- الأحد مايو 05, 2013 2:46 am
#62243
الجمهوريّة اللبنانيّة
الموقع
يقع لبنان في غربي قارة آسيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي يحده من الغرب. ومن الشمال والشرق تحده سوريا ومن الجنوب تحده فلسطين المحتلة. تقع على ساحله الممتد على البحر المتوسط المدن التاريخية القديمة: بيروت، طرابلس، جبيل، صيدا، صور. تبلغ مساحة لبنان 10,452كم2، ويبلغ عدد سكانه المقيمين على أرضه حوالي 3,75 مليون نسمة، وهناك مثل هذا العدد من المغتربين اللبنانيين في مختلف أنحاء دول العالم. عاصمته بيروت التي تقع على ساحل البحر المتوسط.
نبذة تاريخية:
في التاريخ القديم:
استوطن العرب الكنعانيون في بلاد الشام قادمين إليها من شبه الجزيرة العربية. وقد استقروا على ساحل البحر المتوسط، فأنشؤوا مدناً كثيرة منها بيروت وصيدا (صيدون) وقد عرفوا باسم الفينيقيين، وهم لم يشكلوا دولة واحدة، بل شكلوا ممالك مدن مستقلة. واهتم الفينيقيون كثيراً بالزراعة والصناعة والتجارة، فازدهرت أحوالهم، وبلغت سفنهم التجارية مختلف أرجاء البحر المتوسط. فأسسوا عدة محطات تجارية لبضائعهم أصبحت فيما بعد مدنا كبيرة مشهورة وفي مقدمتها «قرطاجة» في تونس. والتي غدت فيما بعد دولة قوية نافست الرومان في السيطرة على البحر المتوسط. وكما نقل الفينيقيون تجارتهم إلى مختلف أنحاء العالم، كذلك نقلوا أبجديتهم التي اخترعوها والتي تعد أقدم أبجدية في التاريخ.
تعرضت هذه البلاد لغزوات آشورية وفارسية حتى جاء الإسكندر المقدوني حوالي 350 ق.م. ثم انتقلت السيطرة إلى الإمبراطورية الرومانية حوالي 64 ق.م. وقد تركوا عدة آثار ضخمة.
العهد الإسلامي:
بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم عام 11 هـ ـ 632م. بدأت الجيوش الإسلامية بالاتجاه شمالاً وشرقا لنشر الدين الإسلامي الجديد، وتوجه الجيش الإسلامي لفتح بلاد الشام وكان بقيادة خالد بن الوليد الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك الخالدة والتي كانت بوابة العبور إلى منطقة بلاد الشام.
وقد توجه الصحابي معاوية بن أبي سفيان على رأس قوة من الجيش لفتح المدن الساحلية على البحر المتوسط بدءاً من صور وصيدا وبيروت وطرابلس. كما توجه القائد أبو عبيدة بن الجراح ويرافقه خالد بن الوليد لفتح دمشق ومنها نحو سهل البقاع فبعلبك ومدينة حمص.
وهكذا تم إخضاع هذه البلاد للخلافة الإسلامية. وكذلك بقيت المنطقة في العهد الأموي والعهد العباسي الأول. وفي العهد العباسي الثاني الذي تميز بالضعف ونشوء الدويلات، فقد كانت هذه البقعة تتبع دويلات مختلفة كالإخشيديين والحمدانيين والأيوبيين والزنكيين والمماليك حتى مجيء العثمانيين، حيث انتصروا على المماليك في معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516م. فدخلوا بلاد الشام، وأخضعوها لحكمهم الذي استمر لمدة 400 سنة. وقد قامت في جبل لبنان عدة ثورات مناهضة للوجود العثماني من بدايته كان أهمها حركة فخر الدين المعني الثاني.
أحداث لبنان 1868 والإستقلال الذاتي:
بعد فشل حملة إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر على بلاد الشام في عام 1841 م بدأ تنافس حاد بين الفرنسيين والانكليز أسفرت عنه حوادث دامية بين (1845 ـ 1860 م).ونشأت هذه الحوادث عندما عمد كل من قناصل الدول الأربع (إنكلترا وروسيا والنمسا وفرنسا) إلى نشر الدسائس بين السكان كل لمصلحته، واتخاذ الدين وسيلة لذلك، فقد اعتمد قنصل إنكلترا على الطائفة الدرزية، واعتمد ممثل روسيا على الطائفة الأرثوذكسية، وممثل النمسا على الموارنة الكاثوليك منافساً بذلك الفرنسيين الذين كانوا يعتمدون على هؤلاء. أما الدولة العثمانية فقد بسطت سيطرتها المباشرة على المنطقة ولكنها على الأرض كانت ضعيفة، ونتيجة تأريث البغضاء بين الدروز والمسيحيين قامت بعض الاضطرابات المؤسفة، فأقيم نظام إداري جديد في جبل لبنان قضى على ما كان سائداً من أن يكون حاكم الجبل أحد أمراء الإقطاع هناك، وأصبح يتولى السلطة بدلاً منه حاكم تركي يعين تعييناً، وقسم الجبل إلى قائمقاميتين، وازدادت المنافسة بين إنكلترا إلى جانب الدروز وفرنسا إلى جانب الموارنة ونشبت الاضطرابات ثانية عام 1845، وعمد وزير الخارجية العثماني وقتها شكيب أفندي على الإبقاء على هذا النظام مع تغيير في الإدارة انتقص من قوة زعماء الإقطاع.
وفي عام 1857 م نشبت ثورة الفلاحين الموارنة (ضد الإقطاع) في كسروان وبعض مناطق شمالي جبل لبنان، دعمها رجال الدين الموارنة، وامتدت إلى المناطق الدرزية في عام 1860 م حيث تحولت إلى فتنة طائفية، وامتدت موجتها إلى دمشق كانت ضحاياها في جبل لبنان مروعه، وكادت أن تتزايد لولا تدخل بعض العقلاء والمخلصين من الطرفين (المسيحيين والمسلمين).هذه الأحداث حفزت الباب العالي والدول الكبرى إلى العمل لإنهائها. فأبحرت السفن الحربية الأجنبية إلى المياه السورية. وقام الوالي العثماني بفصل جبل لبنان عن بقية بلاد الشام بأن وضع له نظام حكم جديد تميز بأنه اعتمد على أسس واسعة من الحكم الذاتي. وأعلنت الدول الأجنبية (فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا وإيطاليا) ضمانها لهذا النظام وبدأت كل منها تعمل على بسط نفوذها السياسي والثقافي فيه، سواء عن طريق الإرساليات التبشيرية والتعليمية أو الامتيازات الاقتصادية.
وهكذا قامت متصرفية جبل لبنان بموجب بروتوكول 1861 والمعدل عام 1864 م وقد تألفت هذه المتصرفية من سبعة أقضية هي:
الكورة ـ البترون ـ كسروان ـ المتن ـ الشوف ـ جزين ـ زحلة ـ بالإضافة إلى مديريتي دير القمر والهرمل.
ـ ولاية بيروت: فقد كانت ولاية عثمانية ملحقة بسوريا ويتبعها صيدا وصور ومرجعيون ثم تبعها أيضاً طرابلس واللاذقية في الشمال وعكا ونابلس في الجنوب.
ـ البقاع: كان ملحقاً بولاية دمشق. وكان مكوناً من أربعة أقضية: بعلبك ـ راشيا ـ حاصبيا ـ البقاع الغربي. أما موقف اللبنانيين من الدولة العثمانية فقد انقسم عبر الجمعيات الثقافية التي أنشأت. وكان بعض هذه الجمعيات يعمل سراً كالجمعية العربية الفتاة والقحطانية، وبعضها الآخر يعمل علناً كجمعية بيروت الإصلاحية، وحزب اللامركزية الادارية العثماني وجمعية العهد. وقد ظهر اتجاهان متبانيان هما:
ـ اتجاه يدعو إلى اللامركزية، أي منح لبنان استقلالاً ذاتياً مع بقاء ارتباطه بالدولة العثمانية.
ـ اتجاه يدعو إلى الإستقلال التام عن الدولة العثمانية.
إلا أن حكم الإستقلال الذاتي الذي منح لمتصرفية الجبل سرعان ما ألغي بقرار من الدولة العثمانية عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى في 5 آب 1914، وجمع جميع الرجال للمشاركة في الحرب إلى جانب الدولة العثمانية.
فازدادت النقمة على الدولة العثمانية وخاصة عقب انتهاء الحرب وهزيمة الألمان وحلفاءهم الأتراك الأمر الذي أدى إلى ازدياد الضائقة الاقتصادية وانتشار الأمراض والأوبئة. ثم قيام محكمة عالية ودمشق العرفية التي شكلها جمال باشا بحملة اعتقالات واسعة تلتها أحكام بالإعدام على رموز المعارضة في 20 آب 1915 و6 أيار 1916، الأمر الذي سرع اندلاع الثورة العربية الكبرى.
الثورة العربية الكبرى:
بعد شهر من تنفيذ أحكام الإعدام في كل من بيروت ودمشق، كانت استعدادات الشريف حسين قد اكتملت في مكة، بالاتفاق مع البريطانيين (حسب مراسلات حسين ومكماهون) وتفاهم الشريف مع شيوخ القبائل، واستدعى ابنه الأمير فيصل من دمشق، واتفق على أن يوم الاثنين في 5/حزيران/1916 موعداً لانطلاق الثورة من المدينة المنورة حيث اعلن استقلال العرب عن الحكم العثماني.
فاندلعت الثورة في الموعد المحدد، فسقطت مكة وصمدت المدينة، وراحت مدن الحجاز تسقط وسار فيصل إلى الشمال صوب بلاد الشام بعد أن حرر شمالي الحجاز بالكامل ونودي بالشريف حسين ملكاً على البلاد العربية في أوائل سنة 1917م.
دخل فيصل مدينة العقبة وأرسل ابن عمه الشريف ناصر باتجاه سوريا فوصل في 30 أيلول 1918 إلى ضواحي دمشق فاستقبلته حكومة مؤقتة كانت قد تألفت برئاسة الأمير سعيد الجزائري للمحافظة على الأمن واستمرت ثلاثة أيام فقط ورفعت الأعلام العربية في دمشق. وكلف فيصل رضا الركابي بتأليف أول حكومة وبعث الفريق شكري الأيوبي إلى بيروت ممثلاً وحاكماً، فعين حبيب باشا السعد حاكماً على لبنان بعد قسم اليمين ولاءً للشريف حسين، وارتفع العلم العربي فوق سراي بعبدا وفوق بعبدا وفوق سراي بيروت.
إلا أن الأمور لم تطل على هذه الحالة إذ في 8 تشرين الأول كانت القوات الفرنسية تنزل على شواطىء بيروت لتنزل علم الحكومة العربية وترفع العلم الفرنسي وهكذا دخلت المنطقة تحت الحكم الأجنبي تنفيذاً للاتفاقية التي جرى توقيعها بين فرنسا وبريطانيا (سايكس بيكو) والتي تقسم البلاد العربية إلى دويلات مستعمرة لكلتا الدولتين.
الاحتلال الفرنسي:
في 8 تشرين الأول 1918 أنزل الأسطول الفرنسي في بيروت بقيادة الكولونيل «دي بياباب» فتسلم مقاليد الأمور في بيروت وأنزل العلم العربي عن سراي بعبدا وبيروت، ورفع العلم الفرنسي.
وقد قسم الفرنسيون سوريا إلى 3 مناطق هي:
أ ـ المنطقة الجنوبية: وتمثل فلسطين من حدود مصر جنوباً إلى الناقورة شمالاً ونهر الأردن شرقاً ويديرها الانكليز.
بـ ـ المنطقة الشرقية: وتشمل ولاية سوريا ومعان، وتمتد إلى الفرات شمالاً. ويديرها الأمير فيصل (ابن الشريف حسين).
حـ ـ المنطقة الغربية: وتضم متصرفية جبل لبنان وولايات بيروت وطرابلس واللاذقية والإسكندرون، ويديرها الفرنسيون.
وراح الفرنسيون يسعون إلى ترسيخ الخلافات الطائفية وبث روح العداء بين الطوائف.
وقد أدى هذا الأمر إلى تباين في موقف اللبنانيين بالنسبة لتقرير مصير بلادهم: فالأكثرية الساحقة من المسلمين والأرثوذكس طالب بالانضمام إلى الوحدة السورية بقيادة الأمير فيصل.
والأكثرية الساحقة من المسيحيين وخاصة الموارنة كانت تطالب باستقلال لبنان الموسع بحدوده التاريخية ورفض الوحدة مع سوريا.
وكان الأمير فيصل في مؤتمر الصلح يتحدث باسم الفريق الأول.
أما الفريق الثاني فقد تحرك عن طريق إرسال وفد إلى مؤتمر الصلح لطرح مطالبة بالإستقلال التام والمساعدة الفرنسية (عبر الانتداب).
هذه الخلافات الواسعة بين الطرفين أدت إلى أرسال لجنة من مؤتمر الصلح عرفت بلجنة كينغ ـ كراين للوقوف على الأراء الصحيحة للأكثرية رغم معارضة الفرنسيين والإنكليز الذين لم ينتظروا نتائج هذه اللجنة بل أسرعوا بتطبيق اتفاقية سايكس بيكو. وعين الجنرال غورو قائداً للجيش الفرنسي بالشرق ومفوضاً سامياً في بيروت فنزل فيها في 18 تشرين الثاني 1919.
وفي 8 أذار 1920 اجتمع المؤتمر السوري وأعلن قيام الملكية واستقلال سوريا ومن ومن ضمنها لبنان الذي يحتفظ بحدوده السابقة، فأغضب ذلك الفرنسيين.
مؤتمر سان ريمو:
سارع الفرنسيين مع الإنكليز، وعقدوا مؤتمراً في مدينة سان ريمو الإيطالية بين 18 و 26 نيسان 1920 إلى جانب إيطاليا واليابان وصدر في 5 أيار 1920 المقررات التالية:
ـ إقرار الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
ـ إقرار الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين وشرقي الأردن.
ـ إعطاء إيطاليا نفوذاً في جنوب غربي الأناضول.
ـ إعطاء حصة من نفط الموصل في العراق لفرنسا(5%)
ـ الالتزام بتنفيذ وعد بلفور الصادر عن الحكومة البريطانية في 2 تشرين الثاني سنة 1917.
فعمل الجنرال غورو بعد هذه القرارات على القضاء على الحكومة الفيصلية في دمشق ووجه إنذاراً لها في 20 تموز 1920 للدخول إلى سوريا، ولم ينتظر الجنرال الفرنسي رد الأمير فيصل بل أمر قواته بالتوجه إلى دمشق فتصدى له وزير الحربية السورية في الحكومة المستسلمة يوسف العظمة يدعمه بعض الوزراء والحركات الشعبية. والتقى الجيشان في ميسلون على بعد 35 كم من دمشق وكانت معركة غير متكافئة انتهت باستشهاد يوسف العظمة ومئات المقاتلين معه في 24 تموز 1920 ودخل الفرنسيون دمشق. أما الأمير فيصل فقد غادر إلى حيفا ومن هناك أقلته باخرة إنكليزية إلى إيطاليا ومنها إلى بريطانيا حيث مكث حتى عام 1921 عندما عوض عليه الانكليز خسارته لسوريا بتعيينه ملكاً على العراق.
إعلان دولة لبنان الكبير 31 آب 1920:
استعملت فرنسا في الدول العربية المستعمرة سياسة (فرق تسد). فأصدر الجنرال غورو في 31 آب 1920 عدة قرارات هدفت إلى إنشاء دويلات صغيرة كانت ضمن بلاد الشام الموحدة سابقاً وهي:
دولة دمشق ـ دولة العلويين ـ دولة الدروز ـ دوحة حلب ـ دولة لبنان الكبير وذلك بعد توسيع متصرفية جبل لبنان بضم الأقضية الأربعة إليها وهي: حاصبيا ـ راشيا ـ بعلبك ـ البقاع. وولاية بيروت وملحقاتها وتقسيم هذه الدولة إلى أربع متصرفيات ومدينتين ممتازتين:
ـ متصرفية لبنان الشمالي ومركزها زغرتا.
ـ متصرفية جبل لبنان ومركزها بعبدا.ـ متصرفية البقاع ومركزها زحلة.
ـ متصرفية لبنان الجنوبي ومركزها صيدا.
ـ مدينة بيروت الممتازة.
ـ مدينة طرابلس الممتازة.
وأصبحت مساحة لبنان الكبير 10452كم2 بعد أن كانت المساحة أيام المتصرفية 3500كم2.
وقد تولى حكم لبنان في هذه الفترة ثلاثة مفوضين عسكريي
نـ الجنرال غورو (1920 ـ 1923 م) وقد واجهته الثورات، وخاصة في جبل عامل وحوران، وقد تعرض لمحاولة اغتيال على يد أحد أبطال المقاومة (أدهم خنجر) وطلب من حكومته مده بالقوة اللازمة فرفض طلبه، فاستقال من منصبه.
ـ الجنرال ويغان (1923 ـ 1924 م): هدأت الأحوال في عهد بعض الشيء خاصة وأنه وعد اللبنانيين بدراسة مطالبهم.
ـ الجنرال ساراي (1924 ـ 1925 م): سنة 1924 تسلم اليساريون الحكم في فرنسا فعزلوا ويغان وعينوا بدلاً عنه الجنرال «ساراي». وفي عهده نشبت الثورة في سوريا سنة 1925 في جبل الدروز، مما أدى إلى إنهاء عهده ووعهد الحكم العسكري لتبدأ مرحلة جديدة من الحكم عين لها مفوض سامي جديد غير عسكري هو: ـ هنري دي جوفنيل وذلك سعياً لتهدئة الأوضاع. وقد كانت سلطته مطلقة ويهيمن على السلطة القضائية والتشريعية.
وقد استبد هذا المفوض في تطبيق الأحكام وتعسف في فرض القرارات.
المجلس التمثيلي والدستور الجديد وأول رئيس للبلاد:
عام 1921 أجرت المفوضية الفرنسية إحصاء سكانياً واتخذته كأساس لتوزيع مقاعد نيابية بين الطوائف، وفي 8 أذار سنة 1922 صدر قرار عن المفوضية الفرنسية بإنشاء مجلس تمثيلي منتخب يتمتع بحق التشريع. وقد تألف من 30 عضواً. وتعاقب على رئاسته كل من حبيب باشا السعد ثم نعوم لبكي (1923) وإميل إده (1924).
وفي أوائل سنة 1925 أقدم الجنرال ساراي على حل المجلس التمثيلي مسايرة للمعارضة اللبنانية وعين موعداً لإجراء الانتخابات في شهر تموز. وجرت الانتخابات في 28 حزيران 12 تموز سنة 1925 وتألف المجلس الجديد من 30 عضواً. وشهد هذا المجلس ولادة الدستور اللبناني، وقد تحول في 25 أيار 1926 إلى مجلس للنواب تنفيذاً للدستور اللبناني كما شهد هذا المجلس ولادة الجمهورية اللبنانية التي كانت أول جمهورية لبنانية كما كانت أول جمهورية عربية.
أما كيفية وضع الدستور اللبناني؟ فقد انتخب مجلس النواب لجنة تألفت من 12 عضواً ستة من النواب وستة من الأعيان. وقامت هذه اللجنة باستشارة عدد كبير من رجال الفكر والسياسة والدين والموظفين حول الأسس التي يجب أن تعتمد في وضع الدستور (ما شكل الحكومة ـ البرلمان من مجلس أو مجلسين ـ ....)
وبعد ثلاثة أيام من إعلان الدستور في 23 أيار، دعي مجلس النواب ومجلس الشيوخ لانتخاب رئيس للجمهورية في 26 أيار 1926، وكانت سلطات الانتداب قد أعدت مرشحها سلفاً وهو أحد الذين أشرفوا على ولادة الدستور، مدير العدل آنذاك شارل دباس وهو مسيحي أرثوذكسي، ثم جدد له لثلاث سنوات أخرى حتى عام 1931، وظهرت منافسة قوية بين المرشحين إميل إده وبشارة الخوري وكان الخوري يتمتع بتأييد نيابي واسع. فلما أيقن إده أن المعركة خاسرة صرح بتأييد الشيخ محمد الجسر، حيال هذا الوضع وإزاء تخوف سلطات الانتداب من تطور الأمور صدر قرار عن المفوض السامي بوقف العمل بموجب الدستور وحل المجلس النيابي، إقالة الوزارة، وعين الدباس من جديد رئيساً للبلاد. وأواخر سنة 1933 استقال شارل دباس فعين المفوض السامي الجديد دي مارتيل حبيب باشا السعد رئيساً للبلاد لمدة سنة ثم جدد له من جديد، ودعي مجلس نيابي استثنائي لانتخاب رئيس جديد للبلاد
عهد إميل إده
300 ترشح لمنصب الرئاسة ثلاثة: حبيب السعد وإميل إده وبشارة الخوري وفاز إده بأغلبية ضئيلة، وتزعم الخوري المعارضة.
وعلى عهده وقع لبنان مع فرنسا معاهدة عام 1936 والتي تعترف فيها فرنسا باستقلال لبنان وتساعده خلال 3 سنوات لدخول عصبة الأمم، مقابل أن تحتفظ بحاميات عسكرية على الأراضي اللبنانية وتشرف على السياسة الخارجية. وفي 4 كانون الثاني 1937 صدر قرار عن المفوض السامي بالعودة إلى العمل بالدستور. وعقب اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 علق الدستور من جديد وأقيلت حكومة عبد الله اليافي وثبت إده رئيساً بالتعيين لا بالانتخاب فتقلصت صلاحياته.
لبنان وحكومة فيشي:
بعد أقل من عام (10 أيار 1940) دخلت إيطاليا في الحرب إلى جانب ألمانيا التي زحفت بسرعة فائقة واحتلت فرنسا، وتشكلت حكومة فيشي الموالية للألمان وترأس المعارضة الجنرال ديغول الذي انتقل إلى إنكلترا وأعلن من هناك قيام حكومة فرنسا الحرة ومواصلة الحرب ضد الألمان. وترأس المعارضة الجنرال ديغول الذي انتقل إلى إنكلترا وأعلن من هناك قيام حكومة فرنسا الحرة ومواصلة الحرب ضد الألمان. أما في لبنان فقد انحاز المفوض الفرنسي بيو إلى جانب حكومة فيشي.
وعين كاترو ممثلاً لديغول بالقاهرة الذي راح يعد اللبنانيين بالإستقلال في حال مساعدتهم لحكومة فرنسا الحرة. وعينت حكومة فيشي دانتز بدلاً من بيو، وكان دانتز من المتشددين على اللبنانيين، وقد أدت سياسته هذه إلى استقالة إميل إده أوائل نيسان 1941، فعين دانتز القاضي ألفرد نقاش رئيساً للدولة.
أقنع الجنرال كاترو البريطانيين بضرورة مواجهة حكومة فيشي في سوريا ولبنان (بعد ما عملت هذه الحكومة على تقديم المساعدات لثورة الكيلاني في العراق ضد الانكليز) ووضع الخطة لذلك وبدأ الزحف في أواسط حزيران 1941. وقد استطاعت هذه القوات الانتصار على دول المحور وحكومة فيشي بعد معارك ضارية في بيروت ومرجعيون والدامور.
وعادت سلطة الانتداب الفرنسي من جديد للمندوب السامي كاترو الذي حدد يوم 26 تشرين الثاني 1941 موعداً للاستقلال. وفي الموعد المحدد أعاد كاترو تعيين النقاش واعتبر لبنان دولة ذات سيادة مستقلة.
المعارضة اللبنانية:
اعتبرت المعارضة اللبنانية وخاصة (الكتلة الدستورية برئاسة بشارة الخوري) أن هذا الإستقلال مزيفا ومجحفاً، وتوالت الاعتراضات من رياض الصلح ومن البطرك عريضة والذي أغضب كاترو مساندة الدول العربية لمطلب الإستقلايين وخاصة مصطفى النحاس باشا. وبعد معركة العلمين، وتراجع رومل قرر الجنرال كاتروا إجراء انتخابات نيابية فعمد إلى إقالة النقاش ورئيس حكومته سامي الصلح، وعين أيوب ثابت رئيساً للدولة في 18 أذار 1943 وكانت مهمته الأساسية الاعداد لانتخابات نيابية.
وأصدر ثابت مرسوماً تشريعياً حدد فيه المقاعد النيابية بـ54 مقعد وأصر على إعطاء المهاجرين حق التصويت ومعظمهم من المسيحيين فاختل توزيع المقاعد بين الطوائف فجرت احتجاجات عنيفة من الطوائف الإسلامية، فأقيل أيوب ثابت واختير خلفاً له بترو طراد (21 تموز 1943). وتوسط رئيس الوزارة المصرية مصطفى النحاس باشا فصدر قرار بتحديد عدد المقاعد بـ55 (30 للمسيحيين و25 للمسلمين).
انتخاب بشارة الخوري وعهد الإستقلال:
301 302 في 21 أيلول 1943 جرت الانتخابات النيابية وأسفرت عن فوز بشارة الخوري لرئاسة الجمهورية فكلف رياض الصلح لتشكيل الحكومة، وبدأت الأزمة مع الفرنسيين بعدم قيام الوزارة الجديدة بزيارة المندوب السامي. كما قدم رئيس الوزراء برنامج عمل الوزارة الذي تضمن تعديل الدستور، وجعل التشريع من حق المجلس النيابي وحده، وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة فيه. وقد أقر المجلس هذا البرنامج رغم تحذيرات المندوب الفرنسي فما كان منه إلا أن اعتقل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأودعهما في قلعة راشيا، وعين رئيساً جديداً إلا أن بعض أعضاء الحكومة الذين نجوا من الاعتقال (حبيب أبو شهلا ومجيد أرسلان) اجتمعوا في قرية بشامون وشاركهم رئيس المجلس النيابي صبري حمادي وعدد من النواب وعملوا على تمثيل الحكومة الشرعية ودعوا الناس إلى العصيان المدني، فسقط العديد من القتلى والجرحى نتيجة الصدامات بين الطرفين وأحتجت البلاد العربية، فتراجعت فرنسا وأعادت الحكومة الشرعية إلى الحكم في 22 تشرين الثاني 1943 وعدَّ هذا اليوم العيد الوطني للبنان. وبعد مفاوضات بين الحكومة اللبنانية الوطنية وبين سلطة الانتداب تقرر سحب القوات الفرنسية وإعلان استقلال لبنان في 31 كانون الأول 1946م.
عهد بشارة الخوري (1943 ـ 1952 م):
أهم إنجازات هذا العهد هو «الميثاق الوطني» الذي قرب بين مشاعر الوطنيين المسلمين والمسيحيين ممثلين برياض الصلح وبشارة الخوري فتبلور هذا الاتفاق في عزم المسلمين عن ترك فكرة الوحدة مع سوريا وكذلك المسيحيين ترك فكرة الوصاية الفرنسية. والتشديد على جعل لبنان وطناً مستقلاً حراً ذا وجه عربي يتساوى فيه الجميع. وفي 22 أيار 1949 تم تعديل المادة 49 من الدستور والتمديد للرئيس بشارة الخوري مدة ثانية.
محاولة انقلاب فاشلة
: في تموز 1949 صدر عن أنطون سعادة رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي بالانقلاب وبالسيطرة على مقدرات الدولة، لكن الدولة أحكمت قبضتها على الانقلابيين، وهرب سعادة إلى سوريا غير أن الرئيس السوري حسني الزعيم سلم سعادة للدولة اللبنانية التي اعدمته مع ستة من أنصاره.
وأواخر عهد الرئيس الخوري عم الفساد والمحسوبيات في الإدارات العامة. ومني العهد بنكسة تجلت في اغتيال الرئيس رياض الصلح في عمان على يد أحد القوميين السوريين (16 تموز 1951 م) ففقد بشارة الخوري نصيراً قوياً. ووعد الشيخ بشارة بتنفيذ برنامج اصلاحي ووالى رئيس وزراءه سامي الصلح المعارضة، وتفجر الوضع باستقالة رئيس الحكومة في 9 أيلول 1952 وعجز الرئيس الخوري عن تأليف وزارة جديدة، وتحت ضغط المعارضة والإضرابات الشعبية قدم استقالته في 18 أيلول 1952.
عهد الرئيس كميل شمعون (1952 ـ 1958 م):
303 عمل كميل شمعون منذ انتخابه على تحقيق الإصلاحات الإدارية، ونالت حكومته الأولى برئاسة خالد شهاب سلطات استثنائية لوضع قوانين. إصلاحية. إلا أن نفوذ شمعون كان دائماً يطغى على رئيس الحكومة، فلم يسمح لأحد بمشاركته في القرار فانقطع حبل تفاهمه مع كمال جنبلاط الذي كان يطالب بالمشاركة في وضع سياسة العهد ولم تنقض بعض السنوات على عهد شمعون حتى عادى جميع الزعماء المسلمين والمسيحيين الأمر الذي سرع بإشعال ثورة 1958، خاصة أن العالم العربي كان يعيش فورة عربية لا سابق لها على عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وذلك عقب خروج مصر من العدوان الثلاثي عليها منتصرة. ورفض شمعون مسايرة مصر في قطع العلاقات مع بريطانيا وفرنسا فاستاء رئيس الحكومة عبد الله اليافي ووزير الدولة صائب سلام واستقالا من الحكم. فمال شمعون إلى جهة العراق والأردن للانضمام إلى حلف بغداد، إلا أن الأوضاع الداخلية قد اشتعلت ضد الحكم وخاصة عقب ثورة تموز بالعراق وتسلم الضباط الوطنيين الحكم الأمر الذي أدى إلى إنزال الولايات المتحدة قواتها على السواحل اللبنانية في 15 تموز 1958.
عهد اللواء فؤاد شهاب (1958 ـ 1964 م):
304 305 استطاع قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب أن يبقي الجيش بعيداً عن الصراعات التي حدثت في عهد شمعون وهذا ما رفع رصيده للرئاسة. وقد أتى انتخاب شهاب حلاً مرضياً لمختلف الفئات وشكل رشيد كرامي حكومته الأولى من أقطاب المعارضة السابقة والمحايدين، وأعلن البدء بقطف ثمار ثورة 58. فحاول الطرف المقابل القيام بحركة مضادة فتدخل الرئيس شهاب واستطاع (بعد عدة مشاكل) أن يرأب الصدع. فشكل رشيد كرامي وزارة اتخذت شعار «لا غالب ولا مغلوب» فاستكانت الأمور.
وقد عمل هذا العهد على الاهتمام بالمناطق النائية، واستطاع القيام بما عجز عنه العهدان السابقان من (الإصلاح الإداري).
أما سياسة شهاب الخارجية فقد بدأها باجتماع مع الرئيس جمال عبد الناصر على الحدود اللبنانية السورية، وأبدى الرئيس الجديد تساهلاً حيال الفئة اليسارية وساير التيار العروبي (دون الإساءة إلى التيار الآخر). واستطاع أن يقنع أمريكا بسحب قواتها من السواحل اللبنانية.
عهد الرئيس شارل الحلو (1964 ـ 1970 م):
306 فاز الرئيس الحلو بانتخابات الرئاسة عام 64 (وكان وزير التربية عندما انتخب رئيساً) وعمل على متابعة الإصلاحات الإدارية، وقد واجهت البلاد على عهده مشاكل اقتصادية أهمها (قضية بنك انترا) الذي عجز عن الدفع لزبائنه. وتحرك المجلس النيابي لوضع تشريعات تضمن تضمن الودائع المصرفية. وفي 1969 وقعت عدة اصطدامات بين المقاومة الفلسطينية المسلحة وبين الجيش اللبناني، فجرت مفاوضات بين الطرفين برعاية مصرية بغية التوصل إلى حل، وقد وقع الطرفان في 3 تشرين الثاني 69 على «اتفاق القاهرة» الذي سمح للفدائيين الفلسطينيين بحرية العمل ضمن منطقة محددة في جنوب لبنان برعاية الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وقبل انتهاء مدة شارل الحلو، انتخب المجلس النيابي وزير الاقتصاد سليمان فرنجية رئيساً للبلاد، فتسلم سلطاته الدستورية في 23 أيلول 1970.
عهد الرئيس سليمان فرنجية (1970 ـ 1976 م):
307 عمل الرئيس فرنجية على تحسين الأوضاع في لبنان وخاصة منها الوضع الاجتماعي الذي كان يهدد بالثورة نتيجة الغبن اللاحق بشريحة كبيرة من الشعب اللبناني. كما كان الفلسطينيون قد زاد نشاطهم وكثرت عملياتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي في شمالي فلسطين كما كثرت مكاتبهم في العديد من المناطق اللبنانية، وغالباً ما كانت تحدث استفزازات بسيطة كانت تحل سريعاً، ولكنها كانت تخفي أثراً كبيراً بقي في الأعماق ولم يظهر إلى العلن إلا مع بداية الحرب الأهلية وكانت الشرارة الأولى في 13 نيسان 1975 عندما أطلقت قوات حزب الكتائب النار على حافلة تنقل عدداً من الفلسطينيين واللبنانيين ما أدى إلى سقوطهم بين قتيل وجريح، وسرعان ما انتقلت المعارك إلى بعض المناطق الأخرى في بيروت وجبل لبنان، حيث تقسمت المناطق بشكل سريع بين الفرقاء إثر ذلك قام الرئيس سليمان فرنجية بالطلب من الرئيس السوري حافظ الأسد بدخول قوات الجيش السوري إلى لبنان للفصل بين المتقاتلين، خاصة بعد ورود الأنباء عن حشد عسكري للقوات الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات والأحزاب الوطنية اللبنانية التي يتزعمها كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وعن نية هذه القوات بالدخول إلى المناطق المسيحية بعد عمليات القتل والتشريد التي حصلت داخل المنطقة بحق سكان مخيمات تل الزعتر والكرنتينا والنبعة.
في 31 أيار 1976 دخلت القوات السورية إلى لبنان وعلى الفور فكت حصار الفلسطينيين وقوات الأحزاب الوطنية عن المعاقل المسيحية بدءاً بمدينة زحلة، وقد وقعت اشتباكات عنيفة على طريق بيروت دمشق وفي ميناء صيدا.
هذا التدخل مكن المسيحيين من التحول إلى الهجوم وخصوصاً ضد الجيوب المعادية في مناطقهم ولاسيما تل الزعتر.
عهد الرئيس إلياس سركيس 1976 ـ 1982:
لم يستطيع الرئيس الياس سركيس إيقاف نار الحرب المستعرة، رغم محاولاته الحثيثة، إلا إنه لم يكن يستطيع إيقاف المليشيات المسيحية عن القيام بأي عمل ما، وهذا ما أضعفه.
وقد عكس التدخل السوري في لبنان إلى جانب المسيحيين وضد الفلسطينين صدمة كبيرة لدى الرؤساء العرب الذين تنادوا إلى لقاء قمة عربية عقدت في الرياض عام 76 اتفق على إثره بتشكيل قوات عربية مشتركة تكون القوات السورية عمودها الفقري لوقف الحرب الأهلية في لبنان، ودخلت القوات السورية إلى مناطق تواجد الفلسطينيين والقوى الوطنية التي توزعت في مختلف المناطق، فكانت الصدمة الأكبر عندما بدأت إسرائيل بتمويل حلفاءها في المناطق المسيحية بمختلف أنواع الأسلحة وفي خضم هذه الأجواء الملبدة تم اغتيال كمال جنبلاط في 16 أذار 1977 الذي كان رمز الحركة الوطنية وقائدها. وتحت عنوان حماية المستعمرات الإسرائيلية قامت القوات الإسرائيلية في 14 أذار 1978 باجتياح لبعض القرى اللبنانية في الجنوب، وسرعان ما صدر قرار عن الأمم المتحدة يحمل الرقم 425 يدعو إسرائيل إلى الانسحاب الكامل غير المشروط من لبنان الوضع في بيروت كان محزناً، فقد انقسمت إلى منطقتين وانتشر المقاتلون في كل مكان، وانتشر معهم الموت والرعب، وكانت عمليات القتل والقنص لا ترحم العوام حتى في منازلهم وازدادت أكثر حدة مع موجة القتل الطائفي.
الاجتياح الإسرائيلي وسقوط بيروت:
309 حاولت ميليشيا بشير الجميل المتحالفة مع إسرائيل وضع يدها على مدينة زحلة في البقاع الأمر الذي أدى إلى نشوب معارك قوية مع القوات السورية التي أجبرته على الخروج من المدينة، غير أن الطائرات الإسرائيلية تدخلت واسقطت مروحيتين للسوريين كانتا تنقلان المؤن والإمدادات، فحرك السوريون صواريخ أرض جو من نوع سام إلى البقاع وبدأت أزمة الصواريخ السورية الإسرائيلية في البقاع وفي 6 حزيران 1982 قامت القوات الإسرائيلية وبحجة إطلاق النار من قبل الفلسطينيين على السفير الإسرائيلي في لندن باجتياح لبنان وخلال 40 ساعة كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت معظم جنوبي لبنان ودحرت قوات منظمة التحرير الفلسطينية وراحت تتقدم باتجاه بيروت.
وأقدمت القوات الإسرائيلية يدعمها قصف مدفعي من البر والبحر وغارات جوية كثيفة بالهجوم على المواقع السورية والفلسطينية والسكنية في ضواحي بيروت وعلى التلال المطلة على العاصمة وضربت حصاراً على بيروت استمر تسعة أسابيع.
وتحت الضغط الإسرائيلي الأمريكي خرج في أول أيلول 1982 المقاتلون السوريون والفلسطينيون من بيروت. وفي هذه الأثناء تم انتخاب بشير الجميل زعيم ميليشيا الكتائب رئيساً للبنان وبضغط على النواب غير أنه وقبل أن يتسلم سدة الرئاسة تم اغتياله في 14 أيلول 1982، وجاء هذا الاغتيال مناسبة استغلها آرييل شارون وزير الحرب الصهيوني ليدير مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بحجة مزدوجة: الثأر لبشير، واستمرار وجود المقاتلين الفلسطينيين في المخيمات.
عهد أمين الجميل
310 اجتمع مجلس النواب عقب مقتل بشير الجميل واختار شقيقه أمين الجميل الذي حاول أن يبقى بين الطرفين في بداية الأمر، فزار دمشق والتقى بالرئيس الأسد. إلا أن ضغط وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز، أجبر لبنان على خوض محادثات منفردة مع الجانب الإسرائيلي، ومن ثم التوقيع رغماً عنه على اتفاقية 17 أيار 1983 التي سلخت لبنان عن محيطه العربي، بل وجعلته محمية إسرائيلية.
وقد حاولت الولايات المتحدة عبر الضغط على الرئيس الأسد للموافقة على هذه الاتفاقية إلا إنه رفض رفضاً باتاً، وتشكلت بدعم منه جبهة الانقاذ الوطني في في بيروت المناهضة لهذا الاتفاق والتي استطاعت إسقاطه فيما بعد.
وبدأت في بيروت العمليات الفدائية النوعية ضد الجيش الإسرائيلي الذي راح يتراجع، كما اندلعت معارك حامية بين الجيش اللبناني (يتبع الطرف اليميني بزعامة أمين الجميل) وبين قوات حركة أمل الموالية لسوريا، واستطاعت هذه القوات من إجبار الجيش على الخروج من مناطقها، وجاءت أحداث الشوف عقب اندحار القوات الإسرائيلية من الجبل عقب معارك الشحار إذ قامت قوات الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط (ابن كمال جنبلاط) بدحر القوات اللبنانية الموالية لإسرائيل وإخراجها من الجبل.
وهكذا بدأت الأمور تميل إلى جانب قوات الحركة الوطنية الموالية لسوريا وبدأت إسرائيل تزداد تراجعاً عن المناطق التي احتلتها، وكانت عمليات المقاومين اللبنانيين تتعقب قواتها طيلة عام 1984. وبحلول عام 1985 رضيت إسرائيل لنفسها بمنطقة حدودية سمتها «الحزام الأمني» في جنوب لبنان وأقامت فيه ميليشيا لبنانية تتبع لها أوكلت قيادتها إلى ضابط في الجيش اللبناني يدعى سعد حداد كما تعرضت القوة البحرية الأمريكية لعملية أودت بحياة 241 جندياً أمريكياً من قوات المارينز، كذلك هوجمت القوات الفرنسية بعملية مماثلة أدت إلى سقوط 56 جندياً فرنسياً) يذكر أن هذه القوات دخلت إلى بيروت في إطار القوات الدولية للفصل بين الإسرائيليين وبين اللبنانيين.
وهكذا تمكنت القوات الوطنية بدعم من القوات السورية من بسط نفوذها بعد خروج القوات الإسرائيلية والقوات المتعددة الجنسيات، فاضطر الرئيس اللبناني، أمين الجميل في 29 شباط 1984 للسفر إلى دمشق لملاقاة الرئيس الأسد ليعلن له عن استعداده لإلغاء اتفاقية 17 أيار مع إسرائيل.
عودة مجدداً للحرب الأهلية:
اندلعت في بيروت وبعض المناطق اشتباكات بين الفلسطينيين الموالين لعرفات والمعادين له، وقد أسفرت هذه المعارك عن سقوط حوالي 1000 قتيل و4 آلاف جريح، وخرج أنصار عرفات من بيروت. وعلى الساحة المسيحية انتفض سمير جعجع (12 أذار 1985) من داخل القوات اللبنانية على التقارب الذي كان باشره حزب الكتائب (الحزب الأم للقوات اللبنانية)مع قادة الحركة الوطنية بدعم من سوريا. ولكن بعد شهرين قاد إلياس حبيقة انتفاضة على الانتفاضة، وأصبح الرجل الأقوى على الساحة المسيحية واستقبل رسمياً في دمشق في 9 أيلول 1985.
إلا إن التأزم انتقل إلى بيروت الغربية حيث بدأ حلفاء الأمس (أمل والتقدمي) بصراع عسكري على السيطرة، فاستطاعت دمشق الجمع بين الطرفين عبر «جبهة الوحدة الوطنية». وفي أوائل أيلول 1985 دخل الجيش السوري مدينة زحلة نتيجة إلحاح من وجهاء المدينة وفي أواخر الشهر نفسه دخل مدينة طرابلس فارضاً على الأصوليين المسلمين (حركة التوحيد الإسلامية) تسليم أسلحتهم الثقيلة بعد معارك كبيرة. وهكذا بدا الوضع وكأنه جاهز لتوقيع اتفاق سلام بين مختلف الأطراف في لبنان.
وقع هذا الاتفاق (الذي سمي الاتفاق الثلاثي) أو «اتفاق دمشق» في 28 كانون الأول 1985 في دمشق: الياس حبيقة (عن القوات اللبنانية)، وليد جنبلاط (الحزب التقدمي الاشتراكي)، نبيه بري (حركة أمل) وعدد كبير من الشخصيات الفاعلة على الساحتين الإسلامية والمسيحية. وقد نص هذا الاتفاق على إنهاء حالة الحرب وإقامة توازن في السلطات بين المسيحيين والمسلمين، وبعدها يصار إلى إلغاء الطائفية وإجراء إصلاحات في المؤسسات.
لكن هذا الاتفاق ما لبث أن ضاع بعد نحو اسبوعين فقط، إذ رفض رئيس الجمهورية امين الجميل الانضمام إليه، وقاد سمير جعجع في 13 كانون الثاني 1986 انتفاضته الثانية، الموجهة ضد إلياس حبيقة والاتفاق الذي وقعه، فوقعت معارك داخل المناطق المسيحية أودت بحياة حوالي 300 قتيل هُزم فيها حبيقة وغادر إلى سوريا.
فعاد الوضع إلى تأزمه، وموجة من السيارات المفخخة جعلت من بيروت جحيماً، إضافة إلى الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين الأحزاب الوطنية المسيطرة على بيروت خاصة خاصة بين أمل ـ التقدمي الاشتراكي وبين أمل ـ المرابطون (حركة ناصرية سنية) وازدادت حدة المعارك في عام 1987 بين هذه الأحزاب ولم تتوقف إلا بعودة الجيش السوري إلى بيروت في 18 ـ 22 شباط 1987 ومعالجته بحزم بعد طلب رسمي من الحكومة اللبنانية.
خلافة أمين الجميل بين عون والحص:
تركز الاهتمام على الموعد المقرر لانتخاب رئيس جديد للبلاد يخلف أمين الجميل (تنتهي ولايته في 1988) الذي قاطعته سوريا بسبب مسؤوليته عن إفشال الاتفاق الثلاثي. حاول الجميل إيجاد الرجل البديل الذي يكون موضع ثقة بين الطرفين، إلا أن جميع الجهود المبذولة قد فشلت، ولم تجر الانتخابات الرئاسية بعدما ضغطت القوات المهيمينة على المنطقة الشرقية على النواب المسيحيين ومنعتهم من حضور جلسة الانتخاب فعطلتها، فعهد أمين الجميل في ساعاته الأخيرة إلى تكليف قائد الجيش العماد ميشيل عون بتشكيل حكومة، بينما كان الحص رئيساً للحكومة في المنطقة المقابلة (في آخر عهد الجميل قدم الحص استقالة حكومته للرئيس الجميل لكنه لم يقبلها) وهكذا قامت في البلد حكومتان. إلا أن حكومة عون لم يشارك فيها الضباط المسلمين الذين اختارهم عون لمشاركته في الحكومة، فأعلن عون «حرب التحرير» ضد السوريين في 14 أذار 1989، فقامت حرب مدفعية طويلة المدى بين الطرفين أدت إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوف المدنيين.
هذه المعارك أثارت ردود فعل عربية وأجنبية عديدة فتشكلت لجنة وساطة عربية ثلاثية (السعودية ـ المغرب ـ الجزائر) إلا أن هذه اللجنة لم تتوصل إلى حل للأزمة فعملت السعودية وبدعم من الولايات المتحدة على جمع 62 نائباً لبنانياً في مدينة الطائف السعودية للقيام بمحادثات لبنانية ـ لبنانية لتصحيح الوضع الدستوري في البلد بشكل يساوي بين الطوائف وذلك في 30 أيلول 1989. أسفرت هذه المحادثات عن «اتفاقية الطائف».
عهد «الطائف» الجمهورية الثانية:
311 321 313 314 315 316 أعلن العماد ميشال عون نفسه رئيساً لـ«لبنان الحر» في 7 تشرين الثاني 1989 أي بعد أسبوعين من توقيع اتفاق الطائف وأعلن عن حل المجلس النيابي (الذي وقع اتفاق الطائف في 4 تشرين الأول 89). إلا أن النواب اجتمعوا في شتورة وانتخبوا رينيه معوض رئيساً للبلاد إلا إنه اغتيل في 22 تشرين الثاني، فعاد النواب اللبنانيين وانتخبوا إلياس الهراوي مباشرة ليتسلم زمام الرئاسة.
في هذه الأثناء كان الوضع الداخلي في المنطقة المسيحية متأزماً بين الطرفين (المتسلمين لزمام الأمور) سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، وميشيل عون قائد الجيش ورئيس الحكومة في المنطقة، فأعلن الأخير «حرب الإلغاء» في 15 كانون الثاني 1990 ضد «القوات» فاندلعت معارك طاحنة بين الفريقين أسفرت عن سقوط أكثر من ألف قتيل وهروب أكثر من 200 ألف مسيحي إلى المناطق الإسلامية فكان القرار الحازم من رئاسة الجمهورية وهو القيام بحركة عسكرية بمساعدة الجيش السوري لإنهاء حالة تمرد ميشال عون.
وفي 13 تشرين الأول 1991 تحركت القوات السورية وقوات الجيش اللبناني باتجاه الجيب الذي يسيطر عليه عون (وهو لا يتعدى 267 كلم2) وهرب عون إلى السفارة الفرنسية طالباً اللجوء السياسي إلى فرنسا، وهكذا بسطت الشرعية اللبنانية كامل سيطرتها على الأراضي اللبنانية. وبدأت بعملية فرض هيمنتها وكانت البداية بحل الميليشيات العسكرية وتسليم أسلحتها للدولة اللبنانية.
وفي 22 أيار 1991 وقع لبنان وسوريا معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين.
عهد الرئيس الياس الهراوي 1989 ـ 1998 م:
لقد كان عهد الرئيس الياس الهراوي بداية الجمهورية الثانية عقب اغتيال الرئيس رينيه معوض، فعمدت حكومة العهد الأولى برئاسة عمر كرامي إلى حل الميليشيا العسكرية وتسلم الأسلحة الثقيلة والخفيفة منها، وجمع جميع شباب الأحزاب في معسكر إعادة تأهيل لإدخالهم في الجيش في الجيش الوطني اللبناني، الذي سلمت قيادته إلى العماد إميل لحود الذي أثبت حنكة ودراية واستطاع بناء جيش موحد وطني ومنع انقسام المؤسسة العسكرية وذلك بعد إنهاء تمرد العماد ميشال عون في 13/10/1990 بدعم من القوات السورية. وللمرة الأولى بعد الحرب الأهلية في البلاد، جرت الانتخابات النيابية في عام 1992، وجاءت بوجوه جديدة إلى البرلمان، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة رجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري ليبدأ مرحلة إعادة الإنماء والإعمار.
وكان لمجيء الحريري على رأس الحكومة صدى إيجابي كبير وخاصة على المستوى الاقتصاد والاجتماعي.
فعلى الصعيد الداخلي تحسنت الأوضاع الاقتصادية، وانتعشت قيمة الليرة اللبنانية، كما وضعت مخططات المشاريع الإنمائية لمختلف المناطق اللبنانية وخاصة في ضواحي بيروت المحرومة، فأعيد لبنان إلى الخارطة السياحية في العالم. وبدأت أكبر ورشة إعمار في الشرق الأوسط استعاد لبنان بفضلها بعضاً من عافيته ومركزه الاقتصادي في المنطقة. وعاد لبنان قبلة المستثمرين العرب والأجانب.
استمر الحريري على رأس السلطة التنفيذية لمدة خمس سنوات، حيث تم التمديد للرئيس الياس الهراوي عندما انتهت مدة ولايته في تشرين الأول 1995، فمدد له لمدة ثلاثة سنوات.
نبذة عن الإنماء والإعمار في حكومات الرئيس الحريري:
بعد حلول السلام في البلاد، واجهت لبنان تحديات هائلة، لم تكن هذه التحديات تتمثل في إعادة تعمير البنية التحتية المدمرة للبلد وإعادة تأهيل المؤسسات العامة وأجهزة الدولة فحسب، بل أيضاً قدرة البلاد على أخذ مكانها بين الدول المنافسة في الوقت الذي كانت تلوح فيه فرص حقيقية لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ تسلم مهامها في تشرين الأول 1992 وحتى أواخر 1998، ركزت حكومات الرئيس الشيخ رفيق الحريري جهودها على متطلبات النهضة الاقتصادية.
فوضعت خطة عشرية (1993 ـ 2002) تهدف إلى تحقيق نهضة اقتصادية ونمو متوازن في البلاد، وقد أطلق على هذا التحدي «آفاق 2000».
وتنفق هذه الأموال الضخمة بهدف إعادة إعمار مختلف قطاعات البنية التحتية المادية والاجتماعية في البلاد وتنميتها. وأكثر ما تركزت الاهتمامات حول إعادة إعمار منطقة وسط بيروت التجاري الذي كان قبل الحرب يجمع القسم من نشاطات العاصمة، وقد ساهم غياب هذا المركز منذ بداية الحرب في التغيير العميق الذي طاول المجال المديني، فوسط بيروت يضم مناطق سكنية ونشاطات حرفية صغيرة وكثافة عالية من النشاطات، مع وجود عدد كبير من المصارف والمكاتب والفنادق من كل الفئات والمؤسسات التجارية إضافة إلى مصالح الدولة وإداراتها. إن إعادة إعمار وسط بيروت هو في الوقت عينه رمز إعادة توحيد البلاد وعملية ضرورية لاستعادة العاصمة اللبنانية ازدهارها ودورها السابقين.
الغضب الإسرائيلي والمقاومة الباسلة:
في ظل هذه السنوات، كان الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتداءاته المباشرة على لبنان واللبنانيين عبر غاراته الجوية وقصفه المدفعي المتواصل، الأمر الذي أدى إلى وقوع العديد من الخسائر في صفوف المواطنين المدنيين، غير أن المقاومة اللبنانية (وبالأخص حزب الله المدعوم من إيران) كان يزعج اليهود بعملياته العسكرية النوعية التي كانت تصيب العدو الإسرائيلي بخسائر مادية وبشرية جسيمة للغاية، الأمر الذي أبقى على الوضع غير المستقر في الجنوب، حتى أن الطائرات الإسرائيلية غالباً ما كانت تقصف مواقع حزب الله في الداخل اللبناني في مدينة «بعلبك» إضافة الى قصف المنشآت الحديثة في البلد. وخاصة محطات التوليد الكهربائية.
وتجسدت الغطرسة الإسرائيلية في عملية «عناقيد الغضب» العسكرية في 13 نيسان 1996 والتي تواصت على مدى خمسة عشر يوماً كاملاً، الأمر الذي أدى إلى نزوح عدد هائل من سكان الجنوب اللبناني إلى بيروت وباقي المناطق. إلا أن وقوف الشعب اللبناني متكاتفاً مع الدولة وداعماً للمقاومة أفشلا الخطة الإسرائيلية وخاصة عقب وقوع «مجزرة قانا» عندما قامت إسرائيل بقصف أحد المواقع التابعة للقوات الدولية في الجنوب حيث كان يلتجىء إليه المدنيين الأمر الذي أدى إلى سقوط 105 قتيل معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن ما أثار حفيظة المجتمع الدولي بأكمله، واضطرت إسرائيل بعد ذلك إلى توقيع اتفاق نيسان مع لبنان وسوريا برعاية أمريكية وفرنسية وفيه اعتراف دولي كامل بشرعية المقاومة اللبنانية وعدم شرعية قصف المدنيين اللبنانيين من قبل الطائرات الإسرائيلية.
كان هذا الاتفاق بمثابة «درع واقي» بالنسبة للمقاومة (حزب الله) الذي عرف كيف يوجه ضرباته الموجعة لجنود الإحتلال الذين أصيبوا بالهلع والخوف والإحباط، وبدأ الشعب اليهودي يطالب حكوماته بالانسحاب من المستنقع اللبناني وإنقاذ أولادهم من الموت المحتم على أيدي رجال المقاومة الذين راحوا يصورون عملياتهم ويقومون ببثها إلى العالم، الأمر الذي أظهر مدى الجبن والخوف والإحباط الذي يعاني منه الجنود اليهود، مقابل التصميم والعزيمة وحب الجهاد والاستشهاد الذي يتحلى به رجال المقاومة اللبنانية.
عهد الرئيس إميل لحود 1998 ـ ....:
317 318 في تشرين الأول 1998 تم انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية بأغلبية ساحقة من أصوات النواب في جلسة انتخاب تاريخية. وقد تسلم الرئيس الجديد ـ الذي يحظى بشعبية كبيرة ـ مقاليد الحكم من الرئيس السابق الياس الهراوي في في القصر الجمهوري وفق الدستور.
أجرى الرئيس الجديد استشارات نيابية لتعيين رئيس جديد للحكومة الأولى للعهد الجديد. وكانت الغالبية تؤيد عودة الرئيس رفيق الحريري، إنما وبعد لغط حصل جراء قيام بعض النواب بتجيير أصواتهم للرئيس لحود ليختار هو من يريد. فكان اعتراض الرئيس الحريري حول دستورية هذا الأمر، ورفض عملية تجيير الأصوات لرئيس البلاد، فاعتذر عن تشكيل الحكومة، فأعاد لحود عملية الاستشارات النيابية التي جاءت هذه المرة لمصلحة الدكتور سليم الحص المعارض الأول لحكومات الحريري السابقة. فشكل حكومة تكنوقراطية، جلها من المعارضة وغابت عنها الأسماء السياسية الكبيرة وممثلي الأحزاب اللبنانية.
عملت هذه الحكومة على هدف واحد مهم وهو تخفيف عبء الدين الذي ترتب على كاهل البلاد من جراء عملية البناء والإعمار، وحاولت تحسين الأوضاع الاقتصادية، غير أن الأمور سارت على غير ما أرادت الحكومة، فبقي الدين على ما هو عليه ودخلت البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، وزادت البطالة في صفوف المواطنين وارتفعت أسعار المواد الأولية في البلاد.
الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان:
بسبب تزايد العمليات النوعية للمقاومة اللبنانية على الجيش الإسرائيلي وعملاءه «قوات جيش لبنان الجنوبي بقيادة انطوان لحد) زاد الضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأن سحب قواتها من لبنان، فأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إيهود باراك أنه قرر سحب جيشه من الجنوب اللبناني في شهر تموز من عام 2000م. غير أنه وخلافاً لكل التوقعات، وتحت ضربات المقاومة الباسلة قام العدو الإسرائيلي بتفكيك مواقعه في الجنوب وسحب جيوشه تباعاً من المنطقة في بداية شهر أيار، الأمر الذي أدى إلى حالة هلع شديد في صفوف جيش العملاء الذين تركوا بيوتهم وممتلكاتهم وفروا مع الجيش الإسرائيلي طالبين الهروب من لبنان المقاوم. ودخل الشعب اللبناني تؤازره المقاومة إلى القرى الجنوبية المحررة في 25 أيار 2000 في «يوم المقاومة والتحرير» الذي أعلن عيداً رسمياً في لبنان.
الموقع
يقع لبنان في غربي قارة آسيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي يحده من الغرب. ومن الشمال والشرق تحده سوريا ومن الجنوب تحده فلسطين المحتلة. تقع على ساحله الممتد على البحر المتوسط المدن التاريخية القديمة: بيروت، طرابلس، جبيل، صيدا، صور. تبلغ مساحة لبنان 10,452كم2، ويبلغ عدد سكانه المقيمين على أرضه حوالي 3,75 مليون نسمة، وهناك مثل هذا العدد من المغتربين اللبنانيين في مختلف أنحاء دول العالم. عاصمته بيروت التي تقع على ساحل البحر المتوسط.
نبذة تاريخية:
في التاريخ القديم:
استوطن العرب الكنعانيون في بلاد الشام قادمين إليها من شبه الجزيرة العربية. وقد استقروا على ساحل البحر المتوسط، فأنشؤوا مدناً كثيرة منها بيروت وصيدا (صيدون) وقد عرفوا باسم الفينيقيين، وهم لم يشكلوا دولة واحدة، بل شكلوا ممالك مدن مستقلة. واهتم الفينيقيون كثيراً بالزراعة والصناعة والتجارة، فازدهرت أحوالهم، وبلغت سفنهم التجارية مختلف أرجاء البحر المتوسط. فأسسوا عدة محطات تجارية لبضائعهم أصبحت فيما بعد مدنا كبيرة مشهورة وفي مقدمتها «قرطاجة» في تونس. والتي غدت فيما بعد دولة قوية نافست الرومان في السيطرة على البحر المتوسط. وكما نقل الفينيقيون تجارتهم إلى مختلف أنحاء العالم، كذلك نقلوا أبجديتهم التي اخترعوها والتي تعد أقدم أبجدية في التاريخ.
تعرضت هذه البلاد لغزوات آشورية وفارسية حتى جاء الإسكندر المقدوني حوالي 350 ق.م. ثم انتقلت السيطرة إلى الإمبراطورية الرومانية حوالي 64 ق.م. وقد تركوا عدة آثار ضخمة.
العهد الإسلامي:
بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم عام 11 هـ ـ 632م. بدأت الجيوش الإسلامية بالاتجاه شمالاً وشرقا لنشر الدين الإسلامي الجديد، وتوجه الجيش الإسلامي لفتح بلاد الشام وكان بقيادة خالد بن الوليد الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك الخالدة والتي كانت بوابة العبور إلى منطقة بلاد الشام.
وقد توجه الصحابي معاوية بن أبي سفيان على رأس قوة من الجيش لفتح المدن الساحلية على البحر المتوسط بدءاً من صور وصيدا وبيروت وطرابلس. كما توجه القائد أبو عبيدة بن الجراح ويرافقه خالد بن الوليد لفتح دمشق ومنها نحو سهل البقاع فبعلبك ومدينة حمص.
وهكذا تم إخضاع هذه البلاد للخلافة الإسلامية. وكذلك بقيت المنطقة في العهد الأموي والعهد العباسي الأول. وفي العهد العباسي الثاني الذي تميز بالضعف ونشوء الدويلات، فقد كانت هذه البقعة تتبع دويلات مختلفة كالإخشيديين والحمدانيين والأيوبيين والزنكيين والمماليك حتى مجيء العثمانيين، حيث انتصروا على المماليك في معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516م. فدخلوا بلاد الشام، وأخضعوها لحكمهم الذي استمر لمدة 400 سنة. وقد قامت في جبل لبنان عدة ثورات مناهضة للوجود العثماني من بدايته كان أهمها حركة فخر الدين المعني الثاني.
أحداث لبنان 1868 والإستقلال الذاتي:
بعد فشل حملة إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر على بلاد الشام في عام 1841 م بدأ تنافس حاد بين الفرنسيين والانكليز أسفرت عنه حوادث دامية بين (1845 ـ 1860 م).ونشأت هذه الحوادث عندما عمد كل من قناصل الدول الأربع (إنكلترا وروسيا والنمسا وفرنسا) إلى نشر الدسائس بين السكان كل لمصلحته، واتخاذ الدين وسيلة لذلك، فقد اعتمد قنصل إنكلترا على الطائفة الدرزية، واعتمد ممثل روسيا على الطائفة الأرثوذكسية، وممثل النمسا على الموارنة الكاثوليك منافساً بذلك الفرنسيين الذين كانوا يعتمدون على هؤلاء. أما الدولة العثمانية فقد بسطت سيطرتها المباشرة على المنطقة ولكنها على الأرض كانت ضعيفة، ونتيجة تأريث البغضاء بين الدروز والمسيحيين قامت بعض الاضطرابات المؤسفة، فأقيم نظام إداري جديد في جبل لبنان قضى على ما كان سائداً من أن يكون حاكم الجبل أحد أمراء الإقطاع هناك، وأصبح يتولى السلطة بدلاً منه حاكم تركي يعين تعييناً، وقسم الجبل إلى قائمقاميتين، وازدادت المنافسة بين إنكلترا إلى جانب الدروز وفرنسا إلى جانب الموارنة ونشبت الاضطرابات ثانية عام 1845، وعمد وزير الخارجية العثماني وقتها شكيب أفندي على الإبقاء على هذا النظام مع تغيير في الإدارة انتقص من قوة زعماء الإقطاع.
وفي عام 1857 م نشبت ثورة الفلاحين الموارنة (ضد الإقطاع) في كسروان وبعض مناطق شمالي جبل لبنان، دعمها رجال الدين الموارنة، وامتدت إلى المناطق الدرزية في عام 1860 م حيث تحولت إلى فتنة طائفية، وامتدت موجتها إلى دمشق كانت ضحاياها في جبل لبنان مروعه، وكادت أن تتزايد لولا تدخل بعض العقلاء والمخلصين من الطرفين (المسيحيين والمسلمين).هذه الأحداث حفزت الباب العالي والدول الكبرى إلى العمل لإنهائها. فأبحرت السفن الحربية الأجنبية إلى المياه السورية. وقام الوالي العثماني بفصل جبل لبنان عن بقية بلاد الشام بأن وضع له نظام حكم جديد تميز بأنه اعتمد على أسس واسعة من الحكم الذاتي. وأعلنت الدول الأجنبية (فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا وإيطاليا) ضمانها لهذا النظام وبدأت كل منها تعمل على بسط نفوذها السياسي والثقافي فيه، سواء عن طريق الإرساليات التبشيرية والتعليمية أو الامتيازات الاقتصادية.
وهكذا قامت متصرفية جبل لبنان بموجب بروتوكول 1861 والمعدل عام 1864 م وقد تألفت هذه المتصرفية من سبعة أقضية هي:
الكورة ـ البترون ـ كسروان ـ المتن ـ الشوف ـ جزين ـ زحلة ـ بالإضافة إلى مديريتي دير القمر والهرمل.
ـ ولاية بيروت: فقد كانت ولاية عثمانية ملحقة بسوريا ويتبعها صيدا وصور ومرجعيون ثم تبعها أيضاً طرابلس واللاذقية في الشمال وعكا ونابلس في الجنوب.
ـ البقاع: كان ملحقاً بولاية دمشق. وكان مكوناً من أربعة أقضية: بعلبك ـ راشيا ـ حاصبيا ـ البقاع الغربي. أما موقف اللبنانيين من الدولة العثمانية فقد انقسم عبر الجمعيات الثقافية التي أنشأت. وكان بعض هذه الجمعيات يعمل سراً كالجمعية العربية الفتاة والقحطانية، وبعضها الآخر يعمل علناً كجمعية بيروت الإصلاحية، وحزب اللامركزية الادارية العثماني وجمعية العهد. وقد ظهر اتجاهان متبانيان هما:
ـ اتجاه يدعو إلى اللامركزية، أي منح لبنان استقلالاً ذاتياً مع بقاء ارتباطه بالدولة العثمانية.
ـ اتجاه يدعو إلى الإستقلال التام عن الدولة العثمانية.
إلا أن حكم الإستقلال الذاتي الذي منح لمتصرفية الجبل سرعان ما ألغي بقرار من الدولة العثمانية عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى في 5 آب 1914، وجمع جميع الرجال للمشاركة في الحرب إلى جانب الدولة العثمانية.
فازدادت النقمة على الدولة العثمانية وخاصة عقب انتهاء الحرب وهزيمة الألمان وحلفاءهم الأتراك الأمر الذي أدى إلى ازدياد الضائقة الاقتصادية وانتشار الأمراض والأوبئة. ثم قيام محكمة عالية ودمشق العرفية التي شكلها جمال باشا بحملة اعتقالات واسعة تلتها أحكام بالإعدام على رموز المعارضة في 20 آب 1915 و6 أيار 1916، الأمر الذي سرع اندلاع الثورة العربية الكبرى.
الثورة العربية الكبرى:
بعد شهر من تنفيذ أحكام الإعدام في كل من بيروت ودمشق، كانت استعدادات الشريف حسين قد اكتملت في مكة، بالاتفاق مع البريطانيين (حسب مراسلات حسين ومكماهون) وتفاهم الشريف مع شيوخ القبائل، واستدعى ابنه الأمير فيصل من دمشق، واتفق على أن يوم الاثنين في 5/حزيران/1916 موعداً لانطلاق الثورة من المدينة المنورة حيث اعلن استقلال العرب عن الحكم العثماني.
فاندلعت الثورة في الموعد المحدد، فسقطت مكة وصمدت المدينة، وراحت مدن الحجاز تسقط وسار فيصل إلى الشمال صوب بلاد الشام بعد أن حرر شمالي الحجاز بالكامل ونودي بالشريف حسين ملكاً على البلاد العربية في أوائل سنة 1917م.
دخل فيصل مدينة العقبة وأرسل ابن عمه الشريف ناصر باتجاه سوريا فوصل في 30 أيلول 1918 إلى ضواحي دمشق فاستقبلته حكومة مؤقتة كانت قد تألفت برئاسة الأمير سعيد الجزائري للمحافظة على الأمن واستمرت ثلاثة أيام فقط ورفعت الأعلام العربية في دمشق. وكلف فيصل رضا الركابي بتأليف أول حكومة وبعث الفريق شكري الأيوبي إلى بيروت ممثلاً وحاكماً، فعين حبيب باشا السعد حاكماً على لبنان بعد قسم اليمين ولاءً للشريف حسين، وارتفع العلم العربي فوق سراي بعبدا وفوق بعبدا وفوق سراي بيروت.
إلا أن الأمور لم تطل على هذه الحالة إذ في 8 تشرين الأول كانت القوات الفرنسية تنزل على شواطىء بيروت لتنزل علم الحكومة العربية وترفع العلم الفرنسي وهكذا دخلت المنطقة تحت الحكم الأجنبي تنفيذاً للاتفاقية التي جرى توقيعها بين فرنسا وبريطانيا (سايكس بيكو) والتي تقسم البلاد العربية إلى دويلات مستعمرة لكلتا الدولتين.
الاحتلال الفرنسي:
في 8 تشرين الأول 1918 أنزل الأسطول الفرنسي في بيروت بقيادة الكولونيل «دي بياباب» فتسلم مقاليد الأمور في بيروت وأنزل العلم العربي عن سراي بعبدا وبيروت، ورفع العلم الفرنسي.
وقد قسم الفرنسيون سوريا إلى 3 مناطق هي:
أ ـ المنطقة الجنوبية: وتمثل فلسطين من حدود مصر جنوباً إلى الناقورة شمالاً ونهر الأردن شرقاً ويديرها الانكليز.
بـ ـ المنطقة الشرقية: وتشمل ولاية سوريا ومعان، وتمتد إلى الفرات شمالاً. ويديرها الأمير فيصل (ابن الشريف حسين).
حـ ـ المنطقة الغربية: وتضم متصرفية جبل لبنان وولايات بيروت وطرابلس واللاذقية والإسكندرون، ويديرها الفرنسيون.
وراح الفرنسيون يسعون إلى ترسيخ الخلافات الطائفية وبث روح العداء بين الطوائف.
وقد أدى هذا الأمر إلى تباين في موقف اللبنانيين بالنسبة لتقرير مصير بلادهم: فالأكثرية الساحقة من المسلمين والأرثوذكس طالب بالانضمام إلى الوحدة السورية بقيادة الأمير فيصل.
والأكثرية الساحقة من المسيحيين وخاصة الموارنة كانت تطالب باستقلال لبنان الموسع بحدوده التاريخية ورفض الوحدة مع سوريا.
وكان الأمير فيصل في مؤتمر الصلح يتحدث باسم الفريق الأول.
أما الفريق الثاني فقد تحرك عن طريق إرسال وفد إلى مؤتمر الصلح لطرح مطالبة بالإستقلال التام والمساعدة الفرنسية (عبر الانتداب).
هذه الخلافات الواسعة بين الطرفين أدت إلى أرسال لجنة من مؤتمر الصلح عرفت بلجنة كينغ ـ كراين للوقوف على الأراء الصحيحة للأكثرية رغم معارضة الفرنسيين والإنكليز الذين لم ينتظروا نتائج هذه اللجنة بل أسرعوا بتطبيق اتفاقية سايكس بيكو. وعين الجنرال غورو قائداً للجيش الفرنسي بالشرق ومفوضاً سامياً في بيروت فنزل فيها في 18 تشرين الثاني 1919.
وفي 8 أذار 1920 اجتمع المؤتمر السوري وأعلن قيام الملكية واستقلال سوريا ومن ومن ضمنها لبنان الذي يحتفظ بحدوده السابقة، فأغضب ذلك الفرنسيين.
مؤتمر سان ريمو:
سارع الفرنسيين مع الإنكليز، وعقدوا مؤتمراً في مدينة سان ريمو الإيطالية بين 18 و 26 نيسان 1920 إلى جانب إيطاليا واليابان وصدر في 5 أيار 1920 المقررات التالية:
ـ إقرار الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
ـ إقرار الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين وشرقي الأردن.
ـ إعطاء إيطاليا نفوذاً في جنوب غربي الأناضول.
ـ إعطاء حصة من نفط الموصل في العراق لفرنسا(5%)
ـ الالتزام بتنفيذ وعد بلفور الصادر عن الحكومة البريطانية في 2 تشرين الثاني سنة 1917.
فعمل الجنرال غورو بعد هذه القرارات على القضاء على الحكومة الفيصلية في دمشق ووجه إنذاراً لها في 20 تموز 1920 للدخول إلى سوريا، ولم ينتظر الجنرال الفرنسي رد الأمير فيصل بل أمر قواته بالتوجه إلى دمشق فتصدى له وزير الحربية السورية في الحكومة المستسلمة يوسف العظمة يدعمه بعض الوزراء والحركات الشعبية. والتقى الجيشان في ميسلون على بعد 35 كم من دمشق وكانت معركة غير متكافئة انتهت باستشهاد يوسف العظمة ومئات المقاتلين معه في 24 تموز 1920 ودخل الفرنسيون دمشق. أما الأمير فيصل فقد غادر إلى حيفا ومن هناك أقلته باخرة إنكليزية إلى إيطاليا ومنها إلى بريطانيا حيث مكث حتى عام 1921 عندما عوض عليه الانكليز خسارته لسوريا بتعيينه ملكاً على العراق.
إعلان دولة لبنان الكبير 31 آب 1920:
استعملت فرنسا في الدول العربية المستعمرة سياسة (فرق تسد). فأصدر الجنرال غورو في 31 آب 1920 عدة قرارات هدفت إلى إنشاء دويلات صغيرة كانت ضمن بلاد الشام الموحدة سابقاً وهي:
دولة دمشق ـ دولة العلويين ـ دولة الدروز ـ دوحة حلب ـ دولة لبنان الكبير وذلك بعد توسيع متصرفية جبل لبنان بضم الأقضية الأربعة إليها وهي: حاصبيا ـ راشيا ـ بعلبك ـ البقاع. وولاية بيروت وملحقاتها وتقسيم هذه الدولة إلى أربع متصرفيات ومدينتين ممتازتين:
ـ متصرفية لبنان الشمالي ومركزها زغرتا.
ـ متصرفية جبل لبنان ومركزها بعبدا.ـ متصرفية البقاع ومركزها زحلة.
ـ متصرفية لبنان الجنوبي ومركزها صيدا.
ـ مدينة بيروت الممتازة.
ـ مدينة طرابلس الممتازة.
وأصبحت مساحة لبنان الكبير 10452كم2 بعد أن كانت المساحة أيام المتصرفية 3500كم2.
وقد تولى حكم لبنان في هذه الفترة ثلاثة مفوضين عسكريي
نـ الجنرال غورو (1920 ـ 1923 م) وقد واجهته الثورات، وخاصة في جبل عامل وحوران، وقد تعرض لمحاولة اغتيال على يد أحد أبطال المقاومة (أدهم خنجر) وطلب من حكومته مده بالقوة اللازمة فرفض طلبه، فاستقال من منصبه.
ـ الجنرال ويغان (1923 ـ 1924 م): هدأت الأحوال في عهد بعض الشيء خاصة وأنه وعد اللبنانيين بدراسة مطالبهم.
ـ الجنرال ساراي (1924 ـ 1925 م): سنة 1924 تسلم اليساريون الحكم في فرنسا فعزلوا ويغان وعينوا بدلاً عنه الجنرال «ساراي». وفي عهده نشبت الثورة في سوريا سنة 1925 في جبل الدروز، مما أدى إلى إنهاء عهده ووعهد الحكم العسكري لتبدأ مرحلة جديدة من الحكم عين لها مفوض سامي جديد غير عسكري هو: ـ هنري دي جوفنيل وذلك سعياً لتهدئة الأوضاع. وقد كانت سلطته مطلقة ويهيمن على السلطة القضائية والتشريعية.
وقد استبد هذا المفوض في تطبيق الأحكام وتعسف في فرض القرارات.
المجلس التمثيلي والدستور الجديد وأول رئيس للبلاد:
عام 1921 أجرت المفوضية الفرنسية إحصاء سكانياً واتخذته كأساس لتوزيع مقاعد نيابية بين الطوائف، وفي 8 أذار سنة 1922 صدر قرار عن المفوضية الفرنسية بإنشاء مجلس تمثيلي منتخب يتمتع بحق التشريع. وقد تألف من 30 عضواً. وتعاقب على رئاسته كل من حبيب باشا السعد ثم نعوم لبكي (1923) وإميل إده (1924).
وفي أوائل سنة 1925 أقدم الجنرال ساراي على حل المجلس التمثيلي مسايرة للمعارضة اللبنانية وعين موعداً لإجراء الانتخابات في شهر تموز. وجرت الانتخابات في 28 حزيران 12 تموز سنة 1925 وتألف المجلس الجديد من 30 عضواً. وشهد هذا المجلس ولادة الدستور اللبناني، وقد تحول في 25 أيار 1926 إلى مجلس للنواب تنفيذاً للدستور اللبناني كما شهد هذا المجلس ولادة الجمهورية اللبنانية التي كانت أول جمهورية لبنانية كما كانت أول جمهورية عربية.
أما كيفية وضع الدستور اللبناني؟ فقد انتخب مجلس النواب لجنة تألفت من 12 عضواً ستة من النواب وستة من الأعيان. وقامت هذه اللجنة باستشارة عدد كبير من رجال الفكر والسياسة والدين والموظفين حول الأسس التي يجب أن تعتمد في وضع الدستور (ما شكل الحكومة ـ البرلمان من مجلس أو مجلسين ـ ....)
وبعد ثلاثة أيام من إعلان الدستور في 23 أيار، دعي مجلس النواب ومجلس الشيوخ لانتخاب رئيس للجمهورية في 26 أيار 1926، وكانت سلطات الانتداب قد أعدت مرشحها سلفاً وهو أحد الذين أشرفوا على ولادة الدستور، مدير العدل آنذاك شارل دباس وهو مسيحي أرثوذكسي، ثم جدد له لثلاث سنوات أخرى حتى عام 1931، وظهرت منافسة قوية بين المرشحين إميل إده وبشارة الخوري وكان الخوري يتمتع بتأييد نيابي واسع. فلما أيقن إده أن المعركة خاسرة صرح بتأييد الشيخ محمد الجسر، حيال هذا الوضع وإزاء تخوف سلطات الانتداب من تطور الأمور صدر قرار عن المفوض السامي بوقف العمل بموجب الدستور وحل المجلس النيابي، إقالة الوزارة، وعين الدباس من جديد رئيساً للبلاد. وأواخر سنة 1933 استقال شارل دباس فعين المفوض السامي الجديد دي مارتيل حبيب باشا السعد رئيساً للبلاد لمدة سنة ثم جدد له من جديد، ودعي مجلس نيابي استثنائي لانتخاب رئيس جديد للبلاد
عهد إميل إده
300 ترشح لمنصب الرئاسة ثلاثة: حبيب السعد وإميل إده وبشارة الخوري وفاز إده بأغلبية ضئيلة، وتزعم الخوري المعارضة.
وعلى عهده وقع لبنان مع فرنسا معاهدة عام 1936 والتي تعترف فيها فرنسا باستقلال لبنان وتساعده خلال 3 سنوات لدخول عصبة الأمم، مقابل أن تحتفظ بحاميات عسكرية على الأراضي اللبنانية وتشرف على السياسة الخارجية. وفي 4 كانون الثاني 1937 صدر قرار عن المفوض السامي بالعودة إلى العمل بالدستور. وعقب اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 علق الدستور من جديد وأقيلت حكومة عبد الله اليافي وثبت إده رئيساً بالتعيين لا بالانتخاب فتقلصت صلاحياته.
لبنان وحكومة فيشي:
بعد أقل من عام (10 أيار 1940) دخلت إيطاليا في الحرب إلى جانب ألمانيا التي زحفت بسرعة فائقة واحتلت فرنسا، وتشكلت حكومة فيشي الموالية للألمان وترأس المعارضة الجنرال ديغول الذي انتقل إلى إنكلترا وأعلن من هناك قيام حكومة فرنسا الحرة ومواصلة الحرب ضد الألمان. وترأس المعارضة الجنرال ديغول الذي انتقل إلى إنكلترا وأعلن من هناك قيام حكومة فرنسا الحرة ومواصلة الحرب ضد الألمان. أما في لبنان فقد انحاز المفوض الفرنسي بيو إلى جانب حكومة فيشي.
وعين كاترو ممثلاً لديغول بالقاهرة الذي راح يعد اللبنانيين بالإستقلال في حال مساعدتهم لحكومة فرنسا الحرة. وعينت حكومة فيشي دانتز بدلاً من بيو، وكان دانتز من المتشددين على اللبنانيين، وقد أدت سياسته هذه إلى استقالة إميل إده أوائل نيسان 1941، فعين دانتز القاضي ألفرد نقاش رئيساً للدولة.
أقنع الجنرال كاترو البريطانيين بضرورة مواجهة حكومة فيشي في سوريا ولبنان (بعد ما عملت هذه الحكومة على تقديم المساعدات لثورة الكيلاني في العراق ضد الانكليز) ووضع الخطة لذلك وبدأ الزحف في أواسط حزيران 1941. وقد استطاعت هذه القوات الانتصار على دول المحور وحكومة فيشي بعد معارك ضارية في بيروت ومرجعيون والدامور.
وعادت سلطة الانتداب الفرنسي من جديد للمندوب السامي كاترو الذي حدد يوم 26 تشرين الثاني 1941 موعداً للاستقلال. وفي الموعد المحدد أعاد كاترو تعيين النقاش واعتبر لبنان دولة ذات سيادة مستقلة.
المعارضة اللبنانية:
اعتبرت المعارضة اللبنانية وخاصة (الكتلة الدستورية برئاسة بشارة الخوري) أن هذا الإستقلال مزيفا ومجحفاً، وتوالت الاعتراضات من رياض الصلح ومن البطرك عريضة والذي أغضب كاترو مساندة الدول العربية لمطلب الإستقلايين وخاصة مصطفى النحاس باشا. وبعد معركة العلمين، وتراجع رومل قرر الجنرال كاتروا إجراء انتخابات نيابية فعمد إلى إقالة النقاش ورئيس حكومته سامي الصلح، وعين أيوب ثابت رئيساً للدولة في 18 أذار 1943 وكانت مهمته الأساسية الاعداد لانتخابات نيابية.
وأصدر ثابت مرسوماً تشريعياً حدد فيه المقاعد النيابية بـ54 مقعد وأصر على إعطاء المهاجرين حق التصويت ومعظمهم من المسيحيين فاختل توزيع المقاعد بين الطوائف فجرت احتجاجات عنيفة من الطوائف الإسلامية، فأقيل أيوب ثابت واختير خلفاً له بترو طراد (21 تموز 1943). وتوسط رئيس الوزارة المصرية مصطفى النحاس باشا فصدر قرار بتحديد عدد المقاعد بـ55 (30 للمسيحيين و25 للمسلمين).
انتخاب بشارة الخوري وعهد الإستقلال:
301 302 في 21 أيلول 1943 جرت الانتخابات النيابية وأسفرت عن فوز بشارة الخوري لرئاسة الجمهورية فكلف رياض الصلح لتشكيل الحكومة، وبدأت الأزمة مع الفرنسيين بعدم قيام الوزارة الجديدة بزيارة المندوب السامي. كما قدم رئيس الوزراء برنامج عمل الوزارة الذي تضمن تعديل الدستور، وجعل التشريع من حق المجلس النيابي وحده، وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة فيه. وقد أقر المجلس هذا البرنامج رغم تحذيرات المندوب الفرنسي فما كان منه إلا أن اعتقل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأودعهما في قلعة راشيا، وعين رئيساً جديداً إلا أن بعض أعضاء الحكومة الذين نجوا من الاعتقال (حبيب أبو شهلا ومجيد أرسلان) اجتمعوا في قرية بشامون وشاركهم رئيس المجلس النيابي صبري حمادي وعدد من النواب وعملوا على تمثيل الحكومة الشرعية ودعوا الناس إلى العصيان المدني، فسقط العديد من القتلى والجرحى نتيجة الصدامات بين الطرفين وأحتجت البلاد العربية، فتراجعت فرنسا وأعادت الحكومة الشرعية إلى الحكم في 22 تشرين الثاني 1943 وعدَّ هذا اليوم العيد الوطني للبنان. وبعد مفاوضات بين الحكومة اللبنانية الوطنية وبين سلطة الانتداب تقرر سحب القوات الفرنسية وإعلان استقلال لبنان في 31 كانون الأول 1946م.
عهد بشارة الخوري (1943 ـ 1952 م):
أهم إنجازات هذا العهد هو «الميثاق الوطني» الذي قرب بين مشاعر الوطنيين المسلمين والمسيحيين ممثلين برياض الصلح وبشارة الخوري فتبلور هذا الاتفاق في عزم المسلمين عن ترك فكرة الوحدة مع سوريا وكذلك المسيحيين ترك فكرة الوصاية الفرنسية. والتشديد على جعل لبنان وطناً مستقلاً حراً ذا وجه عربي يتساوى فيه الجميع. وفي 22 أيار 1949 تم تعديل المادة 49 من الدستور والتمديد للرئيس بشارة الخوري مدة ثانية.
محاولة انقلاب فاشلة
: في تموز 1949 صدر عن أنطون سعادة رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي بالانقلاب وبالسيطرة على مقدرات الدولة، لكن الدولة أحكمت قبضتها على الانقلابيين، وهرب سعادة إلى سوريا غير أن الرئيس السوري حسني الزعيم سلم سعادة للدولة اللبنانية التي اعدمته مع ستة من أنصاره.
وأواخر عهد الرئيس الخوري عم الفساد والمحسوبيات في الإدارات العامة. ومني العهد بنكسة تجلت في اغتيال الرئيس رياض الصلح في عمان على يد أحد القوميين السوريين (16 تموز 1951 م) ففقد بشارة الخوري نصيراً قوياً. ووعد الشيخ بشارة بتنفيذ برنامج اصلاحي ووالى رئيس وزراءه سامي الصلح المعارضة، وتفجر الوضع باستقالة رئيس الحكومة في 9 أيلول 1952 وعجز الرئيس الخوري عن تأليف وزارة جديدة، وتحت ضغط المعارضة والإضرابات الشعبية قدم استقالته في 18 أيلول 1952.
عهد الرئيس كميل شمعون (1952 ـ 1958 م):
303 عمل كميل شمعون منذ انتخابه على تحقيق الإصلاحات الإدارية، ونالت حكومته الأولى برئاسة خالد شهاب سلطات استثنائية لوضع قوانين. إصلاحية. إلا أن نفوذ شمعون كان دائماً يطغى على رئيس الحكومة، فلم يسمح لأحد بمشاركته في القرار فانقطع حبل تفاهمه مع كمال جنبلاط الذي كان يطالب بالمشاركة في وضع سياسة العهد ولم تنقض بعض السنوات على عهد شمعون حتى عادى جميع الزعماء المسلمين والمسيحيين الأمر الذي سرع بإشعال ثورة 1958، خاصة أن العالم العربي كان يعيش فورة عربية لا سابق لها على عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وذلك عقب خروج مصر من العدوان الثلاثي عليها منتصرة. ورفض شمعون مسايرة مصر في قطع العلاقات مع بريطانيا وفرنسا فاستاء رئيس الحكومة عبد الله اليافي ووزير الدولة صائب سلام واستقالا من الحكم. فمال شمعون إلى جهة العراق والأردن للانضمام إلى حلف بغداد، إلا أن الأوضاع الداخلية قد اشتعلت ضد الحكم وخاصة عقب ثورة تموز بالعراق وتسلم الضباط الوطنيين الحكم الأمر الذي أدى إلى إنزال الولايات المتحدة قواتها على السواحل اللبنانية في 15 تموز 1958.
عهد اللواء فؤاد شهاب (1958 ـ 1964 م):
304 305 استطاع قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب أن يبقي الجيش بعيداً عن الصراعات التي حدثت في عهد شمعون وهذا ما رفع رصيده للرئاسة. وقد أتى انتخاب شهاب حلاً مرضياً لمختلف الفئات وشكل رشيد كرامي حكومته الأولى من أقطاب المعارضة السابقة والمحايدين، وأعلن البدء بقطف ثمار ثورة 58. فحاول الطرف المقابل القيام بحركة مضادة فتدخل الرئيس شهاب واستطاع (بعد عدة مشاكل) أن يرأب الصدع. فشكل رشيد كرامي وزارة اتخذت شعار «لا غالب ولا مغلوب» فاستكانت الأمور.
وقد عمل هذا العهد على الاهتمام بالمناطق النائية، واستطاع القيام بما عجز عنه العهدان السابقان من (الإصلاح الإداري).
أما سياسة شهاب الخارجية فقد بدأها باجتماع مع الرئيس جمال عبد الناصر على الحدود اللبنانية السورية، وأبدى الرئيس الجديد تساهلاً حيال الفئة اليسارية وساير التيار العروبي (دون الإساءة إلى التيار الآخر). واستطاع أن يقنع أمريكا بسحب قواتها من السواحل اللبنانية.
عهد الرئيس شارل الحلو (1964 ـ 1970 م):
306 فاز الرئيس الحلو بانتخابات الرئاسة عام 64 (وكان وزير التربية عندما انتخب رئيساً) وعمل على متابعة الإصلاحات الإدارية، وقد واجهت البلاد على عهده مشاكل اقتصادية أهمها (قضية بنك انترا) الذي عجز عن الدفع لزبائنه. وتحرك المجلس النيابي لوضع تشريعات تضمن تضمن الودائع المصرفية. وفي 1969 وقعت عدة اصطدامات بين المقاومة الفلسطينية المسلحة وبين الجيش اللبناني، فجرت مفاوضات بين الطرفين برعاية مصرية بغية التوصل إلى حل، وقد وقع الطرفان في 3 تشرين الثاني 69 على «اتفاق القاهرة» الذي سمح للفدائيين الفلسطينيين بحرية العمل ضمن منطقة محددة في جنوب لبنان برعاية الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وقبل انتهاء مدة شارل الحلو، انتخب المجلس النيابي وزير الاقتصاد سليمان فرنجية رئيساً للبلاد، فتسلم سلطاته الدستورية في 23 أيلول 1970.
عهد الرئيس سليمان فرنجية (1970 ـ 1976 م):
307 عمل الرئيس فرنجية على تحسين الأوضاع في لبنان وخاصة منها الوضع الاجتماعي الذي كان يهدد بالثورة نتيجة الغبن اللاحق بشريحة كبيرة من الشعب اللبناني. كما كان الفلسطينيون قد زاد نشاطهم وكثرت عملياتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي في شمالي فلسطين كما كثرت مكاتبهم في العديد من المناطق اللبنانية، وغالباً ما كانت تحدث استفزازات بسيطة كانت تحل سريعاً، ولكنها كانت تخفي أثراً كبيراً بقي في الأعماق ولم يظهر إلى العلن إلا مع بداية الحرب الأهلية وكانت الشرارة الأولى في 13 نيسان 1975 عندما أطلقت قوات حزب الكتائب النار على حافلة تنقل عدداً من الفلسطينيين واللبنانيين ما أدى إلى سقوطهم بين قتيل وجريح، وسرعان ما انتقلت المعارك إلى بعض المناطق الأخرى في بيروت وجبل لبنان، حيث تقسمت المناطق بشكل سريع بين الفرقاء إثر ذلك قام الرئيس سليمان فرنجية بالطلب من الرئيس السوري حافظ الأسد بدخول قوات الجيش السوري إلى لبنان للفصل بين المتقاتلين، خاصة بعد ورود الأنباء عن حشد عسكري للقوات الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات والأحزاب الوطنية اللبنانية التي يتزعمها كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وعن نية هذه القوات بالدخول إلى المناطق المسيحية بعد عمليات القتل والتشريد التي حصلت داخل المنطقة بحق سكان مخيمات تل الزعتر والكرنتينا والنبعة.
في 31 أيار 1976 دخلت القوات السورية إلى لبنان وعلى الفور فكت حصار الفلسطينيين وقوات الأحزاب الوطنية عن المعاقل المسيحية بدءاً بمدينة زحلة، وقد وقعت اشتباكات عنيفة على طريق بيروت دمشق وفي ميناء صيدا.
هذا التدخل مكن المسيحيين من التحول إلى الهجوم وخصوصاً ضد الجيوب المعادية في مناطقهم ولاسيما تل الزعتر.
عهد الرئيس إلياس سركيس 1976 ـ 1982:
لم يستطيع الرئيس الياس سركيس إيقاف نار الحرب المستعرة، رغم محاولاته الحثيثة، إلا إنه لم يكن يستطيع إيقاف المليشيات المسيحية عن القيام بأي عمل ما، وهذا ما أضعفه.
وقد عكس التدخل السوري في لبنان إلى جانب المسيحيين وضد الفلسطينين صدمة كبيرة لدى الرؤساء العرب الذين تنادوا إلى لقاء قمة عربية عقدت في الرياض عام 76 اتفق على إثره بتشكيل قوات عربية مشتركة تكون القوات السورية عمودها الفقري لوقف الحرب الأهلية في لبنان، ودخلت القوات السورية إلى مناطق تواجد الفلسطينيين والقوى الوطنية التي توزعت في مختلف المناطق، فكانت الصدمة الأكبر عندما بدأت إسرائيل بتمويل حلفاءها في المناطق المسيحية بمختلف أنواع الأسلحة وفي خضم هذه الأجواء الملبدة تم اغتيال كمال جنبلاط في 16 أذار 1977 الذي كان رمز الحركة الوطنية وقائدها. وتحت عنوان حماية المستعمرات الإسرائيلية قامت القوات الإسرائيلية في 14 أذار 1978 باجتياح لبعض القرى اللبنانية في الجنوب، وسرعان ما صدر قرار عن الأمم المتحدة يحمل الرقم 425 يدعو إسرائيل إلى الانسحاب الكامل غير المشروط من لبنان الوضع في بيروت كان محزناً، فقد انقسمت إلى منطقتين وانتشر المقاتلون في كل مكان، وانتشر معهم الموت والرعب، وكانت عمليات القتل والقنص لا ترحم العوام حتى في منازلهم وازدادت أكثر حدة مع موجة القتل الطائفي.
الاجتياح الإسرائيلي وسقوط بيروت:
309 حاولت ميليشيا بشير الجميل المتحالفة مع إسرائيل وضع يدها على مدينة زحلة في البقاع الأمر الذي أدى إلى نشوب معارك قوية مع القوات السورية التي أجبرته على الخروج من المدينة، غير أن الطائرات الإسرائيلية تدخلت واسقطت مروحيتين للسوريين كانتا تنقلان المؤن والإمدادات، فحرك السوريون صواريخ أرض جو من نوع سام إلى البقاع وبدأت أزمة الصواريخ السورية الإسرائيلية في البقاع وفي 6 حزيران 1982 قامت القوات الإسرائيلية وبحجة إطلاق النار من قبل الفلسطينيين على السفير الإسرائيلي في لندن باجتياح لبنان وخلال 40 ساعة كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت معظم جنوبي لبنان ودحرت قوات منظمة التحرير الفلسطينية وراحت تتقدم باتجاه بيروت.
وأقدمت القوات الإسرائيلية يدعمها قصف مدفعي من البر والبحر وغارات جوية كثيفة بالهجوم على المواقع السورية والفلسطينية والسكنية في ضواحي بيروت وعلى التلال المطلة على العاصمة وضربت حصاراً على بيروت استمر تسعة أسابيع.
وتحت الضغط الإسرائيلي الأمريكي خرج في أول أيلول 1982 المقاتلون السوريون والفلسطينيون من بيروت. وفي هذه الأثناء تم انتخاب بشير الجميل زعيم ميليشيا الكتائب رئيساً للبنان وبضغط على النواب غير أنه وقبل أن يتسلم سدة الرئاسة تم اغتياله في 14 أيلول 1982، وجاء هذا الاغتيال مناسبة استغلها آرييل شارون وزير الحرب الصهيوني ليدير مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بحجة مزدوجة: الثأر لبشير، واستمرار وجود المقاتلين الفلسطينيين في المخيمات.
عهد أمين الجميل
310 اجتمع مجلس النواب عقب مقتل بشير الجميل واختار شقيقه أمين الجميل الذي حاول أن يبقى بين الطرفين في بداية الأمر، فزار دمشق والتقى بالرئيس الأسد. إلا أن ضغط وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز، أجبر لبنان على خوض محادثات منفردة مع الجانب الإسرائيلي، ومن ثم التوقيع رغماً عنه على اتفاقية 17 أيار 1983 التي سلخت لبنان عن محيطه العربي، بل وجعلته محمية إسرائيلية.
وقد حاولت الولايات المتحدة عبر الضغط على الرئيس الأسد للموافقة على هذه الاتفاقية إلا إنه رفض رفضاً باتاً، وتشكلت بدعم منه جبهة الانقاذ الوطني في في بيروت المناهضة لهذا الاتفاق والتي استطاعت إسقاطه فيما بعد.
وبدأت في بيروت العمليات الفدائية النوعية ضد الجيش الإسرائيلي الذي راح يتراجع، كما اندلعت معارك حامية بين الجيش اللبناني (يتبع الطرف اليميني بزعامة أمين الجميل) وبين قوات حركة أمل الموالية لسوريا، واستطاعت هذه القوات من إجبار الجيش على الخروج من مناطقها، وجاءت أحداث الشوف عقب اندحار القوات الإسرائيلية من الجبل عقب معارك الشحار إذ قامت قوات الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط (ابن كمال جنبلاط) بدحر القوات اللبنانية الموالية لإسرائيل وإخراجها من الجبل.
وهكذا بدأت الأمور تميل إلى جانب قوات الحركة الوطنية الموالية لسوريا وبدأت إسرائيل تزداد تراجعاً عن المناطق التي احتلتها، وكانت عمليات المقاومين اللبنانيين تتعقب قواتها طيلة عام 1984. وبحلول عام 1985 رضيت إسرائيل لنفسها بمنطقة حدودية سمتها «الحزام الأمني» في جنوب لبنان وأقامت فيه ميليشيا لبنانية تتبع لها أوكلت قيادتها إلى ضابط في الجيش اللبناني يدعى سعد حداد كما تعرضت القوة البحرية الأمريكية لعملية أودت بحياة 241 جندياً أمريكياً من قوات المارينز، كذلك هوجمت القوات الفرنسية بعملية مماثلة أدت إلى سقوط 56 جندياً فرنسياً) يذكر أن هذه القوات دخلت إلى بيروت في إطار القوات الدولية للفصل بين الإسرائيليين وبين اللبنانيين.
وهكذا تمكنت القوات الوطنية بدعم من القوات السورية من بسط نفوذها بعد خروج القوات الإسرائيلية والقوات المتعددة الجنسيات، فاضطر الرئيس اللبناني، أمين الجميل في 29 شباط 1984 للسفر إلى دمشق لملاقاة الرئيس الأسد ليعلن له عن استعداده لإلغاء اتفاقية 17 أيار مع إسرائيل.
عودة مجدداً للحرب الأهلية:
اندلعت في بيروت وبعض المناطق اشتباكات بين الفلسطينيين الموالين لعرفات والمعادين له، وقد أسفرت هذه المعارك عن سقوط حوالي 1000 قتيل و4 آلاف جريح، وخرج أنصار عرفات من بيروت. وعلى الساحة المسيحية انتفض سمير جعجع (12 أذار 1985) من داخل القوات اللبنانية على التقارب الذي كان باشره حزب الكتائب (الحزب الأم للقوات اللبنانية)مع قادة الحركة الوطنية بدعم من سوريا. ولكن بعد شهرين قاد إلياس حبيقة انتفاضة على الانتفاضة، وأصبح الرجل الأقوى على الساحة المسيحية واستقبل رسمياً في دمشق في 9 أيلول 1985.
إلا إن التأزم انتقل إلى بيروت الغربية حيث بدأ حلفاء الأمس (أمل والتقدمي) بصراع عسكري على السيطرة، فاستطاعت دمشق الجمع بين الطرفين عبر «جبهة الوحدة الوطنية». وفي أوائل أيلول 1985 دخل الجيش السوري مدينة زحلة نتيجة إلحاح من وجهاء المدينة وفي أواخر الشهر نفسه دخل مدينة طرابلس فارضاً على الأصوليين المسلمين (حركة التوحيد الإسلامية) تسليم أسلحتهم الثقيلة بعد معارك كبيرة. وهكذا بدا الوضع وكأنه جاهز لتوقيع اتفاق سلام بين مختلف الأطراف في لبنان.
وقع هذا الاتفاق (الذي سمي الاتفاق الثلاثي) أو «اتفاق دمشق» في 28 كانون الأول 1985 في دمشق: الياس حبيقة (عن القوات اللبنانية)، وليد جنبلاط (الحزب التقدمي الاشتراكي)، نبيه بري (حركة أمل) وعدد كبير من الشخصيات الفاعلة على الساحتين الإسلامية والمسيحية. وقد نص هذا الاتفاق على إنهاء حالة الحرب وإقامة توازن في السلطات بين المسيحيين والمسلمين، وبعدها يصار إلى إلغاء الطائفية وإجراء إصلاحات في المؤسسات.
لكن هذا الاتفاق ما لبث أن ضاع بعد نحو اسبوعين فقط، إذ رفض رئيس الجمهورية امين الجميل الانضمام إليه، وقاد سمير جعجع في 13 كانون الثاني 1986 انتفاضته الثانية، الموجهة ضد إلياس حبيقة والاتفاق الذي وقعه، فوقعت معارك داخل المناطق المسيحية أودت بحياة حوالي 300 قتيل هُزم فيها حبيقة وغادر إلى سوريا.
فعاد الوضع إلى تأزمه، وموجة من السيارات المفخخة جعلت من بيروت جحيماً، إضافة إلى الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين الأحزاب الوطنية المسيطرة على بيروت خاصة خاصة بين أمل ـ التقدمي الاشتراكي وبين أمل ـ المرابطون (حركة ناصرية سنية) وازدادت حدة المعارك في عام 1987 بين هذه الأحزاب ولم تتوقف إلا بعودة الجيش السوري إلى بيروت في 18 ـ 22 شباط 1987 ومعالجته بحزم بعد طلب رسمي من الحكومة اللبنانية.
خلافة أمين الجميل بين عون والحص:
تركز الاهتمام على الموعد المقرر لانتخاب رئيس جديد للبلاد يخلف أمين الجميل (تنتهي ولايته في 1988) الذي قاطعته سوريا بسبب مسؤوليته عن إفشال الاتفاق الثلاثي. حاول الجميل إيجاد الرجل البديل الذي يكون موضع ثقة بين الطرفين، إلا أن جميع الجهود المبذولة قد فشلت، ولم تجر الانتخابات الرئاسية بعدما ضغطت القوات المهيمينة على المنطقة الشرقية على النواب المسيحيين ومنعتهم من حضور جلسة الانتخاب فعطلتها، فعهد أمين الجميل في ساعاته الأخيرة إلى تكليف قائد الجيش العماد ميشيل عون بتشكيل حكومة، بينما كان الحص رئيساً للحكومة في المنطقة المقابلة (في آخر عهد الجميل قدم الحص استقالة حكومته للرئيس الجميل لكنه لم يقبلها) وهكذا قامت في البلد حكومتان. إلا أن حكومة عون لم يشارك فيها الضباط المسلمين الذين اختارهم عون لمشاركته في الحكومة، فأعلن عون «حرب التحرير» ضد السوريين في 14 أذار 1989، فقامت حرب مدفعية طويلة المدى بين الطرفين أدت إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوف المدنيين.
هذه المعارك أثارت ردود فعل عربية وأجنبية عديدة فتشكلت لجنة وساطة عربية ثلاثية (السعودية ـ المغرب ـ الجزائر) إلا أن هذه اللجنة لم تتوصل إلى حل للأزمة فعملت السعودية وبدعم من الولايات المتحدة على جمع 62 نائباً لبنانياً في مدينة الطائف السعودية للقيام بمحادثات لبنانية ـ لبنانية لتصحيح الوضع الدستوري في البلد بشكل يساوي بين الطوائف وذلك في 30 أيلول 1989. أسفرت هذه المحادثات عن «اتفاقية الطائف».
عهد «الطائف» الجمهورية الثانية:
311 321 313 314 315 316 أعلن العماد ميشال عون نفسه رئيساً لـ«لبنان الحر» في 7 تشرين الثاني 1989 أي بعد أسبوعين من توقيع اتفاق الطائف وأعلن عن حل المجلس النيابي (الذي وقع اتفاق الطائف في 4 تشرين الأول 89). إلا أن النواب اجتمعوا في شتورة وانتخبوا رينيه معوض رئيساً للبلاد إلا إنه اغتيل في 22 تشرين الثاني، فعاد النواب اللبنانيين وانتخبوا إلياس الهراوي مباشرة ليتسلم زمام الرئاسة.
في هذه الأثناء كان الوضع الداخلي في المنطقة المسيحية متأزماً بين الطرفين (المتسلمين لزمام الأمور) سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، وميشيل عون قائد الجيش ورئيس الحكومة في المنطقة، فأعلن الأخير «حرب الإلغاء» في 15 كانون الثاني 1990 ضد «القوات» فاندلعت معارك طاحنة بين الفريقين أسفرت عن سقوط أكثر من ألف قتيل وهروب أكثر من 200 ألف مسيحي إلى المناطق الإسلامية فكان القرار الحازم من رئاسة الجمهورية وهو القيام بحركة عسكرية بمساعدة الجيش السوري لإنهاء حالة تمرد ميشال عون.
وفي 13 تشرين الأول 1991 تحركت القوات السورية وقوات الجيش اللبناني باتجاه الجيب الذي يسيطر عليه عون (وهو لا يتعدى 267 كلم2) وهرب عون إلى السفارة الفرنسية طالباً اللجوء السياسي إلى فرنسا، وهكذا بسطت الشرعية اللبنانية كامل سيطرتها على الأراضي اللبنانية. وبدأت بعملية فرض هيمنتها وكانت البداية بحل الميليشيات العسكرية وتسليم أسلحتها للدولة اللبنانية.
وفي 22 أيار 1991 وقع لبنان وسوريا معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين.
عهد الرئيس الياس الهراوي 1989 ـ 1998 م:
لقد كان عهد الرئيس الياس الهراوي بداية الجمهورية الثانية عقب اغتيال الرئيس رينيه معوض، فعمدت حكومة العهد الأولى برئاسة عمر كرامي إلى حل الميليشيا العسكرية وتسلم الأسلحة الثقيلة والخفيفة منها، وجمع جميع شباب الأحزاب في معسكر إعادة تأهيل لإدخالهم في الجيش في الجيش الوطني اللبناني، الذي سلمت قيادته إلى العماد إميل لحود الذي أثبت حنكة ودراية واستطاع بناء جيش موحد وطني ومنع انقسام المؤسسة العسكرية وذلك بعد إنهاء تمرد العماد ميشال عون في 13/10/1990 بدعم من القوات السورية. وللمرة الأولى بعد الحرب الأهلية في البلاد، جرت الانتخابات النيابية في عام 1992، وجاءت بوجوه جديدة إلى البرلمان، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة رجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري ليبدأ مرحلة إعادة الإنماء والإعمار.
وكان لمجيء الحريري على رأس الحكومة صدى إيجابي كبير وخاصة على المستوى الاقتصاد والاجتماعي.
فعلى الصعيد الداخلي تحسنت الأوضاع الاقتصادية، وانتعشت قيمة الليرة اللبنانية، كما وضعت مخططات المشاريع الإنمائية لمختلف المناطق اللبنانية وخاصة في ضواحي بيروت المحرومة، فأعيد لبنان إلى الخارطة السياحية في العالم. وبدأت أكبر ورشة إعمار في الشرق الأوسط استعاد لبنان بفضلها بعضاً من عافيته ومركزه الاقتصادي في المنطقة. وعاد لبنان قبلة المستثمرين العرب والأجانب.
استمر الحريري على رأس السلطة التنفيذية لمدة خمس سنوات، حيث تم التمديد للرئيس الياس الهراوي عندما انتهت مدة ولايته في تشرين الأول 1995، فمدد له لمدة ثلاثة سنوات.
نبذة عن الإنماء والإعمار في حكومات الرئيس الحريري:
بعد حلول السلام في البلاد، واجهت لبنان تحديات هائلة، لم تكن هذه التحديات تتمثل في إعادة تعمير البنية التحتية المدمرة للبلد وإعادة تأهيل المؤسسات العامة وأجهزة الدولة فحسب، بل أيضاً قدرة البلاد على أخذ مكانها بين الدول المنافسة في الوقت الذي كانت تلوح فيه فرص حقيقية لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ تسلم مهامها في تشرين الأول 1992 وحتى أواخر 1998، ركزت حكومات الرئيس الشيخ رفيق الحريري جهودها على متطلبات النهضة الاقتصادية.
فوضعت خطة عشرية (1993 ـ 2002) تهدف إلى تحقيق نهضة اقتصادية ونمو متوازن في البلاد، وقد أطلق على هذا التحدي «آفاق 2000».
وتنفق هذه الأموال الضخمة بهدف إعادة إعمار مختلف قطاعات البنية التحتية المادية والاجتماعية في البلاد وتنميتها. وأكثر ما تركزت الاهتمامات حول إعادة إعمار منطقة وسط بيروت التجاري الذي كان قبل الحرب يجمع القسم من نشاطات العاصمة، وقد ساهم غياب هذا المركز منذ بداية الحرب في التغيير العميق الذي طاول المجال المديني، فوسط بيروت يضم مناطق سكنية ونشاطات حرفية صغيرة وكثافة عالية من النشاطات، مع وجود عدد كبير من المصارف والمكاتب والفنادق من كل الفئات والمؤسسات التجارية إضافة إلى مصالح الدولة وإداراتها. إن إعادة إعمار وسط بيروت هو في الوقت عينه رمز إعادة توحيد البلاد وعملية ضرورية لاستعادة العاصمة اللبنانية ازدهارها ودورها السابقين.
الغضب الإسرائيلي والمقاومة الباسلة:
في ظل هذه السنوات، كان الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتداءاته المباشرة على لبنان واللبنانيين عبر غاراته الجوية وقصفه المدفعي المتواصل، الأمر الذي أدى إلى وقوع العديد من الخسائر في صفوف المواطنين المدنيين، غير أن المقاومة اللبنانية (وبالأخص حزب الله المدعوم من إيران) كان يزعج اليهود بعملياته العسكرية النوعية التي كانت تصيب العدو الإسرائيلي بخسائر مادية وبشرية جسيمة للغاية، الأمر الذي أبقى على الوضع غير المستقر في الجنوب، حتى أن الطائرات الإسرائيلية غالباً ما كانت تقصف مواقع حزب الله في الداخل اللبناني في مدينة «بعلبك» إضافة الى قصف المنشآت الحديثة في البلد. وخاصة محطات التوليد الكهربائية.
وتجسدت الغطرسة الإسرائيلية في عملية «عناقيد الغضب» العسكرية في 13 نيسان 1996 والتي تواصت على مدى خمسة عشر يوماً كاملاً، الأمر الذي أدى إلى نزوح عدد هائل من سكان الجنوب اللبناني إلى بيروت وباقي المناطق. إلا أن وقوف الشعب اللبناني متكاتفاً مع الدولة وداعماً للمقاومة أفشلا الخطة الإسرائيلية وخاصة عقب وقوع «مجزرة قانا» عندما قامت إسرائيل بقصف أحد المواقع التابعة للقوات الدولية في الجنوب حيث كان يلتجىء إليه المدنيين الأمر الذي أدى إلى سقوط 105 قتيل معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن ما أثار حفيظة المجتمع الدولي بأكمله، واضطرت إسرائيل بعد ذلك إلى توقيع اتفاق نيسان مع لبنان وسوريا برعاية أمريكية وفرنسية وفيه اعتراف دولي كامل بشرعية المقاومة اللبنانية وعدم شرعية قصف المدنيين اللبنانيين من قبل الطائرات الإسرائيلية.
كان هذا الاتفاق بمثابة «درع واقي» بالنسبة للمقاومة (حزب الله) الذي عرف كيف يوجه ضرباته الموجعة لجنود الإحتلال الذين أصيبوا بالهلع والخوف والإحباط، وبدأ الشعب اليهودي يطالب حكوماته بالانسحاب من المستنقع اللبناني وإنقاذ أولادهم من الموت المحتم على أيدي رجال المقاومة الذين راحوا يصورون عملياتهم ويقومون ببثها إلى العالم، الأمر الذي أظهر مدى الجبن والخوف والإحباط الذي يعاني منه الجنود اليهود، مقابل التصميم والعزيمة وحب الجهاد والاستشهاد الذي يتحلى به رجال المقاومة اللبنانية.
عهد الرئيس إميل لحود 1998 ـ ....:
317 318 في تشرين الأول 1998 تم انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية بأغلبية ساحقة من أصوات النواب في جلسة انتخاب تاريخية. وقد تسلم الرئيس الجديد ـ الذي يحظى بشعبية كبيرة ـ مقاليد الحكم من الرئيس السابق الياس الهراوي في في القصر الجمهوري وفق الدستور.
أجرى الرئيس الجديد استشارات نيابية لتعيين رئيس جديد للحكومة الأولى للعهد الجديد. وكانت الغالبية تؤيد عودة الرئيس رفيق الحريري، إنما وبعد لغط حصل جراء قيام بعض النواب بتجيير أصواتهم للرئيس لحود ليختار هو من يريد. فكان اعتراض الرئيس الحريري حول دستورية هذا الأمر، ورفض عملية تجيير الأصوات لرئيس البلاد، فاعتذر عن تشكيل الحكومة، فأعاد لحود عملية الاستشارات النيابية التي جاءت هذه المرة لمصلحة الدكتور سليم الحص المعارض الأول لحكومات الحريري السابقة. فشكل حكومة تكنوقراطية، جلها من المعارضة وغابت عنها الأسماء السياسية الكبيرة وممثلي الأحزاب اللبنانية.
عملت هذه الحكومة على هدف واحد مهم وهو تخفيف عبء الدين الذي ترتب على كاهل البلاد من جراء عملية البناء والإعمار، وحاولت تحسين الأوضاع الاقتصادية، غير أن الأمور سارت على غير ما أرادت الحكومة، فبقي الدين على ما هو عليه ودخلت البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، وزادت البطالة في صفوف المواطنين وارتفعت أسعار المواد الأولية في البلاد.
الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان:
بسبب تزايد العمليات النوعية للمقاومة اللبنانية على الجيش الإسرائيلي وعملاءه «قوات جيش لبنان الجنوبي بقيادة انطوان لحد) زاد الضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأن سحب قواتها من لبنان، فأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إيهود باراك أنه قرر سحب جيشه من الجنوب اللبناني في شهر تموز من عام 2000م. غير أنه وخلافاً لكل التوقعات، وتحت ضربات المقاومة الباسلة قام العدو الإسرائيلي بتفكيك مواقعه في الجنوب وسحب جيوشه تباعاً من المنطقة في بداية شهر أيار، الأمر الذي أدى إلى حالة هلع شديد في صفوف جيش العملاء الذين تركوا بيوتهم وممتلكاتهم وفروا مع الجيش الإسرائيلي طالبين الهروب من لبنان المقاوم. ودخل الشعب اللبناني تؤازره المقاومة إلى القرى الجنوبية المحررة في 25 أيار 2000 في «يوم المقاومة والتحرير» الذي أعلن عيداً رسمياً في لبنان.