- الأربعاء فبراير 27, 2008 7:29 pm
#83
منذ بداية الحرب على العراق، ما فتئ المسؤولون في الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم وزير الدفاع رامسفليد يلوحون بأن سوريا ستدفع ثمن مساعداتها للعراق.
وذهب وزير الخارجية كولن باول إلى حد تهديد دمشق ما لم تمتنع عن فتح حدودها أمام المتطوعين العرب.
أعرب مسؤولون لبنانيون لسويس أنفو عن قلقهم من احتمال حدوث "انعكاسات أمنية" على لبنان من جراء الأزمة السورية – الأمريكية الراهنة.
جاء ذلك، ردا على سؤال حول الأبعاد الحقيقية للحادثين الأمنيين اللذين وقعا مؤخرا في شرق العاصمة اللبنانية بيروت (المنطقة المسيحية) حين انفجرت عبوة في مطعم للوجبات الأمريكية السريعة، فيما عثر على سيارة ملغومة في منطقة نهر الموت على بعد 10 كيلومترات من بيروت.
وأشار المسؤولون إلى أنهم يرصدون الآن كل ما يصدر من إشارات عن الولايات المتحدة حيال سوريا، لمحاولة التكهن بما يمكن أن يحدث على "الساحة اللبنانية". وأضافوا أن أكثر ما أثار قلقهم، كان تلميح وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الأسبوع الماضي، بأن واشنطن لا تزال تعتبر الوجود العسكري السوري في لبنان "احتلالا"، وهو أمر قد يكون إشارة إلى قوى المعارضة المسيحية كي تستأنف حملتها على سوريا داخل لبنان وخارجه.
توتر سوري
هذا التوتر اللبناني يقابله توتر سوري مواز، إذ يقول سياسي لبناني بارز التقى الرئيس السوري بشار الأسد عشية الحرب الأمريكية على العراق، أن هذا الأخير بدا مطمئنا إلى وضعية سوريا في حمأة الأعاصير الإقليمية – الدولية الراهنة.
بيد أن هذا الاطمئنان انقلب إلى ضده فور بدء الحرب للأسباب الآتية:
1. تزايد الإشارات الصادرة عن الولايات المتحدة، والتي توحي بأن سوريا (وليبيا) لا إيران أو كوريا الشمالية، ستكون التالية على اللائحة الأمريكية للدول المرشحة لتغيير الأنظمة فيها. ويورد السوريون هنا تقارير عدة لمؤسسة بروكينغز الأمريكية البارزة، والتي تؤكد أن سوريا ستكون الهدف التالي لأنها "الحلقة الأضعف" بين الدول المستهدفة.
2. تؤكد دمشق من أن الولايات المتحدة لا تنوي منحها أي دور في عراق ما بعد صدام، وان النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط سيضعها خارج منطقة الدول النافذة في المنطقة، وهي إسرائيل وتركيا والأردن والعراق ما بعد صدام.
3. وأخيرا، رصد الأجهزة السورية لتحركات "غير طبيعية" للقوى اللبنانية المعارضة لها، والقريبة من أمريكا في كل من واشنطن وباريس، إضافة إلى بيروت.
كل هذه العوامل دفعت سوريا إلى القيام بمغامرة محسوبة بالتنسيق مع إيران. فهي عمدت، حسب مزاعم واشنطن، إلى فتح حدودها أمام تدفق بعض أنواع الأسلحة إلى العراق، كما سمحت لآلاف المتطوعين العرب بالعبور إلى بلاد الرافدين للمشاركة في الحرب.
والرسالة التي أرادت سوريا بعثها إلى الولايات المتحدة من خلال ذلك كانت الآتية: نحن عنصر استقرار في الشرق الأوسط. لكننا قد لا نبقى كذلك ما لم نحصل على ضمانات (وليس فقط تطمينات) منكم حول نظامنا ودرونا الإقليمي المستقبلي.
والمثير هنا، أن إيران كانت بعثت برسالة ضمنية مماثلة عبر الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. ففي خطبة الجمعة الماضية، حمل هذا الأخير بشدة على الحرب الأمريكية على العراق معلنا بصراحة أن إيران لا تريد أن تخرج الولايات المتحدة منتصرة فيها. لكنه في الوقت ذاته، أبدى استعداده لإجراء مفاوضات معها لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.
ومع هذين الموقفين السوري والإيراني، تتبدى حدود المناورات الدبلوماسية الكبرى التي تجري على هامش الحرب العراقية: استفزاز أمريكا بدون إغضابها واللعب معها على حافة الهاوية لجرها إلى التفاوض الثنائي.
هل ستنجح؟
لكن هل ستنجح هذه المناورات؟ بدا من ردود الفعل الأمريكية، وخاصة تلك التي أطلقها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، أن الولايات المتحدة ليست في وارد تقديم أي شيء الآن، لا لسوريا ولا لإيران ولا لغيرهما.
فالزمن الآن زمن حرب، وواشنطن لا تزال تأمل برغم بعض النكسات التي أصيبت بها في الحرب أن تحقق انتصارا سريعا. وإذا ما تحقق لها ذلك، فإنها ستكون قادرة على رد كل المناورات إلى أصحابها بالبريد السريع. أما إذا ما تعثرت مجريات الحرب أو طالت أكثر مما يجب، فستكون واشنطن مضطرة لاسترضاء سوريا وإيران.
وهذا ما تراهن عليه الآن دمشق وطهران، وما تأملانه أيضا، إذ أنه سيكون الطريقة الوحيدة لحمل واشنطن على إبعاد سيف الحروب الاستباقية عن رأسيهما.
أما بالنسبة للبنان، فليس عليه إلا أن يصلي (ويصلي كثيرا في الواقع) بأن تتوصل سوريا وأمريكا إلى حل ما، قبل أن يبدأ في تسديد الفواتير ودفع الثمن!
سعد محيو - بيروت
وذهب وزير الخارجية كولن باول إلى حد تهديد دمشق ما لم تمتنع عن فتح حدودها أمام المتطوعين العرب.
أعرب مسؤولون لبنانيون لسويس أنفو عن قلقهم من احتمال حدوث "انعكاسات أمنية" على لبنان من جراء الأزمة السورية – الأمريكية الراهنة.
جاء ذلك، ردا على سؤال حول الأبعاد الحقيقية للحادثين الأمنيين اللذين وقعا مؤخرا في شرق العاصمة اللبنانية بيروت (المنطقة المسيحية) حين انفجرت عبوة في مطعم للوجبات الأمريكية السريعة، فيما عثر على سيارة ملغومة في منطقة نهر الموت على بعد 10 كيلومترات من بيروت.
وأشار المسؤولون إلى أنهم يرصدون الآن كل ما يصدر من إشارات عن الولايات المتحدة حيال سوريا، لمحاولة التكهن بما يمكن أن يحدث على "الساحة اللبنانية". وأضافوا أن أكثر ما أثار قلقهم، كان تلميح وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الأسبوع الماضي، بأن واشنطن لا تزال تعتبر الوجود العسكري السوري في لبنان "احتلالا"، وهو أمر قد يكون إشارة إلى قوى المعارضة المسيحية كي تستأنف حملتها على سوريا داخل لبنان وخارجه.
توتر سوري
هذا التوتر اللبناني يقابله توتر سوري مواز، إذ يقول سياسي لبناني بارز التقى الرئيس السوري بشار الأسد عشية الحرب الأمريكية على العراق، أن هذا الأخير بدا مطمئنا إلى وضعية سوريا في حمأة الأعاصير الإقليمية – الدولية الراهنة.
بيد أن هذا الاطمئنان انقلب إلى ضده فور بدء الحرب للأسباب الآتية:
1. تزايد الإشارات الصادرة عن الولايات المتحدة، والتي توحي بأن سوريا (وليبيا) لا إيران أو كوريا الشمالية، ستكون التالية على اللائحة الأمريكية للدول المرشحة لتغيير الأنظمة فيها. ويورد السوريون هنا تقارير عدة لمؤسسة بروكينغز الأمريكية البارزة، والتي تؤكد أن سوريا ستكون الهدف التالي لأنها "الحلقة الأضعف" بين الدول المستهدفة.
2. تؤكد دمشق من أن الولايات المتحدة لا تنوي منحها أي دور في عراق ما بعد صدام، وان النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط سيضعها خارج منطقة الدول النافذة في المنطقة، وهي إسرائيل وتركيا والأردن والعراق ما بعد صدام.
3. وأخيرا، رصد الأجهزة السورية لتحركات "غير طبيعية" للقوى اللبنانية المعارضة لها، والقريبة من أمريكا في كل من واشنطن وباريس، إضافة إلى بيروت.
كل هذه العوامل دفعت سوريا إلى القيام بمغامرة محسوبة بالتنسيق مع إيران. فهي عمدت، حسب مزاعم واشنطن، إلى فتح حدودها أمام تدفق بعض أنواع الأسلحة إلى العراق، كما سمحت لآلاف المتطوعين العرب بالعبور إلى بلاد الرافدين للمشاركة في الحرب.
والرسالة التي أرادت سوريا بعثها إلى الولايات المتحدة من خلال ذلك كانت الآتية: نحن عنصر استقرار في الشرق الأوسط. لكننا قد لا نبقى كذلك ما لم نحصل على ضمانات (وليس فقط تطمينات) منكم حول نظامنا ودرونا الإقليمي المستقبلي.
والمثير هنا، أن إيران كانت بعثت برسالة ضمنية مماثلة عبر الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. ففي خطبة الجمعة الماضية، حمل هذا الأخير بشدة على الحرب الأمريكية على العراق معلنا بصراحة أن إيران لا تريد أن تخرج الولايات المتحدة منتصرة فيها. لكنه في الوقت ذاته، أبدى استعداده لإجراء مفاوضات معها لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.
ومع هذين الموقفين السوري والإيراني، تتبدى حدود المناورات الدبلوماسية الكبرى التي تجري على هامش الحرب العراقية: استفزاز أمريكا بدون إغضابها واللعب معها على حافة الهاوية لجرها إلى التفاوض الثنائي.
هل ستنجح؟
لكن هل ستنجح هذه المناورات؟ بدا من ردود الفعل الأمريكية، وخاصة تلك التي أطلقها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، أن الولايات المتحدة ليست في وارد تقديم أي شيء الآن، لا لسوريا ولا لإيران ولا لغيرهما.
فالزمن الآن زمن حرب، وواشنطن لا تزال تأمل برغم بعض النكسات التي أصيبت بها في الحرب أن تحقق انتصارا سريعا. وإذا ما تحقق لها ذلك، فإنها ستكون قادرة على رد كل المناورات إلى أصحابها بالبريد السريع. أما إذا ما تعثرت مجريات الحرب أو طالت أكثر مما يجب، فستكون واشنطن مضطرة لاسترضاء سوريا وإيران.
وهذا ما تراهن عليه الآن دمشق وطهران، وما تأملانه أيضا، إذ أنه سيكون الطريقة الوحيدة لحمل واشنطن على إبعاد سيف الحروب الاستباقية عن رأسيهما.
أما بالنسبة للبنان، فليس عليه إلا أن يصلي (ويصلي كثيرا في الواقع) بأن تتوصل سوريا وأمريكا إلى حل ما، قبل أن يبدأ في تسديد الفواتير ودفع الثمن!
سعد محيو - بيروت