- الاثنين يوليو 15, 2013 8:30 pm
#63729
في أعقاب احتجاجات ما أطلق عليه ""الربيع العربي""، ووصول تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة في أكثر من بلد شرق أوسطي، ارتفعت في تلك البلدان دعوات ""تطبيق الشريعة الإسلامية"" وشعارات ""الإسلام هو الحل""، وانقسمت مجتمعاتها ما بين مؤيد يرى في تطبيق الشريعة حماية للقيم وحلا للكثير من المعضلات، ومعترض يرى فيه انقلابا على الأساليب الديمقراطية، وتحكما في خيارات الناس وحرياتهم، وبداية لفرض نمط من الحكم الديكتاتوري الإقصائي المستبد، ومصادرة لحقوق المواطنة وما تم تحقيقه من حريات مدنية وشخصية كفلها القانون وصانها الوعي، ولا سيما أن بعض الدول التي رفعت فيها تلك الشعارات والمطالب يوجد ضمن نسيجها الاجتماعي من لا يدين بالإسلام (مثل مصر)، أو لها إرث طويل من العلمانية (مثل تونس).
ثم جاءت أخيرا الاحتجاجات الجماهيرية في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية ذي الهوى الإخواني بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتثبت أن الأحزاب الإسلامية مهما حققت للجماهير من إنجازات اقتصادية مشهودة وتحسن مطرد في مستويات معيشتها، ومهما حاولت بذكاء وسرية، وحيطة شديدة، ومن خلال القنوات الديمقراطية، النفاذ إلى قلاع العلمانية بغية جرفها تمهيدا لإقامة الدولة الدينية الخالصة، فإن إيمان الجماهير بالتعدد والتنوع وحرية الاختيار والدولة المدنية يبقى أقوى وأعمق.
هذه الأحداث والتطورات شكلت دافعا لمؤسسة ""بي. إي. دبليو"" (مؤسسة أبحاث ودراسات أمريكية، مقرها العاصمة واشنطن، وتأسست في 1990 بتمويل خاص من أجل قياس اتجاهات الرأي في العالم حول القضايا والظواهر المثيرة للجدل من تلك التي تشغل بال وسائل الإعلام وصناع القرار) لعمل بحث ميداني، وإجراء مقابلات مع أكثر من 38 ألف مسلم من ذوي الجنسيات والثقافات واللغات المختلفة في مناطق جغرافية متنوعة من تلك التي تعيش فيها نسبة معتبرة من مسلمي العالم مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (حيث يعيش 20 في المائة من مسلمي العالم)، وشرق ووسط وجنوب أوروبا (2 في المائة) ، وجنوب وجنوب شرق آسيا (62 في المائة)، وآسيا الوسطى (9 في المائة)، ومنطقة جنوب الصحراء (30 في المائة). أما سؤال البحث المحوري فقد كان: ""باعتبارك مسلما، هل تؤيد تطبيق الشريعة في بلدك؟"".
وعلى الرغم من أن العينة المختارة شملت 38 ألف إنسان مسلم، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة بالعدد الإجمالي للمسلمين في العالم، الذي وصل بحسب إحصائيات عام 2010 إلى نحو 1.62 مليار نسمة، إلا أن في نتائج البحث ما يغري باستعراضه. من هذه النتائج:
- أنه حتى في الدول الإسلامية التي يوجد فيها دعم وحماس قويين لتطبيق أحكام الشريعة، فإن أغلبية من استطلعت آراؤهم فضلوا مبدأ منح المواطن حريته لجهة عقيدته ومذهبه وأداء طقوسه الروحانية. فمثلا في باكستان، حيث 179 مليونا من أصل سكانها البالغ تعدادهم 183 مليون نسمة هم من المسلمين، اتخذ نحو 75 في المائة من هؤلاء هذا المنحى، غير أن 84 في المائة منهم استحسن أن تدرج أحكام الشريعة ضمن القوانين المعمول بها مع تطبيقها على المسلمين فقط.
- في نصف الدول الإسلامية التي أجري فيها البحث وعددها 38 دولة، كان هناك توجه غالب لمنح القادة الدينيين نوعا من النفوذ للتأثير في القضايا السياسية. فمثلا كان هذا رأي 37 في المائة من مسلمي الأردن، و41 في المائة من مسلمي ماليزيا، و53 في المائة من مسلمي أفغانستان.
- التأييد الساحق لجعل أحكام الشريعة جزءا من القوانين المعمول بها في الدولة جاء معظمه من دول تعطي دساتيرها الأفضلية للإسلام على سائر الأديان الأخرى مثل باكستان (أيد هذا التوجه نحو 84 في المائة من مسلميها) والمغرب (83 في المائة). والمثير في هذا السياق أن أفغانستان، التي ذاقت الأمرين من تطبيق الشريعة على يد نظام طالبان البائد، طالب 99 في المائة من سكانها المسلمين البالغ تعدادهم 29.5 مليون نسمة بتطبيق أحكام الشريعة. كما أن البنجلادشيين المسلمين طالبوا بالشيء نفسه بنسبة 84 في المائة على الرغم من أنهم ينعمون بدستور علماني يحفظ حقوق وحريات مختلف مكونات البلاد، ويدافع عن عقائدهم الدينية وطقوسهم الروحانية.
- لوحظ وجود تباين كبير بين سكان جنوب وشرق أوروبا لجهة تطبيق الشريعة. فبينما بلغت نسبة المؤيدين في روسيا الاتحادية (حيث يعيش 16.4 مليون مسلم من أصل عدد السكان الكلي وهو 143 مليون نسمة) 42 في المائة، كان المؤيدون في كوسوفو 20 في المائة، وفي البوسنة والهرسك 15 في المائة. أما في ألبانيا فقد أيد مثل هذا التوجه نحو 12 في المائة فقط من إجمالي مسلميها البالغ تعدادهم 2.6 مليون نسمة (من أصل عدد السكان الكلي وهو 2.82 مليون نسمة).
- التباين السابق لوحظ أيضا بين مسلمي جمهوريات آسيا الوسطى. فقد أيد تطبيق الشريعة 35 في المائة من مسلمي قرقيزستان البالغ تعدادهم 4.9 مليون من أصل 5.5 مليون نسمة، و27 في المائة من مسلمي طاجيكستان البالغ تعدادهم سبعة ملايين من أصل ثمانية ملايين نسمة، فيما كانت هذه النسبة أقل بكثير بين مسلمي تركيا (12 في المائة) وكازاخستان (10 في المائة) وأذربيجان (8 في المائة).
- في دول جنوب شرق آسيا، أظهرت نتائج البحث تحبيذ 86 في المائة من مسلمي ماليزيا المقدر عددهم بـ 17.4 مليون من أصل عدد السكان الكلي وهو 29.7 مليون نسمة تطبيق أحكام الشريعة، مقابل 72 في المائة من مسلمي إندونيسيا البالغ تعدادهم204.85 مليون من أصل 237.64 مليون نسمة. وكانت النسبة في أوساط الأقلية المسلمة في تايلاند (نحو أربعة ملايين نسمة) هي 77 في المائة.
- فيما يتعلق بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أظهرت النتائج أن أكثر المؤيدين لتطبيق أحكام الشريعة هم في العراق (91 في المائة من إجمالي عدد مسلميها البالغ 31.12 مليون نسمة)، يليهم مسلمو الأراضي الفلسطينية (89 في المائة)، فمسلمو المغرب (83 في المائة) فمسلمو مصر (74 في المائة) فمسلمو الأردن (71 في المائة). وجاء مسلمو لبنان في ذيل القائمة بـ 29 في المائة فقط.
- في معظم الدول التي استطلعت آراء شعوبها المسلمة، كانت نسبة المؤيدين لإقامة الحدود الشرعية، كقطع يد السارق ورجم الزاني وقتل المرتد، منخفضة للغاية. كما كان هناك تباين ملحوظ فيما يتعلق بتأييد عقوبة التجديف والتعرض للذات الإلهية وأحكام الطلاق والميراث ورأي الشريعة في التخطيط الأسري، الأمر الذي يعكس قلة وعي الكثيرين بمفهوم تطبيق أحكام الشريعة.
- في معظم الدول التي شملها البحث، قررت الأغلبية – سواء في صفوف الرجال أو النساء – أن المرأة يجب أن تطيع الرجل وتلتزم بخدمته. فتسعة من كل عشرة أشخاص تمت مقابلتهم في العراق والمغرب وتونس وإندونيسيا وأفغانستان وماليزيا كان هذا رأيهم. لكن من جهة أخرى قررت الأغلبية في معظم دول البحث الثماني والثلاثين أنه يجب إعطاء المرأة الحق لجهة ما تقرره لنفسها، ولا سيما حول ارتداء الحجاب من عدمه.
- اتضح من الدراسة التي أجريت أن المسلمين، أيا كانت جنسيتهم، يفضلون الديمقراطية على الحكم الشمولي، ويستمتعون باستخدام نتاج الحضارة الغربية، لكنهم في الوقت نفسه يعادون هذه الحضارة وينسبون إليها تدمير الأخلاق والفضيلة، الأمر الذي يعكس نوعا من الازدواجية.
نشر بتاريخ 14-07-2013
ثم جاءت أخيرا الاحتجاجات الجماهيرية في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية ذي الهوى الإخواني بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتثبت أن الأحزاب الإسلامية مهما حققت للجماهير من إنجازات اقتصادية مشهودة وتحسن مطرد في مستويات معيشتها، ومهما حاولت بذكاء وسرية، وحيطة شديدة، ومن خلال القنوات الديمقراطية، النفاذ إلى قلاع العلمانية بغية جرفها تمهيدا لإقامة الدولة الدينية الخالصة، فإن إيمان الجماهير بالتعدد والتنوع وحرية الاختيار والدولة المدنية يبقى أقوى وأعمق.
هذه الأحداث والتطورات شكلت دافعا لمؤسسة ""بي. إي. دبليو"" (مؤسسة أبحاث ودراسات أمريكية، مقرها العاصمة واشنطن، وتأسست في 1990 بتمويل خاص من أجل قياس اتجاهات الرأي في العالم حول القضايا والظواهر المثيرة للجدل من تلك التي تشغل بال وسائل الإعلام وصناع القرار) لعمل بحث ميداني، وإجراء مقابلات مع أكثر من 38 ألف مسلم من ذوي الجنسيات والثقافات واللغات المختلفة في مناطق جغرافية متنوعة من تلك التي تعيش فيها نسبة معتبرة من مسلمي العالم مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (حيث يعيش 20 في المائة من مسلمي العالم)، وشرق ووسط وجنوب أوروبا (2 في المائة) ، وجنوب وجنوب شرق آسيا (62 في المائة)، وآسيا الوسطى (9 في المائة)، ومنطقة جنوب الصحراء (30 في المائة). أما سؤال البحث المحوري فقد كان: ""باعتبارك مسلما، هل تؤيد تطبيق الشريعة في بلدك؟"".
وعلى الرغم من أن العينة المختارة شملت 38 ألف إنسان مسلم، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة بالعدد الإجمالي للمسلمين في العالم، الذي وصل بحسب إحصائيات عام 2010 إلى نحو 1.62 مليار نسمة، إلا أن في نتائج البحث ما يغري باستعراضه. من هذه النتائج:
- أنه حتى في الدول الإسلامية التي يوجد فيها دعم وحماس قويين لتطبيق أحكام الشريعة، فإن أغلبية من استطلعت آراؤهم فضلوا مبدأ منح المواطن حريته لجهة عقيدته ومذهبه وأداء طقوسه الروحانية. فمثلا في باكستان، حيث 179 مليونا من أصل سكانها البالغ تعدادهم 183 مليون نسمة هم من المسلمين، اتخذ نحو 75 في المائة من هؤلاء هذا المنحى، غير أن 84 في المائة منهم استحسن أن تدرج أحكام الشريعة ضمن القوانين المعمول بها مع تطبيقها على المسلمين فقط.
- في نصف الدول الإسلامية التي أجري فيها البحث وعددها 38 دولة، كان هناك توجه غالب لمنح القادة الدينيين نوعا من النفوذ للتأثير في القضايا السياسية. فمثلا كان هذا رأي 37 في المائة من مسلمي الأردن، و41 في المائة من مسلمي ماليزيا، و53 في المائة من مسلمي أفغانستان.
- التأييد الساحق لجعل أحكام الشريعة جزءا من القوانين المعمول بها في الدولة جاء معظمه من دول تعطي دساتيرها الأفضلية للإسلام على سائر الأديان الأخرى مثل باكستان (أيد هذا التوجه نحو 84 في المائة من مسلميها) والمغرب (83 في المائة). والمثير في هذا السياق أن أفغانستان، التي ذاقت الأمرين من تطبيق الشريعة على يد نظام طالبان البائد، طالب 99 في المائة من سكانها المسلمين البالغ تعدادهم 29.5 مليون نسمة بتطبيق أحكام الشريعة. كما أن البنجلادشيين المسلمين طالبوا بالشيء نفسه بنسبة 84 في المائة على الرغم من أنهم ينعمون بدستور علماني يحفظ حقوق وحريات مختلف مكونات البلاد، ويدافع عن عقائدهم الدينية وطقوسهم الروحانية.
- لوحظ وجود تباين كبير بين سكان جنوب وشرق أوروبا لجهة تطبيق الشريعة. فبينما بلغت نسبة المؤيدين في روسيا الاتحادية (حيث يعيش 16.4 مليون مسلم من أصل عدد السكان الكلي وهو 143 مليون نسمة) 42 في المائة، كان المؤيدون في كوسوفو 20 في المائة، وفي البوسنة والهرسك 15 في المائة. أما في ألبانيا فقد أيد مثل هذا التوجه نحو 12 في المائة فقط من إجمالي مسلميها البالغ تعدادهم 2.6 مليون نسمة (من أصل عدد السكان الكلي وهو 2.82 مليون نسمة).
- التباين السابق لوحظ أيضا بين مسلمي جمهوريات آسيا الوسطى. فقد أيد تطبيق الشريعة 35 في المائة من مسلمي قرقيزستان البالغ تعدادهم 4.9 مليون من أصل 5.5 مليون نسمة، و27 في المائة من مسلمي طاجيكستان البالغ تعدادهم سبعة ملايين من أصل ثمانية ملايين نسمة، فيما كانت هذه النسبة أقل بكثير بين مسلمي تركيا (12 في المائة) وكازاخستان (10 في المائة) وأذربيجان (8 في المائة).
- في دول جنوب شرق آسيا، أظهرت نتائج البحث تحبيذ 86 في المائة من مسلمي ماليزيا المقدر عددهم بـ 17.4 مليون من أصل عدد السكان الكلي وهو 29.7 مليون نسمة تطبيق أحكام الشريعة، مقابل 72 في المائة من مسلمي إندونيسيا البالغ تعدادهم204.85 مليون من أصل 237.64 مليون نسمة. وكانت النسبة في أوساط الأقلية المسلمة في تايلاند (نحو أربعة ملايين نسمة) هي 77 في المائة.
- فيما يتعلق بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أظهرت النتائج أن أكثر المؤيدين لتطبيق أحكام الشريعة هم في العراق (91 في المائة من إجمالي عدد مسلميها البالغ 31.12 مليون نسمة)، يليهم مسلمو الأراضي الفلسطينية (89 في المائة)، فمسلمو المغرب (83 في المائة) فمسلمو مصر (74 في المائة) فمسلمو الأردن (71 في المائة). وجاء مسلمو لبنان في ذيل القائمة بـ 29 في المائة فقط.
- في معظم الدول التي استطلعت آراء شعوبها المسلمة، كانت نسبة المؤيدين لإقامة الحدود الشرعية، كقطع يد السارق ورجم الزاني وقتل المرتد، منخفضة للغاية. كما كان هناك تباين ملحوظ فيما يتعلق بتأييد عقوبة التجديف والتعرض للذات الإلهية وأحكام الطلاق والميراث ورأي الشريعة في التخطيط الأسري، الأمر الذي يعكس قلة وعي الكثيرين بمفهوم تطبيق أحكام الشريعة.
- في معظم الدول التي شملها البحث، قررت الأغلبية – سواء في صفوف الرجال أو النساء – أن المرأة يجب أن تطيع الرجل وتلتزم بخدمته. فتسعة من كل عشرة أشخاص تمت مقابلتهم في العراق والمغرب وتونس وإندونيسيا وأفغانستان وماليزيا كان هذا رأيهم. لكن من جهة أخرى قررت الأغلبية في معظم دول البحث الثماني والثلاثين أنه يجب إعطاء المرأة الحق لجهة ما تقرره لنفسها، ولا سيما حول ارتداء الحجاب من عدمه.
- اتضح من الدراسة التي أجريت أن المسلمين، أيا كانت جنسيتهم، يفضلون الديمقراطية على الحكم الشمولي، ويستمتعون باستخدام نتاج الحضارة الغربية، لكنهم في الوقت نفسه يعادون هذه الحضارة وينسبون إليها تدمير الأخلاق والفضيلة، الأمر الذي يعكس نوعا من الازدواجية.
نشر بتاريخ 14-07-2013