- السبت أكتوبر 30, 2010 2:41 pm
#29150
يشكل هذا المقال قراءة مختصرة لدراسة مطولة تحت عنوان "الديمقراطية والإصلاح السياسي - مراجعة عامة للأدبيات"، للأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية/ جامعة قاريونس، د. محمد زاهي بشير المغيربي
وهي دراسة ترمى ، أساسا، إلى استعراض الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع والمداخل النظرية التي وظفتها والتفسيرات التي قدمتها، بإعتيار أن أدبيات الديمقراطية والإصلاح السياسي متشبعة ومتنوعة وتغطي مواضيع وقضايا متباينة يجدر التوقف معها وإستقصاء مدلولاتها السياسية والوظيفية في السياق الذي ترد فيه.
يستعرض الباحث عدة ملاحظات جوهرية حول مسارات تطوير الديموقراطية وآليات ترسيخها في العديد من العالم، وذلك بالإمركز التجارب الإصلاحية و التنمية.موريتانياستعانة بشواهد من أساتذة وباحثين خبراء في الميدان إذ يرصد موجة دمقرطة بدأت تجتاح أفريقيا في أواخر
الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي نجح بعضها في تحقيق نتائج لا بأس بها وفشل البعض وبقي الآخر ثابتا في مكانه لكن الملفت للنظر أنه لاحظ أن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والمنطقة العربية
خصوصا، كانت الأقل تأثراً بهذه الموجة...
أثار هذا التباين في عمليات التحول الديمقراطي مجموعة من التساؤلات حول العوامل والأسباب التي تجعل هذه العملية أكثر انتشاراً في بلدان وأقاليم معينة، وأقل انتشاراً في بلدان وأقاليم أخرى. للإجابة على هذه التساؤلات تم طرح مجموعة من المداخل النظرية التي حاول الباحث فيها تقديم تفسيرات لأنماط التحول الديمقراطي، وعوامل وأسباب التماثل والتباين في عمليات الدمقرطة في مختلف البلدان والأقاليم.
تمحوت الدراسة حول المواضيع التالية :
1. بعض المداخل النظرية التي حاولت أن تقدم تفسيرات لعمليات الانتقال الديمقراطي.
2. العوامل والتغيرات المؤثرة في عملية الدمقرطة.
3. الأنماط والأشكال المختلفة لعمليات التحول الديمقراطي.
4. العوامل والمتغيرات المؤثرة في عملية ترسيخ الديمقراطية.
لقد اتضح من خلال العديد من الدراسات التي أجريت في مجال الدبموقراطية / التنمية ، التأثير الإيجابي للديمقراطية على التنمية الاقتصادية، فلقد أشار جروسمان ونوح (Grossman and Noh 1988) إلى أن وجود نظام ديمقراطي يضمن خضوع الحاكمين للمساءلة أمام المحكومين مما يحفزهم على تخصيص الموارد بكفاءة وفعالية لضمان استمراريتهم في الحكم. وفي إطار مشابه بين روبرت داهل في فترة مبكرة (Dahl.1971.) أن الديمقراطية تضمن قيام الحكام بتوظيف الموارد بالطريقة التي تحقق النمو والإنتاج الأمثل.ويرى اولسون (Olson, 1991) أن النظام الديمقراطي يُلزم الحكام بتجنب السعي نحو تحقيق مصالح ذاتية أنانية ويفرض عليهم وضع السياسات العامة التي تحقق وتخدم المصلحة العامة ضمانا لاستمرار التأييد والقبول الشعبي.
إلا أن الخبير الإقتصادي" بهالا"(Bhala, 1994) ذهب أبعد من ذلك وقام بتقديم مدخل مختلف حول العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية. فهو يرى أن الديمقراطية شكل من أشكال الحكم يرتبط ارتباطا قويا بمفهوم الحرية، وقام باختبار العلاقة بين التنمية الاقتصادية والحرية بجانبيها (السياسي والاقتصادي) بدلا من اختبار العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. ويرى بهالا أنه نظراً لأن الدراسات السابقة لم تقم بعماوال تأثير الحرية الاقتصادية فإنها لم تقم بتقدير العلاقة بين التنمية الاقتصادية والحرية السياسية بصورة مناسبة.
من ناحية أخرى، أشار بهالا إلى احتمالية الارتباط المتزامن بين التنمية الاقتصادية وبين الحرية، فلقد افترض أن الحرية تفضي إلى تنمية اقتصادية أكبر والتي تؤدي بالتالي إلى المزيد من الحرية، ولقد مثل هذه العلاقة المتزامنة بنماذج رياضية وتوصل إلى أنه بغض النظر عن كيفية قياس الحرية وبغض النظر عن كيفية تعريف النمو، فإن هناك علاقة إيجابية وقوية بين الاثنين .
1.مســــــــــــــار الدمقرطة:
حدد روستو، استناداً على تحليل تاريخي مقارن لتركيا والسويد، مساراً عاما تتبعه كل البلدان خلال عملية الدمقرطة، ويتكون هذا المسار من أربعة مراحل أساسية:
أولاً: مرحلة تحقيق الوحدة الوطنية، والتي تشكل خلفية الأوضاع ، ولا يعني روستو بتحقيق الوحدة الوطنية توافر الاجماع والاتفاق العام، بل مجرد بدء تشكل هوية سياسية مشتركة لدى الغالبية العظمى من المواطنين.
ثانياً: يمر المجتمع القومي بمرحلة إعدادية تتميز بصراعات سياسية طويلة وغير حاسمة، على شاكلة الصراع الناجم عن تزايد أهمية نخبة صناعية جديدة خلال عملية التصنيع تطالب بدور وموقع مؤثر في المجتمع السياسي في مواجهة النخب التقليدية المسيطرة التي تحاول المحافظة على الوضع القائم. ورغم اختلاف التفاصيل التاريخية لحالات الصراع من بلد لآخر، فإن هناك دائماً صراعاً رئيساً وحاداً بين جماعات متنازعة. أي أن الديمقراطية تولد من رحم الصراع، بل وحتى العنف، وليست نتاجاً لتطور سلمي. وهذا ما يفسر إمكانية هشاشة الديمقراطية في المراحل الأولى، وعدم استطاعة العديد من البلدان تجاوز المرحلة الإعدادية إلى مرحلة الانتقال والتحول المبدئية. قد يكون الصراع حاداً بالدرجة التي تؤدي إلى تمزيق الوحدة الوطنية، أو أن يؤدي إلى تزايد قوة إحدى الجماعات بالدرجة التي تمكنها من التغلب على قوى المعارضة وإنهاء الصراع السياسي لصالحها وسد الطريق أمام التحول الديمقراطي.
ثالثاً: تبدأ عملية الانتقال والتحول المبدئي في المرحلة الثالثة وهي مرحلة القرار ، وهي لحظة تاريخية تقرر فيها أطراف الصراع السياسي غير المحسوم التوصل إلى تسويات وتبني قواعد ديمقراطية تمنح الجميع حق المشاركة في المجتمع السياسي.
رابعاً: تأتي عملية الانتقال والتحول الثانية خلال المرحلة الرابعة، مرحلة التعود . يرى روستو أن قرار تبني القواعد الديمقراطية خلال "اللحظة التاريخية" قد يكون قراراً ناتجاً عن إحساس أطراف الصراع غير المحسوم بضرورة التوصل إلى تسويات وحلول وسط، وليس ناتجاً عن قناعة ورغبة هذه الأطراف في تبني القواعد الديمقراطية. بيد أنه، وبصورة تدريجية ومع مرور الوقت، تتعود الأطراف المختلفة على هذه القواعد وتتكيف معها. قد يقبل الجيل الأول من أطراف الصراع القواعد الديمقراطية عن مضض وبحكم الضرورة، إلا أن الأجيال الجديدة من النخب السياسية تصبح أكثر تعوداً وقناعة وإيماناً بالقواعد الديمقراطية. وفي هذه الحالة يمكن القول إن الديمقراطية قد ترسخت في المجتمع السياسي.
2. العوامل المؤثرة في عملية الدمقرطة:
على الرغم من أن كل مدخل من المداخل الثلاثة يستند على عدد متباين من العوامل المترابطة لتفسير حدوث عملية الدمقرطة في بعض البلدان وعدم حدوثها في بلدان أخرى، فإن المداخل الثلاثة تتفق في تحديد مجموعة من العوامل التفسيرية المشتركة، ولو بطرق مختلفة:
1. التنمية الاقتصادية
تشير مختلف تفسيرات الدمقرطة إلى التنمية الاقتصادية باعتبارها عاملاً تفسيرياً مهماً. بالنسبة لكل من ليبست ودايموند وغيرهما ممن يعملون ضمن إطار المدخل التحديثي، فإن الارتباطات بين التنمية الاقتصادية وعملية التحول الديمقراطي مهمة جداً. ويرى مور وروشماير وغيرهم أن التنمية الاقتصادية، والتي هي تنمية رأسمالية أساساً، تشكل بصورة جوهرية المسار التاريخي الذي تتخذه البلدان المختلفة تجاه الديمقراطية الليبرالية أو تجاه أي شكل سياسي آخر. أما من وجهة نظر روستو وآدونيل ولينز وغيرهم ممن يفسرون الدمقرطة ضمن إطار العمليات الانتقالية، فإن التنمية الاقتصادية تمثل الدافع لتحركات النخب المتنافسة لصياغة تسويات ديمقراطية. كذلك، فإن المداخل الثلاثة تقر بأن الأزمات الاقتصادية، على شاكلة ما حدث في أوربا في فترة ما بين الحربين العالميتين في القرن العشرين، قد تقوض الديمقراطية الليبرالية، وأن التخلف الحاد، كما في حالة أفريقيا جنوب الصحراء، لم يشكل سياقاً مشجعاً للديمقراطية.
2. التقسيمات الاجتماعية
وفقاً للمدخل التحديثي والمدخل البنيوي، تؤدي التنمية الاقتصادية الرأسمالية إلى تغيير التقسيمات الطبقية في المجتمع، الأمر الذي يمثل عاملاً مهماً في تفسير لماذا تتجه بعض البلدان نحو الديمقراطية الليبرالية بينما لا يفعل البعض الآخر ذلك. يقر ليبست بأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية تؤدي إلى نمو الطبقة المتوسطة التي يمكن أن تكون قيمها مؤيدة للديمقراطية. ويرى روشماير وزملاؤه أن التنمية الرأسمالية تنتج طبقات اجتماعية قد يطور بعضها (مثل الطبقة العاملة الحضرية) اهتماما بعملية الدمقرطة. كذلك، فإن المدخل الانتقالي يهتم بالصراع السياسي غير المحسوم بين الطبقات والجماعات وتأثيره على المسار الديمقراطي الليبرالي. بيد أنه لا يمكن لأية طبقة أن يكون لها نفس الاهتمام والمصلحة في الدمقرطة في كل مكان، لذا من المهم إدراك وتقدير أن موقف أية طبقة تجاه الدمقرطة في أي بلد يتأثر بعلاقاتها الخاصة مع الطبقات الأخرى، مما يعني ضرورة تحليل تغيرات البنية الطبقية ككل، وليس التركيز على طبقة معينة.
لا تمثل التقسيمات الطبقية الأشكال الوحيدة لعدم المساواة الاجتماعية، حيث إن التفسيرات المختلفة للدمقرطة تشير أيضا إلى التقسيمات الإثنية والجندرية والقبلية واللغوية والدينية والثقافية. وبحسبان أن الأشكال الديمقراطية للعملية السياسية تستند على مبدأ السيادة الشعبية أو القبول الشعبي، يصبح التساؤل حول ماهية الشعب تساؤلاً مهماً جداً. فعندما تكون الانقسامات الطبقية أو الإثنية أو القبلية أو الدينية أو الثقافية حادة وعميقة وعنيفة، فلن يكون هناك معنى للهوية السياسية المشتركة، وبالتالي تصبح عملية الدمقرطة أمراً مستحيلاً. وكما يرى روستو، فإن الإحساس بحد أدنى من الهوية الوطنية المشتركة يمثل الأوضاع الخلفية التي تتأسس عليها المراحل الأخرى في عمليات التحول الديمقراطي
وهي دراسة ترمى ، أساسا، إلى استعراض الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع والمداخل النظرية التي وظفتها والتفسيرات التي قدمتها، بإعتيار أن أدبيات الديمقراطية والإصلاح السياسي متشبعة ومتنوعة وتغطي مواضيع وقضايا متباينة يجدر التوقف معها وإستقصاء مدلولاتها السياسية والوظيفية في السياق الذي ترد فيه.
يستعرض الباحث عدة ملاحظات جوهرية حول مسارات تطوير الديموقراطية وآليات ترسيخها في العديد من العالم، وذلك بالإمركز التجارب الإصلاحية و التنمية.موريتانياستعانة بشواهد من أساتذة وباحثين خبراء في الميدان إذ يرصد موجة دمقرطة بدأت تجتاح أفريقيا في أواخر
الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي نجح بعضها في تحقيق نتائج لا بأس بها وفشل البعض وبقي الآخر ثابتا في مكانه لكن الملفت للنظر أنه لاحظ أن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والمنطقة العربية
خصوصا، كانت الأقل تأثراً بهذه الموجة...
أثار هذا التباين في عمليات التحول الديمقراطي مجموعة من التساؤلات حول العوامل والأسباب التي تجعل هذه العملية أكثر انتشاراً في بلدان وأقاليم معينة، وأقل انتشاراً في بلدان وأقاليم أخرى. للإجابة على هذه التساؤلات تم طرح مجموعة من المداخل النظرية التي حاول الباحث فيها تقديم تفسيرات لأنماط التحول الديمقراطي، وعوامل وأسباب التماثل والتباين في عمليات الدمقرطة في مختلف البلدان والأقاليم.
تمحوت الدراسة حول المواضيع التالية :
1. بعض المداخل النظرية التي حاولت أن تقدم تفسيرات لعمليات الانتقال الديمقراطي.
2. العوامل والتغيرات المؤثرة في عملية الدمقرطة.
3. الأنماط والأشكال المختلفة لعمليات التحول الديمقراطي.
4. العوامل والمتغيرات المؤثرة في عملية ترسيخ الديمقراطية.
لقد اتضح من خلال العديد من الدراسات التي أجريت في مجال الدبموقراطية / التنمية ، التأثير الإيجابي للديمقراطية على التنمية الاقتصادية، فلقد أشار جروسمان ونوح (Grossman and Noh 1988) إلى أن وجود نظام ديمقراطي يضمن خضوع الحاكمين للمساءلة أمام المحكومين مما يحفزهم على تخصيص الموارد بكفاءة وفعالية لضمان استمراريتهم في الحكم. وفي إطار مشابه بين روبرت داهل في فترة مبكرة (Dahl.1971.) أن الديمقراطية تضمن قيام الحكام بتوظيف الموارد بالطريقة التي تحقق النمو والإنتاج الأمثل.ويرى اولسون (Olson, 1991) أن النظام الديمقراطي يُلزم الحكام بتجنب السعي نحو تحقيق مصالح ذاتية أنانية ويفرض عليهم وضع السياسات العامة التي تحقق وتخدم المصلحة العامة ضمانا لاستمرار التأييد والقبول الشعبي.
إلا أن الخبير الإقتصادي" بهالا"(Bhala, 1994) ذهب أبعد من ذلك وقام بتقديم مدخل مختلف حول العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية. فهو يرى أن الديمقراطية شكل من أشكال الحكم يرتبط ارتباطا قويا بمفهوم الحرية، وقام باختبار العلاقة بين التنمية الاقتصادية والحرية بجانبيها (السياسي والاقتصادي) بدلا من اختبار العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. ويرى بهالا أنه نظراً لأن الدراسات السابقة لم تقم بعماوال تأثير الحرية الاقتصادية فإنها لم تقم بتقدير العلاقة بين التنمية الاقتصادية والحرية السياسية بصورة مناسبة.
من ناحية أخرى، أشار بهالا إلى احتمالية الارتباط المتزامن بين التنمية الاقتصادية وبين الحرية، فلقد افترض أن الحرية تفضي إلى تنمية اقتصادية أكبر والتي تؤدي بالتالي إلى المزيد من الحرية، ولقد مثل هذه العلاقة المتزامنة بنماذج رياضية وتوصل إلى أنه بغض النظر عن كيفية قياس الحرية وبغض النظر عن كيفية تعريف النمو، فإن هناك علاقة إيجابية وقوية بين الاثنين .
1.مســــــــــــــار الدمقرطة:
حدد روستو، استناداً على تحليل تاريخي مقارن لتركيا والسويد، مساراً عاما تتبعه كل البلدان خلال عملية الدمقرطة، ويتكون هذا المسار من أربعة مراحل أساسية:
أولاً: مرحلة تحقيق الوحدة الوطنية، والتي تشكل خلفية الأوضاع ، ولا يعني روستو بتحقيق الوحدة الوطنية توافر الاجماع والاتفاق العام، بل مجرد بدء تشكل هوية سياسية مشتركة لدى الغالبية العظمى من المواطنين.
ثانياً: يمر المجتمع القومي بمرحلة إعدادية تتميز بصراعات سياسية طويلة وغير حاسمة، على شاكلة الصراع الناجم عن تزايد أهمية نخبة صناعية جديدة خلال عملية التصنيع تطالب بدور وموقع مؤثر في المجتمع السياسي في مواجهة النخب التقليدية المسيطرة التي تحاول المحافظة على الوضع القائم. ورغم اختلاف التفاصيل التاريخية لحالات الصراع من بلد لآخر، فإن هناك دائماً صراعاً رئيساً وحاداً بين جماعات متنازعة. أي أن الديمقراطية تولد من رحم الصراع، بل وحتى العنف، وليست نتاجاً لتطور سلمي. وهذا ما يفسر إمكانية هشاشة الديمقراطية في المراحل الأولى، وعدم استطاعة العديد من البلدان تجاوز المرحلة الإعدادية إلى مرحلة الانتقال والتحول المبدئية. قد يكون الصراع حاداً بالدرجة التي تؤدي إلى تمزيق الوحدة الوطنية، أو أن يؤدي إلى تزايد قوة إحدى الجماعات بالدرجة التي تمكنها من التغلب على قوى المعارضة وإنهاء الصراع السياسي لصالحها وسد الطريق أمام التحول الديمقراطي.
ثالثاً: تبدأ عملية الانتقال والتحول المبدئي في المرحلة الثالثة وهي مرحلة القرار ، وهي لحظة تاريخية تقرر فيها أطراف الصراع السياسي غير المحسوم التوصل إلى تسويات وتبني قواعد ديمقراطية تمنح الجميع حق المشاركة في المجتمع السياسي.
رابعاً: تأتي عملية الانتقال والتحول الثانية خلال المرحلة الرابعة، مرحلة التعود . يرى روستو أن قرار تبني القواعد الديمقراطية خلال "اللحظة التاريخية" قد يكون قراراً ناتجاً عن إحساس أطراف الصراع غير المحسوم بضرورة التوصل إلى تسويات وحلول وسط، وليس ناتجاً عن قناعة ورغبة هذه الأطراف في تبني القواعد الديمقراطية. بيد أنه، وبصورة تدريجية ومع مرور الوقت، تتعود الأطراف المختلفة على هذه القواعد وتتكيف معها. قد يقبل الجيل الأول من أطراف الصراع القواعد الديمقراطية عن مضض وبحكم الضرورة، إلا أن الأجيال الجديدة من النخب السياسية تصبح أكثر تعوداً وقناعة وإيماناً بالقواعد الديمقراطية. وفي هذه الحالة يمكن القول إن الديمقراطية قد ترسخت في المجتمع السياسي.
2. العوامل المؤثرة في عملية الدمقرطة:
على الرغم من أن كل مدخل من المداخل الثلاثة يستند على عدد متباين من العوامل المترابطة لتفسير حدوث عملية الدمقرطة في بعض البلدان وعدم حدوثها في بلدان أخرى، فإن المداخل الثلاثة تتفق في تحديد مجموعة من العوامل التفسيرية المشتركة، ولو بطرق مختلفة:
1. التنمية الاقتصادية
تشير مختلف تفسيرات الدمقرطة إلى التنمية الاقتصادية باعتبارها عاملاً تفسيرياً مهماً. بالنسبة لكل من ليبست ودايموند وغيرهما ممن يعملون ضمن إطار المدخل التحديثي، فإن الارتباطات بين التنمية الاقتصادية وعملية التحول الديمقراطي مهمة جداً. ويرى مور وروشماير وغيرهم أن التنمية الاقتصادية، والتي هي تنمية رأسمالية أساساً، تشكل بصورة جوهرية المسار التاريخي الذي تتخذه البلدان المختلفة تجاه الديمقراطية الليبرالية أو تجاه أي شكل سياسي آخر. أما من وجهة نظر روستو وآدونيل ولينز وغيرهم ممن يفسرون الدمقرطة ضمن إطار العمليات الانتقالية، فإن التنمية الاقتصادية تمثل الدافع لتحركات النخب المتنافسة لصياغة تسويات ديمقراطية. كذلك، فإن المداخل الثلاثة تقر بأن الأزمات الاقتصادية، على شاكلة ما حدث في أوربا في فترة ما بين الحربين العالميتين في القرن العشرين، قد تقوض الديمقراطية الليبرالية، وأن التخلف الحاد، كما في حالة أفريقيا جنوب الصحراء، لم يشكل سياقاً مشجعاً للديمقراطية.
2. التقسيمات الاجتماعية
وفقاً للمدخل التحديثي والمدخل البنيوي، تؤدي التنمية الاقتصادية الرأسمالية إلى تغيير التقسيمات الطبقية في المجتمع، الأمر الذي يمثل عاملاً مهماً في تفسير لماذا تتجه بعض البلدان نحو الديمقراطية الليبرالية بينما لا يفعل البعض الآخر ذلك. يقر ليبست بأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية تؤدي إلى نمو الطبقة المتوسطة التي يمكن أن تكون قيمها مؤيدة للديمقراطية. ويرى روشماير وزملاؤه أن التنمية الرأسمالية تنتج طبقات اجتماعية قد يطور بعضها (مثل الطبقة العاملة الحضرية) اهتماما بعملية الدمقرطة. كذلك، فإن المدخل الانتقالي يهتم بالصراع السياسي غير المحسوم بين الطبقات والجماعات وتأثيره على المسار الديمقراطي الليبرالي. بيد أنه لا يمكن لأية طبقة أن يكون لها نفس الاهتمام والمصلحة في الدمقرطة في كل مكان، لذا من المهم إدراك وتقدير أن موقف أية طبقة تجاه الدمقرطة في أي بلد يتأثر بعلاقاتها الخاصة مع الطبقات الأخرى، مما يعني ضرورة تحليل تغيرات البنية الطبقية ككل، وليس التركيز على طبقة معينة.
لا تمثل التقسيمات الطبقية الأشكال الوحيدة لعدم المساواة الاجتماعية، حيث إن التفسيرات المختلفة للدمقرطة تشير أيضا إلى التقسيمات الإثنية والجندرية والقبلية واللغوية والدينية والثقافية. وبحسبان أن الأشكال الديمقراطية للعملية السياسية تستند على مبدأ السيادة الشعبية أو القبول الشعبي، يصبح التساؤل حول ماهية الشعب تساؤلاً مهماً جداً. فعندما تكون الانقسامات الطبقية أو الإثنية أو القبلية أو الدينية أو الثقافية حادة وعميقة وعنيفة، فلن يكون هناك معنى للهوية السياسية المشتركة، وبالتالي تصبح عملية الدمقرطة أمراً مستحيلاً. وكما يرى روستو، فإن الإحساس بحد أدنى من الهوية الوطنية المشتركة يمثل الأوضاع الخلفية التي تتأسس عليها المراحل الأخرى في عمليات التحول الديمقراطي