By عبدالله الشعلان333 - الأربعاء نوفمبر 27, 2013 6:04 pm
- الأربعاء نوفمبر 27, 2013 6:04 pm
#66372
مقدمة : Introduction
شهدت حقبة الأربعينات في القرن العشرين تحولات عديدة ، كان أبرزها ظهور الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل على الاتجاه المثالي، بسبب عدم صحة هذا الاتجاه، والذي قد استند قبل تلك الفترة على دراسات قامت على ما يجب أن يكون عليه المجتمع الدولي ضمن نظرة الأفضل والامثل دون أن تأخذ بالأمر الواقع كأساس لها، وتجاهلها للتاريخ، لقد نظر الاتجاه المثالي للسلوك الدولي كوحدة أساسية للتحليل وتجاهله لمبدأ القوة وتوازن القوة.
ان النظرية الواقعية تستمد مادتها الديالكتيكية في التاريخ من اجل الوصول إلى تعميم عام للسلوك الدولي، وترى بهذا الجانب إن الرأي العام يتغير بشكل سريع لذلك لابد لصانع القرار عدم الأخذ به، وترى بان الدولة القومية هي وحدة التحليل الأساسية في العلاقات الدولية ، كما يرفض الواقعيون فكرة وجود تناسق في المصالح بين الدول، بل يرون بتضارب مصالحها إلى حد الوصول إلى احتمالية حدوث الحروب، كما يعطون دور كبير لإمكانيات الدولة المتوفرة في تحديد نتيجة الصراع الدولي، والتأثير بالدول الأخرى، يرى الواقعيون بان القوة ليست مقتصرة فقط على الجانب العسكري، بل هناك جوانب أخرى كالاقتصادية والديمقراطية والإيديولوجية الخ، ومع ذلك فان الواقعيون لا يغفلوا ضرورة تحقيق السلام العالمي ولو باللجوء إلى القوة كأساس لذلك.
ان الاتجاه الواقعي الأمريكي يأتي على رأسه عالم العلاقات الدولية الأشهر "هانز مورجانثو Hans Morgenthau" مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ،ويؤكد "مورجانثو Morgenthau " على فكرة القوة في العلاقات الدولية بقوله: ان عالم السياسة الدولي(السياسة الدولية - العلاقات الدولية) شأنه شأن عالم السياسة الداخلي (السياسة داخل المجتمع)هو عالم الصراع من أجل القوة ومهما تكن مرامي ذلك العالم فإن القوة هي هدفه المباشر والملح والدائم. ويتضمن العرض الشامل الذي قدمه "مورجانثو Morgenthau" لمفهوم القوة في السياسة الدولية ، تصورا محددا للأشكال المختلفة لصراعات القوة في المجتمع الدولي، فالدول طبقا لهذا التصور تتصارع من اجل الاهداف التالية :
1. سياسات الحفاظ على الوضع القائم .
2. سياسات التوسع الاستعماري .
3. دعم المكانة السياسية في المجتمع الدولي .
اولاً : سياسات الحفاظ على الوضع القائم :
يهدف هذا النوع من السياسات الخارجية حسب نظرية "مورجانثو Morgenthau" للحفاظ على التوزيع القائم للقوة في لحظة معينة من لحظات التاريخ، اي عندما تبرز توزيعات جديدة لعلاقات القوة كنتيجة لانتصار بعض الاطراف ، وهزيمة الاطراف الاخرى .
وهناك تطبيقات تاريخية عديدة لسياسات الوضع القائم بالشكل المشار اليه ، ولعل اقرب تطبيق لهذه السياسة في النسق الدولي والتي ما زالت قائمة في واقع التفاعلات الدولية الديناميكية الى يومنا هذا صعودا ونزولا. نستطيع ان نطلق عليها مرحلة نهاية او ما بعد الحرب الباردة التي تميزت في مطلعها بتفكك الاتحاد السوفيتي (المنظومة الاشتراكية الشرقية) عام 1991 وبزوغ نمطية علاقات جديدة في النسق الدولي تقوم على نمط القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية قائدة (المنظومة الرأسمالية الغربية).
الولايات المتحدة اضحت كما هو مسلم به تتربع قمة الهرم الدولي لما تملكه من مقومات مثلث القوة – القوة العسكرية ، القوة الاقتصادية ، والقوة التكنولوجية ، وان اقطاب هذا المثلث مجتمعه تمثل القوة السياسية التي هي ابرز مخرجات القوة المؤثرة في الوحدات الدولية .
وهذا ما يؤكده " زبيغنيو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski" في كتابه (الاختيار السيطرة على العالم ام قيادة العالم ) قائلا ً ( مع بداية القرن الحادي والعشرين ، نجد انه لا مثيل لقوة اميركا من حيث مداها العسكري على الصعيد العالمي ، ومحورية النشاط الاقتصادي لأمريكا بالنسبة الى صحة الاقتصاد العالمي ، والتأثير الابداعي للدينامية التكنولوجية الاميركية ، ومن حيث الجاذبية العالمية للثقافة الاميركية المحض المتعدد الاوجه، اذو وفرت هذه العناصر كلها لأمريكا نفوذا سياسيا ً عالميا ً لا نظير له ، واصبحت امريكا في كافة الاحوال ضابط الايقاع العالمي وما من منافس لها على المدى المنظور)).
ولا غضاضة فان الولايات المتحدة الاميركية وبحسب البيانات الاحصائية المتوافرة قد ابانت بجلاء تأثير القوة الاميركية ومدى ارتفاع شكيمة حظورها في توزيع الادوار في النسق الدولي وهي تتربع قمة الهرم الدولي لما تتمتع به من تفوق غير متكافئ على باقي الوحدات الدولية بصورة عامة وعلى الفواعل الدولية بشكل خاص .ومن هذا المنطلق تسعى بجهد وجد للحفاظ على الوضع الراهن من طريق طرح مشروعها الامبراطوري الذي يقوم على الهيمنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الوصف للقدرة والقوة على التأثير وبالتالي السيطرة على وحدات النظام الدولي ومقاومة السيطرة من قبل القوى الصاعدة .
والشواهد التاريخية والاحداث التي ارتأت الولايات المتحدة الاميركية فيها ابراز سياسات الحفاظ على الوضع الراهن وفرضها على الوحدات الدولية واضحة وكثيرة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر اقدمت الولايات المتحدة الاميركية بعد احداث 11 ايلول-سبتمبر 2001 بالإعلان وعلى لسان رئيسها آنذاك "بوش الابن Bush Jr. " بالقول المشهور: ((من ليس معي فهو ضدي)) تحت عنوان مكافحة الارهاب واستخدمت القوة الخشنة بإفراط نتيجة لمنطق القوة والهيمنة في التفاعلات الدولية باحتلالين غير مبررين وفق مثل المجتمع الدولي العراق وافغانستان ، وهذا ما تفسره واقعية القوة التي فرضتها الولايات المتحدة واجبرت وصهرت معظم المواقف المعارضة في بوتقة واحدة لتصب في محيط الابقاء على الوضع القائم على المدى المنظور والمتوسط وبما يخدما مصالها القومية والعالمية الشاملة .
وعليه فانه من الواضح والجلي ومن خلال استقراء السياسات الاميركية والاليات المستخدمة في التأثير في رسم وتوزيع الادوار في النظام الدولي فأنها قد قطعت اشواط طويلة لبناء هذه الثقة بالقوة الاميركية وبالمكانة جاعلة لكل حقبة زمنية تاريخية بعد معين يتناسب مع تلكم المرحلة في التراتبية الدولية .
وعلى الرغم من سيل الطروحات والتوقعات التي اثارت الادعاء ببدء افول الهيمنة الاميركية على العالم ، لاحت في الافق تصورات مغايرة في دوائر صنع القرار الاميركي المتكون من المفكرين والمنظرين والدعاة والمؤولين للسياسة الاميركية اسس متغيرة تتعامل مع مواطن الضعف وبالوقت نفسه تنطلق من مكامن القوة لتفعيل ذلك ولتعضيد سياسات القوة وسد تغور وفجوات الضعف وبالتالي انعاش الهيمنة الاميركية والعمل على اطالة مداها الزمني للحفاظ على سياسات الوضع القائم ، ولعل اول ما فكرت به تلك الجهات توخيا لذلك المقصد ،كان اعادة النظر في الاستراتيجيات الامنية والعقائد العسكرية لنجد ان اليات التغيير في السياسة الدولية للولايات المتحدة قد اخذت بعدا ينسجم مع كل مرحلة ومن بين اهم وابرز الاليات المتبعة للولايات المتحدة الاميركية للحفاظ على الوضع القائم والتي فرضت نفسها على الوحدات الدولية التي كانت خارج دائرة القبول للسياسات الاميركية هي :
سياسات القوة الخشنة . Hard Power
سياسات القوة الناعمة . Soft Power
سياسات القوة الذكية . Smart Power
ثانيا : سياسات التوسع الاستعماري :
الوهلة الاولى لموضوعة التوسع الاستعماري تعطي مؤشرات ومدركات حسية للعقل البشري ( للمفهوم الاول البدائي للاستعمار) القائم على الاحتلال العسكري واستعمار الاراضي واستخدام العبيد ونهب الكنوز والوصاية المباشرة، الا ان القرن الحادي والعشرين قرن الموجة الثالثة العارمة وصدمة المستقبل بكل ما تحمله من معان هي غير مرحلة الحربين العالمية الاولى والثانية وحتى الحرب الباردة بكل مفرداتها .
وفيما يخص تحليل "هانز مورجانثو Morgenthau " لسياسات التوسع الاستعماري فقد اخذه على ثلاث جوانب او نتيجة لثلاث عوامل :
العامل الاول : الحرب المنتصرة Victorious war:
وهو توقع الانتصار في حرب ما مما يجعل الدولة تنتقل من مرحلة الابقاء على الوضع القائم الى التغيير في علاقات القوى لصالحها، وفي الحقيقة فان الرؤية العلمية والأكاديمية وبحسب معطيات وتراكمات الفهم للعلاقات الدولية التي تنبع من مدخلات ومخرجات النظام الدولي فان الباحث يلاحظ ان هذا الهدف الثاني الذي طرحه "مورجانثو Morgenthau" وهذه السياسة تصلح لان تكون في مقدمة الاهداف التي ذكرها "مورجانثو Morgenthau " باعتبارها خطوة اولى في سلم التفاعلات الدولية اذا ما تم تطبيقها على الولايات المتحدة الاميركية لانها خطوة للتوسع خارج نطاق الحدود وبالتالي الخروج من مرحلة السبات او العزلة لبناء الذات.
والفرادة التاريخية والإدراك المؤطر في السياسة الدولية تعطي صورة لهذه النظرية التي حددها "مورجانثو Morgenthau" بانها تشبه مرحلة العزلة للولايات المتحدة الاميركية في مطلع القرن العشرين تجاه الشؤون الاوربية الحاملة لتركة النظام الدولي القائم على الحروب ، ولذلك نلاحظ ان الرئيس الاميركي " روزفلت" كان ملتزما بمبدأ الحياد الى ان دخلت الحرب مرحلة الذروة بهجوم الطائرات اليابانية على ميناء بيرل هاربر في 7-12-1941 حتى امر الرئيس الأمريكي (ترومان) الولايات المتحدة بالخروج عن الوضع القائم بقصف مدينة (هيروشيما Hiroshima) و(ناكازاكي Nagasaki) في عام 1945 بالقنبلة الذرية لتنتهي الحرب لصالح الولايات المتحدة ، لتبدأ بالتوسع الاستعماري وفرض نفسها بقوة على المشهد الدولي سواء بصورة مباشرة وغير مباشرة.
ولعل ابرز تلك الملامح لهذا الهدف هو التوسع الاستعماري بالقوة العسكرية كما في فيتنام لفرض الارادة الاميركية بصورة مباشرة واخرى غير مباشرة تسمى بالحرب بالنيابة كأحد انماط الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي التي سادت تلك المرحلة لتتغير في ذلك نمط علاقات القوة لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وافول القوى الاوربية التي كانت الفاعل الرئيس في النظام الدولي .
وما يجب توضيحه وتعقيبا على ما تم طرحه في المقدمة التوضيحية لسياسات التوسع الاستعماري نروم بيان ان دراسة تاريخ التوسع الامبراطوري التقليدي كان يقوم على مبدا القوة العسكرية كمحدد لروابط وعلاقات الصراع بين المتنافسين الدوليين ، فالإمبراطورية في النموذج التقليدي كانت تقوم على مراحل الارتقاء او الانحطاط. الا ان نظرية دورات الهيمنة والتوسع قامت بتطوير نماذج تحليلية جديدة وادخلت المتغير التكنولوجي كأحد مظاهر وسمات نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا الدقيقة ، هذا المتغير اضاف بعد اخر لعلاقات القوة والتوسع فلم يعد الاحتلال او التوسع العسكري هو الاداة الوحيدة والفاعلة الى جانب المتغير الاقتصادي من نهب الثروات وتصدير الفوائض الرأسمالية من المركز الى الاطراف وان كانت مرتكزات مهمة الا ان الانكشاف الاستراتيجي الشامل قد افقد للدول قدسية حدودها الوطنية امام الموجة الثالثة التي قال بها "الفن توفلر Alvin Toffler ".
فالتوسع الاستعماري اصبح يطلق عليه في مصطلحات علم السياسة (العولمة Globalization) بكل جوانبها ليدخل الجانب التكنولوجي والثقافي بقوة الى جانب المتغيرات والعوامل العسكرية والاقتصادية، فالتوسع عبر شبكة المعلومات الدولية الأنترنيت اصبح في عالم اليوم له فعله الفاعل تسقط دول وتغير انظمة وسياسات وتفرض ارادات عبر مسمى القوة الناعمة او اللينة التي اطلقها "جوزيف س ناي" كبديل او رديف لتعضيد القوة العسكرية والتي تتضمن ابعاداً اخلاقية وسياسية تتيح للولايات المتحدة اضفاء الشرعية على هيمنتها وسياساتها التوسعية من خلال توفير منافع عامة لبقية العالم مثل السلام والعدالة الى جانب ابراز ميزات الرأسمالية، وذلك لكسب المؤيدين ودفع المعارضين للتوجهات الاميركية وتنفيذ المخطط السياسي والنفسي المسوق للنموذج الاميركي لغايات واهداف عليا تروم وتسعى لتحقيها في الديناميكية الدولية المتغيرة .
العامل الثاني : الحرب الخاسرة Losing the war:
يفيد "هانز مورجانثو Morgenthau" بانه كما تفعل الحرب المنتصرة فعلها في خلق الدافع الى التوسع والاستعمار فقد يكون للحرب الخاسرة تأثيرات مشابهة ولكن بصورة مختلفة ، فعلاقة الخضوع التي يراد لها ان تكون مستمرة ودائمة في اطار تركيب قوة معينة تفرضه الحرب التي يخسرها احد الاطراف ، قد تدفع بهذا الطرف الخاسر الى محاولة التخلص من الوضع القائم وتبادل مراكز القوة في هذا التوزيع بحيث يتاح له ان يستولي على مركز الطرف المنتصر او منافسته وازاحته الى مركز اقل او موازاته او الحد من هيمنته لاستعادة ما فقده ، وفي حالات معينة قد لا يكون الطرف الخاسر مدفوعاً فقط في استعادة ما فقده، بل الحصول على اكثر مما فقده وهو ما يسمه "مورجانثو Morgenthau" بالسياسات الاستعمارية التي تتبناها الاطراف الخاسرة .
ويعطي في هذا العامل مثالا توضيحيا للفترة منذ عام 1919 وحتى عام 1935 بدت سياسة المانيا فيها وكأنها متقيدة وخاضعة وفي اطار حدود الوضع القائم في حين انها كانت تسعى سرا ً الى هدم ذلك الوضع وتغييره في اتجاه مختلف تماماً .. وانطلاقا ً من هذا المثال نجد ان اقرب تطبيق لهذه السياسة في الوضع الدولي الراهن هي السياسة الروسية حاملة تركة الاتحاد السوفيتي، فروسيا الاتحادية بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك المنظومة الاشتراكية وانهيار اصبحت قوة خاسرة امام الولايات المتحدة الاميركية ورضخت لسياسات الوضع القائم.
ويبدو ان روسيا الاتحادية اتبعت مقولة الجيوبوليتكي البلجيكي "جان تيريار Jean Tiriar " الذي قال: ((كان الاتحاد السوفيتي شبيها ً بلوح من الشكولاتة، حزت فوقه حدود الجزئيات – الجمهوريات، وعندما تفتت هذه الجزئيات – الجمهوريات لم يعد كافيا ً ضمها الى بعضها لإعادة اللوح بكامله الى ما كان عليه ،فلا يمكن التوصل الى ذلك الان الا عن طريق اعادة صهر اللوح كله واعادة طبعه)).
وبانتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي فرض وضع للدخول وفي حقبة جديدة ، تطالب بنماذج جيوبولتيكية مبتكره، فالوضع الجيوبولتيكي لكل ما هو تقليدي من الاراضي والاقاليم والدول والاتحادات تبدل تبدلا ً حادا ً،ومن هنا كانت روسيا الاتحادية تائهة ما بين وضعها الدولي المسلوب وما بين المشاكل الداخلية المستعرة لاسيما الاقتصادية والامنية التي مثلت اهم مواطن الضعف التي اثقلت كاهل الدولة فضلاً عن ترمة وتبعات الجمهوريات المتناثرة .
واول خطوة من روسيا الاتحادية في رئاسة "بوريس يلتسين Boris Yeltsin" الانكفاء على الذات ، والمحاولة الاولى لمنع الانهيار، قررت فيه الحكومة الالتفات إلى قطاع الطاقة (اذ ان إنتاج النفط تراجع إلى النصف في أقل من عشر سنوات) الذي يحتلّ حيّزاً واسعاً وفاعلاً في الاقتصاد الروسي (البترول وحده يشكّل 15 % من صادرات البلد)عبر توجيهه إلى التصدير الخارجي البعيد، بعد اقتصاره على الاستهلاك المحلي لسد الحاجة والتصدير إلى المحيط القريب والدول الفقيرة وذلك لتعزيز الثقة في الداخل باعتبار ان الداخل انعكاس لسياسات الخارج .
لكن "اليلتسينية" تركت وراءها، تسع سنوات من التخبّط والفوضى لأسباب كثيرة تمثلت بالفساد المالي والاداري وسطوة العسكر التي تحولت الى مافيات اثرت سلبا على الوضع الاجتماعي الروسي ، في نهاية العام 1999، وبطريقة غير متوقّعة، قدّم يلتسين هدية إلى شعبه والعالم بمناسبة رأس السنة الميلادية والانتقال إلى العام 2000: استقال من منصبه ليسلّم مقاليد الحكم إلى "فلاديمير بوتين Vladimir Putin" الرجل الذي أتى به من عالم المجهول ليجعله رئيساً للوزراء في آب 1999. وفي آذار 2000 تمكّن رئيس الوزراء السابق، الذي صار رئيساً بالوكالة، من الفوز في الانتخابات الرئاسيّة. وهكذا بدأت روسيا الألفيّة الثالثة في ظل "قيصر" جديد لا يعرف عنه المراقبون إلاّ القليل، "البوتينيّة" الجديدة التي حاولت اذابه وصهر الجزئيات في بوتقة روسيا الاتحادية وبناءها في اطار موحد. من "بويتن Putin " انطلقت روسيا للبحث بعد الحرب الخاسرة للبحث عن الدور الدولي واستعادة المكانة ومن اول ايام استلام مقاليد السلطة والشواهد كثيرة والانجازات الكبيرة التي حققها بوتين يصعب حصرها في سطور او في اتجاه معين لأنها اخذت كافة المجالات وفق استراتيجية شاملة استطاعت ان تعيد صوتها التي اصبح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من صوت معادي الى صوت موالي للغرب او صامت في احسن احواله للمتغيرات الدولية .
ولعل لغة الارقام تعطينا كيف استطاعت روسيا الاتحادية النهوض من جديد وان تخلق تحديا لقمة الهرم الدولي ، فعلى سبيل المثال كان الاقتصاد الروسي بمستوى متدني ولم يكن لروسيا اي احتياطات تذكر من الدولار عام 1998 الى 500 مليار دولار في عام 2008 وبلغت الاستثمارات الاجنبية في نفس العام 45 مليار دولار وبلغ الناتج القومي الاجمالي الروسي 2.376 ترليون دولار حسب تقديرات 2011 والارقام كثيرة والشاهد في ذلك ربط سياسات الحرب الخاسرة للدول بتفاعلات النسق الدولي والتأثيرات على التراتبية الدولية .
وعلى المستوى العسكري والسياسي كانت الازمة الجورجية (حرب الخمسة ايام) اكبر تحدي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي للولايات المتحدة الاميركية، فهي رسالة عمليه فاعلة للدور الجديد لروسيا الاتحادية ، وان تحجيم النفوذ الأمريكي في المنطقة سيكون بداية لانحصار وانكسار نفوذها انطلاقا من إدراك موسكو بان جورجيا وليدة لمشروع الولايات المتحدة في المنطقة. إن المواجهة التي بدأت بين روسيا والولايات المتحدة خلال أزمة جورجيا تعتبر إيذان ببداية حقبة جديدة من العلاقات الدولية, فقد أخطأت واشنطن باستمرارها للتصعيد مع موسكو بتأكيد أنه سيتم ضم جورجيا إلى حلف الأطلنطي مستقبلا, وما صاحب ذلك من مناورات أمريكية أوكرانية في البحر الأسود, مما دفع روسيا إلى الاستمرار في التصعيد وذلك بتوعد بولندا بإمكانية استخدام السلاح النووي ضدها, وتعليق تعاون روسيا مع حلف الأطلنطي حيث أن هذه الأزمة كشفت عن التغير في النظام الدولي وما ستنطوي عليه العلاقات المستقبلية من تفاعلات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
العامل الثالث : ضعف امكانات القوة :
يشير "مورجانثو Morgenthau " الى ان ضعف امكانات القوة لدى بعض الدول، تمثل بضعفها هذا للدول ذات الامكانات المتفوقة عليها من القوة وقد حدث ذلك في معظم حالات التوسع الاستعماري . وان جاذبية فراغات القوة في تحريك الدوافع الاستعمارية تعد تهديدا استعماريا للتوسع المحتمل في الكثير من الدول الاسيوية والافريقية الناشئة، حيث ان امكانات الدول من القوة تعد محدودة بالمقارنة مع غيرها لا سيما الفواعل الدوليين .غير ان "مورجانثو Morgenthau " يضع بعض التحفظات على ما تم طرحه من افكار فيما يتعلق بضعف امكانات القوة للوحدات الدولية الضعيفة او الناشئة وهي :
أ- ليس من الضروري النظر الى كل سياسة خارجية على انها تهدف دعم قوة دولة من الدول على انها تعبير عن نزعة استعمارية ، " فالإمبريالية Imperialism" هي سياسة تهدف الى تقويض دعائم الوضع القائم ، وقلب علاقات القوة القائمة بين اطرافها راسا على عقب، اما السياسات التي تنشد التعديل تاركه علاقات القوة على حاله ، فأنها لا تكون سياسات استعمارية بقدر ما هي سياسات تعمل ضمن الاطار العام للوضع الدولي القائم وغالبا ما تكون هذه السياسات مرتبطة بالدول التي تلتزم الحياد او الدول الغير قادرة على مجارات علاقات القوة بين الاطراف الدوليين، على عكس السياسة الاولى التي تهدف على قلب الوضع القائم في النسق الدولي وهذا حال معظم الدول الفاعلة لا سيما القوى الصاعدة .
ب- كما لا يشترط ان تكون كل سياسة هدفها الحفاظ على امبراطورية قائمة في النظام الدولي تكون إمبريالية الطابع، فهذه السياسة تكون اقرب الى الدفاع عن معادلات القوة والاوضاع الاقليمية السائدة منها الى محاولة تغييرها .وهي بالتالي موجهة ضمن اطار الوضع الدولي القائم .
ويحدد "مورجانثو Morgenthau " ثلاث وسائل تستخدمها الدول التي تنتهج سياسات التوسع الاستعماري في الوصول الى اهدافها وهي :
• الادوات العسكرية
• الادوات الاقتصادية
• الادوات الثقافية
• الادوات العسكرية :
ان طبيعة الدور الذي تقوم به القوة العسكرية والمهام الموكلة اليها والنتائج المترتبة على اي فعل تقوم به جعلها اكبر واضخم وسائل القوة بالنسبة للدولة، فالأدوات العسكرية هي اكثر هذه الادوات شيوعا ً ، وان الميزة الكبرى التي تكلفها اداة الغزو العسكري تنبع من حقيقية اساسية مؤداها ان العلاقات الجديدة للقوة لا تتبدل كقاعدة عامة الا نتيجة حرب جديدة تشنها الدولة او الوحدة الدولية المغلوبة بالرغم من ان الظروف تكون عادة ً ضدها . ومن ناحية ثانية فان استخدام الادوات العسكرية في الغزو يستجيب لحالة سيكولوجية اساسية ،وهي الارضاء النفسي للقائد الذي يمارس هذه الوسيلة بنجاح، وهو ما لا يمكن ان يتحقق بنفس الدرجة في ظل استخدام الادوات غير العسكرية . "فنابليون Napoleon" مثلا ً كان بإمكانه ان يفرض سيطرة بلاده على أوربا بقوة الافكار والمعتقدات التي جاءت بها الثورة الفرنسية اي بالأدوات الثقافية ، لكنه فضل استخدام الوسيلة العسكرية لإشباع الحاجة النفسية التي لا يحققها سوى زهو الانتصار وكبرياؤه.
بيد ان الدول الكبرى والمتقدمة كالولايات المتحدة الاميركية لا تقوم قراراتها على فكرة القائد ذات الشخصية التسلطية التي تؤكد السيطرة على المرؤوسين وتفرض ارادتها على الارادة السياسية ، فضلا عن عدم الاكتراث لمسالة تحقيق الذات الشخصية للقائد، لان الدول تبحث عن مصالحها الشاملة وفق استراتيجيات كبرى، لان عملية صنع القرار والسياسات العليا للدول التي تتربع النسق الدولي وتتفاعل فيما بينها ، فالقائد والمستشارين والمدراء يلعبون دورا رئيسيا في هذه العملية من ناحية، ولمساهمة القرارات المتخذة في تحقيق مهام القيادة " السياسية والعسكرية والإدارية " نحو إنجاز أهدافها المحددة من ناحية أخرى. ويشكل اتخاذ القرار المرحلة النهائية والحاسمة في عملية صنعه، إذ تمر هذه العملية بعده مراحل تنتهي باتخاذ القرار المناسب، كما أنها تخضع لتأثيرات عدة عوامل داخلية وخارجية وبدرجات مختلفة.
يعتبر القرار الاستراتيجي من أهم القرارات التي تقدم عليها الدولة لإنجاز الأهداف الرئيسية، وتشمل أكثر من إدارة في هيكلية صنع القرار، وتأخذ عدة جوانب مؤثرة ويشترك في اتخاذها القيادة العليا للدولة، ومن هذه الخطوات لصنع القرار للتوضيح : تقرير المشكلة، جمع المعلومات، الترتيب والتحليل، تحديد الوسائل، وضع قائمة بالبدائل، تقيم البدائل‘ القرار، التنفيذ، والمتابعة.
الادوات والوسائل الاقتصادية :
تعتبر الادوات الاقتصادية متراكمة مادية تتركز على اسس القوة الاقتصادية او الموارد الاقتصادية ، ولا يمكن اغفال القوة الاقتصادية في الوقت الراهن ، فبعد ان كانت السياسة تقود الاقتصاد ، اضحى الاقتصاد يقود ويحرك السياسات ، كما يشير الكثير من الباحثين على ان القوة الاقتصادية تمثل البنى التحتية لكل السياسات والمقومات للدولة وما فوقها يمثل البنى الفوقية .( )
ويعد المتغير الاقتصادي من العوامل المهمة في قوة الدولة ، ومن ثم التوازن الدولي لما لهذا العامل من تأثير على حياة الفرد والمؤسسات لا بل على الدول ذاتها ، والقوة الاقتصادية تعني نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي ، بالإضافة الى قدرة الدولة على تقديم المساعدات المادية والمعنوية لأصدقائها عندما تدعو الحاجة لذلك ، وبالتالي فان معطى القوة الاقتصادية هو قابلية وقدرة الدولة على ادامة الاقتصاد قويا في السلم والحرب على حد سواء .( )
وكما يقول الدكتور "اسماعيل صبري" مقلد بالنسبة للأدوات الاقتصادية فأنها وان كانت تؤدي الى توسيع اطار السيطرة (الامبريالية Imperialism) بنفس الدرجة التي يوفرها استخدام الادوات العسكرية ، الا ان هذا لا يعني ان فاعليتها دائما محدودة ، اذ انه في احوال معينة قد تكون للسيطرة الاستعمارية بالأدوات الاقتصادية ابعد النتائج واعمق التأثيرات. والادوات الاقتصادية في الاستعمار اقل مخاطرة من الادوات العسكرية واقل استفزازاً منها كذلك لطبيعتها غير المباشرة مما يوفر لها فرصا اطول للاستمرار على عكس ما يحدث في ظل التدخل العسكري والغزو والاحتلال المباشر .( )
والادوات الاقتصادية المؤثرة في الوحدات الدولية تأخذ اشكال متعددة في ظل اقتصاد السوق منها حرية التجارة والاستثمار والاقراض والتمويل الدولي والمساعدات والاعانات ، ولعل ابرز الادوات الدولية التي تتحكم بالاقتصادي العالمي التي تمثل الركائز الرئيسة له وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تعتبر مركز سيطرة الرأسمالية على الاطراف في العالم، وكما هو موضح في الرسم الاتي :
• الادوات والوسائل الثقافية :
اما الادوات الثقافية كما يقول "مورجانثو Morgenthau " اخبث الادوات المستخدمة في فرض السيطرة الاستعمارية واكثرها ذكاءً ، لأنها تستدف العقول والتسلط عليها وغلسها وتغذيتها بما يتوافق والغاية او الوسيلة المرجوة لهدف تلك الوحدة في التفاعلات الدولية، واتخاذها نحو تبديل علاقات القوة القائمة بين الدول، وهي من الانماط التي تعتبر مكملة للأدوات والعسكرية والاقتصادية وهذا لا يلغي اهميته في ظل ثورة المعلومات والاتصالات وسهولة وصولة المعلومة لاسيما وان الأنترنيت ومعظم وسائل المعلومات تسيطر عليها الولايات المتحدة.( )
ويضيف ايضا بان العديد من الامبراطوريات الاستعمارية التي قامت في الماضي انهارت لا لشيء الا لأنها ارتكزت على الغزو العسكرية وحده ولم تحاول التغلغل بالثقافات والافكار والمعتقدات وعقول الشعوب التي خضعت لسيطرتها بالقوة وهو امر من المؤكد كان يقوي من دعائم السيطرة التوسعية ويطيل امدها. وتعتبر الادوات الثقافية من موارد (القوة الناعمة soft power) التي تشمل الى جانب الثقافية القيم السياسية والسياسة الخارجية (عندما يراه الاخرون مشروعة وذات سلطة معنوية اخلاقية )، وقد تدل هذه العبارات بانها اقرب الى المثالية باعتبار ان"مورجانثو Morgenthau" هو الاب الروحي للمدرسة الواقعية في السياسة الدولية الاميركية التي تبتعد كثيرا عن المثالية، بيد ان الولايات المتحدة الاميركية في مطلع العقد الثاني في القرن الحادي والعشرين كثير ما اعتمدت على (القوة الناعمة soft power) سواء اكان مع القوة الصاعدة او البلدان العالم الثالث لاسيما منطقة الشرق الاوسط لتحسين الصورة من جهة وكسب القلوب من جهة اخرى .( )
فعندما تحتوي ثقافة بلد على قيم عالمية ، وتروج سياسته قيما ومصالح تشاركه فيه شعوب الدول الاخرى وتطبق على ارض الواقع ، فان امكانية حصول النتائج المرغوبة للتغير يكون عبر العلاقة التي يخلقها من الجاذبية . ونجد ان الولايات المتحدة الاميركية في العالم المعولم تستفيد من نشر ثقافتها العالمية كنهج امبراطوري نحو الهيمنة للحفاظ على الوضع القائم للنظام الدولي الذي تتربع قمته تحت نمط الاحادية القطبية .( )
فعالم اليوم يتغير بمحركاته ونوابضه واداوته وقواه والفاعلين على مسرحه ، بينما نجد ان الافكار مازالت ثابته على الاتجاهين المرسل والمستقبل لها ، فالدول الصغيرة وان كانت تحمل هوية وافكار ثابته وواضحة المعالم الان الحراك الهائل للآليات الناعمة والتسارع الفائق جعل المفكرين في سباتهم العقلي في تلك البلدان من غير وجه امام الموجة الثالثة من المعلومات فثورة المعلومات القت بضلالها على الدول وشعوبها فلم يعد للحدود والفواصل الجغرافية قدسية تذكر امام الانكشاف الاستراتيجي الشامل عبر وسائل الاعلام والانترنيت وادواته العملاقة وتكنولوجيا الفضاء من الاقمار الصناعة والطائرات المسيرة وثورة الخلايا الرمادية للصناعة الدقيقة الالكترونية التي (تبث وتستلم) (Broadcast and receive) من اي مكان وتحت اي ظرف وفي اي وقت .( )
ثالثا :سياسات المكانة في المجتمع الدولي :
قبل الدخول في تحليل سياسات المكانة في المجتمع الدولي التي حددها "مورجانثو Morgenthau " كاحد اهداف القوة ، ندخل في الجانب المفاهيمي للمكانة، ومن هنا يمكن فهم المكانة لغوياً بدلالة المنزلة التي يتحلى بها صاحب المكانة ، والمكانة جمعها مكانات وهي المنزلة ورفعة الشأن ، يقال مثلاً (أن فلان له مكانة عند قومه ) أي يتمتع بمنزلة متميزة عن بقية القوم .
أما في القرآن الكريم فقد ورد ذكر المكانة في قوله تعالى (( ولقد مكًنَهم فيما إن مَكَنكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة )) ويقال مكنه الله في الشيء ، أي بمعنى إستمكن الرجل من الشيء ، والمكانة يراد بها أيضاً المنزلة عند الملك أو صاحب النفوذ.
أما في النظام الدولي فأن مكانة الوحدة السياسية في بنيان النسق الدولي يحدد إلى حد بعيد سلوكها تجاه الوحدات الأخرى ، فالنسق الدولي يتسم بالترتيب التدريجي للوحدات السياسية ويتحدد ترتيب كل دولة في هذا النسق طبقاً لمجموعة من المؤشرات التي بمقتضاها تنقسم الدول إلى وحدات عليا ووحدات دنيا ، فإذا تصورنا أن المؤشرات التي تحدد مكانة الدولة في النسق الدولي هي : - القوة العسكرية ومستوى التصنيع والمستوى التعليمي والأصالة الحضارية ومستوى الدخل الفردي فأنه من المتصور أن تتمتع وحدة معينة بمكانة عالية بالنسبة للمؤشرات المذكورة وان تتمتع وحدة أخرى بمكانة دنيا بالنسبة لتلك المؤشرات.
وكما يلاحظ أيضاً إن المكانة ترتبط وتقترن بالقوة والهيبة ولاسيما إن القوة تنضج من خلال الحيوية الاقتصادية والنفوذ السياسي والقوة العسكرية ، وبما أن القوة قيمة نسبية فأن الدول تجري تقييماً على وضع قوتها الذاتية بمقارنته مع الوضع في الحكومات الأخرى وتستخدم القوة لتوسيع أهداف السياسة الدولية الأخرى وتحقيق الكفاية الاقتصادية ، بينما يراد بالهيبة الدولية الاحترام الذي يمنحه المجتمع الدولي للدول وترتكز على تصورات للقوة أو المنافسة أو على السمعة في احترام الاتفاقات الدولية.
وسياسات المكانة هي السياسة التي تهدف الى تعزيز مكانة الدولة في المجتمع الدولي واضفاء نوع من الهيبة عليها مما يسهل عليها تحقيق اهدافها سواء التي تمثلت في الحفاظ على الوضع الدولي القائم او التسلط .، ويشير الدكتور اسماعيل صبري مقلد بان الهدف من تطبيق سياسات المكانة هو التأثير على الدول الاخرى ، بالقوة التي تملكها الدولة بصورة فعليه ، او بالقوة التي تعتقد او تريد الاخرين ان يعتقدوا انها تملكها ) وان تنفيذ سياسات المكانة يكون على نوعين من الادوات الدبلوماسية والادوات العسكرية بمعنى القوة الناعمة والصلبة او الذكية التي تجمع بين القوتين كما اشرنا في متن البحث .
وتعتمد مكانة كل الدول على المقومات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والسياسية وكل مقوم يتفاوت مع الاخر، فضلا عن اختلاف مقوم بعينه في دولة ما عن مقوم دولة اخرى صعودا ونزولا، فضلا عن ذلك فان هناك دول تمتلك نفس مقومات القوة الا اننا نجد احدها اكثر فاعلية وتأثير، وهذا يعود الي قدرة الدولة في استثمار وتوظيف قوتها وبالتالي تأثيرها بفاعليه على الوحدات الاخرى اكثر من مثيلتها .
وللتوضيح نجد ان الولايات المتحدة الاميركية هي الاولى في المجال الاقتصادي من حيث ناتجها الاجمالي القومي الذي بلغ حسب تقديرات 2010 بنحو 14 ترليون دولار بينما الاتحاد الاوربي 6806 بليون وروسيا الاتحادية 2.376 ترليون دولار حسب تقديرات 2011 والصين 2 ترليون دولار حسب احصائية 2006، وفي لغة الارقام نلاحظ ان الولايات المتحدة الاميركية متفوقة على معظم الدول مجتمعه على الرغم من كون التحدي الاكبر للمكانة الاميركية هو التحدي الاقتصادي ، فالولايات المتحدة تسعى جاهدة مسخرة ادواتها الرأسمالية الدولية الصندوق والبنك ومنظمة التجارة العالمية لوضع الدول تحت اطار الاقتصاد العالمي الرأسمالي وعدم الخروج عليه الذي تتربعه وفق الارقام البيانية .
واذا ما تم مقارنة القوة العسكرية الاميركية فالولايات المتحدة فضلا عن امتلاكها جيش تقليدي قوامه (1.483.800) مليون جندي، فهي من الناحية النووية تعد الدولة الأولى في العالم سواء على مستوى الكم من الأسلحة أم على مستوى ما تتمتع به أسلحتها النووية من نوعية متطورة بفعل التقنية العالية المستخدمة فيها، إذ تحتفظ بأكبر عدد من الرؤوس النووية التي وصل عددها إلى حوالي 10 ألاف رأس نووي. كما تمتلك الولايات المتحدة اكبر عدد من الغواصات النووية في العالم تصل إلى 500 غواصة نووية فضلا عن امتلاكها لأكثر من 500 قاذفة استراتيجية بعيدة المدى ، اما الميزانية العسكرية للولايات المتحدة التي كانت قد بلغت 5%- 6% من إجمالي ناتجها القومي أن ميزانية وزارة الدفاع البنتاغون تساوي الميزانيات العسكرية المجتمعة للدول الـ ( 12 ) او الـ( 15 ) التي تلي الولايات المتحدة " بعبارة أخرى، ان أنفاق الولايات المتحدة العسكري يشكل( 40 ــ 50%) من الأنفاق الدفاعي في دول العالم كافة . فالدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي مجتمعة، تنفق على الدفاع نحو (170) بليون دولار سنويا، ولكن الولايات المتحدة تنفق أكثر مـــن( 400) بليون دولار بالسنة.
واما في مجال التكنولوجيا يمكن إدراك حقيقة مهمة وهي تمتع الولايات المتحدة بموقع الصدارة العالمية في امتلاك القدرات التقنية، إذ انها تُعد الدولة الأسرع في مجالي الابتكار واستغلال التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتمتلك نظاما للعلوم والتكنولوجيا والبحوث لا يضاهيه أي نظام أخر في العالم، ويقدر ما تخصصه الولايات المتحدة سنوياً للبحوث العلمية والتطور التقني مجموع ما تنفقه الدول الصناعية السبع التي تليها في الثروة. لاسيما وإنها تُنفق ما يزيد على (290) مليار دولار، هكذا فهي تمثل 40% من النفقات العالمية للبحث والتطوير ولها 50% من البراءات المودعة في العالم، وأن30% من المنشورات العلمية العالمية، أمريكية وأكثر من نصف الأقمار الصناعية، هي أمريكية(، وان 90% من الذين فازو بجائزة نوبل في الكيمياء و العلوم والاقتصاد، هم أمريكان.
ففي مجال المنتجات ذات التكنولوجيا العالية فقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول في أنتاج الالكترونيات بنسبة 40% مقابل 27% لليابان ، أما ما يخص أنتاج البرامج وتطويرها فتعد الولايات المتحدة اكبر منتج للبرمجيات للعالم إذ يتجاوز أنتاجها إلى 45% من حجم الإنتاج العالمي ، تليها الاتحاد الأوربي بنسبة 23% واليابان والهند بنسبة 18% .
إما على صعيد التكنولوجيا العسكرية فهي تمتلك مجمعا صناعيا ضخما ، إذ يعمل فيه أكثر من 30% من المهندسين في المجال التكنولوجي والمعلوماتي ، فهم يعملون على التطوير وإدخال التقنيات الالكتروني في المجال العسكري ليظهر لدينا ما يسمى بالأسلحة الذكية والأسلحة ذات التحكم من بعد والطائرات بدون طيار ، وهو ما جعلها أفضل من ناحية تقليل الخسائر البشرية من ناحية والدقة في إصابة الهدف فضلا عن القوة التدميرية إلى جانب تقليل نسبة الأنفاق.( )
كل هذه الارقام تعطي فكرة وواقع حتمي بان المكانة تعتمد على المقومات وان الولايات المتحدة الاميركية رغم الازمات الاقتصادية والتوسع المستمر بالقواعد والتدخلات الى جانب تحديات القوة الصاعدة المتمثلة بالصين والاتحاد الاوربي واليابان وروسيا الاتحادية وحتى (الهند والبرازيل ) في الاجل المتوسط فأنها ما زالت تتمتع بمكانة سياسية ونفوذ كبير في النسق الدولي وهي تحاول الحفاظ على الوضع القائم من خلال ادوات سياسات المكانة الناعمة والخشنة والذكية.
المصادر
1. احمد ثابت ، مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام العالمي : دور القوة والتوازن الدولي الجديد، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد(171)،يناير 2008.
2. احمد نوري النعيمي ، السياسة الخارجية ،الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 2009.
3. اسماعيل صبري مقلد ، نظريات السياسة الدولية دراسة تحليلية مقارنة ، منشورات ذات السلاسل ، الكويت ، 1987.
4. بشير عبد الفتاح ،تجديد الهيمنة الاميركية ، اوراق الجزيرة ،مركز الجزيرة للدراسات ، العدد 18 ، ط1، 2010
5. بول سالم ، الولايات المتحدة والعولمة : معالم الهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين ، كتاب العرب والعولمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1998.
6. بيير هاسنر وجوستان فاييس، واشنطن والعالم، معضلة القوى العظمى ، ترجمة: قاسم مقداد، قضايا راهنة (13)،الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق ، 2008.
7. جماعة من كبار اللغويين العرب ، المعجم العربي الأساسي ( لاروس ) ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1989.
8. جوزيف س ناي ، القوة الناعمة ، وسيلة للنجاح في السياسة الدولية ، ترجمة :محمد توفيق البجيرمي ،مطبعة العبيكان ، ط1 ، المملكة العربية السعودية، 2007.
9. جوزيف س ناي ، القوة الناعمة ، وسيلة للنجاح في السياسة الدولية ، ترجمة :محمد توفيق البجيرمي ،مطبعة العبيكان ، ط1 ، المملكة العربية السعودية، 2003.ش
10. خليل حسين ، النظام العالمي الجديد والمتغيرات الدولية ، دار المنهل اللبناني ، ط1 ،لبنان، 2009.
11. ديفيد جومبرت، الحرية والقوة في عصر المعلومات، في: الدور المتغير للمعلومات في الحرب، مجلة دراسات عالمية، مركز الأمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، ابو ظبي، العدد(53)، 2004 .
12. روبرت كانتور ، السياسة الدولية المعاصرة ، ترجمة : أحمد ظاهر ، مركز الكتاب الأردني، 1998.
13. زايد عبيد الله مصباح ، السياسة الدولية بين النظرية والممارسة ، دار الرواد ، طرابلس ، ليبيا ، ط1 ، 2002
14. زبيغبنو بريجنسكي ، الاختيار السيطرة على العالم ام قيادة العالم، ترجمة: عمر الايوبي ، دار الكتاب العربي ، بيروت – لبنان،2004
15. سليم كاطع علي ،مقومات القوة الامركية واثرها على النظام الدولي ، مجلة دراسات دولية ، العدد 42، ، تشرين الاول 2009.
16. عامر هاشم عواد ، التحول في العلاقات الروسية الاميركية ، المجلة العربية للعلوم السياسية ، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 26 ، ربيع 2010 .
17. علي حرب المصالح والمصائر ، صناعة الحياة المشتركة ، الدرار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف ، بيروت ط1، 2010.
18. الكسندر دوغين، اسس الجيوبولتيكا، مستقبل روسيا الجيوبولتيكي، ترجمة: عماد حاتم ، دار الكتاب الجديد المتحدة ،ط1، طرابلس – ليبيا، 2004.
19. ليليا شيفتسوفا، روسيا بوتين ، ترجمة : بسام شيحا ، الدار العربية للعلوم ، ط1 ، بيروت – لبنان ، 2006.
20. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت ، 1987
21. محمد وائل القيسي، مكانة العراق في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الخليج العربي"دراسة مستقبلية"،رسالة ماجستير"غير منشورة" كلية العلوم السياسية ،جامعة النهرين ، 2010.
22. موسوعة الويكيبيديا، على شبكة المعلومات الدولية الأنترنيت: http://ar.wikipedia.org/wiki
23. نورهان الشيخ, السياسة الروسية وحدود الدور في الشرق الأوسط, مجلة دراسات شرق أوسطية, ربيع 2007, السنة:11, العدد:39, ص:125-126، انظر ايضا : حرب القوقاز بداية أم نهاية, على شبكة المعلومات الدولية الانترنيت: http://www.arabrenewal.org/articles/187 ... OYIE1.html
24. هيرفريد مونكر، الامبراطوريات ، منطق الهيمنة العالمية من روما القديمة الى الولايات المتحدة الامريكية ، ترجمة: عدنان عباس علي ، دراسات مترجمة العدد ( 28) ، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ابو ظبي – الامارات العربية المتحدة ، 2008.
25. يامن خالد يسوف ، واقع التوازن الدولي بعد الحرب الباردة واحتمالاته المستقبلية، وزارة الثقافة ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، 2010.
26. Ross. Joel. E.1970. " Management By Information System", N. Jersey, Englewood: Gliffs, Printice- Hall, Inc.
مقدمة : Introduction
شهدت حقبة الأربعينات في القرن العشرين تحولات عديدة ، كان أبرزها ظهور الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل على الاتجاه المثالي، بسبب عدم صحة هذا الاتجاه، والذي قد استند قبل تلك الفترة على دراسات قامت على ما يجب أن يكون عليه المجتمع الدولي ضمن نظرة الأفضل والامثل دون أن تأخذ بالأمر الواقع كأساس لها، وتجاهلها للتاريخ، لقد نظر الاتجاه المثالي للسلوك الدولي كوحدة أساسية للتحليل وتجاهله لمبدأ القوة وتوازن القوة.
ان النظرية الواقعية تستمد مادتها الديالكتيكية في التاريخ من اجل الوصول إلى تعميم عام للسلوك الدولي، وترى بهذا الجانب إن الرأي العام يتغير بشكل سريع لذلك لابد لصانع القرار عدم الأخذ به، وترى بان الدولة القومية هي وحدة التحليل الأساسية في العلاقات الدولية ، كما يرفض الواقعيون فكرة وجود تناسق في المصالح بين الدول، بل يرون بتضارب مصالحها إلى حد الوصول إلى احتمالية حدوث الحروب، كما يعطون دور كبير لإمكانيات الدولة المتوفرة في تحديد نتيجة الصراع الدولي، والتأثير بالدول الأخرى، يرى الواقعيون بان القوة ليست مقتصرة فقط على الجانب العسكري، بل هناك جوانب أخرى كالاقتصادية والديمقراطية والإيديولوجية الخ، ومع ذلك فان الواقعيون لا يغفلوا ضرورة تحقيق السلام العالمي ولو باللجوء إلى القوة كأساس لذلك.
ان الاتجاه الواقعي الأمريكي يأتي على رأسه عالم العلاقات الدولية الأشهر "هانز مورجانثو Hans Morgenthau" مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ،ويؤكد "مورجانثو Morgenthau " على فكرة القوة في العلاقات الدولية بقوله: ان عالم السياسة الدولي(السياسة الدولية - العلاقات الدولية) شأنه شأن عالم السياسة الداخلي (السياسة داخل المجتمع)هو عالم الصراع من أجل القوة ومهما تكن مرامي ذلك العالم فإن القوة هي هدفه المباشر والملح والدائم. ويتضمن العرض الشامل الذي قدمه "مورجانثو Morgenthau" لمفهوم القوة في السياسة الدولية ، تصورا محددا للأشكال المختلفة لصراعات القوة في المجتمع الدولي، فالدول طبقا لهذا التصور تتصارع من اجل الاهداف التالية :
1. سياسات الحفاظ على الوضع القائم .
2. سياسات التوسع الاستعماري .
3. دعم المكانة السياسية في المجتمع الدولي .
اولاً : سياسات الحفاظ على الوضع القائم :
يهدف هذا النوع من السياسات الخارجية حسب نظرية "مورجانثو Morgenthau" للحفاظ على التوزيع القائم للقوة في لحظة معينة من لحظات التاريخ، اي عندما تبرز توزيعات جديدة لعلاقات القوة كنتيجة لانتصار بعض الاطراف ، وهزيمة الاطراف الاخرى .
وهناك تطبيقات تاريخية عديدة لسياسات الوضع القائم بالشكل المشار اليه ، ولعل اقرب تطبيق لهذه السياسة في النسق الدولي والتي ما زالت قائمة في واقع التفاعلات الدولية الديناميكية الى يومنا هذا صعودا ونزولا. نستطيع ان نطلق عليها مرحلة نهاية او ما بعد الحرب الباردة التي تميزت في مطلعها بتفكك الاتحاد السوفيتي (المنظومة الاشتراكية الشرقية) عام 1991 وبزوغ نمطية علاقات جديدة في النسق الدولي تقوم على نمط القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية قائدة (المنظومة الرأسمالية الغربية).
الولايات المتحدة اضحت كما هو مسلم به تتربع قمة الهرم الدولي لما تملكه من مقومات مثلث القوة – القوة العسكرية ، القوة الاقتصادية ، والقوة التكنولوجية ، وان اقطاب هذا المثلث مجتمعه تمثل القوة السياسية التي هي ابرز مخرجات القوة المؤثرة في الوحدات الدولية .
وهذا ما يؤكده " زبيغنيو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski" في كتابه (الاختيار السيطرة على العالم ام قيادة العالم ) قائلا ً ( مع بداية القرن الحادي والعشرين ، نجد انه لا مثيل لقوة اميركا من حيث مداها العسكري على الصعيد العالمي ، ومحورية النشاط الاقتصادي لأمريكا بالنسبة الى صحة الاقتصاد العالمي ، والتأثير الابداعي للدينامية التكنولوجية الاميركية ، ومن حيث الجاذبية العالمية للثقافة الاميركية المحض المتعدد الاوجه، اذو وفرت هذه العناصر كلها لأمريكا نفوذا سياسيا ً عالميا ً لا نظير له ، واصبحت امريكا في كافة الاحوال ضابط الايقاع العالمي وما من منافس لها على المدى المنظور)).
ولا غضاضة فان الولايات المتحدة الاميركية وبحسب البيانات الاحصائية المتوافرة قد ابانت بجلاء تأثير القوة الاميركية ومدى ارتفاع شكيمة حظورها في توزيع الادوار في النسق الدولي وهي تتربع قمة الهرم الدولي لما تتمتع به من تفوق غير متكافئ على باقي الوحدات الدولية بصورة عامة وعلى الفواعل الدولية بشكل خاص .ومن هذا المنطلق تسعى بجهد وجد للحفاظ على الوضع الراهن من طريق طرح مشروعها الامبراطوري الذي يقوم على الهيمنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الوصف للقدرة والقوة على التأثير وبالتالي السيطرة على وحدات النظام الدولي ومقاومة السيطرة من قبل القوى الصاعدة .
والشواهد التاريخية والاحداث التي ارتأت الولايات المتحدة الاميركية فيها ابراز سياسات الحفاظ على الوضع الراهن وفرضها على الوحدات الدولية واضحة وكثيرة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر اقدمت الولايات المتحدة الاميركية بعد احداث 11 ايلول-سبتمبر 2001 بالإعلان وعلى لسان رئيسها آنذاك "بوش الابن Bush Jr. " بالقول المشهور: ((من ليس معي فهو ضدي)) تحت عنوان مكافحة الارهاب واستخدمت القوة الخشنة بإفراط نتيجة لمنطق القوة والهيمنة في التفاعلات الدولية باحتلالين غير مبررين وفق مثل المجتمع الدولي العراق وافغانستان ، وهذا ما تفسره واقعية القوة التي فرضتها الولايات المتحدة واجبرت وصهرت معظم المواقف المعارضة في بوتقة واحدة لتصب في محيط الابقاء على الوضع القائم على المدى المنظور والمتوسط وبما يخدما مصالها القومية والعالمية الشاملة .
وعليه فانه من الواضح والجلي ومن خلال استقراء السياسات الاميركية والاليات المستخدمة في التأثير في رسم وتوزيع الادوار في النظام الدولي فأنها قد قطعت اشواط طويلة لبناء هذه الثقة بالقوة الاميركية وبالمكانة جاعلة لكل حقبة زمنية تاريخية بعد معين يتناسب مع تلكم المرحلة في التراتبية الدولية .
وعلى الرغم من سيل الطروحات والتوقعات التي اثارت الادعاء ببدء افول الهيمنة الاميركية على العالم ، لاحت في الافق تصورات مغايرة في دوائر صنع القرار الاميركي المتكون من المفكرين والمنظرين والدعاة والمؤولين للسياسة الاميركية اسس متغيرة تتعامل مع مواطن الضعف وبالوقت نفسه تنطلق من مكامن القوة لتفعيل ذلك ولتعضيد سياسات القوة وسد تغور وفجوات الضعف وبالتالي انعاش الهيمنة الاميركية والعمل على اطالة مداها الزمني للحفاظ على سياسات الوضع القائم ، ولعل اول ما فكرت به تلك الجهات توخيا لذلك المقصد ،كان اعادة النظر في الاستراتيجيات الامنية والعقائد العسكرية لنجد ان اليات التغيير في السياسة الدولية للولايات المتحدة قد اخذت بعدا ينسجم مع كل مرحلة ومن بين اهم وابرز الاليات المتبعة للولايات المتحدة الاميركية للحفاظ على الوضع القائم والتي فرضت نفسها على الوحدات الدولية التي كانت خارج دائرة القبول للسياسات الاميركية هي :
سياسات القوة الخشنة . Hard Power
سياسات القوة الناعمة . Soft Power
سياسات القوة الذكية . Smart Power
ثانيا : سياسات التوسع الاستعماري :
الوهلة الاولى لموضوعة التوسع الاستعماري تعطي مؤشرات ومدركات حسية للعقل البشري ( للمفهوم الاول البدائي للاستعمار) القائم على الاحتلال العسكري واستعمار الاراضي واستخدام العبيد ونهب الكنوز والوصاية المباشرة، الا ان القرن الحادي والعشرين قرن الموجة الثالثة العارمة وصدمة المستقبل بكل ما تحمله من معان هي غير مرحلة الحربين العالمية الاولى والثانية وحتى الحرب الباردة بكل مفرداتها .
وفيما يخص تحليل "هانز مورجانثو Morgenthau " لسياسات التوسع الاستعماري فقد اخذه على ثلاث جوانب او نتيجة لثلاث عوامل :
العامل الاول : الحرب المنتصرة Victorious war:
وهو توقع الانتصار في حرب ما مما يجعل الدولة تنتقل من مرحلة الابقاء على الوضع القائم الى التغيير في علاقات القوى لصالحها، وفي الحقيقة فان الرؤية العلمية والأكاديمية وبحسب معطيات وتراكمات الفهم للعلاقات الدولية التي تنبع من مدخلات ومخرجات النظام الدولي فان الباحث يلاحظ ان هذا الهدف الثاني الذي طرحه "مورجانثو Morgenthau" وهذه السياسة تصلح لان تكون في مقدمة الاهداف التي ذكرها "مورجانثو Morgenthau " باعتبارها خطوة اولى في سلم التفاعلات الدولية اذا ما تم تطبيقها على الولايات المتحدة الاميركية لانها خطوة للتوسع خارج نطاق الحدود وبالتالي الخروج من مرحلة السبات او العزلة لبناء الذات.
والفرادة التاريخية والإدراك المؤطر في السياسة الدولية تعطي صورة لهذه النظرية التي حددها "مورجانثو Morgenthau" بانها تشبه مرحلة العزلة للولايات المتحدة الاميركية في مطلع القرن العشرين تجاه الشؤون الاوربية الحاملة لتركة النظام الدولي القائم على الحروب ، ولذلك نلاحظ ان الرئيس الاميركي " روزفلت" كان ملتزما بمبدأ الحياد الى ان دخلت الحرب مرحلة الذروة بهجوم الطائرات اليابانية على ميناء بيرل هاربر في 7-12-1941 حتى امر الرئيس الأمريكي (ترومان) الولايات المتحدة بالخروج عن الوضع القائم بقصف مدينة (هيروشيما Hiroshima) و(ناكازاكي Nagasaki) في عام 1945 بالقنبلة الذرية لتنتهي الحرب لصالح الولايات المتحدة ، لتبدأ بالتوسع الاستعماري وفرض نفسها بقوة على المشهد الدولي سواء بصورة مباشرة وغير مباشرة.
ولعل ابرز تلك الملامح لهذا الهدف هو التوسع الاستعماري بالقوة العسكرية كما في فيتنام لفرض الارادة الاميركية بصورة مباشرة واخرى غير مباشرة تسمى بالحرب بالنيابة كأحد انماط الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي التي سادت تلك المرحلة لتتغير في ذلك نمط علاقات القوة لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وافول القوى الاوربية التي كانت الفاعل الرئيس في النظام الدولي .
وما يجب توضيحه وتعقيبا على ما تم طرحه في المقدمة التوضيحية لسياسات التوسع الاستعماري نروم بيان ان دراسة تاريخ التوسع الامبراطوري التقليدي كان يقوم على مبدا القوة العسكرية كمحدد لروابط وعلاقات الصراع بين المتنافسين الدوليين ، فالإمبراطورية في النموذج التقليدي كانت تقوم على مراحل الارتقاء او الانحطاط. الا ان نظرية دورات الهيمنة والتوسع قامت بتطوير نماذج تحليلية جديدة وادخلت المتغير التكنولوجي كأحد مظاهر وسمات نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا الدقيقة ، هذا المتغير اضاف بعد اخر لعلاقات القوة والتوسع فلم يعد الاحتلال او التوسع العسكري هو الاداة الوحيدة والفاعلة الى جانب المتغير الاقتصادي من نهب الثروات وتصدير الفوائض الرأسمالية من المركز الى الاطراف وان كانت مرتكزات مهمة الا ان الانكشاف الاستراتيجي الشامل قد افقد للدول قدسية حدودها الوطنية امام الموجة الثالثة التي قال بها "الفن توفلر Alvin Toffler ".
فالتوسع الاستعماري اصبح يطلق عليه في مصطلحات علم السياسة (العولمة Globalization) بكل جوانبها ليدخل الجانب التكنولوجي والثقافي بقوة الى جانب المتغيرات والعوامل العسكرية والاقتصادية، فالتوسع عبر شبكة المعلومات الدولية الأنترنيت اصبح في عالم اليوم له فعله الفاعل تسقط دول وتغير انظمة وسياسات وتفرض ارادات عبر مسمى القوة الناعمة او اللينة التي اطلقها "جوزيف س ناي" كبديل او رديف لتعضيد القوة العسكرية والتي تتضمن ابعاداً اخلاقية وسياسية تتيح للولايات المتحدة اضفاء الشرعية على هيمنتها وسياساتها التوسعية من خلال توفير منافع عامة لبقية العالم مثل السلام والعدالة الى جانب ابراز ميزات الرأسمالية، وذلك لكسب المؤيدين ودفع المعارضين للتوجهات الاميركية وتنفيذ المخطط السياسي والنفسي المسوق للنموذج الاميركي لغايات واهداف عليا تروم وتسعى لتحقيها في الديناميكية الدولية المتغيرة .
العامل الثاني : الحرب الخاسرة Losing the war:
يفيد "هانز مورجانثو Morgenthau" بانه كما تفعل الحرب المنتصرة فعلها في خلق الدافع الى التوسع والاستعمار فقد يكون للحرب الخاسرة تأثيرات مشابهة ولكن بصورة مختلفة ، فعلاقة الخضوع التي يراد لها ان تكون مستمرة ودائمة في اطار تركيب قوة معينة تفرضه الحرب التي يخسرها احد الاطراف ، قد تدفع بهذا الطرف الخاسر الى محاولة التخلص من الوضع القائم وتبادل مراكز القوة في هذا التوزيع بحيث يتاح له ان يستولي على مركز الطرف المنتصر او منافسته وازاحته الى مركز اقل او موازاته او الحد من هيمنته لاستعادة ما فقده ، وفي حالات معينة قد لا يكون الطرف الخاسر مدفوعاً فقط في استعادة ما فقده، بل الحصول على اكثر مما فقده وهو ما يسمه "مورجانثو Morgenthau" بالسياسات الاستعمارية التي تتبناها الاطراف الخاسرة .
ويعطي في هذا العامل مثالا توضيحيا للفترة منذ عام 1919 وحتى عام 1935 بدت سياسة المانيا فيها وكأنها متقيدة وخاضعة وفي اطار حدود الوضع القائم في حين انها كانت تسعى سرا ً الى هدم ذلك الوضع وتغييره في اتجاه مختلف تماماً .. وانطلاقا ً من هذا المثال نجد ان اقرب تطبيق لهذه السياسة في الوضع الدولي الراهن هي السياسة الروسية حاملة تركة الاتحاد السوفيتي، فروسيا الاتحادية بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك المنظومة الاشتراكية وانهيار اصبحت قوة خاسرة امام الولايات المتحدة الاميركية ورضخت لسياسات الوضع القائم.
ويبدو ان روسيا الاتحادية اتبعت مقولة الجيوبوليتكي البلجيكي "جان تيريار Jean Tiriar " الذي قال: ((كان الاتحاد السوفيتي شبيها ً بلوح من الشكولاتة، حزت فوقه حدود الجزئيات – الجمهوريات، وعندما تفتت هذه الجزئيات – الجمهوريات لم يعد كافيا ً ضمها الى بعضها لإعادة اللوح بكامله الى ما كان عليه ،فلا يمكن التوصل الى ذلك الان الا عن طريق اعادة صهر اللوح كله واعادة طبعه)).
وبانتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي فرض وضع للدخول وفي حقبة جديدة ، تطالب بنماذج جيوبولتيكية مبتكره، فالوضع الجيوبولتيكي لكل ما هو تقليدي من الاراضي والاقاليم والدول والاتحادات تبدل تبدلا ً حادا ً،ومن هنا كانت روسيا الاتحادية تائهة ما بين وضعها الدولي المسلوب وما بين المشاكل الداخلية المستعرة لاسيما الاقتصادية والامنية التي مثلت اهم مواطن الضعف التي اثقلت كاهل الدولة فضلاً عن ترمة وتبعات الجمهوريات المتناثرة .
واول خطوة من روسيا الاتحادية في رئاسة "بوريس يلتسين Boris Yeltsin" الانكفاء على الذات ، والمحاولة الاولى لمنع الانهيار، قررت فيه الحكومة الالتفات إلى قطاع الطاقة (اذ ان إنتاج النفط تراجع إلى النصف في أقل من عشر سنوات) الذي يحتلّ حيّزاً واسعاً وفاعلاً في الاقتصاد الروسي (البترول وحده يشكّل 15 % من صادرات البلد)عبر توجيهه إلى التصدير الخارجي البعيد، بعد اقتصاره على الاستهلاك المحلي لسد الحاجة والتصدير إلى المحيط القريب والدول الفقيرة وذلك لتعزيز الثقة في الداخل باعتبار ان الداخل انعكاس لسياسات الخارج .
لكن "اليلتسينية" تركت وراءها، تسع سنوات من التخبّط والفوضى لأسباب كثيرة تمثلت بالفساد المالي والاداري وسطوة العسكر التي تحولت الى مافيات اثرت سلبا على الوضع الاجتماعي الروسي ، في نهاية العام 1999، وبطريقة غير متوقّعة، قدّم يلتسين هدية إلى شعبه والعالم بمناسبة رأس السنة الميلادية والانتقال إلى العام 2000: استقال من منصبه ليسلّم مقاليد الحكم إلى "فلاديمير بوتين Vladimir Putin" الرجل الذي أتى به من عالم المجهول ليجعله رئيساً للوزراء في آب 1999. وفي آذار 2000 تمكّن رئيس الوزراء السابق، الذي صار رئيساً بالوكالة، من الفوز في الانتخابات الرئاسيّة. وهكذا بدأت روسيا الألفيّة الثالثة في ظل "قيصر" جديد لا يعرف عنه المراقبون إلاّ القليل، "البوتينيّة" الجديدة التي حاولت اذابه وصهر الجزئيات في بوتقة روسيا الاتحادية وبناءها في اطار موحد. من "بويتن Putin " انطلقت روسيا للبحث بعد الحرب الخاسرة للبحث عن الدور الدولي واستعادة المكانة ومن اول ايام استلام مقاليد السلطة والشواهد كثيرة والانجازات الكبيرة التي حققها بوتين يصعب حصرها في سطور او في اتجاه معين لأنها اخذت كافة المجالات وفق استراتيجية شاملة استطاعت ان تعيد صوتها التي اصبح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من صوت معادي الى صوت موالي للغرب او صامت في احسن احواله للمتغيرات الدولية .
ولعل لغة الارقام تعطينا كيف استطاعت روسيا الاتحادية النهوض من جديد وان تخلق تحديا لقمة الهرم الدولي ، فعلى سبيل المثال كان الاقتصاد الروسي بمستوى متدني ولم يكن لروسيا اي احتياطات تذكر من الدولار عام 1998 الى 500 مليار دولار في عام 2008 وبلغت الاستثمارات الاجنبية في نفس العام 45 مليار دولار وبلغ الناتج القومي الاجمالي الروسي 2.376 ترليون دولار حسب تقديرات 2011 والارقام كثيرة والشاهد في ذلك ربط سياسات الحرب الخاسرة للدول بتفاعلات النسق الدولي والتأثيرات على التراتبية الدولية .
وعلى المستوى العسكري والسياسي كانت الازمة الجورجية (حرب الخمسة ايام) اكبر تحدي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي للولايات المتحدة الاميركية، فهي رسالة عمليه فاعلة للدور الجديد لروسيا الاتحادية ، وان تحجيم النفوذ الأمريكي في المنطقة سيكون بداية لانحصار وانكسار نفوذها انطلاقا من إدراك موسكو بان جورجيا وليدة لمشروع الولايات المتحدة في المنطقة. إن المواجهة التي بدأت بين روسيا والولايات المتحدة خلال أزمة جورجيا تعتبر إيذان ببداية حقبة جديدة من العلاقات الدولية, فقد أخطأت واشنطن باستمرارها للتصعيد مع موسكو بتأكيد أنه سيتم ضم جورجيا إلى حلف الأطلنطي مستقبلا, وما صاحب ذلك من مناورات أمريكية أوكرانية في البحر الأسود, مما دفع روسيا إلى الاستمرار في التصعيد وذلك بتوعد بولندا بإمكانية استخدام السلاح النووي ضدها, وتعليق تعاون روسيا مع حلف الأطلنطي حيث أن هذه الأزمة كشفت عن التغير في النظام الدولي وما ستنطوي عليه العلاقات المستقبلية من تفاعلات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
العامل الثالث : ضعف امكانات القوة :
يشير "مورجانثو Morgenthau " الى ان ضعف امكانات القوة لدى بعض الدول، تمثل بضعفها هذا للدول ذات الامكانات المتفوقة عليها من القوة وقد حدث ذلك في معظم حالات التوسع الاستعماري . وان جاذبية فراغات القوة في تحريك الدوافع الاستعمارية تعد تهديدا استعماريا للتوسع المحتمل في الكثير من الدول الاسيوية والافريقية الناشئة، حيث ان امكانات الدول من القوة تعد محدودة بالمقارنة مع غيرها لا سيما الفواعل الدوليين .غير ان "مورجانثو Morgenthau " يضع بعض التحفظات على ما تم طرحه من افكار فيما يتعلق بضعف امكانات القوة للوحدات الدولية الضعيفة او الناشئة وهي :
أ- ليس من الضروري النظر الى كل سياسة خارجية على انها تهدف دعم قوة دولة من الدول على انها تعبير عن نزعة استعمارية ، " فالإمبريالية Imperialism" هي سياسة تهدف الى تقويض دعائم الوضع القائم ، وقلب علاقات القوة القائمة بين اطرافها راسا على عقب، اما السياسات التي تنشد التعديل تاركه علاقات القوة على حاله ، فأنها لا تكون سياسات استعمارية بقدر ما هي سياسات تعمل ضمن الاطار العام للوضع الدولي القائم وغالبا ما تكون هذه السياسات مرتبطة بالدول التي تلتزم الحياد او الدول الغير قادرة على مجارات علاقات القوة بين الاطراف الدوليين، على عكس السياسة الاولى التي تهدف على قلب الوضع القائم في النسق الدولي وهذا حال معظم الدول الفاعلة لا سيما القوى الصاعدة .
ب- كما لا يشترط ان تكون كل سياسة هدفها الحفاظ على امبراطورية قائمة في النظام الدولي تكون إمبريالية الطابع، فهذه السياسة تكون اقرب الى الدفاع عن معادلات القوة والاوضاع الاقليمية السائدة منها الى محاولة تغييرها .وهي بالتالي موجهة ضمن اطار الوضع الدولي القائم .
ويحدد "مورجانثو Morgenthau " ثلاث وسائل تستخدمها الدول التي تنتهج سياسات التوسع الاستعماري في الوصول الى اهدافها وهي :
• الادوات العسكرية
• الادوات الاقتصادية
• الادوات الثقافية
• الادوات العسكرية :
ان طبيعة الدور الذي تقوم به القوة العسكرية والمهام الموكلة اليها والنتائج المترتبة على اي فعل تقوم به جعلها اكبر واضخم وسائل القوة بالنسبة للدولة، فالأدوات العسكرية هي اكثر هذه الادوات شيوعا ً ، وان الميزة الكبرى التي تكلفها اداة الغزو العسكري تنبع من حقيقية اساسية مؤداها ان العلاقات الجديدة للقوة لا تتبدل كقاعدة عامة الا نتيجة حرب جديدة تشنها الدولة او الوحدة الدولية المغلوبة بالرغم من ان الظروف تكون عادة ً ضدها . ومن ناحية ثانية فان استخدام الادوات العسكرية في الغزو يستجيب لحالة سيكولوجية اساسية ،وهي الارضاء النفسي للقائد الذي يمارس هذه الوسيلة بنجاح، وهو ما لا يمكن ان يتحقق بنفس الدرجة في ظل استخدام الادوات غير العسكرية . "فنابليون Napoleon" مثلا ً كان بإمكانه ان يفرض سيطرة بلاده على أوربا بقوة الافكار والمعتقدات التي جاءت بها الثورة الفرنسية اي بالأدوات الثقافية ، لكنه فضل استخدام الوسيلة العسكرية لإشباع الحاجة النفسية التي لا يحققها سوى زهو الانتصار وكبرياؤه.
بيد ان الدول الكبرى والمتقدمة كالولايات المتحدة الاميركية لا تقوم قراراتها على فكرة القائد ذات الشخصية التسلطية التي تؤكد السيطرة على المرؤوسين وتفرض ارادتها على الارادة السياسية ، فضلا عن عدم الاكتراث لمسالة تحقيق الذات الشخصية للقائد، لان الدول تبحث عن مصالحها الشاملة وفق استراتيجيات كبرى، لان عملية صنع القرار والسياسات العليا للدول التي تتربع النسق الدولي وتتفاعل فيما بينها ، فالقائد والمستشارين والمدراء يلعبون دورا رئيسيا في هذه العملية من ناحية، ولمساهمة القرارات المتخذة في تحقيق مهام القيادة " السياسية والعسكرية والإدارية " نحو إنجاز أهدافها المحددة من ناحية أخرى. ويشكل اتخاذ القرار المرحلة النهائية والحاسمة في عملية صنعه، إذ تمر هذه العملية بعده مراحل تنتهي باتخاذ القرار المناسب، كما أنها تخضع لتأثيرات عدة عوامل داخلية وخارجية وبدرجات مختلفة.
يعتبر القرار الاستراتيجي من أهم القرارات التي تقدم عليها الدولة لإنجاز الأهداف الرئيسية، وتشمل أكثر من إدارة في هيكلية صنع القرار، وتأخذ عدة جوانب مؤثرة ويشترك في اتخاذها القيادة العليا للدولة، ومن هذه الخطوات لصنع القرار للتوضيح : تقرير المشكلة، جمع المعلومات، الترتيب والتحليل، تحديد الوسائل، وضع قائمة بالبدائل، تقيم البدائل‘ القرار، التنفيذ، والمتابعة.
الادوات والوسائل الاقتصادية :
تعتبر الادوات الاقتصادية متراكمة مادية تتركز على اسس القوة الاقتصادية او الموارد الاقتصادية ، ولا يمكن اغفال القوة الاقتصادية في الوقت الراهن ، فبعد ان كانت السياسة تقود الاقتصاد ، اضحى الاقتصاد يقود ويحرك السياسات ، كما يشير الكثير من الباحثين على ان القوة الاقتصادية تمثل البنى التحتية لكل السياسات والمقومات للدولة وما فوقها يمثل البنى الفوقية .( )
ويعد المتغير الاقتصادي من العوامل المهمة في قوة الدولة ، ومن ثم التوازن الدولي لما لهذا العامل من تأثير على حياة الفرد والمؤسسات لا بل على الدول ذاتها ، والقوة الاقتصادية تعني نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي ، بالإضافة الى قدرة الدولة على تقديم المساعدات المادية والمعنوية لأصدقائها عندما تدعو الحاجة لذلك ، وبالتالي فان معطى القوة الاقتصادية هو قابلية وقدرة الدولة على ادامة الاقتصاد قويا في السلم والحرب على حد سواء .( )
وكما يقول الدكتور "اسماعيل صبري" مقلد بالنسبة للأدوات الاقتصادية فأنها وان كانت تؤدي الى توسيع اطار السيطرة (الامبريالية Imperialism) بنفس الدرجة التي يوفرها استخدام الادوات العسكرية ، الا ان هذا لا يعني ان فاعليتها دائما محدودة ، اذ انه في احوال معينة قد تكون للسيطرة الاستعمارية بالأدوات الاقتصادية ابعد النتائج واعمق التأثيرات. والادوات الاقتصادية في الاستعمار اقل مخاطرة من الادوات العسكرية واقل استفزازاً منها كذلك لطبيعتها غير المباشرة مما يوفر لها فرصا اطول للاستمرار على عكس ما يحدث في ظل التدخل العسكري والغزو والاحتلال المباشر .( )
والادوات الاقتصادية المؤثرة في الوحدات الدولية تأخذ اشكال متعددة في ظل اقتصاد السوق منها حرية التجارة والاستثمار والاقراض والتمويل الدولي والمساعدات والاعانات ، ولعل ابرز الادوات الدولية التي تتحكم بالاقتصادي العالمي التي تمثل الركائز الرئيسة له وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تعتبر مركز سيطرة الرأسمالية على الاطراف في العالم، وكما هو موضح في الرسم الاتي :
• الادوات والوسائل الثقافية :
اما الادوات الثقافية كما يقول "مورجانثو Morgenthau " اخبث الادوات المستخدمة في فرض السيطرة الاستعمارية واكثرها ذكاءً ، لأنها تستدف العقول والتسلط عليها وغلسها وتغذيتها بما يتوافق والغاية او الوسيلة المرجوة لهدف تلك الوحدة في التفاعلات الدولية، واتخاذها نحو تبديل علاقات القوة القائمة بين الدول، وهي من الانماط التي تعتبر مكملة للأدوات والعسكرية والاقتصادية وهذا لا يلغي اهميته في ظل ثورة المعلومات والاتصالات وسهولة وصولة المعلومة لاسيما وان الأنترنيت ومعظم وسائل المعلومات تسيطر عليها الولايات المتحدة.( )
ويضيف ايضا بان العديد من الامبراطوريات الاستعمارية التي قامت في الماضي انهارت لا لشيء الا لأنها ارتكزت على الغزو العسكرية وحده ولم تحاول التغلغل بالثقافات والافكار والمعتقدات وعقول الشعوب التي خضعت لسيطرتها بالقوة وهو امر من المؤكد كان يقوي من دعائم السيطرة التوسعية ويطيل امدها. وتعتبر الادوات الثقافية من موارد (القوة الناعمة soft power) التي تشمل الى جانب الثقافية القيم السياسية والسياسة الخارجية (عندما يراه الاخرون مشروعة وذات سلطة معنوية اخلاقية )، وقد تدل هذه العبارات بانها اقرب الى المثالية باعتبار ان"مورجانثو Morgenthau" هو الاب الروحي للمدرسة الواقعية في السياسة الدولية الاميركية التي تبتعد كثيرا عن المثالية، بيد ان الولايات المتحدة الاميركية في مطلع العقد الثاني في القرن الحادي والعشرين كثير ما اعتمدت على (القوة الناعمة soft power) سواء اكان مع القوة الصاعدة او البلدان العالم الثالث لاسيما منطقة الشرق الاوسط لتحسين الصورة من جهة وكسب القلوب من جهة اخرى .( )
فعندما تحتوي ثقافة بلد على قيم عالمية ، وتروج سياسته قيما ومصالح تشاركه فيه شعوب الدول الاخرى وتطبق على ارض الواقع ، فان امكانية حصول النتائج المرغوبة للتغير يكون عبر العلاقة التي يخلقها من الجاذبية . ونجد ان الولايات المتحدة الاميركية في العالم المعولم تستفيد من نشر ثقافتها العالمية كنهج امبراطوري نحو الهيمنة للحفاظ على الوضع القائم للنظام الدولي الذي تتربع قمته تحت نمط الاحادية القطبية .( )
فعالم اليوم يتغير بمحركاته ونوابضه واداوته وقواه والفاعلين على مسرحه ، بينما نجد ان الافكار مازالت ثابته على الاتجاهين المرسل والمستقبل لها ، فالدول الصغيرة وان كانت تحمل هوية وافكار ثابته وواضحة المعالم الان الحراك الهائل للآليات الناعمة والتسارع الفائق جعل المفكرين في سباتهم العقلي في تلك البلدان من غير وجه امام الموجة الثالثة من المعلومات فثورة المعلومات القت بضلالها على الدول وشعوبها فلم يعد للحدود والفواصل الجغرافية قدسية تذكر امام الانكشاف الاستراتيجي الشامل عبر وسائل الاعلام والانترنيت وادواته العملاقة وتكنولوجيا الفضاء من الاقمار الصناعة والطائرات المسيرة وثورة الخلايا الرمادية للصناعة الدقيقة الالكترونية التي (تبث وتستلم) (Broadcast and receive) من اي مكان وتحت اي ظرف وفي اي وقت .( )
ثالثا :سياسات المكانة في المجتمع الدولي :
قبل الدخول في تحليل سياسات المكانة في المجتمع الدولي التي حددها "مورجانثو Morgenthau " كاحد اهداف القوة ، ندخل في الجانب المفاهيمي للمكانة، ومن هنا يمكن فهم المكانة لغوياً بدلالة المنزلة التي يتحلى بها صاحب المكانة ، والمكانة جمعها مكانات وهي المنزلة ورفعة الشأن ، يقال مثلاً (أن فلان له مكانة عند قومه ) أي يتمتع بمنزلة متميزة عن بقية القوم .
أما في القرآن الكريم فقد ورد ذكر المكانة في قوله تعالى (( ولقد مكًنَهم فيما إن مَكَنكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة )) ويقال مكنه الله في الشيء ، أي بمعنى إستمكن الرجل من الشيء ، والمكانة يراد بها أيضاً المنزلة عند الملك أو صاحب النفوذ.
أما في النظام الدولي فأن مكانة الوحدة السياسية في بنيان النسق الدولي يحدد إلى حد بعيد سلوكها تجاه الوحدات الأخرى ، فالنسق الدولي يتسم بالترتيب التدريجي للوحدات السياسية ويتحدد ترتيب كل دولة في هذا النسق طبقاً لمجموعة من المؤشرات التي بمقتضاها تنقسم الدول إلى وحدات عليا ووحدات دنيا ، فإذا تصورنا أن المؤشرات التي تحدد مكانة الدولة في النسق الدولي هي : - القوة العسكرية ومستوى التصنيع والمستوى التعليمي والأصالة الحضارية ومستوى الدخل الفردي فأنه من المتصور أن تتمتع وحدة معينة بمكانة عالية بالنسبة للمؤشرات المذكورة وان تتمتع وحدة أخرى بمكانة دنيا بالنسبة لتلك المؤشرات.
وكما يلاحظ أيضاً إن المكانة ترتبط وتقترن بالقوة والهيبة ولاسيما إن القوة تنضج من خلال الحيوية الاقتصادية والنفوذ السياسي والقوة العسكرية ، وبما أن القوة قيمة نسبية فأن الدول تجري تقييماً على وضع قوتها الذاتية بمقارنته مع الوضع في الحكومات الأخرى وتستخدم القوة لتوسيع أهداف السياسة الدولية الأخرى وتحقيق الكفاية الاقتصادية ، بينما يراد بالهيبة الدولية الاحترام الذي يمنحه المجتمع الدولي للدول وترتكز على تصورات للقوة أو المنافسة أو على السمعة في احترام الاتفاقات الدولية.
وسياسات المكانة هي السياسة التي تهدف الى تعزيز مكانة الدولة في المجتمع الدولي واضفاء نوع من الهيبة عليها مما يسهل عليها تحقيق اهدافها سواء التي تمثلت في الحفاظ على الوضع الدولي القائم او التسلط .، ويشير الدكتور اسماعيل صبري مقلد بان الهدف من تطبيق سياسات المكانة هو التأثير على الدول الاخرى ، بالقوة التي تملكها الدولة بصورة فعليه ، او بالقوة التي تعتقد او تريد الاخرين ان يعتقدوا انها تملكها ) وان تنفيذ سياسات المكانة يكون على نوعين من الادوات الدبلوماسية والادوات العسكرية بمعنى القوة الناعمة والصلبة او الذكية التي تجمع بين القوتين كما اشرنا في متن البحث .
وتعتمد مكانة كل الدول على المقومات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والسياسية وكل مقوم يتفاوت مع الاخر، فضلا عن اختلاف مقوم بعينه في دولة ما عن مقوم دولة اخرى صعودا ونزولا، فضلا عن ذلك فان هناك دول تمتلك نفس مقومات القوة الا اننا نجد احدها اكثر فاعلية وتأثير، وهذا يعود الي قدرة الدولة في استثمار وتوظيف قوتها وبالتالي تأثيرها بفاعليه على الوحدات الاخرى اكثر من مثيلتها .
وللتوضيح نجد ان الولايات المتحدة الاميركية هي الاولى في المجال الاقتصادي من حيث ناتجها الاجمالي القومي الذي بلغ حسب تقديرات 2010 بنحو 14 ترليون دولار بينما الاتحاد الاوربي 6806 بليون وروسيا الاتحادية 2.376 ترليون دولار حسب تقديرات 2011 والصين 2 ترليون دولار حسب احصائية 2006، وفي لغة الارقام نلاحظ ان الولايات المتحدة الاميركية متفوقة على معظم الدول مجتمعه على الرغم من كون التحدي الاكبر للمكانة الاميركية هو التحدي الاقتصادي ، فالولايات المتحدة تسعى جاهدة مسخرة ادواتها الرأسمالية الدولية الصندوق والبنك ومنظمة التجارة العالمية لوضع الدول تحت اطار الاقتصاد العالمي الرأسمالي وعدم الخروج عليه الذي تتربعه وفق الارقام البيانية .
واذا ما تم مقارنة القوة العسكرية الاميركية فالولايات المتحدة فضلا عن امتلاكها جيش تقليدي قوامه (1.483.800) مليون جندي، فهي من الناحية النووية تعد الدولة الأولى في العالم سواء على مستوى الكم من الأسلحة أم على مستوى ما تتمتع به أسلحتها النووية من نوعية متطورة بفعل التقنية العالية المستخدمة فيها، إذ تحتفظ بأكبر عدد من الرؤوس النووية التي وصل عددها إلى حوالي 10 ألاف رأس نووي. كما تمتلك الولايات المتحدة اكبر عدد من الغواصات النووية في العالم تصل إلى 500 غواصة نووية فضلا عن امتلاكها لأكثر من 500 قاذفة استراتيجية بعيدة المدى ، اما الميزانية العسكرية للولايات المتحدة التي كانت قد بلغت 5%- 6% من إجمالي ناتجها القومي أن ميزانية وزارة الدفاع البنتاغون تساوي الميزانيات العسكرية المجتمعة للدول الـ ( 12 ) او الـ( 15 ) التي تلي الولايات المتحدة " بعبارة أخرى، ان أنفاق الولايات المتحدة العسكري يشكل( 40 ــ 50%) من الأنفاق الدفاعي في دول العالم كافة . فالدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي مجتمعة، تنفق على الدفاع نحو (170) بليون دولار سنويا، ولكن الولايات المتحدة تنفق أكثر مـــن( 400) بليون دولار بالسنة.
واما في مجال التكنولوجيا يمكن إدراك حقيقة مهمة وهي تمتع الولايات المتحدة بموقع الصدارة العالمية في امتلاك القدرات التقنية، إذ انها تُعد الدولة الأسرع في مجالي الابتكار واستغلال التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتمتلك نظاما للعلوم والتكنولوجيا والبحوث لا يضاهيه أي نظام أخر في العالم، ويقدر ما تخصصه الولايات المتحدة سنوياً للبحوث العلمية والتطور التقني مجموع ما تنفقه الدول الصناعية السبع التي تليها في الثروة. لاسيما وإنها تُنفق ما يزيد على (290) مليار دولار، هكذا فهي تمثل 40% من النفقات العالمية للبحث والتطوير ولها 50% من البراءات المودعة في العالم، وأن30% من المنشورات العلمية العالمية، أمريكية وأكثر من نصف الأقمار الصناعية، هي أمريكية(، وان 90% من الذين فازو بجائزة نوبل في الكيمياء و العلوم والاقتصاد، هم أمريكان.
ففي مجال المنتجات ذات التكنولوجيا العالية فقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول في أنتاج الالكترونيات بنسبة 40% مقابل 27% لليابان ، أما ما يخص أنتاج البرامج وتطويرها فتعد الولايات المتحدة اكبر منتج للبرمجيات للعالم إذ يتجاوز أنتاجها إلى 45% من حجم الإنتاج العالمي ، تليها الاتحاد الأوربي بنسبة 23% واليابان والهند بنسبة 18% .
إما على صعيد التكنولوجيا العسكرية فهي تمتلك مجمعا صناعيا ضخما ، إذ يعمل فيه أكثر من 30% من المهندسين في المجال التكنولوجي والمعلوماتي ، فهم يعملون على التطوير وإدخال التقنيات الالكتروني في المجال العسكري ليظهر لدينا ما يسمى بالأسلحة الذكية والأسلحة ذات التحكم من بعد والطائرات بدون طيار ، وهو ما جعلها أفضل من ناحية تقليل الخسائر البشرية من ناحية والدقة في إصابة الهدف فضلا عن القوة التدميرية إلى جانب تقليل نسبة الأنفاق.( )
كل هذه الارقام تعطي فكرة وواقع حتمي بان المكانة تعتمد على المقومات وان الولايات المتحدة الاميركية رغم الازمات الاقتصادية والتوسع المستمر بالقواعد والتدخلات الى جانب تحديات القوة الصاعدة المتمثلة بالصين والاتحاد الاوربي واليابان وروسيا الاتحادية وحتى (الهند والبرازيل ) في الاجل المتوسط فأنها ما زالت تتمتع بمكانة سياسية ونفوذ كبير في النسق الدولي وهي تحاول الحفاظ على الوضع القائم من خلال ادوات سياسات المكانة الناعمة والخشنة والذكية.
المصادر
1. احمد ثابت ، مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام العالمي : دور القوة والتوازن الدولي الجديد، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد(171)،يناير 2008.
2. احمد نوري النعيمي ، السياسة الخارجية ،الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 2009.
3. اسماعيل صبري مقلد ، نظريات السياسة الدولية دراسة تحليلية مقارنة ، منشورات ذات السلاسل ، الكويت ، 1987.
4. بشير عبد الفتاح ،تجديد الهيمنة الاميركية ، اوراق الجزيرة ،مركز الجزيرة للدراسات ، العدد 18 ، ط1، 2010
5. بول سالم ، الولايات المتحدة والعولمة : معالم الهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين ، كتاب العرب والعولمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1998.
6. بيير هاسنر وجوستان فاييس، واشنطن والعالم، معضلة القوى العظمى ، ترجمة: قاسم مقداد، قضايا راهنة (13)،الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق ، 2008.
7. جماعة من كبار اللغويين العرب ، المعجم العربي الأساسي ( لاروس ) ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1989.
8. جوزيف س ناي ، القوة الناعمة ، وسيلة للنجاح في السياسة الدولية ، ترجمة :محمد توفيق البجيرمي ،مطبعة العبيكان ، ط1 ، المملكة العربية السعودية، 2007.
9. جوزيف س ناي ، القوة الناعمة ، وسيلة للنجاح في السياسة الدولية ، ترجمة :محمد توفيق البجيرمي ،مطبعة العبيكان ، ط1 ، المملكة العربية السعودية، 2003.ش
10. خليل حسين ، النظام العالمي الجديد والمتغيرات الدولية ، دار المنهل اللبناني ، ط1 ،لبنان، 2009.
11. ديفيد جومبرت، الحرية والقوة في عصر المعلومات، في: الدور المتغير للمعلومات في الحرب، مجلة دراسات عالمية، مركز الأمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، ابو ظبي، العدد(53)، 2004 .
12. روبرت كانتور ، السياسة الدولية المعاصرة ، ترجمة : أحمد ظاهر ، مركز الكتاب الأردني، 1998.
13. زايد عبيد الله مصباح ، السياسة الدولية بين النظرية والممارسة ، دار الرواد ، طرابلس ، ليبيا ، ط1 ، 2002
14. زبيغبنو بريجنسكي ، الاختيار السيطرة على العالم ام قيادة العالم، ترجمة: عمر الايوبي ، دار الكتاب العربي ، بيروت – لبنان،2004
15. سليم كاطع علي ،مقومات القوة الامركية واثرها على النظام الدولي ، مجلة دراسات دولية ، العدد 42، ، تشرين الاول 2009.
16. عامر هاشم عواد ، التحول في العلاقات الروسية الاميركية ، المجلة العربية للعلوم السياسية ، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 26 ، ربيع 2010 .
17. علي حرب المصالح والمصائر ، صناعة الحياة المشتركة ، الدرار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف ، بيروت ط1، 2010.
18. الكسندر دوغين، اسس الجيوبولتيكا، مستقبل روسيا الجيوبولتيكي، ترجمة: عماد حاتم ، دار الكتاب الجديد المتحدة ،ط1، طرابلس – ليبيا، 2004.
19. ليليا شيفتسوفا، روسيا بوتين ، ترجمة : بسام شيحا ، الدار العربية للعلوم ، ط1 ، بيروت – لبنان ، 2006.
20. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت ، 1987
21. محمد وائل القيسي، مكانة العراق في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الخليج العربي"دراسة مستقبلية"،رسالة ماجستير"غير منشورة" كلية العلوم السياسية ،جامعة النهرين ، 2010.
22. موسوعة الويكيبيديا، على شبكة المعلومات الدولية الأنترنيت: http://ar.wikipedia.org/wiki
23. نورهان الشيخ, السياسة الروسية وحدود الدور في الشرق الأوسط, مجلة دراسات شرق أوسطية, ربيع 2007, السنة:11, العدد:39, ص:125-126، انظر ايضا : حرب القوقاز بداية أم نهاية, على شبكة المعلومات الدولية الانترنيت: http://www.arabrenewal.org/articles/187 ... OYIE1.html
24. هيرفريد مونكر، الامبراطوريات ، منطق الهيمنة العالمية من روما القديمة الى الولايات المتحدة الامريكية ، ترجمة: عدنان عباس علي ، دراسات مترجمة العدد ( 28) ، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ابو ظبي – الامارات العربية المتحدة ، 2008.
25. يامن خالد يسوف ، واقع التوازن الدولي بعد الحرب الباردة واحتمالاته المستقبلية، وزارة الثقافة ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، 2010.
26. Ross. Joel. E.1970. " Management By Information System", N. Jersey, Englewood: Gliffs, Printice- Hall, Inc.