- الأربعاء فبراير 27, 2008 7:23 pm
#80
أعلنت الولايات المتحدة عن تقليص تواجدها العسكري في السعودية ونقل القيادة الجوية الأمريكية من قاعدة الأمير سلطان قرب الرياض إلى قاعدة العديد القطرية.
ويبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت في إعادة ترتيب تواجدها العسكري في الخليج بعد سقوط النظام العراقي.
مع أن غلاة المتطرفين من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة طالبوا الكونغرس الأمريكي بإيجاد بديل استراتيجي للمملكة العربية السعودية في أعقاب سقوط نظام صدام حسين في العراق، وعلى الرغم من التردي الذي شهدته العلاقات السعودية الأمريكية في أعقاب تورط 15 سعوديا في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة، ورغم أن أحدث استطلاعات الرأي العام في المملكة العربية السعودية تشير إلى أن 97% من السعوديين لا يكنون مشاعر إيجابية نحو الولايات المتحدة حاليا، فإن الحرب الأمريكية على العراق قد أثبتت للطرفين، السعودي والأمريكي، الحاجة المتبادلة لوجود تعاون استراتيجي بين الرياض وواشنطن.
وقد بدأ اختبار العلاقات السعودية الأمريكية عندما قام رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز بزيارة للمملكة العربية السعودية لمناقشة إمكانيات استخدام القواعد العسكرية والجوية في السعودية لشن الهجوم المتوقع على العراق.
واستمرت المفاوضات المكثفة حوالي خمسة أشهر وانتهت بالسماح باستخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية لانطلاق هجمات الطائرات الأمريكية على العراق، بل وبتوفير نقطة انطلاق للقوات الخاصة الأمريكية من قواعد في عرعر وتبوك شمال المملكة للاستيلاء على القواعد الجوية غربي العراق، والتي كانت قد استخدمت في إطلاق صواريخ سكود على إسرائيل في حرب تحرير الكويت.
وسمحت السعودية بتحليق وطيران القاذفات الأمريكية في مجالها الجوي وبعبور الصواريخ الأمريكية من البحر الأحمر عبر الأجواء السعودية نحو أهدافها في العراق.
وتم كل هذا التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فيما كان المسؤولون السعوديون يصرحون لشعبهم بأن المملكة لن تشارك في تسهيل الحرب على العراق، مما حدا بالسفير تشاس فريمان، رئيس مجلس سياسات الشرق الأوسط والسفير الأمريكي الأسبق في السعودية إلى القول "من وجهة نظر "الأكروبات" (البهلوانية) السياسية، كان هذا عرضا بالغ المهارة".
كما مارست المملكة العربية السعودية قبل وخلال الحرب الأمريكية على العراق، الدور الذي تحتاجه الولايات المتحدة بإلحاج في أوقات الأزمات، وهو استخدام احتياطات البترول السعودية في زيادة المطروح من البترول في الأسواق العالمية لضمان استقرار أسعار النفط. وبالفعل، نجح الجهد السعودي في احتواء الأسعار وخفضها من 37 دولارا إلى 27 دولارا للبرميل.
وفي المقابل، حصلت السعودية على تنازل متواضع من الولايات المتحدة وهو إنهاء الحظر الذي كان مفروضا على نشر طائرات إف – 15 السعودية في قاعدة تبوك في الشمال، والتي كانت إسرائيل تخشى من أن تكون في متناول تلك الطائرات المقاتلة.
ولكن المقابل الأهم الذي وعدت به الولايات المتحدة المسؤولين السعوديين كان التعهد بالقيام بدور نشيط يكفل تنفيذ خطة خارطة الطريق التي تستهدف تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام وأمن مع إسرائيل.
البترول مقابل الأمن والاستقرار
ويرى خبراء شؤون العلاقات الأمريكية السعودية أنه فيما ستتطلب الظروف الجديدة التي خلقها انهيار النظام العراقي، ومن قبله أحداث سبتمبر الإرهابية، بعض التعديلات على مسار العلاقات بين واشنطن والرياض، بما في ذلك اعتزام الولايات المتحدة نقل مركز قيادة العمليات الجوية الأمريكية من قاعدة الأمير سلطان بالقرب من الرياض إلى قاعدة العديد القطرية، وبالتالي، تخفيض حجم القوات الأمريكية في المملكة، وهو أمر سيسعد به كثير من السعوديين، فإن الصفقة التي سبق وعقدها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود في فبراير عام 1945، والتي تتلخص في تعهد السعودية بضمان تدفق البترول مقابل ضمان أمريكا أمن واستقرار المملكة العربية السعودية لا تزال قابلة للتطبيق بعد مرور 58 عاما عليها.
ويعلق السيد أنتوني كوردسمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، على العلاقات السعودية الأمريكية فيقول، "إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتفهم أن الدعوة إلى تحول سعودي فوري نحو الديمقراطية ليس منطقيا. ولذلك، يجب أن تدرك واشنطن ضرورة السماح للسعودية بتطوير أسلوبها الخاص نحو التحديث، خاصة وأن دعاة التحديث في الداخل يواجهون مجتمعا محافظا للغاية من رجال الدين".
ولذلك، لاحظ المراقبون السياسيون أنه فيما تحدث كثير من المسؤولين في حكومة الرئيس بوش عن موجة التحول الديمقراطي التي ستنطلق من إقامة الديمقراطية في العراق إلى دول المنطقة، لم يتطرق أحد منهم إلى طرح إجراء انتخابات حرة في المملكة العربية السعودية، والتي غالبا ما ستسفر، إذا ما تم إجراؤها، عن احتمال انتخاب قيادات إسلامية ترفضها الولايات المتحدة بشدة.
وتفضل الولايات المتحدة في هذا السياق، الحفاظ على النظام السعودي مع التزامه ببعض الإصلاحات الإدارية والاقتصادية، وتوفير مزيد من الانفتاح والتوقف عن تمويل النشطاء المتشددين في الداخل والخارج.
ويقر المستشار السابق للرئيس بوش الأب لشؤون الأمن القومي، الجنرال برنت سكو كروفت بذلك التوجه ويقول "إن الولايات المتحدة تساند النظام السعودي، لأنه نظام صديق لواشنطن ومتعاون معها".
ورغم الاختلافات الثقافية والسياسية، يرى وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر حتمية العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية فيقول "إن للولايات المتحدة حلفاء، خاصة في حربها ضد الإرهاب، لا يمارسون الديمقراطية ولا حرية السوق ولا يؤمنون بفلسفتنا، وتختلف قيمهم ومبادئهم عنا، ولكن المصالح تتطلب تلك العلاقة".
أهمية العلاقات في مرحلة ما بعد صدام
ونظرا لارتباط الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج بتوفر الأمن والاستقرار لضمان التدفق الآمن للبترول وبأسعار معقولة، فإن الخلاص من التهديد الذي كان صدام يشكله لدول المنطقة، ولتلك الأهداف الاستراتيجية الأمريكية قد تلاشى، بيد أن واشنطن ستعتمد في استراتيجيتها الجديدة في منطقة الخليج ثلاثة محاور:
أولا: ضمان تدفق البترول بأسعار معقولة وبلا عوائق من منطقة الخليج.
ثانيا: ضمان عدم تحكم أي قوة معادية أو منافسة للولايات المتحدة في بترول الخليج.
ثالثا: التزام الولايات المتحدة باستخدام القوة لحماية مصالحها البترولية، إذا لزم الأمر.
ولما كان توفير الاستقرار والأمن في منطقة الخليج أهم عامل لضمان تحقيق تلك الأهداف، فإن الولايات المتحدة تحرص على ألا تتعرض المملكة العربية السعودية، صاحبة أكبر احتياطي بترولي في العالم، لأي متاعب أو قلاقل.
لذلك، توصلت تنبؤات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن عدد سكان المملكة سيزداد بنسبة 56% خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، وسيتطلب ذلك إدخال إصلاحات اقتصادية أساسية لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في السعودية، وهو أمر لازم لاستقرار باقي دول الخليج العربية.
ولهذا، من المتوقع أن تركز الولايات المتحدة في السنوات القادمة على تذكير النظام السعودي بضرورة إدخال الإصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة للمحافظة على استقرار وأمن المملكة، التي لن تتخل الولايات المتحدة عن علاقتها الاستراتيجية معها بعد أن اجتازت عقبة سبتمبر وتحدي المساعدة في التخلص من النظام العراقي.
محمد ماضي - واشنطن
ويبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت في إعادة ترتيب تواجدها العسكري في الخليج بعد سقوط النظام العراقي.
مع أن غلاة المتطرفين من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة طالبوا الكونغرس الأمريكي بإيجاد بديل استراتيجي للمملكة العربية السعودية في أعقاب سقوط نظام صدام حسين في العراق، وعلى الرغم من التردي الذي شهدته العلاقات السعودية الأمريكية في أعقاب تورط 15 سعوديا في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة، ورغم أن أحدث استطلاعات الرأي العام في المملكة العربية السعودية تشير إلى أن 97% من السعوديين لا يكنون مشاعر إيجابية نحو الولايات المتحدة حاليا، فإن الحرب الأمريكية على العراق قد أثبتت للطرفين، السعودي والأمريكي، الحاجة المتبادلة لوجود تعاون استراتيجي بين الرياض وواشنطن.
وقد بدأ اختبار العلاقات السعودية الأمريكية عندما قام رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز بزيارة للمملكة العربية السعودية لمناقشة إمكانيات استخدام القواعد العسكرية والجوية في السعودية لشن الهجوم المتوقع على العراق.
واستمرت المفاوضات المكثفة حوالي خمسة أشهر وانتهت بالسماح باستخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية لانطلاق هجمات الطائرات الأمريكية على العراق، بل وبتوفير نقطة انطلاق للقوات الخاصة الأمريكية من قواعد في عرعر وتبوك شمال المملكة للاستيلاء على القواعد الجوية غربي العراق، والتي كانت قد استخدمت في إطلاق صواريخ سكود على إسرائيل في حرب تحرير الكويت.
وسمحت السعودية بتحليق وطيران القاذفات الأمريكية في مجالها الجوي وبعبور الصواريخ الأمريكية من البحر الأحمر عبر الأجواء السعودية نحو أهدافها في العراق.
وتم كل هذا التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فيما كان المسؤولون السعوديون يصرحون لشعبهم بأن المملكة لن تشارك في تسهيل الحرب على العراق، مما حدا بالسفير تشاس فريمان، رئيس مجلس سياسات الشرق الأوسط والسفير الأمريكي الأسبق في السعودية إلى القول "من وجهة نظر "الأكروبات" (البهلوانية) السياسية، كان هذا عرضا بالغ المهارة".
كما مارست المملكة العربية السعودية قبل وخلال الحرب الأمريكية على العراق، الدور الذي تحتاجه الولايات المتحدة بإلحاج في أوقات الأزمات، وهو استخدام احتياطات البترول السعودية في زيادة المطروح من البترول في الأسواق العالمية لضمان استقرار أسعار النفط. وبالفعل، نجح الجهد السعودي في احتواء الأسعار وخفضها من 37 دولارا إلى 27 دولارا للبرميل.
وفي المقابل، حصلت السعودية على تنازل متواضع من الولايات المتحدة وهو إنهاء الحظر الذي كان مفروضا على نشر طائرات إف – 15 السعودية في قاعدة تبوك في الشمال، والتي كانت إسرائيل تخشى من أن تكون في متناول تلك الطائرات المقاتلة.
ولكن المقابل الأهم الذي وعدت به الولايات المتحدة المسؤولين السعوديين كان التعهد بالقيام بدور نشيط يكفل تنفيذ خطة خارطة الطريق التي تستهدف تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام وأمن مع إسرائيل.
البترول مقابل الأمن والاستقرار
ويرى خبراء شؤون العلاقات الأمريكية السعودية أنه فيما ستتطلب الظروف الجديدة التي خلقها انهيار النظام العراقي، ومن قبله أحداث سبتمبر الإرهابية، بعض التعديلات على مسار العلاقات بين واشنطن والرياض، بما في ذلك اعتزام الولايات المتحدة نقل مركز قيادة العمليات الجوية الأمريكية من قاعدة الأمير سلطان بالقرب من الرياض إلى قاعدة العديد القطرية، وبالتالي، تخفيض حجم القوات الأمريكية في المملكة، وهو أمر سيسعد به كثير من السعوديين، فإن الصفقة التي سبق وعقدها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود في فبراير عام 1945، والتي تتلخص في تعهد السعودية بضمان تدفق البترول مقابل ضمان أمريكا أمن واستقرار المملكة العربية السعودية لا تزال قابلة للتطبيق بعد مرور 58 عاما عليها.
ويعلق السيد أنتوني كوردسمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، على العلاقات السعودية الأمريكية فيقول، "إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتفهم أن الدعوة إلى تحول سعودي فوري نحو الديمقراطية ليس منطقيا. ولذلك، يجب أن تدرك واشنطن ضرورة السماح للسعودية بتطوير أسلوبها الخاص نحو التحديث، خاصة وأن دعاة التحديث في الداخل يواجهون مجتمعا محافظا للغاية من رجال الدين".
ولذلك، لاحظ المراقبون السياسيون أنه فيما تحدث كثير من المسؤولين في حكومة الرئيس بوش عن موجة التحول الديمقراطي التي ستنطلق من إقامة الديمقراطية في العراق إلى دول المنطقة، لم يتطرق أحد منهم إلى طرح إجراء انتخابات حرة في المملكة العربية السعودية، والتي غالبا ما ستسفر، إذا ما تم إجراؤها، عن احتمال انتخاب قيادات إسلامية ترفضها الولايات المتحدة بشدة.
وتفضل الولايات المتحدة في هذا السياق، الحفاظ على النظام السعودي مع التزامه ببعض الإصلاحات الإدارية والاقتصادية، وتوفير مزيد من الانفتاح والتوقف عن تمويل النشطاء المتشددين في الداخل والخارج.
ويقر المستشار السابق للرئيس بوش الأب لشؤون الأمن القومي، الجنرال برنت سكو كروفت بذلك التوجه ويقول "إن الولايات المتحدة تساند النظام السعودي، لأنه نظام صديق لواشنطن ومتعاون معها".
ورغم الاختلافات الثقافية والسياسية، يرى وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر حتمية العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية فيقول "إن للولايات المتحدة حلفاء، خاصة في حربها ضد الإرهاب، لا يمارسون الديمقراطية ولا حرية السوق ولا يؤمنون بفلسفتنا، وتختلف قيمهم ومبادئهم عنا، ولكن المصالح تتطلب تلك العلاقة".
أهمية العلاقات في مرحلة ما بعد صدام
ونظرا لارتباط الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج بتوفر الأمن والاستقرار لضمان التدفق الآمن للبترول وبأسعار معقولة، فإن الخلاص من التهديد الذي كان صدام يشكله لدول المنطقة، ولتلك الأهداف الاستراتيجية الأمريكية قد تلاشى، بيد أن واشنطن ستعتمد في استراتيجيتها الجديدة في منطقة الخليج ثلاثة محاور:
أولا: ضمان تدفق البترول بأسعار معقولة وبلا عوائق من منطقة الخليج.
ثانيا: ضمان عدم تحكم أي قوة معادية أو منافسة للولايات المتحدة في بترول الخليج.
ثالثا: التزام الولايات المتحدة باستخدام القوة لحماية مصالحها البترولية، إذا لزم الأمر.
ولما كان توفير الاستقرار والأمن في منطقة الخليج أهم عامل لضمان تحقيق تلك الأهداف، فإن الولايات المتحدة تحرص على ألا تتعرض المملكة العربية السعودية، صاحبة أكبر احتياطي بترولي في العالم، لأي متاعب أو قلاقل.
لذلك، توصلت تنبؤات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن عدد سكان المملكة سيزداد بنسبة 56% خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، وسيتطلب ذلك إدخال إصلاحات اقتصادية أساسية لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في السعودية، وهو أمر لازم لاستقرار باقي دول الخليج العربية.
ولهذا، من المتوقع أن تركز الولايات المتحدة في السنوات القادمة على تذكير النظام السعودي بضرورة إدخال الإصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة للمحافظة على استقرار وأمن المملكة، التي لن تتخل الولايات المتحدة عن علاقتها الاستراتيجية معها بعد أن اجتازت عقبة سبتمبر وتحدي المساعدة في التخلص من النظام العراقي.
محمد ماضي - واشنطن