلك في تسوية نزاع الحدود بين سورية والعراق . وكشفت السعودية في النصف الثاني من السبعينيات عن برامج مساعدتها الاقتصادية لجميع الدول العربية .

وفي الثمانينيات الميلادية تبلور الدور السعودي في السياسة العربية بدعم المملكة للعراق في حربه ضد إيران ، وفي مجموعة من الوساطات وبذل المساعي الحميدة بين الدول العربية ، ومن ذلك اتفاق الطائف بين المغرب وموريتانيا الذي انعقد في (حزيران) 1981م ، واتفاق الطائف الذي ما زال يعد المرجعية الأهم في أسس تسوية الأزمة اللبنانية ، وقمة جدة في (مايو) 1987م التي جمعت الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد بحضور الملك فهد بن عبد العزيز التي نتجت عن المساعي الحميدة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين لتسوية المشكلة الجزائرية المغربية.

وفي أعقاب اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من معادلة توازن القوة بين العرب وإسرائيل تضاءل بشكل كبير خيار القوة العسكرية أمام العرب . وبدأت فكرة التسوية السلمية تلقى قبولاً متزايداً من الدول العربية التي بدأت تعود بذاكرتها إلى مشروع المبعوث الأمريكي روجرز للسلام الذي قبله جمال عبد الناصر من حيث المبدأ في عام 1970م ، وبقيت الدول العربية تواجه مأزقاً سياسياً حقيقياً فيما يتعلق بتحديد طريقة تعاملها مع مشكلة الشرق الأوسط بعد اتفاقية كامب ديفيد ، فلقد كان هناك اصرارٌ عربي على تحرير الأراضي العربية المحتلة ، وعلى ضمان الحقوق الشرعية للفلسطينيين، ولكن سبل تحقيق ذلك الإصرار لم تكن واضحة أو متفق عليها من الجميع ، وكان لا بد من حدوث تطور جماعي في الموقف العربي ينسجم مع ظروف الموضوعية الجديدة للقضية الفلسطينية موقف يقبل بتسوية سلمية تحفظ ماء الوجه للعرب ، وتضمن تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة ، وخاصة القدس ، كما تضمن حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في فلسطين .

وكما تحملت السعودية مسئوليتها كاملة تجاه القضية الفلسطينية في وقت المواجهة والحرب مع إسرائيل ، فلقد تحملت أيضاً مسئوليتها الكاملة في زمن السلم ، وفي وضع إطار التسوية السلمية المقبولة للعرب . ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة الملك فهد للسلام التي أصبحت بعد قمة فاس الثانية عام 1982م مبادرة عربية جماعية تنسجم مع الظــروف والمعطيـــات الجديدة التي أحاطت بالقضية الفلسطينية منذ اتفاقية كامب ديفيد، ويلحظ أن المملكة قد أصرت في مبادراتها للسلام على قبول العرب لها . فإما أن تكون المبادرة هي مبادرة سليمة عربية جماعية أو لا تكون هناك مبادرة على الإطلاق.

ولقد أكدت المملكة التزامها بمبدأ التضامن العربي في أعقاب أزمة الخليج و العدوان العراقي على الكويت . فلقد دعمت المملكة إعلان دمشق الذي جمع دول مجلس التعاون إضافة إلى مصر وسورية ، وترك الباب مفتوحاً أمام انضمام أي دولة عربية . كما أسرعت المملكة في أعقاب انتهاء الأزمة إلى إعادة دعمها المالي والسياسي السابق لمنظمة التحرير الفلسطنية ، وذلك على الرغم من الموقف الفلسطيني أثناء الأزمة وتسعى المملكة في الوقت الحاضر بالتنسيق الهادىء مع مصر وسورية إلى إعادة التضامن العربي السابق شريطة التزام العراق بتنفيذ القرارات الدولية المفروضة عليه .

إن هذه المواقف المستمرة التي تجسد اهتمام المملكة الثابت المتواصل الطويل في دعم التضامن وتوحيد الصف العربي تعكس حقيقة الموقف المتميز للمملكة بين العرب ، فدور الجزيرة العربية التاريخي بين العرب وأهمية المملكة في الأصالة العربية وإدراك القيادة السعودية لأهمية هذا الدور الطبعي الأصيل قد عمل على تمسك المملكة بسياسة دعم التضامن العربي ، وجعلها من أولويات سياساتها العربية ، وبذل ما يمكن تقديمه في سبيل تحقيقها .

ولكن وعلى الرغم من هذا السجل السعودي الحافل في دعم التضامن وتوحيد الصف العربي فإن المملكة لم تدعم مشروع القومية العربية الذي تبنى مسألة الوحدة في الستينيات الميلادية ، وسعى إلى تحقيقها . فكيف يمكن تفسير ذلك ؟

تتعلق إجابة هذا السؤال في رؤية المملكة الخاصة لعلاقة العروبة بالإسلام . فالمملكة تتحمل مسئولياتها الإسلامية بشكل كامل . وهي مسئولية تجاه الله – سبحانه وتعالى – قبل أن تكون تجاه خلقه من العرب أو غير العرب ، وبوحي من العقيدة الإسلامية السمحاء ، وفي ضوء تجارب التاريخ الطويل فإن المملكة تؤمن أيضاً بانه لا عزة للعرب دون الإسلام .

وإذا نظرنا إلى المشروع القومي العربي الذي كان مطروحاً في الستينيات الميلادية نجد أنه وإن كان مشرعاً وحدوياً عربياً إلا أنه اتسم بمجموعة من الخصائص والصفات التي بررت معارضته من المنظور السعودي . فلقد ارتبطت فكرة القومية العربية بالاشتراكية والعلمانية و الثورية العسكرية . وإن جميع هذه المباديء تتعارض مع منطلقات العقيدة والشريعة الإسلامية وأسسهما التي تتمسك بها المملكة العربية السعودية ، ولن تقبل التفريط بها لأي سبب من الأسباب . فالتضامن العربي – بحسب الرؤية السعودية – ينبغى أن يتحقق ضمن المضمون الإسلامي ، ولا ينبغي له أن يتبنى أي أسس معارضه للمبادئ الإسلامية الأساسية .





الدعوة إلى التضامن الإسلامي :

عندما دعا الملك فيصل – يرحمه الله – إلى التضامن الإسلامي في منتصف الستينيات الميلادية واجه معارضة شديدة من الأنظمة والتيارات السياسية العربية التي كانت ترفع شعار القومية العربية . ولقد تطور تبعاً لذلك توجه عام لدى محللي السياسة العربية في تلك الحقبة نحو ربط دعوة الملك فيصل للتضامن الإسلامي بظروف الاختلافات السياسية بين مصر والمملكة العربية السعودية بشأن مسألة اليمن ، والعلاقات مع الغرب ، ومع الاتحاد السوفيتي وغير ذلك من القضايا .

فدعوة السعودية بقيادة فيصل للتضامن والترابط الإسلامي عادة ما توصف من قبل فئة كبيرة من الكتاب السياسيين العرب وغيرهم على أنها رد فعل من السعودية لمواجة التيار القومي العربي الناصري الثوري ، فالإسلام في السعودية في الستينيات – وفق هذه النظرة – كان منبراً بديلاً منافساً لمنبر القومية العربية في القاهرة ، وعلى الرغم من أهمية الاختلافات السياسية السعودية المصرية وحقيقتها في تلك الحقبة التي ارتبطت بمسألة اليمن وغيرها من مسائل السياسة العربية وقضاياها ، وخاصة موقف السعودية المطالب باحترام سيادة دول الجامعة العربية واستقلاليتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية على الرغم من كل ذلك فإن النظرة التي ترى دعوة فيصل للتضامن الإسلامي من منظور هذه الاختلافات فقط هي نظرة خاطئة ؛ لأنها تهمل موقع المملكة في العالم الإسلامي واهتمامها الكبير منذ تأسيسها بدعوة التضامن الإسلامي . كما تهمل هذه النظرة أيضاً ارتباط المملكة بالإسلام و ارتكازها عليه في تاريخها ونشأتها وتطورهاوشرعيتها على نحو ما أوضحت في القسم الأول من هذا البحث , وكما قال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في أحد أحاديثه فإن الإسلام هو عزنا ومصدر فخرنا وتشريعاتنا .

وإذا أردنا فهم السياسة الخارجية للمملكة وإدراك حقيقة العديد من مواقفها السياسية الإقليمية والدولية فينبغي أن نأخذ في الحسبان أهمية البعد الإسلامي في المملكة تماماً كما نأخذ في الحسبان أهمية البعد الإسلامي في المملكة تماماً كما نأخذ في الحسبان أهمية البعد العربي في السياسات الخارجية للدول العربية بما في ذلك المملكة .

وإن النظريات العليمة التي تحاول تحليل السياسة الخارجية وتفسيرها تؤكد – كما أوضحت في مقدمة البحث – أهمية النسق العقدي أو النظام القيمي بوصفه أحد العوامل أو العناصر التي تؤثر في صنع السياسة الخارجية . ومرة ثانية أوضح بأن النسق العقدي يتكون من مجموعة من العناصر من أهمها الدين والتاريخ والتقاليد والقيم.

وجميع هذه العناصر في المملكة تتمثل بالإسلام أو تنبثق منه ، وتقوم عليه فالإسلام في المملكة ليس هو فقط دين المواطنيين والمسئولين وعقيدتهم ، ولكنه منطق وتاريخ وأساس وفكر ومنهج ونموذج . وإن التزام المملكة العربية السعودية بالتضامن الإسلامي مثل التزامها بالتضامن العربي يعود إلى حقبة تأسيس المملكة ، ولم يضعف أو يتغير . فلقد دعا القادة السعوديون إلى التضامن الإسلامي منذ تأسيس المملكة العربية السعودية. وإن مواقف الملك عبد العزيز يرحمه الله وتصريحاته وسياساته في هذا الأمر معروفة وموثقة ومن أهمها لقاؤه بقادة العالم الإسلامي وزعمائهم ومفكريهم خلال مواسم الحج . وكما حرص الملك عبد العزيز على توطيد علاقات التضامن والأخوة مع الدول العربية منذ السنوات الأولى لتأسيس المملكة العربية السعودية ، فقلد اهتم بتحقيق تضامن إسلامي متين مع الدول المسلمة غير العربية . فلقد وقع الملك عبد العزيز معاهدة صداقة مع إيران في (نوفمبر) 1929م . ومعاهدة صداقة مع تركيا في أغسطس 1929م واتفاقية صداقة مع أفغانستان في ( مارس ) 1934م .

ولقد سعى الملك سعود إلى تكثيف علاقاته بقادة الدول الإسلامية أثناء مواسم الحج وإلى تدعيم علاقات المملكة بجميع الدول المسلمة التي كانت تهتم بوحدة العالم الإسلامي ، وإلى تدعيم علاقات المملكة بجميع الدول المسلمة التي كانت تهتم بوحدة العالم الإسلامي ، وفي مقدمتها باكستان ، ولقد أعطى الملك فيصل اهتماماً خاصاً بالتضامن الإسلامي بسبب ظروف سياسة التقطب الدولي واعتقاده الراسخ بأن من شأن التضامن الإسلامي أن يدعم قوة أي دولة إسلامية تواجه ضغوطات القوى الخارجية العظمى وتحدياتها في العالم ، وفي عام 1965م أرسل الملك فيصل علماء وموفدين وسياسيين إلى مجموعة من الدول العربية و الإفريقية . وفي عام 1966م زار الملك فيصل مجموعة من الدول العربية والإسلامية لتأكيد دعوته إلى التضامن الإسلامي تضمنت الأردن والمغرب وتونس والسودان عربياً ، وباكستان وتركيا وغينيا ومالي إسلامياً . كما أضاف الملك فيصل في السنة نفسها في المملكة زعماء الكويت والكاميرون والصومال والنيجر والسودان للتباحث في سبل تدعيم وحدة الصف الإسلامي .

ولقد بذل الملك فيصل جهوداً هائلة لتخطي عقبات اختلافات الدول الإسلامية السياسية والعرقية والأيديولوجية والمذهبية ، ونجح في تأسيس رابطة العالم الإسلامي التي عقدت اجتماعها الأول في جدة في نهاية عام 1966م ، ودعا بعض القادة المسلمين منذ تلك السنه إلى عقد مؤتمر قمة إسلامي الذي تحقق انعقاده أخيراً في الرباط في عام 1969م . وتابع الملك فيصل بعد ذلك رحلاته الإسلامية والعربية حيث زار في صيف 1970م ماليزيا وأندونسيا وأفعانستان والجزائر . وفي عام 1972م أثمرت جهود الملك فيصل في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي مثلها ، مثل رابطة العالم الإسلامي من قبلها اتخذت من جدة مقراً لها .

وأصبح العمل الإسلامي المشترك منذ ذلك الوقت يعتمد بشكل رئيس على إطاره المؤسسي المؤثر المتمثل في هذه المنطقة ، ولقد كان تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي مؤذناً بتطور نوعي وكمي واسع بين الدول العربية من جهة والدول الإسلامية من جهه أخرى. وبرزت السعودية في ذلك الوقت بمثابة حلقة الوصل والجسر المتين بين العالمين العربي والإسلامي ، واستمرت السعودية في تأدية هذا الدور المهم ، وفي تدعيم دعوتها للتضامن الإسلامي خلال زمن الملك خالد يرحمه الله ، وتحت قيادة خادم الحرمين الشريفين منذ تولى الحكم عام 1982م حتى الوقت الحاضر ، ولقد أدى تطور الروابط والصلات الإسلامية إلى ظهور نمط جديد في تفاعل الدول الإسلامية مجتمعة مع العالم يرتكز على الخصوصيات الحضارية والدينية والتاريخية للعالم الإسلامي .

وأدت منظمة المؤتمر الإسلامي دوراً سياسياً نشطاً في السياسات العربية والإسلامية والدولية ، وكانت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول الإسلامية التي برزت في هذا الحيز الجديد في النشاط السياسي الدولي . فالعالم الإسلامي الذي يمتد من المغرب في إفريقيا إلى أندونسيا في آسيا بدأ منذ الثمانينيات الميلادية يشعر من جديد بهويته الإسلامية المشتركة ، وذلك على الرغم من الاختلافات والانقسامات التي تشوبه ، وبدأ يدرك بأهمية تضامنه وترابطه . وهكذا فلقد حققت السياسة السعودية الداعية إلى التضامن الإسلامي ثمارها . فالسعودية تشعر أن مسئوليتها الدينية تتطلب سعيها المتواصل لتدعيم روابط الدول الإسلامية وتوثيقها وغني عن القول أن من شأن زيادة التضامن الإسلامي وترسيخه أن يؤدي إلى تعزيز مركز المملكة العربية السعودية وتقويته في العالم، وهذا أمر من حق أي دولة أن تسعى إليه وأن تفتخر به .

ومن أهم منجزات العمل الإسلامي المشترك الذي سعت إليه المملكة العربية السعودية منذ الستينيات الميلادية هو الخروج بالقضية الفلسطينية من إطارها العربي المحدود نسبياً إلى حيزها الإسلامي الواسع . فبفضل جهود الملك فيصل أقدمت مجموعة من الدول الإسلامية على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في أعقاب حرب 1967م.

وبفضل الجهودالسعودية أصبحت القضية الفلسطينية تحتل إحدى أولويات العمل الإسلامي المشترك الرئيسة ، ولقد كان حريق المسجد الأقصى هو الدافع الرئيس المباشر وراء عقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول في الرباط في عام 1969م ، ولقــــد سبق الملك فيصل قبل انعقاد المؤتمر أن دعا إلى الجهاد الإسلامي لتحرير القدس ، وتخليص المسجد الأقصى من قبضة الاحتلال الصهيوني ، ولقد أعلن – يرحـــمه الله – في أكثر من مناسبة عن تمنيـــه تأدية الصـــلاة في المسجد الأقصى بعد تحريره.

ولقد أصبحت القدس هي القضية الأولى التي شغلت اهتمام الملك فيصل في سنوات حياته الأخيرة . وإن السعوديين الذين عاصروا فيصلاً – يرحمه الله – لا يمكن أن ينسوا إحدى مقابلات الملك السعودي مع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر أثناء رحلة من رحلاته المكوكية التي شملت الرياض حيث سمع صوت الملك فيصل واضحاً في لقطة إخبارية تلفازية وهو يقول لوزير الخارجية الأمريكية أثناء سلامه على الملك لتوديعه : القدس .. القدس .. القدس .. قالها ثلاث مرات .

ولقد أكد قادة المملكة العربية السعودية منذ ذلك الوقت التزامهم المطلق بمسألة تحرير القدس العربية فلقد جاء ذلك ضمن تصريحات عديدة للملك خالد يرحمه الله ولخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ، وأثناء رحلة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الأخيرة ( أكتوير 1998م ) إلى الولايات المتحدة الأمريكية أصر سموه على ذكر القدس في البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارته ، ومن منجزات العمل الإسلامي المشترك بخصوص قبلة المسلمين الأولى .

تجدر الإشارة أخيراً إلى توصية مؤتمر القمة الإسلامي السادس المنعقد في جدة بتأسيس لجنة القدس التي أسندت رئاستها إلى جلالة الملك الحسن الثاني أثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي العاشر بمدينه فاس في ( مايو 1979م ) .

ولا شك في أن البعد الإسلامي في مواقف المملكة وسياساتها هو أحد الأسباب الرئيسة التي تمنع المملكة في الوقت الحاضر من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ، وتجعلها تقود حملة معارضة عملية التطبيع التي اندفعت وراءها بعض الدول العربية . ولقد ارتبط بتطور الإحساس بالهوية الإسلامية في العالم الإسلامي ظاهرة العودة إلى الله سبحانه وتعالى ، والتمسك بدينه الحنيف بين الشعوب الإسلامية التي عرفت بالصحوة الإسلامية ، ولقد كان لهذه الصحوة مزايا وفوائد إنسانية عديدة لحقت بالمسلمين أفراداً وجتمعات ، ولكن بعض المتطرفين من المسلمين المسيسين أساءوا في تصرفاتهم ونشاطاتهم المتطرفة ذات الصبغة الإرهابية إلى الإسلام وإلى المسلمين وإلى الانطباع أو التصور الخاص بالصحوة الإسلامية ، ولقد لحق ضرر هذه الفئات بالمجتمعات الإسلامية أكثر من غيرها ، كما أصاب ضرر أعمالهم بعض المجتمعات الغربية التي أصبحت تخشى من التطرف الإسلامي المرتبط ببعض الجامعات الإسلامية .

وبدأت تتطور في الغرب نظرة سلبية نحو الإسلام بصفة عامة بسبب ربط أجهزة الإعلام الغربية دون حق بين الإسلام والممارسات المتطرفة لبعض المسلمين ، ومن الواضح أن من شأن هذا الأمر أن يضر بالإسلام وبمصالح الدول الإسلامية التي ترتبط مع الغرب في علاقات اقتصادية وعلمية وتقنية مهمة . ومن شأنه أيضاً أن يضر بمصالح ملايين المسلمين الذين تربطهم أعمال ونشاطات اقتصادية وتجارية ومالية وعلمية مع دول العالم الغربي ، وفي مقدمة هؤلاء تأتي الأقليات الإسلامية في الغرب للعمل أو الدراسة أو العلاج .

ولمعالجة هذه المشكلة فلقد حرصت العديد من الدول والأحزاب والجماعات السياسية والهيئات العلمية والدينية والمصالح الاقتصادية في العالم الإسلامي على الاهتمام بالحوار مع الغرب لتصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام في الذهن الغربي ، ولتأكيد اهتمام المسلمين بالتفاعل البناء بين الغرب والعالم الإسلامي ضمن نطاق تبادل المصالح المشتركة بين الطرفين .

ولقد برزت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول المسلمة التي اهتمت بموضوع الحوار بين المسلمين والغرب ، وتم تخصيص البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية في عامين متتالين 1416و 1417هــ ( 1996 و 1997م ) لمناقشة موضع العلاقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ، ودعت المملكة ضمن فعاليات المهرجان الأول ( 1416هــ ) الدكتــور صامويـــل هنتغنتون صاحب نظرية صدام الحضارات الشهيرة لمحاورته ومناقشته .

وإن المملكة العربية السعودية التي تتمتع بمكانة متميزة في العالمين العربي والإسلامي وبسبب اعتدال علاقاتها السياسية والاقتصادية واتزانها واستقرارها العربية والإسلامية والدولية فإنها مؤهلة في الحقيقة لتأدية دور قيادي جوهري في الحوار بين المسلمين والغرب ، والسعي لتدعيم التعايش السلمي بين الطرفين .