- السبت نوفمبر 27, 2010 12:16 pm
#29997
يتعجب الكثيرون في جميع أنحاء العالم من ضعف الساسة الأمريكيين أمام الضغط الصهيوني عليهم. وقد جرت العادة بين المحللين أن ينسبوا هذا الضغط إلى القوة السياسية للوبي الإسرائيلي خاصة في الكونجرس، والقدرة على تمويل العمليات الانتخابية، أو منع الأموال عنها، وكذلك القدرة على التأثير على الصحافة المقروءة والمرئية.
غير أن هذه الأسباب على أهميتها غير مقنعة ، فالولايات المتحدة كأكبر دولة في العالم في الوقت الحاضر لها مصالحها التي تتعدى مصالح بعض الدول الحليفة لها ، حتى لو كانت إسرائيل . ولقد شهدنا كيف تقود السياسات الأمريكية بعض السياسات الأوروبية خلفها ، وخلف قراراتها ، كما شهدنا مؤخراً قدرة الإدارة الأمريكية على تغيير الإدارة اليابانية ، وتعيين زعماء سياسيين أكثر قرباً من سياساتها ومصالحها.
غير أن إسرائيل تتمتع بشبه هيمنة مطلقة على السياسة والساسة الأمريكيين، وحتى على مستوى النخب المثقفة.
وقد شهدنا قبل أيام قليلة كيف أن واحدة من أهم الصحافيات الأمريكيات (هيلين توماس) قد اضطرت إلى تقديم استقالتها وتقاعدها من عملها كعميدة لصحافيي البيت الأبيض بعد أربعين عاما من خدمتها في هذا المنصب، بعد أن أنتقدت السياسة الإسرائيلية، ووصفت الإسرائيليين بالمستعمرين للأرض الفلسطينية، وأن عليهم أن يرحلوا إلى البلاد التي قدموا منها. ولم تقل السيدة (توماس) غير الحقيقة، ولكنها جوبهت بتنديد واستنكار لمقولتها من قبل المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، ومن قبل جمعية الصحافيين العاملين فيه.
قبل ذلك كان هناك عدد من الأكاديميين الأمريكيين الذين أزيحوا عن مناصبهم بمجرد انتقادهم للهيمنة التي يمارسها اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية وعلى المجتمع الأمريكي. ويمكن أن ينطبق ذلك الانتقاد حتى على الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) الذي أصدر كتابا قارن فيه السياسة الإسرائيلية، بسياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقد اضطر الرئيس كارتر إلى تقديم اعتذار إلى اللوبي الصهيوني كي لا يقفوا ضد ترشيح حفيده لمنصب سياسي في فلوريدا.
والحقيقة أن هناك شعورا بالذنب يعم معظم أوساط المثقفين والساسة الأمريكيين تجاه اليهود وما حل بهم في الحرب العالمية الثانية. ويصحب هذا الشعور خوف من أن يوصموا من قبل اللوبي بأنهم «أعداء للسامية» ، وهذا يجعلهم في نظر الآخرين في صف يشبه صف النازيين أو الفاشيين.
وقد استغلت إسرائيل وأنصارها هذا الشعور بالذنب الجماعي بالحصول على كل ما تحتاج إليه من مال وسلاح ودعم سياسي، وذهب الساسة الإسرائيليون وأعوانهم إلى دفع الولايات المتحدة إلى القيام بحروب في المنطقة كبديل عنها. ولن ينسى الكثيرون من الأمريكيين أن الذي دفع بهم إلى احتلال العراق، تحت مقولات وادعاءات كاذبة، كان اللوبي الصهيوني المتحالف مع اليمين المحافظ.
ولن تتوقف إسرائيل عن دفع حليفها الحميم إلى حروب جديدة، مما حدا بالقادة العسكريين الأمريكان إلى إطلاق أصوات تحذيرية أمام رجال الكونجرس من أن مثل هذه الحروب بالوكالة قد أضرت وتضر بالأهداف القومية للسياسة الأمريكية، وربما أصبحت عبئا عليها. ومثل هذه المقولة وغيرها تثبت أن الهلع الأمريكي من الإسرائيليين والشعور بالذنب تجاههم ليس له ما يبرره، خاصة إذا كان هذا الشعور يخلق ظلما جديدا لشعب يئن تحت الاحتلال والحصار. كما لا يمكن مطلقا قبول مثل هذا الشعور بالذنب إذا كان ينتج عنه قتل أو جرح مدنيين عزل، ومن بينهم عدد من اليهود الأوروبيين وعلماء حازوا على جائزة نوبل في تخصصاتهم، وكل ذنبهم أنهم ذهبوا لنجدة قوم ليسوا من جلدتهم ولكنهم يطلبون مساندتهم وإغاثتهم.
وإذا ما كان الأفراد، كما يقول علماء النفس، بحاجة إلى الاعتراف بالذنب الذي اقترف حتى يمكن لهم التخلص منه، فإن على الولايات المتحدة أن تعترف بأن الذنب الذي اقترف بحق اليهود الأوروبيين لم يكن له أي مبرر، كما أن جزءا من عملية التخلص من الشعور الجماعي بالذنب هو دفع تعويضات مالية لأولئك الذين تضرروا منها. وقد دفعت أوروبا وأمريكا، ولازالت تدفع للإسرائيليين كل ما أوتيت به من مال وسلاح ومعونات على المستويين الحكومي والشعبي. ولابد لكل شعور ذنب أن يصل إلى نهايته، وإلا كان شعورا أبديا لا نهاية له. وكما يقول علماء النفس، فإن الشعور بالذنب خاصة على المستوى الجماعي، هو أمر غير عقلاني. ولا يمكن مجابهته إلا بالعودة إلى المنطق، والمنطق يقول بأنه لا يمكن إنهاء ظلم سابق بخلق ظلم جديد.
والمسألة ليست بالضرورة ذات طابع أخلاقي، فالسياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل أصبحت عبئا على صانع القرار وعلى مصالح الشركات والأفراد، وعلى صورة الولايات المتحدة في الخارج. لذلك فإن مسألة العودة إلى العقلانية لن تكون بعيدة المنال، خاصة مع ظهور قوى دولية جديدة وسطى باتت تنافس الولايات المتحدة اقتصاديا، وتبني نفسها بهدوء كدول ذات احتياطي نقدي كبير، وطبقة وسطى متسعة، بالإضافة إلى كونها دولا ذات كثافة عمالية ضخمة.
الولايات المتحدة دولة عظمى تتمتع بالقوة الضاربة والقوة الناعمة لكن سياساتها الخارجية بدأت تفقد شرعيتها، خاصة بدعمها الأعمى للعنف والهمجية الإسرائيلية. وحين تفقد أي دولة شرعيتها في السياسة الخارجية، فإن هذا يعني تآكل قوتها الناعمة. وهذا لا يعني أن تصبح الدول العظمى ضعيفة حين تفقد التوازن بين القوة الناعمة والقوة الضاربة، بل قد يبدو أنها ستنغمس أكثر في استخدام قوتها الضاربة، وهذا الاندفاع نحو الصراع والقلاقل يكلفها ويرهق ميزانياتها، وهو ما يؤثر سلبا على اقتصاداتها، ومستوى الضرائب السائدة فيها، مما ينعكس بدوره على دورة الاستثمارات فيها.
هذا التداخل بين القوة الناعمة والقوة الضاربة يعني أن الدول الصراعية ستخسر الرهان لصالح الدول التجارية، وبينما يبزغ نجم الدول التجارية، فإن أفول الدول الصراعية سيكون أمرا محتملا إلى حد كبير..
عندئذ سيذهب الإسرائيليون ويحتمون بحليف جديد، ولن يذرفوا أية دمعة على مصالح الولايات المتحدة. وهم قد فعلوا ذلك من قبل مع فرنسا وبريطانيا حينما أفل نجمهما بعد الحرب العالمية الثانية. وهم حتما سيفعلون ذلك مع الولايات المتحدة، وحينها ربما سيشعر الساسة الأمريكيون بالذنب تجاه ما فعلوه بالفلسطينيين.
غير أن هذه الأسباب على أهميتها غير مقنعة ، فالولايات المتحدة كأكبر دولة في العالم في الوقت الحاضر لها مصالحها التي تتعدى مصالح بعض الدول الحليفة لها ، حتى لو كانت إسرائيل . ولقد شهدنا كيف تقود السياسات الأمريكية بعض السياسات الأوروبية خلفها ، وخلف قراراتها ، كما شهدنا مؤخراً قدرة الإدارة الأمريكية على تغيير الإدارة اليابانية ، وتعيين زعماء سياسيين أكثر قرباً من سياساتها ومصالحها.
غير أن إسرائيل تتمتع بشبه هيمنة مطلقة على السياسة والساسة الأمريكيين، وحتى على مستوى النخب المثقفة.
وقد شهدنا قبل أيام قليلة كيف أن واحدة من أهم الصحافيات الأمريكيات (هيلين توماس) قد اضطرت إلى تقديم استقالتها وتقاعدها من عملها كعميدة لصحافيي البيت الأبيض بعد أربعين عاما من خدمتها في هذا المنصب، بعد أن أنتقدت السياسة الإسرائيلية، ووصفت الإسرائيليين بالمستعمرين للأرض الفلسطينية، وأن عليهم أن يرحلوا إلى البلاد التي قدموا منها. ولم تقل السيدة (توماس) غير الحقيقة، ولكنها جوبهت بتنديد واستنكار لمقولتها من قبل المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، ومن قبل جمعية الصحافيين العاملين فيه.
قبل ذلك كان هناك عدد من الأكاديميين الأمريكيين الذين أزيحوا عن مناصبهم بمجرد انتقادهم للهيمنة التي يمارسها اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية وعلى المجتمع الأمريكي. ويمكن أن ينطبق ذلك الانتقاد حتى على الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) الذي أصدر كتابا قارن فيه السياسة الإسرائيلية، بسياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقد اضطر الرئيس كارتر إلى تقديم اعتذار إلى اللوبي الصهيوني كي لا يقفوا ضد ترشيح حفيده لمنصب سياسي في فلوريدا.
والحقيقة أن هناك شعورا بالذنب يعم معظم أوساط المثقفين والساسة الأمريكيين تجاه اليهود وما حل بهم في الحرب العالمية الثانية. ويصحب هذا الشعور خوف من أن يوصموا من قبل اللوبي بأنهم «أعداء للسامية» ، وهذا يجعلهم في نظر الآخرين في صف يشبه صف النازيين أو الفاشيين.
وقد استغلت إسرائيل وأنصارها هذا الشعور بالذنب الجماعي بالحصول على كل ما تحتاج إليه من مال وسلاح ودعم سياسي، وذهب الساسة الإسرائيليون وأعوانهم إلى دفع الولايات المتحدة إلى القيام بحروب في المنطقة كبديل عنها. ولن ينسى الكثيرون من الأمريكيين أن الذي دفع بهم إلى احتلال العراق، تحت مقولات وادعاءات كاذبة، كان اللوبي الصهيوني المتحالف مع اليمين المحافظ.
ولن تتوقف إسرائيل عن دفع حليفها الحميم إلى حروب جديدة، مما حدا بالقادة العسكريين الأمريكان إلى إطلاق أصوات تحذيرية أمام رجال الكونجرس من أن مثل هذه الحروب بالوكالة قد أضرت وتضر بالأهداف القومية للسياسة الأمريكية، وربما أصبحت عبئا عليها. ومثل هذه المقولة وغيرها تثبت أن الهلع الأمريكي من الإسرائيليين والشعور بالذنب تجاههم ليس له ما يبرره، خاصة إذا كان هذا الشعور يخلق ظلما جديدا لشعب يئن تحت الاحتلال والحصار. كما لا يمكن مطلقا قبول مثل هذا الشعور بالذنب إذا كان ينتج عنه قتل أو جرح مدنيين عزل، ومن بينهم عدد من اليهود الأوروبيين وعلماء حازوا على جائزة نوبل في تخصصاتهم، وكل ذنبهم أنهم ذهبوا لنجدة قوم ليسوا من جلدتهم ولكنهم يطلبون مساندتهم وإغاثتهم.
وإذا ما كان الأفراد، كما يقول علماء النفس، بحاجة إلى الاعتراف بالذنب الذي اقترف حتى يمكن لهم التخلص منه، فإن على الولايات المتحدة أن تعترف بأن الذنب الذي اقترف بحق اليهود الأوروبيين لم يكن له أي مبرر، كما أن جزءا من عملية التخلص من الشعور الجماعي بالذنب هو دفع تعويضات مالية لأولئك الذين تضرروا منها. وقد دفعت أوروبا وأمريكا، ولازالت تدفع للإسرائيليين كل ما أوتيت به من مال وسلاح ومعونات على المستويين الحكومي والشعبي. ولابد لكل شعور ذنب أن يصل إلى نهايته، وإلا كان شعورا أبديا لا نهاية له. وكما يقول علماء النفس، فإن الشعور بالذنب خاصة على المستوى الجماعي، هو أمر غير عقلاني. ولا يمكن مجابهته إلا بالعودة إلى المنطق، والمنطق يقول بأنه لا يمكن إنهاء ظلم سابق بخلق ظلم جديد.
والمسألة ليست بالضرورة ذات طابع أخلاقي، فالسياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل أصبحت عبئا على صانع القرار وعلى مصالح الشركات والأفراد، وعلى صورة الولايات المتحدة في الخارج. لذلك فإن مسألة العودة إلى العقلانية لن تكون بعيدة المنال، خاصة مع ظهور قوى دولية جديدة وسطى باتت تنافس الولايات المتحدة اقتصاديا، وتبني نفسها بهدوء كدول ذات احتياطي نقدي كبير، وطبقة وسطى متسعة، بالإضافة إلى كونها دولا ذات كثافة عمالية ضخمة.
الولايات المتحدة دولة عظمى تتمتع بالقوة الضاربة والقوة الناعمة لكن سياساتها الخارجية بدأت تفقد شرعيتها، خاصة بدعمها الأعمى للعنف والهمجية الإسرائيلية. وحين تفقد أي دولة شرعيتها في السياسة الخارجية، فإن هذا يعني تآكل قوتها الناعمة. وهذا لا يعني أن تصبح الدول العظمى ضعيفة حين تفقد التوازن بين القوة الناعمة والقوة الضاربة، بل قد يبدو أنها ستنغمس أكثر في استخدام قوتها الضاربة، وهذا الاندفاع نحو الصراع والقلاقل يكلفها ويرهق ميزانياتها، وهو ما يؤثر سلبا على اقتصاداتها، ومستوى الضرائب السائدة فيها، مما ينعكس بدوره على دورة الاستثمارات فيها.
هذا التداخل بين القوة الناعمة والقوة الضاربة يعني أن الدول الصراعية ستخسر الرهان لصالح الدول التجارية، وبينما يبزغ نجم الدول التجارية، فإن أفول الدول الصراعية سيكون أمرا محتملا إلى حد كبير..
عندئذ سيذهب الإسرائيليون ويحتمون بحليف جديد، ولن يذرفوا أية دمعة على مصالح الولايات المتحدة. وهم قد فعلوا ذلك من قبل مع فرنسا وبريطانيا حينما أفل نجمهما بعد الحرب العالمية الثانية. وهم حتما سيفعلون ذلك مع الولايات المتحدة، وحينها ربما سيشعر الساسة الأمريكيون بالذنب تجاه ما فعلوه بالفلسطينيين.