- الاثنين ديسمبر 02, 2013 12:24 am
#67052
تشكل الهندسة السياسية أحد المواضيع الجديدة في العلوم السياسية عموما و في الدراسات السياسية المقارنة الجديدة خصوصا. فهي ترتكز على حقوق الإنسان و الديمقراطية و حرية المبادرة الفردية بشكل يتوافق مع الطبيعة العالمية و النمطية لحقوق الإنسان، و كذلك الطبيعة المنمذجة للمشاركة السياسية بشكل تخلق معها حركيات لتوافق عالمي على المستويات القيمية و المؤسساتية .
فالهندسة السياسية بتوظيفها التكاملي للمناهج الخاصة بالذكاء الاصطناعي و الأدوات التحليلية المستخدمة في العلوم المرتبطة بالإنسان و السياسة معها و كذلك استخدامها لبناءات احتمالية و استقرائية تهدف بالأساس لبناء نموذج حكم يصلح لكل المجتمعات مهما اختلفت تنمويا ، قيميا ، تاريخيا أو اجتماعيا ، فهي تسعى لتطوير نموذج تحليلي مقارن قائم على القياس و التصنيف باستخدام متغيرات كيفية ( حقوق الإنسان ) ثم تكميمها[1] .
سوف تحاول هذه الورقة الإجابة على الأسئلة التالية : ما هي الهندسة السياسية ؟ ما هي أسسها ؟ و ما هي مستوياتها التحليلية ؟
1) الهندسة السياسية: ماهيتها و أهدافها ؟
الهندسة السياسية ، مجال علمي يعرف تطورا متزايدا عبر العالم خاصة بالجامعات الانجلوسكسيونية و في بعض مؤسسات التعليم العالي الاروبية أيضا منها فتح معهد الدراسات السياسية بجامعة Aix en Provence (فرنسا) منذ سنوات قليلة لماجستير في الهندسة السياسية. فهي تقوم بالأساس على منطق تحليلي- نسقي يستخدم المساقات العالمية لحقوق الإنسان International Human Rights Regimes [2]من أجل بناء صياغات عالمية حول نظام حكم ديمقراطي مشاركاتي يضمن حركية للمشروعية بارتباطها إبتداءا بانتخابات ديمقراطية و استمرارا بوجود فعالية سياسية تتمحور حول استجابة من يحكم لأكبر قدر من المطالب و الحاجات المجتمعية بشكل عقلاني و اقتصادي ... باسم الخدمة العامة و الصالح العام المنتجين لتفاعل الايجابي بين النظام السياسي و محيطه المواطني ....[3] فالهندسة السياسية لا تهدف فقط لإنتاج الاستقرار بأية طريقة بما في ذلك العنف المشروع بل بالأساس عن طريق أداء سياسي قوامه انتفاع أكبر عدد من المواطنين بأكبر قدر من الحقوق في أطول مدة ممكنة و بأكثر و وتيرة[4] .
فبالتالي فالهندسة السياسية هو حراك فكري بنائي معرفا أساسا بحقوق الإنسان و بالحاجات و الأولويات الإنسانية.
2) حقوق الإنسان و الهندسة السياسية:
أدت الحركيات السياسية للإصلاح التي عرفتها الكتلة الاشتراكية إنطلاقا من حركة تضامن و الجمعيات الكنسية في بولندا (1980) و مرورا بتبني الإتحاد السوفياتي لسياسات الشفافية و إعادة البناء تحت رئاسة غورباتشوف إلى تفكيك البناء القيمي أولا بأوربا الوسطى و الشرقية قبل أن تنتقل عمليات كسر أحجار الدومينو إلى الاتحاد السوفياتي ذاته ... معلنة انتصار تنبؤات بريجنسكي في 1964 بنهاية الكتلة الاشتراكية باندماجها الوظيفي في الاقتصاد العالمي .. .كان هذا جوهر نظرية التوافق Convergence Theory.
فسقوط جدار برلين في نوفمبر 1989 دفع بعدد من المفكرين تحت نشوة الانتصار بالحديث عن نهاية الإيديولوجية بل و حتى التاريخ (فوكوياما ) ... و كان في هذا السياق التاريخي و السياسي ذاته الذي أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 44 بديسمبر 1989 بضرورة إعادة تقديم قراءة جديدة للصكوك الدولية حول حقوق الإنسان. فمن ثم تمت الدعوة لعقد المؤتمر العالمي الثاني حول حقوق الإنسان بعد تنظيم مؤتمرات جهوية بآسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية لتنسيق المواقف و التصورات مع تفويض لجمعيات المجتمع المدني المتخصصة في مجال حقوق الإنسان للمساهمة في تطوير هذا التصور "النيوليبرالي " المتوافق مع عالم ما بعد الحرب الباردة تاريخيا و ما بعد الاشتراكية إيديولوجيا و ما بعد الحداثة فلسفيا .
لقد أقر المؤتمر العالمي الثاني حول حقوق الإنسان و الذي أنعقد في جوان 1993 على إعلان من 39 فقرة و خطة عمل من 100 خطوة هادفة لعولمة قيمية منظمة لحقوق كان أصلها و مصدرها لقرون نسبي أو ديني أو ثقافي أو حضاري .
كما قام هذا البناء القيمي و المعياري بالربط التفاعلي بل و حتى العضوي بين هيكلة حقوقية تتميز بالعالمية ، التكامل و الإنسانية و الديمقراطية المشاركتية كنظام حكم و اقتصاد السوق الحر كنظام اقتصادي و تجاري و مالي ، و الحكم الراشد كمنطق للتسيير الشفاف و الأمين[5] ....
إن هذا المنطق القيمي – المعياري- النظامي فتح المجال لعدد من المسارات المترابطة و الهادفة لعولمة معيارية متجانسة المنطلقات و إنسانية الغايات (إشباع أكبر قدر من الحاجات الأساسية و تحقيق كرامة الإنسان ) ....
و هذا ما استدعى حوارات فكرية و محاولات تنظيرية عديدة تهدف لبناء تصورات نموذجية لخص الآليات و الأنظمة المؤسساتية القادرة بتحقيق الذات الإنسانية و المواطنية لكل فرد و مواطن عبر العالم .... باسم القيم الإنسانية و باسم الديمقراطية المشاركتية .
3) الديمقراطية المشاركاتية و الهندسة السياسية :
تشكل حقوق المشاركة السياسية المنطلق المعياري الأساسي و المحوري في الهندسة السياسية . فالمشاركة السياسية هي محدد أساسي في تعريف مستوى الاتصال التفاعلي أو التنازلي بين النظام السياسي و المواطنين من جهة ، كما يعبر أيضا على مدى التمكين الفعلي للمواطنين من الحقوق المدنية و السياسية و المترابطة بالحق في نظام سياسي منتخب و محاسب و فعال .
تعد المشاركة السياسية الحركية المؤسسة بالتالي لمنطق الحكم الديمقراطي وذلك باشتراط وجود ثلاثة أبعاد كلية للمشاركة الديمقراطية و هي :
أ) المشاركة الدائمة:
من أجل وجود تعددية حزبية تعددية و فعلية مستقلة الذمة المالية و قادرة على المبادرة القرارية ، أي أنه بإمكانها إنتاج معرضة فعلية للسلطة الحاكمة كما تشترط أيضا وجود مجتمع مدني يتعطى مجرد وجود فتيلة من المجتمعات العاجزة عن أن تكون نقطة تواصل بين الحكام و كما يجب على المجتمع المدني أن يكون أيضا مستقلا و مبادرا بتحوله إلى رأسمال اجتماعي حقيقي بالمعنى الذي طوره غرامشي أي أن تتحول هذه الجمعيات الوظيفية و الغير سياسية لفواعل اتصالية مدافعة عن مطالب و حقوق شرائح اجتماعية بعينها دون وجود أي خلفيات أو انتماءات سياسية .... الهدف الأساسي هو تحقيق الاستقرار و الرفاه المشترك في الدولة و المجتمع و ليس الوصول للسلطة أو استخدام العنف المادي أو المعنوي ... المجتمع المدني هو فاعل حركي الفعالية و مشارك أساسي في ديناميكية الحسبة الديمقراطية .
ب) المشاركة الدورية :
و التي تعني ضرورة وجود انتخابات منتظمة ( تحترم الحدود الزمنية للعهدة ) ، تعددية ( السماح بحرية ترشح المواطنين و الأحزاب ) و حرة (دون إكراه أو توجيه ) و نزيهة ( غياب أي تلاعب بالقوائم الانتخابية ، بحيثيات العملية الانتخابية و بنتائج الانتخابات ) فهذه الشروط هي المؤسسة في النهاية المطاف للطبيعة الديمقراطية للانتخابات .[6]
ج) المشاركة التمثيلية :
و التي تعني وجوب تمكين رقابة المواطنين للحاكم عن طريق ممثلين منتخبين بالسلطة التشريعية من أجل ترشيد العملية السياسية بما يحقق أكبر قدر من الاستجابة الايجابية لحاجات و مطالب المجتمع .
فالمشاركة السياسية بالتالي هي الشرط و الحركية المؤسسة لنظام قوامه المواطنة الفعالية و الحسبة.[7]
4)- المنطق العملياتي للهندسة السياسية :
تقوم الهندسة السياسية على منطق حركي –تكاملي – تفاعلي و عقلاني و ذلك بتبني منطق جامع بين التأسيس المرجعي (دستور و قوانين ) ، التأسيس بالمشروعية (الانتخابات ) و التأسيس بالفعالية الديمقراطية (المؤسسات )[8]. فالهندسة السياسية ، إذن ليست مجرد عمليات تجميلية أو تكيفية بل هي عمليات لبناء توافقي مع منطق عولمة حقوق الإنسان و الديمقراطية المشاركاتية ، فمن ثم فالهندسة السياسية كمنطق بنائي ،تقوم على 04 عمليات متكاملة :
ا)الهندسة الدستورية :
و التي تقتضي بالأساس إدراج غير انتقائي لحقوق الإنسان و المواطن في هذا النص المرجعي مع وضع الضمانات الكفيلة بحمايتها و ترتيبها بشكل يحقق التمكين الدستوري و الانتفاع المضامني للإنسان دونما تجزئة أو إنتقاء أو استثناء فالدستور هو المرجع و الضابط لكل العمليات السياسية و القانونية .
ب)الهندسة القانونية :
و تعني بناء هيكلة قانونية محققة لمبدأ التساوي في الفرص بين المواطنين مهما اختلفت أعرافهم ، ثقافتهم ، لغتهم ، جنسهم أو دينهم . فبناء مجموعة قوانين عضوية لضمان الحسبة و المحاسبة هي أحد الشروط و الضمانات الأساسية في منطق الهندسة السياسية.
ج) الهندسة الانتخابية :
و التي تقتضي إبتداءا السماح لمن يتمتع بحقوقه المدنية و السياسية بالانتخاب أو الترشح في استحقاقات تعددية و حرة و نزيهة و منتظمة دونما تضييق للحريات أو تزوير أو تلاعب كما أنها تقتضي هندسة ديمقراطية القواعد الانتخابية من تبني النظام الانتخابي المناسب لطبيعة المجتمع ( متجانس أو متنوع ) وطبيعة الدولة ( دولة وحدوية ، دولة فيدرالية ) و كذلك طبيعة الكثافة السكانية من حيث العدد (صعوبة التمثيل النسبي العددي ) أو من حيث التوزيع (ضرورة خلق عدالة بين التمثيل من حيث الكثافة السكانية و من حيث شساعة الرقعة الجغرافية ) و من ثمة وجب احترام شروط المساواة في الفرص و في الصوت و لكن أيضا إدماج شروط الهوية الوطنية و الحاجات الإدارية و التسيرية للدولة ( تقريب الإدارة من المواطنين ) [9].
د) الهندسة المؤسساتية :
و تعني بناء تصور وظيفي لهيكلة مؤسسات تنفيذية تؤمن بالعقلانية الايجابية المختزلة
للزمن و المقتصدة للمال و الحاكمة بمنطق شرعية القانون و استقلال القضاء ، ومنطق حرمة التمثيل الديمقراطي و الرقابة النيابية على السلطة التنفيذية و منطق الحسبة الديمقراطية للسلطة التنفيذية باسم الفعالية المرتبطة بتحقيق الوعود الانتخابية دونما تقصير أو تلفيق أو نفاق .
و من هنا يظهر أن المنطق العملياتي للهندسة السياسية قائم إبتداءا على حقوق الإنسان و هادف في النهاية إلى إشباع حاجات الإنسان من أمن ورفاه و كرامة في ظل غياب اللاعدالة و التعسف .
فالهندسة السياسية بتوظيفها التكاملي للمناهج الخاصة بالذكاء الاصطناعي و الأدوات التحليلية المستخدمة في العلوم المرتبطة بالإنسان و السياسة معها و كذلك استخدامها لبناءات احتمالية و استقرائية تهدف بالأساس لبناء نموذج حكم يصلح لكل المجتمعات مهما اختلفت تنمويا ، قيميا ، تاريخيا أو اجتماعيا ، فهي تسعى لتطوير نموذج تحليلي مقارن قائم على القياس و التصنيف باستخدام متغيرات كيفية ( حقوق الإنسان ) ثم تكميمها[1] .
سوف تحاول هذه الورقة الإجابة على الأسئلة التالية : ما هي الهندسة السياسية ؟ ما هي أسسها ؟ و ما هي مستوياتها التحليلية ؟
1) الهندسة السياسية: ماهيتها و أهدافها ؟
الهندسة السياسية ، مجال علمي يعرف تطورا متزايدا عبر العالم خاصة بالجامعات الانجلوسكسيونية و في بعض مؤسسات التعليم العالي الاروبية أيضا منها فتح معهد الدراسات السياسية بجامعة Aix en Provence (فرنسا) منذ سنوات قليلة لماجستير في الهندسة السياسية. فهي تقوم بالأساس على منطق تحليلي- نسقي يستخدم المساقات العالمية لحقوق الإنسان International Human Rights Regimes [2]من أجل بناء صياغات عالمية حول نظام حكم ديمقراطي مشاركاتي يضمن حركية للمشروعية بارتباطها إبتداءا بانتخابات ديمقراطية و استمرارا بوجود فعالية سياسية تتمحور حول استجابة من يحكم لأكبر قدر من المطالب و الحاجات المجتمعية بشكل عقلاني و اقتصادي ... باسم الخدمة العامة و الصالح العام المنتجين لتفاعل الايجابي بين النظام السياسي و محيطه المواطني ....[3] فالهندسة السياسية لا تهدف فقط لإنتاج الاستقرار بأية طريقة بما في ذلك العنف المشروع بل بالأساس عن طريق أداء سياسي قوامه انتفاع أكبر عدد من المواطنين بأكبر قدر من الحقوق في أطول مدة ممكنة و بأكثر و وتيرة[4] .
فبالتالي فالهندسة السياسية هو حراك فكري بنائي معرفا أساسا بحقوق الإنسان و بالحاجات و الأولويات الإنسانية.
2) حقوق الإنسان و الهندسة السياسية:
أدت الحركيات السياسية للإصلاح التي عرفتها الكتلة الاشتراكية إنطلاقا من حركة تضامن و الجمعيات الكنسية في بولندا (1980) و مرورا بتبني الإتحاد السوفياتي لسياسات الشفافية و إعادة البناء تحت رئاسة غورباتشوف إلى تفكيك البناء القيمي أولا بأوربا الوسطى و الشرقية قبل أن تنتقل عمليات كسر أحجار الدومينو إلى الاتحاد السوفياتي ذاته ... معلنة انتصار تنبؤات بريجنسكي في 1964 بنهاية الكتلة الاشتراكية باندماجها الوظيفي في الاقتصاد العالمي .. .كان هذا جوهر نظرية التوافق Convergence Theory.
فسقوط جدار برلين في نوفمبر 1989 دفع بعدد من المفكرين تحت نشوة الانتصار بالحديث عن نهاية الإيديولوجية بل و حتى التاريخ (فوكوياما ) ... و كان في هذا السياق التاريخي و السياسي ذاته الذي أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 44 بديسمبر 1989 بضرورة إعادة تقديم قراءة جديدة للصكوك الدولية حول حقوق الإنسان. فمن ثم تمت الدعوة لعقد المؤتمر العالمي الثاني حول حقوق الإنسان بعد تنظيم مؤتمرات جهوية بآسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية لتنسيق المواقف و التصورات مع تفويض لجمعيات المجتمع المدني المتخصصة في مجال حقوق الإنسان للمساهمة في تطوير هذا التصور "النيوليبرالي " المتوافق مع عالم ما بعد الحرب الباردة تاريخيا و ما بعد الاشتراكية إيديولوجيا و ما بعد الحداثة فلسفيا .
لقد أقر المؤتمر العالمي الثاني حول حقوق الإنسان و الذي أنعقد في جوان 1993 على إعلان من 39 فقرة و خطة عمل من 100 خطوة هادفة لعولمة قيمية منظمة لحقوق كان أصلها و مصدرها لقرون نسبي أو ديني أو ثقافي أو حضاري .
كما قام هذا البناء القيمي و المعياري بالربط التفاعلي بل و حتى العضوي بين هيكلة حقوقية تتميز بالعالمية ، التكامل و الإنسانية و الديمقراطية المشاركتية كنظام حكم و اقتصاد السوق الحر كنظام اقتصادي و تجاري و مالي ، و الحكم الراشد كمنطق للتسيير الشفاف و الأمين[5] ....
إن هذا المنطق القيمي – المعياري- النظامي فتح المجال لعدد من المسارات المترابطة و الهادفة لعولمة معيارية متجانسة المنطلقات و إنسانية الغايات (إشباع أكبر قدر من الحاجات الأساسية و تحقيق كرامة الإنسان ) ....
و هذا ما استدعى حوارات فكرية و محاولات تنظيرية عديدة تهدف لبناء تصورات نموذجية لخص الآليات و الأنظمة المؤسساتية القادرة بتحقيق الذات الإنسانية و المواطنية لكل فرد و مواطن عبر العالم .... باسم القيم الإنسانية و باسم الديمقراطية المشاركتية .
3) الديمقراطية المشاركاتية و الهندسة السياسية :
تشكل حقوق المشاركة السياسية المنطلق المعياري الأساسي و المحوري في الهندسة السياسية . فالمشاركة السياسية هي محدد أساسي في تعريف مستوى الاتصال التفاعلي أو التنازلي بين النظام السياسي و المواطنين من جهة ، كما يعبر أيضا على مدى التمكين الفعلي للمواطنين من الحقوق المدنية و السياسية و المترابطة بالحق في نظام سياسي منتخب و محاسب و فعال .
تعد المشاركة السياسية الحركية المؤسسة بالتالي لمنطق الحكم الديمقراطي وذلك باشتراط وجود ثلاثة أبعاد كلية للمشاركة الديمقراطية و هي :
أ) المشاركة الدائمة:
من أجل وجود تعددية حزبية تعددية و فعلية مستقلة الذمة المالية و قادرة على المبادرة القرارية ، أي أنه بإمكانها إنتاج معرضة فعلية للسلطة الحاكمة كما تشترط أيضا وجود مجتمع مدني يتعطى مجرد وجود فتيلة من المجتمعات العاجزة عن أن تكون نقطة تواصل بين الحكام و كما يجب على المجتمع المدني أن يكون أيضا مستقلا و مبادرا بتحوله إلى رأسمال اجتماعي حقيقي بالمعنى الذي طوره غرامشي أي أن تتحول هذه الجمعيات الوظيفية و الغير سياسية لفواعل اتصالية مدافعة عن مطالب و حقوق شرائح اجتماعية بعينها دون وجود أي خلفيات أو انتماءات سياسية .... الهدف الأساسي هو تحقيق الاستقرار و الرفاه المشترك في الدولة و المجتمع و ليس الوصول للسلطة أو استخدام العنف المادي أو المعنوي ... المجتمع المدني هو فاعل حركي الفعالية و مشارك أساسي في ديناميكية الحسبة الديمقراطية .
ب) المشاركة الدورية :
و التي تعني ضرورة وجود انتخابات منتظمة ( تحترم الحدود الزمنية للعهدة ) ، تعددية ( السماح بحرية ترشح المواطنين و الأحزاب ) و حرة (دون إكراه أو توجيه ) و نزيهة ( غياب أي تلاعب بالقوائم الانتخابية ، بحيثيات العملية الانتخابية و بنتائج الانتخابات ) فهذه الشروط هي المؤسسة في النهاية المطاف للطبيعة الديمقراطية للانتخابات .[6]
ج) المشاركة التمثيلية :
و التي تعني وجوب تمكين رقابة المواطنين للحاكم عن طريق ممثلين منتخبين بالسلطة التشريعية من أجل ترشيد العملية السياسية بما يحقق أكبر قدر من الاستجابة الايجابية لحاجات و مطالب المجتمع .
فالمشاركة السياسية بالتالي هي الشرط و الحركية المؤسسة لنظام قوامه المواطنة الفعالية و الحسبة.[7]
4)- المنطق العملياتي للهندسة السياسية :
تقوم الهندسة السياسية على منطق حركي –تكاملي – تفاعلي و عقلاني و ذلك بتبني منطق جامع بين التأسيس المرجعي (دستور و قوانين ) ، التأسيس بالمشروعية (الانتخابات ) و التأسيس بالفعالية الديمقراطية (المؤسسات )[8]. فالهندسة السياسية ، إذن ليست مجرد عمليات تجميلية أو تكيفية بل هي عمليات لبناء توافقي مع منطق عولمة حقوق الإنسان و الديمقراطية المشاركاتية ، فمن ثم فالهندسة السياسية كمنطق بنائي ،تقوم على 04 عمليات متكاملة :
ا)الهندسة الدستورية :
و التي تقتضي بالأساس إدراج غير انتقائي لحقوق الإنسان و المواطن في هذا النص المرجعي مع وضع الضمانات الكفيلة بحمايتها و ترتيبها بشكل يحقق التمكين الدستوري و الانتفاع المضامني للإنسان دونما تجزئة أو إنتقاء أو استثناء فالدستور هو المرجع و الضابط لكل العمليات السياسية و القانونية .
ب)الهندسة القانونية :
و تعني بناء هيكلة قانونية محققة لمبدأ التساوي في الفرص بين المواطنين مهما اختلفت أعرافهم ، ثقافتهم ، لغتهم ، جنسهم أو دينهم . فبناء مجموعة قوانين عضوية لضمان الحسبة و المحاسبة هي أحد الشروط و الضمانات الأساسية في منطق الهندسة السياسية.
ج) الهندسة الانتخابية :
و التي تقتضي إبتداءا السماح لمن يتمتع بحقوقه المدنية و السياسية بالانتخاب أو الترشح في استحقاقات تعددية و حرة و نزيهة و منتظمة دونما تضييق للحريات أو تزوير أو تلاعب كما أنها تقتضي هندسة ديمقراطية القواعد الانتخابية من تبني النظام الانتخابي المناسب لطبيعة المجتمع ( متجانس أو متنوع ) وطبيعة الدولة ( دولة وحدوية ، دولة فيدرالية ) و كذلك طبيعة الكثافة السكانية من حيث العدد (صعوبة التمثيل النسبي العددي ) أو من حيث التوزيع (ضرورة خلق عدالة بين التمثيل من حيث الكثافة السكانية و من حيث شساعة الرقعة الجغرافية ) و من ثمة وجب احترام شروط المساواة في الفرص و في الصوت و لكن أيضا إدماج شروط الهوية الوطنية و الحاجات الإدارية و التسيرية للدولة ( تقريب الإدارة من المواطنين ) [9].
د) الهندسة المؤسساتية :
و تعني بناء تصور وظيفي لهيكلة مؤسسات تنفيذية تؤمن بالعقلانية الايجابية المختزلة
للزمن و المقتصدة للمال و الحاكمة بمنطق شرعية القانون و استقلال القضاء ، ومنطق حرمة التمثيل الديمقراطي و الرقابة النيابية على السلطة التنفيذية و منطق الحسبة الديمقراطية للسلطة التنفيذية باسم الفعالية المرتبطة بتحقيق الوعود الانتخابية دونما تقصير أو تلفيق أو نفاق .
و من هنا يظهر أن المنطق العملياتي للهندسة السياسية قائم إبتداءا على حقوق الإنسان و هادف في النهاية إلى إشباع حاجات الإنسان من أمن ورفاه و كرامة في ظل غياب اللاعدالة و التعسف .