منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#67243
نيلسون مانديلا مناضل سياسي وأول رئيس لجنوب أفريقيا ..


إن الشئ الوحيد الذي منحه إياي والدي بخلاف الحياة,والبنية القوية,والصلة الوثيقة بعائلة ثمبو الملكية هو: دولي هلاهلا ,إسمي عند الميلاد.والمعنى الحرفي لإسمي هو"نزع فرع الشجرة"ولكن معناه الدارج هو "المشاغب".ورغم أنني لا أومن بأن الأسماء تصنع قدر الإنسان , لكن في السنوات التي تلت صار الأصدقاء والأقرباء يعزون الزوابع التي سببتها وواجهتها لإسمي,ولم أكتسب إسمي الإنجليزي المعروف حتى يوم إلتحقت بالمدرسة.

فقد ولدت في الثامن عشر من شهر يوليو عام 1918 في مفيزو,وهي قرية ضئيلة في إقليم أومتاتا....وكانت سنة مولدي قد وافقت نهاية الحرب العالمية .وإنتشار وباء الإنفلونزا في العالم, وزيارة وفد المؤتمر القومي الإفريقي فرساي لكي يعبر عن معاناة الأفارقة في جنوب إفريقيا.وعلى أي حال فإن مفيزو لبقعة صغيرة منعزلة عن عالم الأحداث حيث كان نمط الحياة قد إستمر لمئات السنين.

ويقع إقليم الترانسكي على مسافة 800ميل إلى الشرق من كيب تاون وخمسين ميلا \غلى الجنوب من جوهانسبرج, ويحده نهر كي وحدود الناتال, ومن الشمال جبال داركنسبرج, ومن الشرق المحيط الهندي

.
وترانسكي بلاد جميلة ذات جبال و أودية حصينة وآلاف من الأنهار والجداول التي تبقي على إخضرار الأرض . وكان الترانسكي أحد أكبر الأقسام الإقليمية في جنوب إفريقيا ,مساحته تساوي مساحة سويسرا و تعداد سكانه حوالي الثلاثة ملايين ونصف من قبائل الإكسهوسا مع أقلية ضئيلة من قبيلة الباستوس والبيض. وهو موطن شعب الثيمبو أحد أفرع الإكسهوسا الذين أنتمي لهم.
وكان والدي رئيسا بالنسب وطبقا للتقاليد فقد عمده ملك قبيلة الثيمبو رئيسا لمفيزو, وصدقت الحكومة على إختياره في ظل الحكم البريطاني.وكان له-كرئيس معين من قبل الحكومة-راتبا كما كانت له نسبة من الرسوم التي تفرضها الحكومة لتطعيم المواشي.
وتنتسب الثيمبو من عشرين جيلا إلى الملك زويدي , وطبقا للتراث فقد عاش الثيمبو على سفوح جبال دراكنسبرج, وهاجروا بإتجاه الشاطئ في القرن السادس عشر حيث إمتزجوا بالإكسهوسا.أما الإكسهوسا فهم جزء منشعب النجوني الذي عاش منذ القرن الحادي عشر على الأقل على القنص وصيد السمك في الإقليم الجنوبي الشرقي الغني المعتدل من جنوب إفريقيا , بين الهضبة الكبيرة الواقعة إلى الشمال, والمحيط الهندي إلى الجنوب.ويمكن تقسيم النجوني إلى مجموعة شمالية وهم الزولو والسوازي , ومجموعة جنوبية التي تتكون من القبائل التي تتكون منها أمة الإكسهوسا.
وشعب الإكسهوسا ذو كبرياء, ونسب أبوي, ولغة معبرة عذبة, ةعقيدة ثابتة في أهمية القانون والتعليم والكياسة.


ماديبا....رمز الإحترام

وكان مجتمع الإكسهوسا تنظيما إجتماعيا متوازنا يعرف فيه كل فرد مكانه,وينتمي كل إكسهوسا إلى عشيرة تتبع نسبها إلى سلف معين.أما أنا فأحد أعضاء عشيرة الماديبا التي سميت على إسم رئيس من الثيمبو حكم في ترانسكي في القرن الثامن عشر.وأحيانا كثيرة ألقب بماديبا كدليل الإحترام

وكان نجو بنجكوكا أحد أعظم الملوك الذي وحد الثيمبو وتوفى عام 1832,لديه طبقا للعرف زوجات ينتمين إلى البيوت الملكية الرئيسيةوهي:البيت العظيم:حيث ينتقى وريث العرش, وبيت اليمين , وبيت أقل أهمية يدعى الإكسهيبا ويشار إليه أحيانا ببيت اليسار.وكانت مهمة أبناء بيت الإكسهيبا أن يحكموا في المنازعات الملكية. وكان من بين أبناء البيت العظيم نجانجيلزوي ومانتانزيما .أما ساباتا الذي حكم الثيمبو منذ عام 1954 فقد كان حفيد نجانجيلزوي وإبنا أكبر لماتانزيما الرئيس السابق لترانسكي, وقد كان ايضا إبن أخي طبقا للقانون والعرفالذي هو من سلالة ماتانزيما.وكان الإبن الأكبر لبيت إكسهيبا هو سيماكادي الذي كان أخيه الأصغر مانديلا جدي.


ورغم توارد قصص على مدى عقدين من الزمن عن كوني سليلا لعرش ثيمبو فإن النسب الذي ذكرته يدحض تلك الأسطورة.فرغم كوني أحد أعضاء البيت الملكي فلم أكن ضمن القلة المدربة للحكم.ولكن كسليل لبيت إكسهيبا فقد دربت كأبي على إسداء المشورة لحكام العشيرة.

وكان والدي رجلا اسمرا طويلا ذا قوام مستقيم مهيب قد ورثته عنه.وكان سلوكه صارما لا يتورع عن إستعمال العصافي تربية أبنائه,كما كان عنيدا للغاية وتلك صفة قد أكون أيضا قد ورثتها.وأحيانا كان يشار لوالدي على أنه رئيس وزراء ثيمبو لاند,أثناء حكم والد ساباتا الذي حكم في أوائل القرن,وكذلك في عهد إبنه الذي خلفه,لكن مسمى هذا اللقب غير صحيح رغم أن دوره كان لايختلف عن مهام تلك الوظيفة,فقد كان يرافقهما في اسفارهما ويحضر معهما الإجتماعات الهامة مع مسئولي الحكومة.كما كان والدي قيما معترفا به على تاريخالإكسهوسا , وكان هذا اصل إهتمامي انا بالتاريخ, ذلك الإهتمام الذي كان يشجعه والدي.ورغم جهل والدي بالقراءة والكتابة فقد كان خطيبا ممتازا يستحوذ على إهتمام الجماهير.


وفيما بعد إكتشفت أن والدي كان أيضا صانعا للملوك فقد توفى والد ساباتا وهو طفل وعند إستشارة والدي أوصى بإختيار وصي للعرش الذي سيكون قدوة للأمير الصغير.

وثار جدل حول شخص الوصيلكن في النهاية أخذ الثيمبو والبريطانيون بإختيار والدي.وحينما حان الوقت رد الوصي جو تجينتابا الجميل بطريقة لم تخطر ببال والدي آنذاك.

وكان لوالدي أربع زوجات ثالثتهم هي أمي نوز\كيني\فاني من عشيرة من عشائر الإكسهوسا.وكانت لكل من تلك الزوجات :الزوجة العظمى والزوجة اليمنى (والدتي)والزوجة اليسرى وزوجة بيت الدعم وحدتها السكنية.
وتتألف من مكان للسكنى وحظيرة فسيحة وقطعة أرض لزراعة المحاصيل وكوخ له سقف من القش, وكانت تفصل بين كل تلك الوحدات أميال ,وكان والدي يسافر بينها.وفي أثناء تلك السفريات صار لأبي ثلاثة عشر من الأولاد,أربعة من الذكور وتسع من الإناث.أما أنا فالإبن الأكبر لزوجة البيت الأيمن و أصغر أبناء أبي ولي ثلاثة شقيقات , وفيما عداي فجميع أبناء أبي في عداد الموتى الآن , وكان جميعهم أكبر مني سنا ومرتبة.

وحينما كنت طفلا صغيرا دخل ابي في جدل نتج عنه حرمانه من الرئاسة في مفيزو.كان والدي متمردا عنيدا ذا إصرار على العدالة , وإحساس بها , وقد ورثت ذلك عنه.

فقد كان عليه كرئيس أن يقدم تقريرا عن عمله لملك الثيمبو وللقاضي الأبيض. وذات يوم قدم أحد رعايا والدي شكوى ضده بسبب ثور كان قد شرد من صاحبه.وارسل القاضي رسالة لوالدي يأمره فيها بالمثول أمامه, وأرسل له والدي ردا مفاده أنه لن يحضر لأنه مازال يستعد.وفي تلك الأيام لم يكن لفرد أن يعصي امرا لممثل حكومة البيض وإعتبر تصرف والدي غاية في الغطرسة.

لكن رد والدي كان يعبر عن عقيدته بأن ليس لقاضي الحكومة سلطة قانونية عليه.فإنه لم يكن يستعين بالقوانين الإنجليزية في تصريف شئون القبيلة . ولم يكن ذلك التحدي نوبة غضب ولكنه كان مسالة مبدأ.

وحين تلقى القاضي رد والدي إتهمه فورا بالعصيان ولم يجر إستجوابا أو تحقيقا فقد كان ذلك حقا للموظفين البيض فقط.وقام القاضي بعزل والدي ببساطة وانهى بذلك حكم عائلة مانديلا.

ولم أكن وقتها أدري بتلك الأحداث ولكني تأثرت بها, فقد فقد والدي الذي كان يعد من النبلاء بمقاييس ذلك الزمن,ثروته ولقبه

فقد حرم من معظم قطعانه وارضه ومن ريعها. ونتيجة لعسر ظروفنا فقد رحلت أمي إلى قونو, وهي قرية أكبر قليلا إلى الشمال من مفيزو , حيث حظيت بدعم الأقارب والأصدقاء. وفي تلك القرية قرب أومتاتا قضيت أيام صباي ,ومن هناك يمكنني إستعادة أولى ذكرياتي.