منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#57891
لقد كانت علاقة المغرب مع المجموعة الاقتصادية الأوربية تحدد انطلاقا من توجهات السياسة الخارجية للمجموعة، نظرا لعدة عوامل أهمها القوة الاقتصادية و السياسية للمجموعة مقارنة مع المغرب، وبالتالي فإن لهذه العلاقة الاتفاقية ورغم ما سبقها من مفاوضات فإنها تظل خاضعة لهيمنة ورغبة المجموعة. ولعل أهم العوامل التي كانت سببا في جعل هذه العلاقة محدودة وعاجزة عن تحقيق تعاون حقيقي بين الطرفين هو رغبة المجموعة الأوربية في تكريس الولاء السياسي للمغرب تجاه المجموعة حفاظا على مصالحها وتحقيقا لأهدافها الاقتصادية والسياسية، حيث كانت سياسات وتوجهات المجموعة الأوربية في علاقتها مع المغرب تقوم على هدفين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي.
أما الهدف السياسي فيتمثل في الرغبة العارمة التي كانت لدى المجموعة من أجل تكريس فكرة الولاء السياسي ليظل المغرب منطقة نفوذ تابعة للمجموعة وبالتالي للدول الأعضاء داخلها.
أما الهدف الاقتصادي فهو استغلال المغرب اقتصاديا، حيث كان يمثل موردا من المواد الأولية واليد العاملة الرخيصة، وكذلك سوقا لتصريف فائض إنتاج المجموعة على غرار تعامل كل إمبرياليات العالم مع باقي دول ما يسمى بـ "العالم الثالث".
وبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين الذي اعتبر علامة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية، علامة تحول كبرى في مجال السياسة الدولية ويتجلى هذا التحول في علاقات الدول بعضها ببعض، فعلاقة المغرب مع المجموعة الإقتصادية الأوروبية، ليست هي نفسها على - مستوى الشكل -، مع الإتحاد الأوروبي فالظروف الدولية تغيرت وحتى الظروف الداخلية للطرفان.
فقد بنى الإتحاد الأوروبي سياسة الشراكة من تصورات واضحة عنده، هدفها معالجة موضوع الهجرة والاضطراب السياسي والأمني في دول شمال إفريقيا، ومحاولا تطوير الإقتصاد الأوروبي عن طريق فتح الأسواق المغاربية وتوسيع دائرة السوق الأوروبية لتصبح مركزا للإقتصاد العالمي.
وبعد مؤتمر برشلونة المتوسطي المنعقد سنة 1995، إنطلق الإتحاد الأوروبي في تدشين سلسلة من المفاوضات لإبرام اتفاقيات شراكة وتعاون مع دول الجنوب والمتوسط، وكان المغرب إحدى الدول التي وقعت مع الإتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة يوم الاثنين 26 فبراير 1996 على الساعة الثانية عشر ونصف ببروكسيل، كما وقع المغرب مع الإتحاد الأوروبي في نفس اللحظة ونفس المكان، اتفاقية للصيد البحري وهي مستقلة عن اتفاقية الشراكة لكن دينامية المفاوضات أدت إلى الربط بين مضمون الاتفاقيتين .
وأهم نقطة جاءت بها اتفاقية الشراكة تحديد سنة 2012 كأفق لدخول منطقة التبادل الحر حيز التنفيذ، من أجل إعطاء قوة أكثر لهذه الإتفاقية فإن المغرب والإتحاد الأوروبي عازمين على المضي من أجل اتفاق مستقبلي كان من المقرر أن يحمل إسم "اتفاق الجوار".
- فما هو الإطار القانوني للعلاقات الأورومغربية؟ (المبحث الأول).
- وهل فعلا حققت إتفاقية الشراكة لسنة 1996 ما كان منتظرا منها؟، أي واقع العلاقات الأورومغربية (المبحث الثاني).

المبحث الأول : الإطار القانوني للعلاقات الأورومغربية
يتضمن هذا الإطار اتفاقيتان : الأولى هي اتفاقية الشراكة لسنة 1996 والتي كانت نتاج لمؤتمر برشلونة الأورومتوسطي، أما الثانية فهي اتفاقية الصيد البحري.
فما هو مضمونهما؟ وهل أسستا فعلا لمنطق جديد لطالما نادى به المغرب ولطالما تكرر في خطابات مسؤولي الإتحاد الأوروبي؟
المطلب الأول: اتفاقية الشراكة لسنة 1996
قبل التطرق إلى مضمونها نشير إلى أن هذه الاتفاقية تختلف عن سابقاتها من حيث طابعها الشامل، فهي جامعة لأبعاد سياسية، مالية، اقتصادية، ثقافية واجتماعية. وذلك على اعتبار أن التعاون الاقتصادي لا يمكن أن يتم بمعزل عما هو سياسي وثقافي واجتماعي؛ أي أن أوروبا تتخذ من الاقتصاد مطية لتمرير ثقافتها وفرض توجهاتها السياسية على المنطقة.
ويبقى الجانب الإقتصادي هو الذي يحضى بالأهمية الكبرى داخل هاته الإتفاقية بالنظر إلى طبيعة الرهانات المرتبطة به، لذا نجد أن هذه الإتفاقية تضع قواعد علاقات جديدة في إطار الشراكة أي الإنتقال من سياسة الإعانة إلى سياسة الشراكة المبنية على حقوق وإلتزامات، وقد وضعت اللجنة الأوروبية يوم 8 مارس 1995 مقترحا من أجل إعطاء نفس جديد لمفهوم الشراكة يرتكز على محورين:
- المساعدة وتكثيف الإصلاحات السياسية وإقرار حقوق الإنسان وحرية التعبير
- الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية بهدف الرفع من النمو ومستوى المعيشة
بينما يعرف المغرب الشراكة على أنها إطار لبناء أسس التضامن يستند على عامل التقارب والجوار بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وهكذا يوم الاثنين 26 فبراير وقع المغرب
مع الإتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة لسنة 1996، وتجدر الإشارة إلى ان هذه الاتفاقية قد
حلت محل اتفاقية التعاون لسنة 1976.
ودون الدخول في تفاصيل وجزئيات هذه الإتفاقية يمكن تبيان أهم ما جاءت به على النحو التالي :
- بالنسبة للقطاع الصناعي : فإن المبدأ الأساسي المعتمد في هذا المجال هو السماح للمنتوجات الصناعية المغربية بالدخول إلى السوق الأوروبية المشتركة، بنفس الشروط التي تخضع لها المنتوجات الصناعية بين دول أوروبا، كما أن الصادرات الأوروبية من المنتوجات الصناعية في اتجاه المغرب لا تخضع للتعريف الجمركية بإستثناء الصادرات المجودة في الملاحقة 3-4-5-6، فمثلا منتوجات الملحق 3 سيتم تخفيض التعريف الجمركي بنسبة %50 بعد سنة من تطبيق الاتفاقية وبـ 25% بعد سنتين وتحذف نهائيا بعد ثلاث سنوات.
فالجديد الذي أتت به الاتفاقية في هذا المجال هو إلغاء كل الحقوق الجمركية والرسوم المماثلة على الواردات الصناعية من أصل أوروبي (الصادرات المغربية معفية منذ 1976) وذلك في أفق إحداث منطقة للتبادل الحر .
- بالنسبة للقطاع الفلاحي: هناك منتوجات تستفيد من الإعفاء الجمركي ومن سعر دخول منخفض ومتفق عليه في حدود حصة معينة ويتعلق الأمر هنا بأهم الصادرات المغربية : الطماطم، البواكر،.... وهناك نوع ثاني من المنتجات تستفيد من إعفاء جمركي في إطار حصص تعريفية مثل البطاطس، والزهور المقطوفة،.... كما هناك أخرى تستفيد من الحقوق الجمركية بدون تحديد حصص تعريفية مثل الخضر الطرية : الجلبان، الفواكه الطرية،..... ونجد نوعا رابعا من المنتوجات المعفاة من الحقوق الجمركية في إطار مقادير مرجعية تستفيد هذه المجموعة من الإعفاء الجمركي ما لم تتجاوز الصادرات المغربية كمية تسمى الحصة المرجعية، أما النوع الخامس والأخير نجد المنتوجات التي تستفيد من الإعفاء الجمركي دون تحديد الحصص وأهمها الفواكه المجففة، الحوامض المحولة، زيت الزيتون ....
إن القراءة الأوروبية للمادة 18 من اتفاقية الشراكة توضح لنا أن السوق الأوروبية ليست مفتوحة بشكل كامل أمام المنتوجات الفلاحية المغربية. حيث لازالت تعترضها مجموعة من العراقيل تتعلق أساسا بأثمان الدخول وتقليل الحصص وفترات الولوج. فالطماطم المغربية مثلا تبقى مقيدة في دخولها للسوق الأوروبية في حصص لا تتعدى 150 ألف 676 طن وخلال فترة تمتد من فاتح أكتوبر إلى 31 مارس .
- بالنسبة للقطاع المالي: فإن الاتفاقية أكد على رفع نسبة المساعدات المقدمة للمغرب بنسة 60%، حيث وصال إلى 600 مليون دولار في الفترة ما بين 1996-1999. كما أن البنك الأوروبي للاستثمار سيمنح المغرب قروضا تفضيلية لتمويل تنمية البنيات التحتية الإقتصادية والإجتماعية وتنمية القطاع الخاص، كما خصص الإتحاد الأوروبي في إطار برنامج "ميدا" مساعدة مالية للمغرب تقدر بـ 4.685 مليار وحدة نقدية لنفس الفترة. وهذه المساعدات حلت محل البروتوكولات المالية السابقة .
إن الغلاف المالي الأوروبي لا يشكل سوى جزء صغيرا من حاجيات ومتطلبات المغرب، وبالتالي فإن الدعم المقدم للمغرب وخلافا لدعم المقدم لإسبانيا والبرتغال واليونان في نهاية الثمانينيات، والدعم المقدم لدول أوروبا الوسطى والشرقية مأخرا مازال يندرج في منطق المساعدة وليس منطق الإندماج أو الشراكة.
إن اتفاقية الشراكة لم ترقى إلى مستوى الهدف المتوخى منها، فالإتحاد الأوروبي إستغل وضعه فتعامل مع المغرب بمنطق ميركنتيلي مناقض في ذلك لشعاراته وخطاباته السياسية، والتي يدعي فيها أنه يسعى إلى تحسين مستوى عيش منطقة جنوب المتوسط، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
- المنتوجات الفلاحية المغربية المتوجهة نحو الإتحاد الأوروبي مازالت خاضعة لإجراءات تقنية صارمة تهدف إلى إضعاف الصادرات المغربية.
- الإتحاد الأوروبي الذي يشكل شريكا استراتيجيا للمغرب مطالب بتدشين حوار جديد عبر الانطلاق من رؤية تعاونية صادقة تجمع بين مجال التنمية ( الذي هو متطلب المغرب) و الأمن (الذي هو مطلب أوروبا).
إن القول بالتوقيع على اتفاقية شراكة يفيد وجود طرفين متوازيين أو على الأقل متقاربين من حيث القوة الاقتصادية والسياسية، فهل يمكن تصور ذلك في حالة المغرب مع أوروبا.. بلد" نامٍ" مع أكبر قوة اقتصادية من حيث الناتج الداخلي الخام والسوق الاستهلاكية؟!.. طبعًا لا يمكن ذلك، وإن كان المغرب قد عبَّر في أكثر من مرة عن رفضه لسياسة الإملاء التي تتعامل بها معه أوروبا فإنه في نهاية المطاف لا يجد بدًا من الرضوخ إلى الأمر الواقع، والبحث ما أمكن عن أسباب بديلة لتقوية موقعه من خلال تنويع شركائه، وتكثيف علاقاته الاقتصادية مع البلدان التي يتقاسم معها أكثر من عامل تقارب، خاصة الدول العربية. إلا أنه وللأسف لم نشهد لحد الآن ما يشير إلى تعزيز التعاون العربي/العربي، فإذا ما اكتفينا بتجربة "اتحاد المغرب العربي" فإنه يكاد يكون مشلولاً ولم يحقق أي إنجاز يذكر منذ تأسيسه.
ومن هنا يتضح الهدف الحقيق الذي كان وراء عقد هذه الإتفاقية والمتمثل في تكريس التبعية على المستويين الإقتصادي والسياسي بغيت تحقيق أهدف أوروبية محضة من شانها أن تجعل من الإتحاد الأوروبي أكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم .
إذا كان هذا هو حال اتفاقية الشراكة لسنة 1996 فما هو حال اتفاقية الصيد البحري التي يعتبرها البعض بمثابة ورقة ضغط للمغرب في علاقته مع الإتحاد الأوروبي؟

المطلب الثاني : اتفاقية الصيد البحري لسنة 1996
كما سبقت الإشارة على ذلك فإن اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، هي اتفاقية منفصلة عن اتفاقية الشراكة، لكن ونظرا لتزامن دينامية المفاوضات، ونظرا لأن الاتفاقيتين تم توقيعهما في نفس الزمان والمكان دأب بعض الباحثين والدارسين على الربط بين الاتفاقيتين وجعلهما اتفاقية واحدة، إلا أن اتفاقية الصيد البحري هي خاصة بالمغرب فقط، على عكس اتفاقية الشراكة التي تهم جل دول المتوسط.
وتهدف اتفاقية الصيد البحري إلى تمكين الصيادين الأوروبيين من الصيد في المياه الإقليمية المغربية، ويمكن إعطاء أهم ما جاءت به هذه الاتفاقية باختصار شديد في النقاط التالية :
- تأكد الاتفاقية على مبدأ الإفراغ الإجباري في الموانئ المغربية، للمواد المصطادة بواسطة الأساطيل الأوروبية إبتداءا من السنة الثانية لتنفيذ الاتفاقية، خاصة بالنسبة للرخويات، ويلتزم الطرف الأوروبي بمنح حوافز مالية للبواخر الأوروبية التي تقوم بإفراغ محتوياتها إجباريا أو طواعية بالموانئ المغربية.
- تعهد المغرب في هذه الاتفاقية بتحسين البنية الاستقبالية في موانئه وتحديثها.
- تقرر منح المغرب تمويل مالي بقيمة 355 مليون يورو، تؤدى خلال أربع سنوات بشكل متتالي، كما تقرر حصول قطاع الصيد البحري على مساعدة مالية في حدود 121 مليون يورو من أجل إنجاز الإلتزامات الميداني المراقبة والتعاون. كما تضمن الاتفاق مقتضيات تقنية الهدف من ورائها عقلنة النشاط البحري وخاصة توزيع مجهود الصيد البحري بين مختلف الأصناف. كما سيتم توزيع نشاط الصيد البحري بين المحيط الأطلسي بشكل أكثر تكافئا. من جهة أخرى سيتم تحسين استعمال وسائل الصيد البحري وضمان أكبر مرونة لها لتدبير القطاع.
- ومن أجل المحافظة على المجال البحري التي تعتبر ضرورة وطنية ودولية، تقتضيها أحكام التعاون. فالموقع الإستراتيجي للمغرب بالنسبة للبحر المتوسط، جعله يلعب دورا مهما خاصة بتوفره على أغنى مجالات الصيد البحري في العالم، وبالتالي فهو مدعوا للإستغلال المعقلن لتحقيق التقدم الإقتصادي والإجتماعي، والمغرب قد صادق على إجراءات مهمة أتى بها قانون البحار لسنة 1982، للمحافظة على الثروات البحرية وصيانتها، ومنها:
- التجميد المؤقت للإستثمارات.
- وضع فترات الراحة البيولوجية.
- التقوية المستمرة للبحث العملي.
إن البواخر الأوروبية قد استنزفت الثروات السمكية المغربية بشكل خطير، وظهر بما لا يترك مجالا للشك أن الدول الأوروبية تبحث عن الربح وتحقيق مصالحها دون الإكثرات للمغرب. فإتضح الفرق الشاسع بين الخطاب الأوروبي الملفوف بقيم التعاون والتنمية والممارسة الأوروبية التي تكشف عن الوجه السلبي والإستغلالي في التعامل مع الطرف الأخر ليتضح أكثر حقيقة العلاقات الأورومغربية بما هي علاقات إستغلال إقتصادي واستنزاف لثروات بلدنا.
وقد أقدم المغرب على إيقاف اتفاقية الصيد البحري سنة 1999 وامتنع عن تجديدها، رغم ما تعرض له من ظغوطات من طرف الأوروبيين وخاصة الإسبان. وذلك لعاملين إثنين :
- الأساليب المدمرة للثروة السمكية التي يستعملها الصيادون الإسبان، مما يهدد المياه الإقليمية بإندثار هذه الثروة.
- الشروط المجحفة بالإقتصاد المغربي، فإيرادات الدولة من إتفاقية الصيد البحري لا يعادل الثروة السمكية التي يستنزفها الصيادون الأوروبيون.
إلا أن المغرب اضطر إلى تجديدها بشروط جديدة حيث لن يسمح لأكثر من 119 باخرة صيد من دخول المياه الإقليمية المغربية وتحدد حصص نسبية سنوية من صيد الأسماك الأطلسية الصغيرة حدد حجمها في 60000 طنا. وتتضمن هذه الإتفاقية مقابلا ماديا على مدى أربع سنوات حدده الإتحاد الأوروبي لفائدة المغرب في ما قيمته 144 مليون يورو، ستخصص حصة كبيرة من هذه المنحة لتمويل تدابير دعم الأسطول المغربي وكذا تطوير وعصرنة قطاع الصيد المستديم بالمياه المغربية. وتمثل هذه المقاربة النوعية في اتفاقيات الاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري طبقا لما تنص عليه قرارات الإصلاح 2002 المتعلقة بسياسات الإتحاد في مجال الصيد نظرة جديدة تدعو إلى الحث على إبرام علاقات تعاون وطيدة مع شركاءها من أجل ضمان صيد مستديم في المياه الإقليمية.
واستمر المغرب والإتحاد الأوروبي في تجديد هذه الإتفاقية كلما أشرفت على الانتهاء وكان أخر تجديد في في فبراير من سنة 2011 حيث تم ذلك لأربع سنوات قادمة أي إلى غاية 2015، بناءا على نفس الشروط والبروتوكولات التي قامت عليها الإتفاقية السابقة (مارس 2007) ، وكان ذلك في جو من الصراعات السياسية والإعلامية خاصة بعد تحرك الجزائر والبوليزاريو للمطالبة بإلغاء بدعوى أنها غير شرعية ومخالفة للأعراف الدولية لكون بنودها تشمل الشواطئ الصحراوية المتنازع عليها، ورغم كل ذلك تم تجديد الإتفاقية وإن بشروط مجحفة في حق المغرب .

يتضح أن المغرب رغم قلت إمكانياته يسعى جاهد إلى تنفيذ مضامين الإتفاقية، بينما لا يزال الإتحاد الأوروبي يتعامل – رغم الخطابات والإهامات- بمنطق مركينتيلي يهدف من وراءه إلى جعل الإتحاد الأوروبي قطبا ثالثا للإقتصاد العالمي وقوة سياسية كبرى وإن كان ذلك على حساب دول جنوب المتوسط خاصة المغرب الذي يحاول (الإتحاد الأوروبي) تكريس تبعيته السياسية والإقتصادية بجميع الوسائل.
المبحث الثاني : واقع العلاقات الأورومغربية
إن الحديث عن العلاقات الأورومغربية في الوقت الحالي، وبالمقارنة مع ما سبق وجاءت به إتفاقية الشراكة لسنة 1996 يفرض علينا الوقوف على نقطتين أساسيتين: منطقة التبادل الحر الأورومغربي التي سبق وأن وضعت لها (إتفاقية الشراكة) مشروعا وحددت سنة 2010 كأفق لإنشاءها (المطلب الأول)، وكذا التطرق لـ"خطة العمل لسياسة الجوار" التي سبق وأن اقترحها الإتحاد الأوروبي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: منطقة التبادل الحر
تعرف المادة 24 من إتفاقية الكاط منطقة التبادل الحر بكونها مجموعة مكونة من إقليمين جمركيين أو أكثر،حيث يتم إلغاء الحقوق الجمركية وباقي التنظيمات التجارة المقيدة في وجه المبادلات التجارية المتعلقة بالمواد الأولية الأصلية داخل الأقاليم المؤسسة لمنطقة التبادل الحر.
وكما سبقت الإشارة فإنشاء منطقة التبادل الحر بين المغرب والإتحاد الأوروبي كان أهم مشروع سطرته إتفاقية الشراكة لسنة 1996 وحددت له سنة 2012 كأفق. وذلك وفقا لمقتضيات الإتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية .
لكن مدة 12 السنة تبقى غير كافية لتأهيل المغرب لخوض غمار منطقة التبادل الحر، فمؤشر التنمية البشرية يعكس بشكل واضح أنه في حدود 2012 لا يمكن الإجابة على الهوة الشاسعة بين بلدان الإتحاد الأوروبي والمغرب.
إن منطقة التبادل الحر كما عبر عنها "فتح الله والعلو" في أكثر من مناسبة هي "رهان خطير ولكنه ضروري"، فهي تشكل تحديا لاقتصاد المغرب، وفرصة لدفع عجلة التنمية إلى الأمام شريطة العمل من أجل النهوض بالإقتصاد والمجتمع الوطني، وأولى التحديات تتجلى في مدى قدرة الإقتصاد المغربي على الرفع من تنافسيته في الأسواق الخارجية، فالمغرب إن أراد أن يخوض غمار التجربة المتوسطية (الشراكة الأورومتوسطية) وكذا الاستعداد الجيد للمشروع الجهوي، (منطقة التبادل الحر) وجب عليه إعادة هيكلية شاملة لنسيجه الإقتصادي قصد تأمين وإنجاح هذه المرحلة الانتقالية في مساره نحو الانفتاح الشامل على الإقتصاد العالمي، الأمر الذي يتطلب توفير عدة شروط كفيلة بخلق ظروف ملائمة، وأهمها سيكون تعزيز عملية التصدير وتحقيق الديمقراطية وكفاءة اليد العاملة، وتحسي تداول الاستثمارات العامة والخاصة، وكذا تأهيل المقاولة المغربية، وهذا يتطلب من المغرب تهيئ المناخ الملائم لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ولن يتمكن من تحقيق كل هذا إلا بحصوله على مساعدات خارجية وعدته أوروبا بتقديمها. وسعيا إلى إقامة منطقة للتبادل الحر الأورومغربية، تم تبني برنامج التنمية المتوسطي "ميدا" الذي أصبح بمثابة الأداة المالية الرئيسية للتجسيد الحقيقي لمنطقة التبادل الحر .
إن منطقة التبادل الحر كمكون للشراكة الجديدة تمنح فرصة إعطاء العلاقات بين الشركاء دينامية في الأمد البعيد، لكن وبالرغم من القفزة النوعية التي عرفتها العلاقات الأورومغربية خلال السنوات القليلة الماضية، فإن المغرب لم يكن راضيا عن نتائج هذه الشراكة لأنه كان وسيظل بدون شك الطرف الضعيف في هذه العلاقة وبالتالي لن يستفيد الشيء الكثير منها، رغم إقدام الإتحاد الأوروبي على إيجاد صيغة جديدة للتعاون مع المغرب، وقد اتضح ذلك من خلال سياسة الجوار التي خلقها الإتحاد الأوروبي.

المطلب الثاني: خطة العمل لسياسة الجوار
تهدف سياسة الجوار الأوروبية للاتحاد الأوروبي إلى التقريب أكثر فأكثر بينه وبين البلدان المجاورة من أجل المصلحة المشتركة. وصيغت سياسة الجوار بعد اكتمال توسيع الاتحاد في 2004 واستيعابه 10 أعضاء جدد، من أجل تفادي قيام حدود جديدة داخل أوروبا، وهي تدعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجارية في ستة عشر بلدا مجاورا للاتحاد الأوروبي من أجل تشجيع السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي في كامل المنطقة. وتم تصميمها بشكل يضمن تكثيف التعاون الثنائي، أكثر مما سبق، بين الاتحاد الأوروبي وكل من البلدان المجاورة.
يشارك ستة عشر بلدا في سياسة الجوار الأوروبية، من بينها تسعة شركاء متوسطيين في مسيرة برشلونة الأورومتوسطية وهي: الجزائر، مصر، "إسرائيل"، الأردن، لبنان، المغرب، الأراضي الفلسطينية المحتلة، سورية وتونس. كما تشارك ليبيا بصفة مراقب في اجتماعات سياسة الجوار الأوروبية. وتعد من جهة أخرى ستة بلدان شرقية هي: أرمينيا، أذربيجان، روسيا البيضاء، جورجيا، مولدوفا وأوكرانيا.
وتشجع سياسة الجوار الأوروبية مبادئ رائدة مثل "التملك المشترك" كما أطلقت آلية مستحدثة للتمويل وهي الآلية الأوروبية للحوار والشراكة في يناير 2007.
لكن سياسة الجوار الأوروبية لا تعني توسيع الاتحاد ولا تمنح البلدان المشاركة إمكانية العضوية. فهي تهدف إلى تشجيع الحكم الرشيد والنمو الاجتماعي في بلدان الجوار من خلال:
- توثيق العلاقات السياسية
- الاندماج الاقتصادي الجزئي
- توفير الدعم من أجل الاستجابة لشروط المواصفات الأوروبية
- مواكبة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية
الاتحاد الأوروبي يرى في سياسة الجوار الأوروبية سبيلا للبناء "انطلاقا من الالتزام المشترك حتى القيم المشتركة ـ الديمقراطية وحقوق الإنسان، سلطة القانون، الحكم الرشيد، مبادئ اقتصاد السوق والتنمية المستدامة". ويرتبط مستوى العلاقات بمدى الالتزام بهذه القيم.
وتغطي مفاوضات سياسة الجوار الأوروبية أربعة مجالات:
- تعزيز سلطة القانون، الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان
- تشجيع الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز اقتصاد السوق
- تشجيع التشغيل والانسجام الاجتماعي
- التعاون من أجل تحقيق الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية مثل مكافحة الإرهاب وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل .
وبالنسبة للمغرب فقد قدم الملك محمد السادس خلال سنة 2000 مبادرة بشأن العلاقات الأورومغربية، تهدف إلى إعطاء المغرب وضعا متقدم يكون أكثر من الشراكة وأقل من العضوية في الإتحاد الأوروبي.
وخلال الدورة الثالثة لمجلس الشراكة بينهما تم الإتفاق على تكوين سبع لجان إتفاقية فرعية تهم مجالات جديدة مرتبطة بخلق تقارب مع البنية التشريعية الأوروبية وتطوير التعاون الإقتصادي وتعزيز الحوار السياسي ويتعلق الأمر بما يلي : - الفلاحة والصيد البحري، - الصناعة والتجارة والخدمات، - النقل والطاقة والبيئة، - السوق الداخلي، - حقوق الإنسان والدمقرطة والحكامة.
ولهذا يعمل المغرب والإتحاد الأوروبي على إعداد مخطط عمل يتوفر على الآليات الملائمة لتنفيذه خاصة وأن سياسة الجوار لأوروبا الموسعة تتجاوب مع الإقتراح المغربي.
ويعتبر المغرب أكبر دول الجنوب استفادة من سياسة الجوار حيث حصل سنة 2010، على 1 مليار و 800 مليون درهم لدعم البرامج الهامة لصالح المواطنين المغاربة، وكذا التوقيع على برنامج جديد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، في يوليو/ تموز الماضي 2010 لفترة 2011 ـــ ـ2013 وصل الدعم المالي الأوروبي إلى أكثر من 2 مليار درهم سنويا، مع التركيز على التعاون في مجال سياسات الإصلاح ذات الأولوية .
إضافة إلى إعطاء الإنطلاقة لبرامج جديدة في مجال مكافحة الأمية، والتضامن الزراعي، والتنمية الريفية والصرف الصحي، وإزالة التلوث، وصرح السفير اينيكو: "يتركز تعاوننا على دعم سياسات واستراتيجيات الإصلاح ذات الأولوية في المغرب"،مضيفا " إن هذا الاختيار لن يكون ذا مصداقية إلا في حالة قيام المغرب بالإسراع في وتيرة تنفيذ الإصلاحات، وتعبئة الموارد البشرية والمالية اللازمة لنجاحه. إن شراكتنا وثيقة وحازمة، وسوف ندعم بقوة جميع الإجراءات التي تسعى إلى تعزيز التماسك الاجتماعي ومكافحة الفقر، التي تعتبر من ضمن القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي" ، ويدعم الاتحاد الأوروبي أيضا المجتمع المدني من خلال الحوار والتشاور والتعاون : وهكذا يقوم الاتحاد الأوروبي بدعم 50 مشروعا في طور التنفيذ في مجالات حقوق الإنسان (من بينها ستة أنشطة في مجال العدالة، وخمسة متعلقة بحرية التعبير، وأربعة بمكافحة الفساد، وثلاثة بالديمقراطية المحلية والبرلمانية)، ومن المقرر أن يتم خلال هذه السنة 2011 وضع برنامج للتنمية الريفية في شمال المغرب سيتركز على إقليم الحسيمة، فضلا عن تقديم الدعم من أجل تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في جميع أنحاء البلاد.
إذا كانت أوروبا استطاعت هدم جدار برلين وإعلان الوحدة الألمانية ومن خلالها الوحدة الأوروبية، فإن الممارسة في إطار علاقة الإتحاد الأوروبي مع دول جنوب المتوسط تظهر أن الإتحاد يبني جدار أخر في المتوسط، فالاختلالات التي يزعم الإتحاد بأنه يريد تصحيحها من اتفاقية لأخرى بينه وبين المغرب (ونفس الشيء بالنسبة لباقي دول جنوب المتوسط)، مافتئت تزداد وتزداد مها الهوة بين شمال وجنوب المتوسط، وهذا أمر بديهي فكما سبقت الإشارة يشكل الإتحاد الأوروبي القوة الإقتصادية والسياسية الكبرى فهي هذه العلاقة الشيء الذي يمكنه من رسم معالمها على هواه خدمات لمصالحه وتكريسا لسيطرته الإقتصادية على دول الجنوب ومن بينها المغرب الذي لن يستطيع فعل شيء غير الخضوع لتوصيات الإتحاد الأوروبي في كافة المستويات، وما الوضع المتقدم الذي منحه الإتحاد الأوروبي للمغرب والذي إعتبره (الإتحاد) قفزة نوعية في العلاقات الأورومغربية، إلا تكريسا لسياسته القديمة إزاء المغرب وترسيخا للولاء السياسي وتعميقا للإستغلال الإقتصادي.