منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

By نوره العميره
#26990

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :

فإن موضوع "الليبرالية" له أهمية كبيرة في الدراسات الفلسفية والواقعية من جهتين :
الأولى : الغموض الذي يحيط بالمصطلح في نفسه وعدم تصور الكثير لدلالته ومفهومه .
الثانية : تأثر كثير من أبناء المسلمين به , وكثرة الكلام حوله بعلم وبدون علم في أحيان كثيرة .
وقد كان جيل النهضة – كما يسمونه – ممن شارك في دعوة المسلمين إليه ونصحهم به, وصوَّر أن نهضة الغرب وقوة حضارته المادية كانت بسبب اعتناق هذا المذهب الفلسفي , فكثر المطبلون له من كافة أطياف المجتمع .
وما هذه المعاناة التي نعاني منها في البلاد الإسلامية مثل القوانين الوضعيَّة , والفساد الأخلاقي , وانتشار الإلحاد , وترويج مذاهب الكافرين إلا إفرازا لهذا المذهب الفاسد .
وربما تميَّز هذا المذهب عن غيره في قربه من التطبيق العملي , وكونه سيال يحمل مذاهب متعددة مع بقائه على وصفه كمذهب فكري
وبعد سقوط الشيوعية كآيديولوجية كانت تهدد الفكر الليبرالي الغربي اغتر الغربيون كثيرا بمبدأ ( الليبرالية ) وصاروا يبشرون به في كل محفل ويزعمون أنه هو خيار الإنسانية الوحيد فوظفوا طاقاتهم الفكرية والإعلامية بدعم سياسي واقتصادي رهيب لنقل هذا النور !! الى الإنسانية كلها .
ولعل أبرز نتاج فكري يدل على الغرور الكبير بهذا المبدأ عند الغربيين كتاب (نهاية التاريخ ) لمؤلفه فرانسيس فوكوياما وهو أمريكي الجنسية ياباني الأصل , وقد ظهر فيه بوضوح مدى الغرور الكبير بهذا المنهج ( الليبرالية ) حيث اعتبرها فوكوياما نهاية التاريخ الإنساني وليس الأمريكي فحسب .
ولقد أستغل الغربيون الليبراليون الإمكانيات الكبيرة المتاحة لديهم لنقل هذا المذهب إلى أقصى الدنيا وصناعة الحياة الإنسانية على أسسه ومبادئه عن طريق القوة السياسية والإقتصادية وتوظيف وسائل الإتصالات التي تمكنهم من مخاطبة كل الناس وفي كل الأرض .
ولعل من أبرز نتائج الليبرالية في مجال الإقتصاد (العولمة ) وما تحمله من مضامين فكرية وقيم أخلاقية وأنماط حضارية وهي تحمل الرغبة الغربية في السيطرة في كل اتجاه : الحربي والسياسي والقيمي والحضاري والإقتصادي .
فضلا عما تحمله من الدمار للإنسانية في معاشها الدنيوي وقد ظهرت آثار الرأسمالية في الحياة الغربية قبل مرحلة العولمة التي هي تعميم للرأسمالية على العالم كله .
مما جعل البعض يعتبر القرن الحادي والعشرين هو قرن المفكر الشيوعي (كارل ماركس ) لما يرى من تكدس الثروة بيد طبقة من الناس وانتشار الفقر والعوز في الناس و أخذ الأموال من البشر بأي طريق ، والتفنن في احتكار السلع الضرورية وتجويع البشر وإذلالهم باسم الحرية الإقتصادية .
لقد أصبح من الواضح الجلي تأثير العالم الغربي في الحياة الإنسانية في كافة المجالات , ونحن المسلمين جزء من هذا العالم الذي يتلقى التأثير من الغرب في كل وقت , بل ربما نكون نحن معنيين بهذا التأثير أكثر من غيرنا لأننا – مع ضعفننا وهواننا على الناس – أمة منافسة في قوة الدين الذي نحمله وهذا ما جعل هنتجتون في مقاله (صراع الحضارات ) ير شح المسلمين للصراع في المرحلة الحالية والقادمة كبديل للشيوعية بعد سقوطها أكثر من الجنس الأصفر ( الصين واليابان ودول شرق وجنوب آسيا ) لأن الدين الذي يحمله المسلمون فيه من عوامل البقاء والقدرة على الصراع وإمكان التفوق والصعود مرة أخرى ما يلاحظه أي مراقب في الحركة التاريخية والمسيرة الواقعية له.
والدعوة الإسلامية إذا استطاعت أن تواجه المشكلات الداخلية فيها - مثل التفرق والفوضوية و مخالفة الهدي النبوي وغيرها – فان أكبر ما يواجهها هو التيار الليبرالي في البلاد الإسلامية .
ولهذا كان من الضروري دراسة الفكر الليبرالي ومعرفة حقيقته وأبعاده لمعرفة كيفية التعامل معه وإدارة المعركة معه بنجاح , فكانت هذه الدراسة المختصرة التي تؤدي جزءا من المطلوب , وأتمنى من الأخوة القراء التواصل معي فيما يفيد في خروج البحث في صورته القادمة ولكل من أهدى لي ملاحظة أو تصحيح أو فائدة أو توثيق الشكر والدعاء بالأجر والثواب .

مفهوم الليبرالية :

الليبرالية (LIBERALISME) كلمة ليست عربية، وترجمتها الحرية، جاء في الموسوعة الميسرة:

"الليبرالية: مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي".

ولها تعريفات مرتكزها: الاستقلالية، ومعناها: التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي، سواء كان دولة أم جماعة أم فردا، ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاق والانفلات نحو الحريات بكل صورها:

مادية، سياسية، نفسية، ميتافيزيقية (عَقَدِيّة).

وقد عرف (جان جاك روسو) الحرية الخُلقية ـ كما يسميها ـ فقال:

"الحرية الحقة هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا".

فهي – بحسب هذا المفهوم - عملية انكفاء على الداخل (النفس)، وعملية انفتاح تجاه القوانين التي تشرعها النفس.. فالانكفاء على الداخل تمرد وهروب من كل ما هو خارجي، والانفتاح طاعة القوانين التي تشرعها النفس من الداخل.

ويمكن أن تمثل بالمعادلة التالية:

الليبرالية = انكفاء على النفس (استقلالية) + انفتاح على قوانين النفس (انفلات مطلق).

وجاء في الموسوعة الفلسفية العربية تحت مادة (الليبرالية) ما يلي:

"جوهر الليبرالية التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد".

"الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه: تسلط الدولة(الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة(الاستبداد الاجتماعي)".

ويمكن صياغة ذلك بالمعادلة التالية:

جوهر الليبرالية = التركيز على أهمية الفرد + التحرر من كل سلطة خارجية.

ويحسن أن ننبه إلى أن الليبرالية كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع لم تتبلور على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الأساسي.

ففي الجانب السياسي يعتبر (جون لوك) ـ 1632-1704م ـ أهم وأول الفلاسفة إسهاما.

وفي الجانب الاقتصادي (آدم سميث) ـ 1723-1790م.

وكذلك كان لكل من (جان جاك روسو) ـ 1712-1778م ـ و(جون ستيوارت مل) ـ 180-1873م ـ إسهامات واضحة.

وقد تقدم أن الليبرالي مذهب قضيته الإنسان، وعلى ذلك فكل المذاهب التي اختصت بهذا القضية كان لها إسهام واضح في تقرير مبادئ الليبرالية:

- فالعلمانية تعني فصل الدين عن السياسة، كما تعني فصل الدين عن النشاط البشري بعامة، وعلى مثل هذا المبدأ يقوم المذهب الليبرالي في كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والفكرية، بل لاتكون الدولة ليبرالية إلا حيث تكون العلمانية، ولاتكون علمانية إلا حيث تكون الليبرالية.

- والعقلانية تعني الاستغناء عن كل مصدر في الوصول إلى الحقيقة، إلا عن العقل الإنساني، وإخضاع كل شيء لحكم العقل، لإثباته أو نفيه، أو معرفة خصائصه ومنافعه، والعقل المحكّم هنا هو عقل الإنسان، وهكذا تقوم الليبرالية على مبدأ أن العقل الإنساني بلغ من النضج العقلي قدرا يؤهله أن يرعى مصالحه ونشاطاته الدنيوية، دون وصاية خارجية!!

- والإنسانية تؤمن بالدفاع عن حرية الفرد، والثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وتقرر التمرد على سلطان الكنيسة.

- والنفعية تجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياسا للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق السعادة لأكبر عدد من الناس.

وهكذا فكل هذه المذاهب وغيرها كان لها نصيب في صياغة المذهب الليبرالي، وهذه نتيجة طبيعية لمشكلة كان يعانيها كل المفكرين على اختلاف توجهاتهم، هي: انتهاك حقوق الإنسان في أوروبا.
...................
نوره العـــميره