بسم الله الرحمن الرحيم
لم يهدأ العالم من الأزمة المالية في سبتمبر 2008 والّتي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وامتدت لباقي الدول حتى الآن، إذ أن دولاً كثيرة تساقطت الواحدة تلو الأخرى جراء تأثرها بهذه الأزمة.. وها هي اليونان تعيش أسوأ أزمة اقتصادية طوال تاريخها مما دعا بالحكومة لإعلان حالة التقشف، على الرغم من الموقف الأوروبي الداعي لمساعدتها وإخراجها من أزمتها.
ومما يدل على فجاعة الأزمة اليونانية، والتي ربما تستمرُّ لسنوات؛ التصريح الذي خرج به الرئيس الأمريكي باراك أوباما بقوله: "أنا قلق جدًّا حيال ما يجري في اليونان".
وأيضًا ما يدل على فجاعتها ما سببته هذه الأزمة اليونانية في استمرار انخفاض أسعار الأسهم في الأسواق الأوروبية والأمريكية بشكلٍ حاد، بسبب المخاوف من انهيار اقتصاد اليونان واستمرار الاضطرابات والاحتجاجات، والّتي سعت الحكومة للخروج من تلك المصيبة، حتى صادق البرلمان على خطة التقشف بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ودول منطقة اليورو، بقيمة ١١٠ مليارات يورو خلال ٣ سنوات، لإنقاذها من الإفلاس.
ازمة اليونان تهدد أوروبا
لم تكن خطة التقشف الّتي وضعتها الحكومة بداية للاطمئنان في الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام، والاقتصاديات الأوروبية بشكلٍ خاص، حيث حذَّر عدد من الخبراء الاقتصاديين الألمان من انهيار العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، بعد سقوط أوروبا في أزمة الديون، والمترتبة على الأزمة اليونانية، وتزايدت المخاوف من خسارة سريعة للعملة الأوروبية وانهيار قيمتها.
بل طالبت صحف أوروبية باتخاذ خطوات أساسية لمواجهة ديون دول أوروبا، وذلك بعدما أُشيع عن احتمال تعرض البرتغال وأسبانيا لأزمة مالية مشابهة لليونان، وأصبحت أوروبا يساورها الرعب في تعاملاتها وتداولاتها الاقتصادية، ليبقى العالم مقهورًا اقتصاديًّا في ظل الأزمات المتلاحقة.
ومما يكشف عن المخاوف الأوروبية من أزمة اليونان، ما طلبه وزير مالية النمسا "يوسف برول" في تصريحات له؛ بضرورة فرض عقوبات صارمة على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الّتي تعاني ميزانياتها من ديون كبيرة، قائلاً: "نحن في حاجة ماسَّة إلى سد الثغرات في الاتحاد الأوروبي". معربًا عن غضبِه الشديد من الحكومات اليونانية المتعاقبة وتهاونها في حلّ أزمة ديون البلاد.
وكذلك تهديد الأزمة اليونانية بالانتقال إلى دول أوروبية أخرى، لذلك تشعر أسواق المال بالقلق من حجم العجز في ميزانيات دول عدة في منطقة اليورو، التي تساهلتْ في حساباتها في السنوات الأخيرة لمواجهة الانكماش العالمي، حيث استهدفت الأسواق عدة دول مثل أسبانيا والبرتغال وإيطاليا ثم انتقلت العدوى إلى بورصات العالم بأسره.
ويقول خبير الاقتصاد الأمريكي نورييل روبيني ـ الذي توقع انفجار الأزمة المالية العالمية ـ: إنّ أزمة اليونان قد تدق أسواق الائتمان العالمية وتؤخر التعافي الاقتصادي في العالم، وتؤدي إلى انهيار الاتحاد النقدي الأوروبي، وإنّ ما حدث في الأشهر القليلة السابقة هو أول اختبار للسوق الأوروبية وللعملة التي تستخدمها 16 دولة في القارة، ولم يستبعد انهيار الوحدة النقدية الأوروبية بسبب الأزمة.
إلا أنّه أصبح هناك صراع بين محاولة أوروبا لإنقاذ اليونان، والدعوات التي ترفض تقديم المساعدة لأثينا، حيث أَعْلن عددٌ من أساتذة الجامعات في ألمانيا اعتزامهم رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية في (كارلسروه) جنوب ألمانيا؛ وذلك لمنع تنفيذ قرارات الحكومة، والخاصة بمنح اليونان مساعدات مالية ضخمة في حال أقرَّها البرلمان، بعد أن قرَّرت ألمانيا تقديم المساعدات المالية لليونان لإنقاذها من الإفلاس، وذلك بتقديم قروض إجمالية بقيمة 22 مليار و4 ملايين يورو (حوالي 28 مليار دولار) وهي قيمة المساهمة الألمانية على مدى 3 سنوات في حزمة المساعدات المقدَّمة لليونان.
الموقف الأمريكي
وكان موقف الولايات المتحدة مشابهًا لدول أوروبا بشأن أزمة اليونان، وقال الرئيس باراك أوباما في مقابلة مع محطة التليفزيون الروسية "روسيا": "أنا قلق جدًّا حيال ما يجري في أوروبا، ولكن أعتقد أن الأوروبيين أدركوا أن الأمر خطير جدًّا واليونان تتخذ إجراءات صعبة جدًّا، على كل حال لقد وضعوا خطة تدعو إلى اتخاذ إجراءات صعبة، وفي استطاعتنا تأمين استقرار الوضع في أوروبا، فإنّ الأمر يكون جيدًا بالنسبة للولايات المتحدة، وسيكون جيدًا أيضًا لروسيا". مشيرًا إلى أن الأزمة اليونانية وتأثيرها على الأسواق العالمية تشكل "تهديدات جدية" للولايات المتحدة.
بتلك الكلمات عبَّر أوباما عن حقيقة الخوف الأمريكي من استمرار تداعيات الأزمة المالية على اقتصاد بلاده متمثلة الآن في أزمة ديون اليونان، ولم تكن المخاوف الأمريكية تقتصر على الموقف الحكومي، بل تعدَّت إلى كبار المستثمرين في أقوى اقتصاد في العالم، حيث أكَّد المستثمرُ والملياردير الأمريكي جورج سوروس أنّ مستقبل منطقة اليورو سيظلُّ محلّ شكوك حتى لو حصلت الدول الأعضاء، التي تعاني أزمات مالية وفي مقدمتها اليونان، على مساعدات، حيث أنّه في غياب المؤسسات اللازمة تطرح تساؤلات مهمة عن كيفية التعامل مع الأزمات القادمة.
وفي مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أشار سوروس إلى اختلالات في بناء منطقة اليورو, ورأى أن عملةً موحدًة تامة الشروط تتطلب بنكًا مركزيًّا وسلطة مالية مشتركة، تتولى استقطاع ضريبة الأفراد في دول المنطقة، ورأى أن نجاة اليونان -التي تجاوزت ديونها أربعمائة مليار دولار ويبلغ العجز في موازنتها حاليا 12.7%- من الأزمة الراهنة سيترك مستقبل المنطقة محلّ تساؤل.