منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#19507

المداراة و التلطف بالآخرين

في مجتمع يدين في شتى نواحي الحياة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي بسماحته يتماشى مع مستجدات العصر وفي زمن توسع فيه المجتمع الإنساني وازدادت وسائل اتصال أفراده حتى أضحى العالم كله مثل القرية الواحدة. لابد من تسليط الضوء على بعض نواحي المعاملات الاجتماعية في هذا الكيان المتشعب الذي ارتبط أفراده بمجموعة كبيرة من الأخلاق والسلوكيات والمبادىء التي تنظم العلاقة بينهم وأن توزن بميزان إسلامي واع .

" وقد يلتبس المقصود من المداراة على الكثير من الناس حيث يتداخل مع عدد كبير من المفاهيم بعضها إيجابي والآخر عكس ذلك وأزال هذا في اللغة وفي الاصطلاح على حد سواء ولب التعاريف يشير إلى أن المداراة في حسن الخلق والمعاشرة مع الناس تعني: (خفض الجناح ولين الكلمات وترك الإغلاظ في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة) فهي من خصال المؤمنين المندوب إليها خاصة حين يداري المؤمن الجاهل في التعالم والفاسق في النهي. وتختلف عن المداهنة المحرمة شرعاً في أن الثانية تعني: (السكوت على المنكر حفظاً لجانب مرتكبه أو لقلة مبالاة في الدين )
قال زهير :
ومن لم يصانع في أمور كثيرة *** يُضرَّس بأنياب ويوطأ بِمَنْسِم
والقرآن الكريم الذي رسم طريق السعادة للبشرية في العبادة والمعاملات جاء في أساليبه ما يتطلب الجدل بالتي هي أحسن لتأليف القلوب ودرء الشرور كموقف إبراهيم الخليل مع النمرود في قوله تعالى: ﴿ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ﴾
يقول الحسن البصري رحمه الله ( إن الناس كانوا يقولون إن المداراة مع الناس هي نصف العقل ، وأنا أرى أن المداراة هي العقل كله )
وقال أبو يوسف رحمة الله عليه ( خمسة يجب عليك أن تداريهم ) لابد أن تتلطف معهم بأي حال من الأحوال ( خمسة يجب عليك أن تداريهم الملك المُسَّلط والقاضي المتأول والمرأة والمريض والعالم الذي يقتبس منه علمه )
يقول أحد الشعراء :
لما عفوت ولم أحقد على أحد *** أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته *** لأدفع الشر عني بالتحيات
ومن فوائد المداراة:
1)الراحة في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة
2) يتقي بها المداري شر الناس
(3يحتاج إليها مع الأصدقاء والأعداء
(4 أنها دليل كمال العقل وحسن الخلق

أما عندما نلقي النظر على المجتمع البشري عامة وما يتصارع فيه من أديان ومعتقدات شتى نجد أن الإسلام أباح للمؤمن أن يداري الكافر في أوضاع معينة يقول المؤلف: "وإذا تعرض المؤمن إلى ما يهدد وجوده على الأرض بسبب معتقده ووقع في قبضة عدوه الذي ساومه بين الكفر أو الاستئصال وهو قادر فإن المداراة من المؤمن لمثل هذه الطاغية في مثل هذا الموقف لا تطعن في صحة إيمانه" كما فعل عمار بن ياسر رضي الله عنه مع المشركين وأقر الرسول صلى الله عليه وسلم موقفه.ومن أمثلة المداراة ، مداراة الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته و أصحابة
عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: " بئس أخو العشيرة وبئس بن العشيرة ". فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( يا عائشة متى عهدتني فحاشا إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ))
وقد تنبّه الغرب لمثل هذه المهارة فألف (ديل كارنيجي) كتابه الشهير «كيف تكسب الناس؟» وألف بعده (مورييل سولومتون) كتابه «العمل مع أصعب الناس»، ثم ألف (جيمس فان فليت) كتابه «للنجاح مع الناس»، وهذه المؤلفات كلها تتحدث عن خلق المداراة ولكن بأشكال وأساليب متنوعة، وكلها ألفت في الخمسين سنة الماضية، بينما ألف (ابن ابي الدنيا) المتوفى عام 281 هــ كتابه الشهير «مداراة الناس» ومن ينظر إلى محتواه يجد أنه كتاب متميزّ في طرحه وقد دخل مؤلفه في تفاصيل المداراة.
إن المداراة من المداري صدقة له ، وإن المداهنة من المداهن خطيئة عليه ، والفرق بينهما أن المداراة أن تبذل شيئاً من دنياك من أجل صلاح دينك ، بينما المداهنة أن تبذل جزءاً من دينك من أجل دنياك ، الأولى مندوبة ، والثانية محرمة .
يقول الماوردي رحمه الله تعالى : إذا كان للإنسان عدو ، وقد استحكمت شحناؤه واستوعرت سراؤه ، واستخشنت ضراؤه ، فهو يتربص بدوائر السوء ، وانتهاز فرصة ، ويتجرع بمهانة العجز مرارة غصة ، فإذا ظفر بنائبة ساعدها ، وإذا شاهد نعمة عاندها ، فالبعد عن هذا حذراً أسلم ، لكف عنه متاركة أغنم ، لأنه لا يسلم من عواقب شره ، ولا يفلت من غوائل مكره إلا بالبعد عنه أو مداراته ،
ومن الأحاديث الشريفة المتعلقة بالمدارة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( مداراة الناس صدقة ))
بل إن المداراة قد تبلغ إلى إطفاء العداوة, وقلبها إلى صداقة، فما أحوج المرء إلى هذه الخصلة الحميدة، خصوصاّ مع من لابد له من معاشرته، أو ممن يتوقع الأذى منه.
قال ابن الحنفية: (( ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بداّ حتى يأتيه الله منه بالفرج أو المخرج))
" إنّ ثوبك الثمين إذا تفتق.. خطته من جديد حتى لا يتمزّق، لأنّه غال وعزيز عليك.. سيارتك الغالية إذا عطلت صلّحتها لأنّها كلّفتك مالاً كثيراً ، أخوك أثمن من ثوبك وسيارتك.. أصلحه بالمداراة.
القاعدة الذهبية تقول: «ارحم.. تُرحم»!
كان النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول، بل ويتعامل أيضاً بما يقول:
(مَن لا يرحم مَن في الأرض لا يرحمه مَن في السماء).. رحمة برحمة أوسع منها.. فالله تعالى يرحم من عباده الرحماء.. بل رحمته وسعت كلّ شيء وكلّ الناس: البرّ والفاجر..
ومن جميل ما عُبِّر عنه في ذلك، قول الشاعر:
ارحم أخي عبادَ الله كلَّهم***وانظر إليهم بعينِ العطفِ والشفقة
وقِّر كبيرَهم وارحم صغيرَهم***وراع في كلّ خلق وجهَ من خلَقه!
لأنّنا أمهلنا قاعدة: العطف على الصغير واحترام الكبير.. نشبت العداوات بيننا!
إن المداراة في الأمور الدنيوية يؤجر عليها الإنسان ، أما ما يتعلق بأمور الآخرة ، بأمور الدين فإنه لا يجوز للمسلم أن يتلطف فيها ، إلا إذا أراد أن يتمهل مع هذا الرجل حتى يرده عن منكره ، وإلا فإن التلطف مع الآخرين فيما يتعلق بأمور الدين والسكوت عما هم عليه من الذنوب هذه هي المداهنة وأما المداراة فإنها تخرج الإنسان المذنب من ذنبه إلى أن يسلك طريق الطاعة ،
اعلمي أختي في الله أن الجمال الحقيقي هو جمال الأخلاق والأدب، فأفٍ ثم تفٍ لجمال اللباس والشكل مع قلة الحياء والتكشف والعري وضياع القيم والمبادئ،

مررت على المروءة وهي تبكي *** فقلت علاما تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي *** جميعا دون خلق الله ماتوا

أيها الإخوة ، إن الله جعل للإنسان عورتين، عورة الجسم وعورة النفس، وجعل للأولى سترا هو اللباس، وللثانية سترا هو الأخلاق ونبه على الأهم وهو الثاني لأن لباس الإنسان لا يغني عن أخلاقه ألبّته فقال عز وجل: ﴿يا بني آدم إنا أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير﴾
، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مراجع المقاله ،
أولاً : الكتب
المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس ، د. محمد بن سعد بن عبدالرحمن
العنف والسلام ، منتدى الشباب
ثانياً : المواقع والمنتديات
منتديات المعالي الإسلامية
موقع الشيخ زيد بن مسفر البحري ،

#19521
ما أحوجنا إلى هذه الكلمات الطيبة وتذكر تلك الأخلاقيات السمحة في هذا العالم المادي ، شكرا نصرة وفي انتظار مزيدك.
#19623
وسوم // ~ نورتِ والله ، شكرا لردك الجميل =)

إيمان //~ أهلا وسهلا بك شكرا لردك =)
ك
دكتور أحمد // ~ حضورك شرف كبير لي ، شكرا لتلك الكلمات ، وبإذن الله سترى مشاركاتي قريبا عبر هذا المنتدى الرائع =)