- الجمعة إبريل 11, 2008 2:55 am
#2707
نزار قباني شاعر السياسه والحب
نزار قباني
شاعر السياسة والحب
أبدا بمقوله لنزار قباني يقول فيها " في الخمسينات كنا نكتب لشارع عربي ملتحم وموحد النسيج ، أما الآن فنحن نكتب على الماء والهواء " .
نزار قباني كبير شعراء الحب والكلمة الجريئة ، الطفل الكبير ، عملاق الشعر ، الحالم أبدا ، شاعر الغزل والثورة ، شاعر الممنوعات المرغوب فيها ، كلماته الجريئة لم تخف أحدا بل أدهشت الجميع ودفعتهم لمطالعة النزاريات المنعشة المنقوشة بشفافية ومهارة يصحبها لحن سحري معزوف على قيثارة القلوب الحارة ، وفي هذا يقول :
أتجول في الوطن العربي
لأقرأ شعري للجمهور
فأنا مقتنع
أن الشعر رغيف يخبز للجمهور
وأنا مقتنع منذ بدأت
بأن الأحرف أسماك
وبأن الماء هو الجمهور
أنقل عن أدونيس فقره مما قاله في نزار قباني " كان منذ بداياته الأكثر براعة بين معاصريه من الشعراء العرب في الإمساك باللحظة التي تمسك بهموم الناس وشواغلهم الضاغطة من أكثرها بساطه وبخاصة تلك المكبوتة والمهمشة إلى أكثرها إيغالا في الحلم وفي الحق بحياة أفضل وفي هذا تأسست نواة الإعجاب به ابتكر نزار قباني تقنية لغوية وكتابيه خاصة تحتضن مفردات الحياة اليومية بتنوعها ونضارتها وتشيع فيها النسم الشعري صانعا منها قاموسا يتصالح فيه الفصيح والدارج ، القديم والحديث ، الشفوي والكتابي .
وتقول ابنته هدباء أهم ما أذكره عن أبي هو ذلك التشابه المذهل بينه وبين شعره فهو لا يلعب دورا على ورق الكتابة ودورا آخر على مسرح الحياة ويضع ملابس العاشق حين يكتب قصائده ثم يخلعها عند عودته إلى البيت .
وسأتناول اليوم الحديث عن نزار شاعر السياسة والحب :
يقول نزار كتبت تاريخ النساء ولقد أعطيت المرأة هذه المساحة الكبيره من وقتي ومن عمري ومن دفاتري ثم يكمل برومانسية قائلا :" الكاتب يبقى وسيما أنيقا طالما أنه موجود في كنف المرأة وفي حمايتها وحين ترفع يدها عنه يشيخ عشرة ألاف سنة في سنة واحده وينتحر كالفيل الأفريقي من شدة الضجر والترهل والغلاظة أنني أعتبر نفسي مسؤولا عن المرأة حتى أموت " .
يتميز شعر نزار في الحب بأنه عبر بصدق شديد عن إحساس المرأة حتى أن بعض الأفكار والصور الشعرية لديه صورت أحاسيس المرأة بشكل يفوق تعبيرها هي عن نفسها وعن مشاعرها التي قد تخجل منها فمشاعرها تلك التي كانت مظلمة حالكة العتمة جاء هو لتبصر النور معه .
لنقف قليلا مع قصيدته " شؤون صغيره " والتي فيها يحلل نفسية المرأة وتأثرها بكل حادثة تمر بها مع من تحب فيقول :
حوادث قد لا تثير اهتمامك
اعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأطعم منها خيالي الصغير
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء وألف جزيرة
ومنها أيضا :
وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ من غير قصد ذراعي
أحس أنا يا صديق
بشيء عميق
بشيء يشابه طعم الحريق
على مرفقي
وأرفع كفي أنا للسماء
لتجعل دربي بغير انتهاء
وأبكي وأبكي
بغير انقطاع
لكي يستمر ضياعي
لتبقى ذراعي
صديقي لديك
لتمنحها الدفء من راحتيك
وله قصائد كثيرة مغناة منها " قارئة الفنجان ، أسألك الرحيلا ، هل عندك شك ، وقصيدة أيظن " حيث استطاع أن يقدم صرخة احتجاج بأسم كرامة المرأة العاشقة ، وفيها يقول على لسانها
أيظن أني لعبة بيديه
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
وتعتبر القصيدة فتحا في عالم الشعور النسائي فقد استطاع الشاعر استنباط الأوصاف التي تخجل منها المرأة في وصف حالة الحب فهي قصيدة شديدة الالتصاق بقصص العشق والمغامرات بين الأحبة ومنها حين يعبر عن فرحتها بعودة الحبيب :
حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به
رقصت على قدميه
سامحته وسألت عن أخباره
وبكيت ساعات على كتفيه
ما أحلى الرجوع إليه
هذه هي جمهورية الشاعر الديمقراطية التي لم تعرف سوى الحرية ولأجلها دخل نزار حروبا وخاض معارك للدفاع عن هوية الإنسان والحرية التي جعلت منه شاعرا سياسيا فصار ديوانه يعج بالثورة كما يعج بالغزل .
قصائد نزار لم تكن مقتصرة على جسد المرأة كما يظن البعض وليس هو كما يوصف بأنه دخل مخدع النساء ولم يخرج بل فيه من الشمولية بمكان ، وقد نظم في الأرض والوطن والنكسة والانتفاضة ، وقصائده الثورية لم تخش الخطوط الحمراء يتجلى ذلك في عناوين دواوينه الثورية مثل : ديوان لا و ديوان قصائد مغضوب عليها وديوان الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق .
ومن قصيدة له في أطفال الحجارة يقول فيها :
بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل وجاؤوا كالبشارة
قاوموا وانفجروا واستشهدوا
وبقينا دببا قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة
ولنزار مؤلف بعنوان " عرب ما تحت الصفر يقول فيه : " لو أراد أحد المؤرخين أن يجد تسمية لعرب هذه الأيام تميزا لهم عن عرب ما قبل الفتح وعرب ما بعد الفتح .... وعرب الكتب والمخطوطات وعرب المعلقات والمقامات .... لما وجد لهم تسمية أفضل من عرب ما تحت الصفر ! لماذا ؟ لأن الصفر علامة كبيرة جدا عليهم ففي كل الامتحانات التحريرية والشفهية التي دخلوها على مدى ثلاثين عاما ، أثبتوا أنهم متخلفون عقليا وسقطوا في كل المواد ، ويعبر عن هذا المعنى بشعر فيقول
عرب اليوم أضاعوا اللغة الأم
أضاعوا السيف في قرطبة
وصهيل الخيل في غرناطة
وأضاعونا جميعا
وأضاعوا الوطنا
عرب اليوم يلمون فتافيت سلام
وفتافيت بلاد
وفتافيت كرامة
وينامون على الخوف
ويصحون على الخوف
فماذا فعلت أنظمة القمع بنا
ومن قصائده السياسية التي أثارت معارك وكثيرا من الجدل هي قصيدة "خبز وحشيش وقمر "
اعتبره رجال الدين كافرا وملحدا حين نشرها سنة 1954 ونالت شهرة واسعة وهي بشكل أو بأخر تعبر عن صيحة شاعر قومي مخلص لعروبته وهويته القومية يقول فيها :
عندما يولد في الشرق القمر
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر
يترك الناس الحوانيت ويمضون زمر لملاقاة القمر
يحملون الخبز والحاكي إلى رأس الجبل
ومعدات الخدر
ويبيعون ويشرون خيال وصور
ويموتون إذا عاش القمر
وقد ألبت عليه هذه القصيدة كثيرا من الأعداء خصوصا في المجلس النيابي السوري ، واعتبرها بعضهم فاجرة تظهر الشعب العربي في أقبح صورة ، وتعطي للأخر انطباعا بالعجز والتخاذل .
ثم قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " بعد نكسة حزيران عام 1967 والتي أصابت منه مقتلا فكان وقعها على نفسيه أليما ولقد غيرت لدية كثيرا من المفاهيم والقيم في السياسة وأهتزت ثقته في الرجال الذين كانوا يعقد عليهم آمالا عريضة ، بيد أن هذه الأحلام والأماني الوطنية انهارت دفعة واحده وأصيب بصدمة نفسية اهتز له وجدانه فولدت لديه الغضب المقدس والإحساس المرير بالفاجعة
للنظر إليه وهو يصور المشاعر والإحساس بالخيبة والفشل التي منيت به الأمة العربية فعبر عن أحزانها وفجيعتها .
أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة والكتب القديمة
أنعي كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة
ومفردات العهر والهجاء والشتيمة
انعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
مالحة في فمنا القصائد
مالحة ضفائر النساء
والليل والأستار والمقاعد
مالحة أمامنا الأشياء
يا وطني الحزين حولتني بلحظة
من شاعر يكتب الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين
القصيدة تطرح أسئلتها ولكنه لا يأبه لهذه الهجمة الشرسة التي تتناوشه بلا رحمة ، ويتصدى لها متلذذا بالرعب والخوف الذي يجتاح ويسكن بعض النفوس الذليلة فيقول :
يسرني جدا بأن ترعبكم قصائدي
وعندكم من يقطع الأعناق
يسعدني جدا بأن ترتعشوا من قطرة الحبر ومن خشخشة الأوراق
يا دولة تخيفها أغنية
وتهزه وفاة جمال عبد الناصر في 28 أيلول سنة 1970 ، فكتب قصيدة رثاء بعنوان " قتلناك " يقول فيها :
قتلناك يا آخر الأنبياء
قتلناك ليس جديدا اغتيال الصحابة والأولياء
فكم من رسول قتلنا وكم من إمام ذبحنا
وهو يصلي صلاة العشاء
فتاريخنا كله محنة وأيامنا كلها كربلاء
أما بيروت فهي كما يطيب له أن يصفها ب " ست الدنيا " هي حبيبته الأولى ووجهها لوحة موضوعها الحرية وقلبها أسطورة من الحب وفيها يقول :
آه يا بيروت يا أنثاي من بين ملايين النساء
يا رحيلا برتقاليا على ورد وبرقوق وماء
يا طموحي عندما أكتب أشعاري لتقريب السماء
يا ست الدنيا يا بيروت
وفي عامة الأخير قبل رحيله سنة 1998 صرخ نزار قباني متى يعلنون وفاة العرب ، تلك القصيدة التي توقف عندها الكثيرون وصرخوا واحتجوا وقالوا بأنها تهزم الشعور القومي وتحطم الكبرياء الوطنية والقومية فكان رد نزار " ان سرادق الموت العربي منصوب في كل مكان والقران يتلى والمعزون يجلسون في صمت " فقد كانت ضربة قاسية وكلمة ربما كانت كلمة وداع أخيرة من شاعر أمضى عمره يحارب بأسلحة الكلمات ويتطلع للمستقبل العربي ، كلمات نزار تصرخ في الوجود أن فكروا ... أحلموا .... غامروا ... أبحروا إلى شواطىء المستحيل قبل أن تتحولوا إلى كوم من الحجارة .
لندع صواريخ نزار تنطلق مع مقاطع من قصيدته متى يعلنون وفاة العرب .
أنا منذ خمسين عاما أراقب حال العرب
وهم يرعدون ولا يمطرون
وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون
وهم يعلكون جلود البلاغه علكا ولا يهضمون
أنا منذ خمسين عاما
أحاول رسم بلاد تسمى مجازا بلاد العرب
رسمت بلون الشرايين حينا
وحينا رسمت بلون الغضب
وحين انتهى الرسم ساءلت نفسي
إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب
ففي أي مقبرة يدفنون
ومن سوف يبكي عليهم
وليس لديهم بنات
وليس لديهم بنون
وليس هناك حزن
وليس هنالك من يحزنون
أنا بعد خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيت ....
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
ولكنني ما رأيت العرب
أن قصائده السياسية تدق ناقوس الخطر وتؤكد أنها ذات أبعاد قومية وصرخة احتجاج وتمرد على الواقع العربي المتردي ، فمجتمعاتنا الشرقية متواكلة تتكلم أكثر مما تعمل وتأخذ الحياة بلا مبالاة بينما الآخرون يتقدمون بالعلم والعمل الجاد المخلص .
أن هذا الشاعر بخطابه الشعري المتميز وغير المسبوق قد ترك بصماته الواضحة في الحياة العربية الشعبية والرسمية ولمدة تربو على خمسين عاما ونيف لأنه من ناحية يعبر عن ضمير الإنسان العربي المغيب ويعبر من ناحية أخرى عن المتخاذل والرموز الضعيفة التي تكرس ثقافة الهزيمة والتطبيع ومن ثم فأنه يسمي الأشياء بمسمياتها دون وجل أو خوف من سطوة الحكام وأن قصائده الملتهبة تقدح شررا مضمخه بحب الوطن يفوح منها عبق التاريخ لأسترداد الأمجاد الماضية .
انه شاعر ملتزم له قضية عربيه وقومية ولذا فأن قصائده تعتبر جسرا للتواصل مع الأجيال وقد ارتبط اسمه بكل هذه الألقاب : : شاعر الحب والسياسة ، شاعر الرومانسية والبساطة ، شاعر الثورة ، وشاعر المرأة ، وشاعر الوطن الحزين واللغة القديمة والكتب القديمة ، انه الصوت العذب الذي يغني بداخلنا والرومانسية الحزينة في السماء العربية وهو أيضا تلك الظاهرة الشعبية في شعرنا العربي المعاصر
نزار قباني
شاعر السياسة والحب
أبدا بمقوله لنزار قباني يقول فيها " في الخمسينات كنا نكتب لشارع عربي ملتحم وموحد النسيج ، أما الآن فنحن نكتب على الماء والهواء " .
نزار قباني كبير شعراء الحب والكلمة الجريئة ، الطفل الكبير ، عملاق الشعر ، الحالم أبدا ، شاعر الغزل والثورة ، شاعر الممنوعات المرغوب فيها ، كلماته الجريئة لم تخف أحدا بل أدهشت الجميع ودفعتهم لمطالعة النزاريات المنعشة المنقوشة بشفافية ومهارة يصحبها لحن سحري معزوف على قيثارة القلوب الحارة ، وفي هذا يقول :
أتجول في الوطن العربي
لأقرأ شعري للجمهور
فأنا مقتنع
أن الشعر رغيف يخبز للجمهور
وأنا مقتنع منذ بدأت
بأن الأحرف أسماك
وبأن الماء هو الجمهور
أنقل عن أدونيس فقره مما قاله في نزار قباني " كان منذ بداياته الأكثر براعة بين معاصريه من الشعراء العرب في الإمساك باللحظة التي تمسك بهموم الناس وشواغلهم الضاغطة من أكثرها بساطه وبخاصة تلك المكبوتة والمهمشة إلى أكثرها إيغالا في الحلم وفي الحق بحياة أفضل وفي هذا تأسست نواة الإعجاب به ابتكر نزار قباني تقنية لغوية وكتابيه خاصة تحتضن مفردات الحياة اليومية بتنوعها ونضارتها وتشيع فيها النسم الشعري صانعا منها قاموسا يتصالح فيه الفصيح والدارج ، القديم والحديث ، الشفوي والكتابي .
وتقول ابنته هدباء أهم ما أذكره عن أبي هو ذلك التشابه المذهل بينه وبين شعره فهو لا يلعب دورا على ورق الكتابة ودورا آخر على مسرح الحياة ويضع ملابس العاشق حين يكتب قصائده ثم يخلعها عند عودته إلى البيت .
وسأتناول اليوم الحديث عن نزار شاعر السياسة والحب :
يقول نزار كتبت تاريخ النساء ولقد أعطيت المرأة هذه المساحة الكبيره من وقتي ومن عمري ومن دفاتري ثم يكمل برومانسية قائلا :" الكاتب يبقى وسيما أنيقا طالما أنه موجود في كنف المرأة وفي حمايتها وحين ترفع يدها عنه يشيخ عشرة ألاف سنة في سنة واحده وينتحر كالفيل الأفريقي من شدة الضجر والترهل والغلاظة أنني أعتبر نفسي مسؤولا عن المرأة حتى أموت " .
يتميز شعر نزار في الحب بأنه عبر بصدق شديد عن إحساس المرأة حتى أن بعض الأفكار والصور الشعرية لديه صورت أحاسيس المرأة بشكل يفوق تعبيرها هي عن نفسها وعن مشاعرها التي قد تخجل منها فمشاعرها تلك التي كانت مظلمة حالكة العتمة جاء هو لتبصر النور معه .
لنقف قليلا مع قصيدته " شؤون صغيره " والتي فيها يحلل نفسية المرأة وتأثرها بكل حادثة تمر بها مع من تحب فيقول :
حوادث قد لا تثير اهتمامك
اعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأطعم منها خيالي الصغير
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء وألف جزيرة
ومنها أيضا :
وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ من غير قصد ذراعي
أحس أنا يا صديق
بشيء عميق
بشيء يشابه طعم الحريق
على مرفقي
وأرفع كفي أنا للسماء
لتجعل دربي بغير انتهاء
وأبكي وأبكي
بغير انقطاع
لكي يستمر ضياعي
لتبقى ذراعي
صديقي لديك
لتمنحها الدفء من راحتيك
وله قصائد كثيرة مغناة منها " قارئة الفنجان ، أسألك الرحيلا ، هل عندك شك ، وقصيدة أيظن " حيث استطاع أن يقدم صرخة احتجاج بأسم كرامة المرأة العاشقة ، وفيها يقول على لسانها
أيظن أني لعبة بيديه
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
وتعتبر القصيدة فتحا في عالم الشعور النسائي فقد استطاع الشاعر استنباط الأوصاف التي تخجل منها المرأة في وصف حالة الحب فهي قصيدة شديدة الالتصاق بقصص العشق والمغامرات بين الأحبة ومنها حين يعبر عن فرحتها بعودة الحبيب :
حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به
رقصت على قدميه
سامحته وسألت عن أخباره
وبكيت ساعات على كتفيه
ما أحلى الرجوع إليه
هذه هي جمهورية الشاعر الديمقراطية التي لم تعرف سوى الحرية ولأجلها دخل نزار حروبا وخاض معارك للدفاع عن هوية الإنسان والحرية التي جعلت منه شاعرا سياسيا فصار ديوانه يعج بالثورة كما يعج بالغزل .
قصائد نزار لم تكن مقتصرة على جسد المرأة كما يظن البعض وليس هو كما يوصف بأنه دخل مخدع النساء ولم يخرج بل فيه من الشمولية بمكان ، وقد نظم في الأرض والوطن والنكسة والانتفاضة ، وقصائده الثورية لم تخش الخطوط الحمراء يتجلى ذلك في عناوين دواوينه الثورية مثل : ديوان لا و ديوان قصائد مغضوب عليها وديوان الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق .
ومن قصيدة له في أطفال الحجارة يقول فيها :
بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل وجاؤوا كالبشارة
قاوموا وانفجروا واستشهدوا
وبقينا دببا قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة
ولنزار مؤلف بعنوان " عرب ما تحت الصفر يقول فيه : " لو أراد أحد المؤرخين أن يجد تسمية لعرب هذه الأيام تميزا لهم عن عرب ما قبل الفتح وعرب ما بعد الفتح .... وعرب الكتب والمخطوطات وعرب المعلقات والمقامات .... لما وجد لهم تسمية أفضل من عرب ما تحت الصفر ! لماذا ؟ لأن الصفر علامة كبيرة جدا عليهم ففي كل الامتحانات التحريرية والشفهية التي دخلوها على مدى ثلاثين عاما ، أثبتوا أنهم متخلفون عقليا وسقطوا في كل المواد ، ويعبر عن هذا المعنى بشعر فيقول
عرب اليوم أضاعوا اللغة الأم
أضاعوا السيف في قرطبة
وصهيل الخيل في غرناطة
وأضاعونا جميعا
وأضاعوا الوطنا
عرب اليوم يلمون فتافيت سلام
وفتافيت بلاد
وفتافيت كرامة
وينامون على الخوف
ويصحون على الخوف
فماذا فعلت أنظمة القمع بنا
ومن قصائده السياسية التي أثارت معارك وكثيرا من الجدل هي قصيدة "خبز وحشيش وقمر "
اعتبره رجال الدين كافرا وملحدا حين نشرها سنة 1954 ونالت شهرة واسعة وهي بشكل أو بأخر تعبر عن صيحة شاعر قومي مخلص لعروبته وهويته القومية يقول فيها :
عندما يولد في الشرق القمر
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر
يترك الناس الحوانيت ويمضون زمر لملاقاة القمر
يحملون الخبز والحاكي إلى رأس الجبل
ومعدات الخدر
ويبيعون ويشرون خيال وصور
ويموتون إذا عاش القمر
وقد ألبت عليه هذه القصيدة كثيرا من الأعداء خصوصا في المجلس النيابي السوري ، واعتبرها بعضهم فاجرة تظهر الشعب العربي في أقبح صورة ، وتعطي للأخر انطباعا بالعجز والتخاذل .
ثم قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " بعد نكسة حزيران عام 1967 والتي أصابت منه مقتلا فكان وقعها على نفسيه أليما ولقد غيرت لدية كثيرا من المفاهيم والقيم في السياسة وأهتزت ثقته في الرجال الذين كانوا يعقد عليهم آمالا عريضة ، بيد أن هذه الأحلام والأماني الوطنية انهارت دفعة واحده وأصيب بصدمة نفسية اهتز له وجدانه فولدت لديه الغضب المقدس والإحساس المرير بالفاجعة
للنظر إليه وهو يصور المشاعر والإحساس بالخيبة والفشل التي منيت به الأمة العربية فعبر عن أحزانها وفجيعتها .
أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة والكتب القديمة
أنعي كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة
ومفردات العهر والهجاء والشتيمة
انعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
مالحة في فمنا القصائد
مالحة ضفائر النساء
والليل والأستار والمقاعد
مالحة أمامنا الأشياء
يا وطني الحزين حولتني بلحظة
من شاعر يكتب الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين
القصيدة تطرح أسئلتها ولكنه لا يأبه لهذه الهجمة الشرسة التي تتناوشه بلا رحمة ، ويتصدى لها متلذذا بالرعب والخوف الذي يجتاح ويسكن بعض النفوس الذليلة فيقول :
يسرني جدا بأن ترعبكم قصائدي
وعندكم من يقطع الأعناق
يسعدني جدا بأن ترتعشوا من قطرة الحبر ومن خشخشة الأوراق
يا دولة تخيفها أغنية
وتهزه وفاة جمال عبد الناصر في 28 أيلول سنة 1970 ، فكتب قصيدة رثاء بعنوان " قتلناك " يقول فيها :
قتلناك يا آخر الأنبياء
قتلناك ليس جديدا اغتيال الصحابة والأولياء
فكم من رسول قتلنا وكم من إمام ذبحنا
وهو يصلي صلاة العشاء
فتاريخنا كله محنة وأيامنا كلها كربلاء
أما بيروت فهي كما يطيب له أن يصفها ب " ست الدنيا " هي حبيبته الأولى ووجهها لوحة موضوعها الحرية وقلبها أسطورة من الحب وفيها يقول :
آه يا بيروت يا أنثاي من بين ملايين النساء
يا رحيلا برتقاليا على ورد وبرقوق وماء
يا طموحي عندما أكتب أشعاري لتقريب السماء
يا ست الدنيا يا بيروت
وفي عامة الأخير قبل رحيله سنة 1998 صرخ نزار قباني متى يعلنون وفاة العرب ، تلك القصيدة التي توقف عندها الكثيرون وصرخوا واحتجوا وقالوا بأنها تهزم الشعور القومي وتحطم الكبرياء الوطنية والقومية فكان رد نزار " ان سرادق الموت العربي منصوب في كل مكان والقران يتلى والمعزون يجلسون في صمت " فقد كانت ضربة قاسية وكلمة ربما كانت كلمة وداع أخيرة من شاعر أمضى عمره يحارب بأسلحة الكلمات ويتطلع للمستقبل العربي ، كلمات نزار تصرخ في الوجود أن فكروا ... أحلموا .... غامروا ... أبحروا إلى شواطىء المستحيل قبل أن تتحولوا إلى كوم من الحجارة .
لندع صواريخ نزار تنطلق مع مقاطع من قصيدته متى يعلنون وفاة العرب .
أنا منذ خمسين عاما أراقب حال العرب
وهم يرعدون ولا يمطرون
وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون
وهم يعلكون جلود البلاغه علكا ولا يهضمون
أنا منذ خمسين عاما
أحاول رسم بلاد تسمى مجازا بلاد العرب
رسمت بلون الشرايين حينا
وحينا رسمت بلون الغضب
وحين انتهى الرسم ساءلت نفسي
إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب
ففي أي مقبرة يدفنون
ومن سوف يبكي عليهم
وليس لديهم بنات
وليس لديهم بنون
وليس هناك حزن
وليس هنالك من يحزنون
أنا بعد خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيت ....
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
ولكنني ما رأيت العرب
أن قصائده السياسية تدق ناقوس الخطر وتؤكد أنها ذات أبعاد قومية وصرخة احتجاج وتمرد على الواقع العربي المتردي ، فمجتمعاتنا الشرقية متواكلة تتكلم أكثر مما تعمل وتأخذ الحياة بلا مبالاة بينما الآخرون يتقدمون بالعلم والعمل الجاد المخلص .
أن هذا الشاعر بخطابه الشعري المتميز وغير المسبوق قد ترك بصماته الواضحة في الحياة العربية الشعبية والرسمية ولمدة تربو على خمسين عاما ونيف لأنه من ناحية يعبر عن ضمير الإنسان العربي المغيب ويعبر من ناحية أخرى عن المتخاذل والرموز الضعيفة التي تكرس ثقافة الهزيمة والتطبيع ومن ثم فأنه يسمي الأشياء بمسمياتها دون وجل أو خوف من سطوة الحكام وأن قصائده الملتهبة تقدح شررا مضمخه بحب الوطن يفوح منها عبق التاريخ لأسترداد الأمجاد الماضية .
انه شاعر ملتزم له قضية عربيه وقومية ولذا فأن قصائده تعتبر جسرا للتواصل مع الأجيال وقد ارتبط اسمه بكل هذه الألقاب : : شاعر الحب والسياسة ، شاعر الرومانسية والبساطة ، شاعر الثورة ، وشاعر المرأة ، وشاعر الوطن الحزين واللغة القديمة والكتب القديمة ، انه الصوت العذب الذي يغني بداخلنا والرومانسية الحزينة في السماء العربية وهو أيضا تلك الظاهرة الشعبية في شعرنا العربي المعاصر