- الاثنين ديسمبر 27, 2010 3:58 am
#30895
الفاشية هي حركة إيطالية سياسية شمولية ، نادت بحب السياسات والمثل والقيم الإيطالية ( Italianism ) القديمة والترويج لها . وللفاشية صفة الوطنية والقومية الإقليمية ، تهدف إلى جعل الشعب الإيطالي متعلق بوطنه إيطاليا ( ايطاليقي Italic ) نشأت في إيطاليا على شكل جماعات أو فرق من الجنود المسرحين من الجيش ، بقيادة بنيتو موسوليني ، اطلق عليها " الفرق الفاشية " ، إذ دعت لجملة من المبادئ السياسية والاقتصادية ، ونادت بتمجيد الدولة : " كل شيء للدولة ، ولا شيء ضد الدولة ، ولا شيء خارج إطار الدولة " [2] . أسس وتزعم هذه الحركة الفاشية موسوليني في شباط 1919 ، إذ وصفها مؤسسها بأنها فكرة سياسية دينية قومية . ولا تزال كلمة الفاشية تطلق على التطرف القومي أو العنصري في دولة معينة من الدول نسبة إلى الفاشية الإيطالية إبان عهد الزعيم الإيطالي المذكور .
لقد نشأت الفاشية الإيطالية ، في ظل مرور إيطاليا بأزمتين حادتين : الأولى : أزمة نفسية ، تمثلت بشعور الإيطاليين بالهزيمة واهانه المغلوب ، إذ أرغمت بعد انتصارها على التخلي عن أراض احتلها في الادرياتيك . والأزمة الثانية : الظروف الاقتصادية والمالية : اثر توقف عملية التصنيع الحربي عن إنتاج الأسلحة بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ، وتدهور قيمة العملة الإيطالية ( اللير ) وانتشار البطالة بين صفوف الشعب ، وارتفاع الأسعار وإغلاق أبواب الهجرة وتزايد الاستيراد من الخارج ، فانطلقت الاضطرابات والتمرد وأصبحت البلاد على شفا حرب أهلية .
وقد اتخذت هذه الحركة من الشعارات العقدية الفاشية التي تدعو إلى الطاعة والتعصب الأعمى : آمن ، أطع ، كافح ، لا مناقشة ، بل طاعة فقط ، وانظر للحياة نظرة جدية ، وعش حياة خطرة . أما عن طبيعة دور الحزب الفاشي ، فقد ورد في المادة الأولى من النظام الداخلي للحزب القومي الفاشي : " الحزب القومي الفاشي هو ميليشيا مدنية في خدمة الدولة " [3] . أما الزي الرسمي للفاشية ، لتمييزها عن الآخرين من الناحية الاجتماعية ، كعنصر يدعو إلى التميز الإيطالي فكان عبارة عن " قميص اسود " حيث عرف الفاشيون ب ( ذوي القمصان السوداء ) . واللون الأسود يرمز لدى الإيطاليين إلى الحداد والخيبة فاصبح عند الإيطاليين يرمز إلى " الوطنية الفاشية الجديدة " .
وكان شعار الفاشية السياسي ، شعارا ذو فكر أو رأي سياسي متميز واحد ، ويجب أن لا يخرج عن هذا الإطار الفكري أي شخص إيطالي يروم الحرية والتقدم والازدهار لإيطاليا الجديدة العصرية ، أو يريد الاشتغال في المؤسسات والوزارات والأجهزة الحكومية العسكرية والمدنية على حد سواء : كل شيء يجب أن يكون فاشيا . وإذا اقتضى الأمر باستخدام العنف ، فكان موسوليني يقول لاتباعه : إذا تقدمت فاتبعوني ، أما إذا تراجعت فاقتلوني واثأروا لي . وهي دعوة متعصبة للفرد وللحزب كذلك . وفي بداية سيطرة وتحكم الفاشية في إيطاليا ، كان أن اضرب الاشتراكيون في أول آب 1922 وطالبوا بحرية النقابات وبالحرية السياسية ، فتوعدت الفاشية الحكومة والاشتراكيين إذا لم ينته الإضراب فان جموع الفاشية ستزحف إلى عاصمة البلاد ( روما ) وتنهي الإضراب بالقوة . وبالفعل زحفت أربع طوابير فاشية يقدر عددها ب 25 ألف شخص نحو روما واحتلوا مراكز ووظائف المضربين من الإدارات وسكك الحديد . فأعلنت الحكومة الأحكام العرفية ، الا أن هذا الإجراء أتى متأخرا . واثر تزايد الضغط الفاشي العنيف من قبل الميليشيا والساسة والمناصرين ، على النظام الملكي كلف الملك الإيطالي فيكتور عمانويل زعيم الفاشية بنيتو موسوليني بتشكيل حكومة إيطالية جديدة . وفي 30 تشرين الأول 1922 اصبح بنيتو موسوليني رئيسا للحكومة الإيطالية . وجاءت عملية تكليف موسوليني بتأليف الحكومة بعد أن هدد بتسلم زمام الأمور بالقوة قبل زحفه باتجاه روما قائلا إما أن يتم تسليمنا مقاليد الحكم بشكل تام سلميا ، أو نقبض عليها بأيدينا ، زاحفين باتجاه العاصمة روما للاشتراك مع السياسيين في إدارة شئون البلاد وشعارنا إما الفوز في تسلم الحكم أو الموت ، لأن برنامج الفاشية بسيط جدا ، هو حكم إيطاليا [4] .
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في إيطاليا وفي العالم أيضا ، عمل الحزب الفاشي الإيطالي عام 1923 على إصدار قانون ( اشيربو ) الذي يمنح الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية بأغلبية بسيطة الحق في الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان ، إذ هيأ موسوليني الأمور تمهيدا لإنفراد الحزب الفاشستي بالتفوق في البرلمان الإيطالي حيث استصدر قانون ( أشيربو ) 1923 ، الذي يمنح بموجبه أكثر الأحزاب الإيطالية أصواتا نسبة ثلثي مقاعد المجلس النيابي . فالحزب الفاشستي كان ذو تنظيم قوي وديناميكي ، وبهذا فقد حصل على أكبر عدد من الأصوات مشكلا الأغلبية ، وحسب قانون ( اشيربو ) أصبح له ثلثا مقاعد البرلمان الإيطالي [5] .
وعلى الصعيد السياسي المحلي الإيطالي ، لجأ الدوتشي بنيتو موسوليني إلى تقييد الحريات الأساسية ، وخاصة السياسية منها ، وعمل في الخصوم والمعارضة ضربا مبرحا وتقتيلا ، وظهرت عنصريته في إلغاء كل ما هو غير فاشي ، فالفاشية فوق الجميع . وافصح موسوليني انه قد آن الأوان لتصفية الخصوم ، وضربهم بقوة ، على أساس عنصري ، إذ أكد قائلا حينما يتصارع عنصران ويستحيل حل الصراع بينهما ينبغي استخدام القوة للحسم [6] .
واستهل الدوتشي موسوليني ، خطابه الأول في مجلس النواب الإيطالي في 28 تشرين الأول 1924 بالتهديد والوعيد لأعضاء البرلمان حيث أدلى بتصريح نص على انه كان بوسعه أن يحيل هذه القاعة الشاحبة إلى معسكر مسلح لذوي القمصان السوداء ، وان يجعل منها معرضا للجثث وبإمكانه أن يقفل أبواب البرلمان بالمسامير . وفي عام 1926 اصدر موسوليني ( قوانين استثنائية ) أعطت الدولة سلطات واسعة لقمع المعارضة . وحسب إحصاءات رسمية بلغ عدد الذين حوكموا على أساس قوانين الطوارئ الاستثنائية العنصرية ، 044 ر 10 شخصا ، وخصصت ثلاث جزر قريبة من إيطاليا لنفي غير المرغوب فيهم وهي جزر : بونزا ، فنتولين ، وترميتي ، باحوال معيشية سيئة للغاية [7] .
وكانت الفاشية العنصرية لا تسمح لأي إيطالي أن يعمل في أي مجال من مجالات القطاع الحكومي إذا لم يكن منتسبا للحزب الفاشي ، فالجميع مكره على اقتفاء اثر الحزب القومي الفاشي الإيطالي ليضمن له وظيفة ، إذ تتمثل عملية الاكراه غير المباشرة في إجبار الناس على الانتساب إلى الحزب الفاشي للتمكن من التقدم لأية وظيفة عامة ، وهو شرط مطلق ليستطيع الإنسان التقدم إلى منافسات الوظائف في الدولة فلا يمكن لإنسان إيطالي ، أن يغدو كاتبا أو معلما أو أستاذا في الجامعة إذا لم يكن ملتحقا بأحد فروع الحزب الفاشي . وهذا الإكراه يشمل كافة المهن الحرة كالمحاماة والصحافة والطب [8] .
كما أن عملية إكراه الناس الإيطاليين للانتساب والانخراط في صفوف الحزب الفاشي للحصول على مركز أو وظيفة حكومية شملت فئات كثيرة من المجتمع الإيطالي غير الفئات السابقة من ذوي المهن المهمة الحرة . وازداد وتيرة الخطر الفاشي بتصاعد الحملات الدعائية العرقية : " وحملات العنصرية ، وشوفينية القوة الكبرى ، والعداء للسامية " [9] .
وأما بالنسبة للفاشية والعنصرية ، فإن التفرقة الاجتماعية تقوم على نظريات في صلبها تنبع من نبع واحد ، وتتخذ أشكالا وألوانا متعددة ، حسبما ترتأيه الجماعة المتعصبة التي ترى في ذاتها التفوق الحضاري العام . ومن الممكن أن يرافق النظرة أو النزعة العنصرية سن القوانين التي قننت عملية التمييز بصورة واضحة كما برز في التمييز والفصل العنصري في جنوب أفريقيا ، أو بالتلميح دون التصريح في بعض الحالات القديمة أو التي ما زالت تنبض بالحياة ، في وقتنا المعاصر كما هو ظاهر بصورة مبطنة في البراهمة في الهند . ومن الممكن أن تتخذ النزعة العنصرية سبيل حياة وتتوكأ على الأعراف والتقاليد المتوارثة جيلا عن جيل . وفي أحيان أخرى تجمع بين الطريقين ، القانونية والعرفية المتداولة . وبعد أن تسود الظاهرة العنصرية ، فانه تظهر فجوات عميقة في المجتمع الواحد ، بين ( فئة الصفوة ) والفئة المحتقرة وتعدم علاقات التعاون ، ويفقد الاستقرار ، ويأتي النظام الاجتماعي القائم على التمييز العنصري ليزيد المشكلة تعقيدا ، بممارسة الظلم والاضطهاد باسم القانون وسلب البشر حقوقهم الأساسية ، وعدم إتاحة أدنى حد من الحياة اللائقة بالإنسان [10] .
وبذلك تتباعد وتتنافر وتتباين الأمم بدلا من تجاذبها الإيجابي وتمركزها وتجمعها وتعاونها فيما بينها لمصلحة الجميع ، فتسود النظرة الاستعلائية ، التي تستند إلى تصنيف البشرية إلى عناصر وعروق وأجناس وطبقات اجتماعية ، على النظرة المجتمعية أو العالمية أو الأممية الشاملة . أما بشأن التمييز عبر التاريخ القديم والمعاصر ، فان أدلة التاريخ وحيثياته تدلل على أن الزعامات السياسية والثقافية دارت وتم تداولها من شعب لآخر ، من المصريين والبابليين ، إلى الفرس ، فاليونان والرومان ، ثم العرب ، ومن العرب إلى الإيطاليين ، فالأسبانيين والفرنسيين والهولنديين ، ثم إلى الإنجليز والألمان والأمريكيين والروس والاسكندنافيين ، بمعنى أن غالبية شعوب العالم قد ساهمت البناء الحضاري بصورة أو بأخرى [11] .
والفاشية لم تتوقف بعد خسران الفاشية الأيديولوجية الانتقائية الإيطالية ، في الحرب العالمية الثانية ، فالدعوات الفاشية التي تدعي السمو والتفوق ما زالت موجودة على ارض الواقع ، تظهر وتختفي كلما سنحت لها الفرصة بذلك ، يقول بالميرو تولياتي :" أحذركم من الاتجاه الرامي إلى اعتبار الأيديولوجية الفاشية شيئا منتهيا متجانسا ومكونا بصلابة ، فلا شيء يشبه الحرباء كالأيديولوجية الفاشية ، لا تبحثوا في الأيديولوجية الفاشية بدون رؤية الهدف الذي تكون الفاشية قد آلت على نفسها أن تبلغه في وقت محدد وبأيديولوجية محددة " [12]. وبالتالي فان العنصرية تقف حائلا أمام الإنتاج العالمي المثمر والإنجاز النافع للجميع .
لقد نشأت الفاشية الإيطالية ، في ظل مرور إيطاليا بأزمتين حادتين : الأولى : أزمة نفسية ، تمثلت بشعور الإيطاليين بالهزيمة واهانه المغلوب ، إذ أرغمت بعد انتصارها على التخلي عن أراض احتلها في الادرياتيك . والأزمة الثانية : الظروف الاقتصادية والمالية : اثر توقف عملية التصنيع الحربي عن إنتاج الأسلحة بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ، وتدهور قيمة العملة الإيطالية ( اللير ) وانتشار البطالة بين صفوف الشعب ، وارتفاع الأسعار وإغلاق أبواب الهجرة وتزايد الاستيراد من الخارج ، فانطلقت الاضطرابات والتمرد وأصبحت البلاد على شفا حرب أهلية .
وقد اتخذت هذه الحركة من الشعارات العقدية الفاشية التي تدعو إلى الطاعة والتعصب الأعمى : آمن ، أطع ، كافح ، لا مناقشة ، بل طاعة فقط ، وانظر للحياة نظرة جدية ، وعش حياة خطرة . أما عن طبيعة دور الحزب الفاشي ، فقد ورد في المادة الأولى من النظام الداخلي للحزب القومي الفاشي : " الحزب القومي الفاشي هو ميليشيا مدنية في خدمة الدولة " [3] . أما الزي الرسمي للفاشية ، لتمييزها عن الآخرين من الناحية الاجتماعية ، كعنصر يدعو إلى التميز الإيطالي فكان عبارة عن " قميص اسود " حيث عرف الفاشيون ب ( ذوي القمصان السوداء ) . واللون الأسود يرمز لدى الإيطاليين إلى الحداد والخيبة فاصبح عند الإيطاليين يرمز إلى " الوطنية الفاشية الجديدة " .
وكان شعار الفاشية السياسي ، شعارا ذو فكر أو رأي سياسي متميز واحد ، ويجب أن لا يخرج عن هذا الإطار الفكري أي شخص إيطالي يروم الحرية والتقدم والازدهار لإيطاليا الجديدة العصرية ، أو يريد الاشتغال في المؤسسات والوزارات والأجهزة الحكومية العسكرية والمدنية على حد سواء : كل شيء يجب أن يكون فاشيا . وإذا اقتضى الأمر باستخدام العنف ، فكان موسوليني يقول لاتباعه : إذا تقدمت فاتبعوني ، أما إذا تراجعت فاقتلوني واثأروا لي . وهي دعوة متعصبة للفرد وللحزب كذلك . وفي بداية سيطرة وتحكم الفاشية في إيطاليا ، كان أن اضرب الاشتراكيون في أول آب 1922 وطالبوا بحرية النقابات وبالحرية السياسية ، فتوعدت الفاشية الحكومة والاشتراكيين إذا لم ينته الإضراب فان جموع الفاشية ستزحف إلى عاصمة البلاد ( روما ) وتنهي الإضراب بالقوة . وبالفعل زحفت أربع طوابير فاشية يقدر عددها ب 25 ألف شخص نحو روما واحتلوا مراكز ووظائف المضربين من الإدارات وسكك الحديد . فأعلنت الحكومة الأحكام العرفية ، الا أن هذا الإجراء أتى متأخرا . واثر تزايد الضغط الفاشي العنيف من قبل الميليشيا والساسة والمناصرين ، على النظام الملكي كلف الملك الإيطالي فيكتور عمانويل زعيم الفاشية بنيتو موسوليني بتشكيل حكومة إيطالية جديدة . وفي 30 تشرين الأول 1922 اصبح بنيتو موسوليني رئيسا للحكومة الإيطالية . وجاءت عملية تكليف موسوليني بتأليف الحكومة بعد أن هدد بتسلم زمام الأمور بالقوة قبل زحفه باتجاه روما قائلا إما أن يتم تسليمنا مقاليد الحكم بشكل تام سلميا ، أو نقبض عليها بأيدينا ، زاحفين باتجاه العاصمة روما للاشتراك مع السياسيين في إدارة شئون البلاد وشعارنا إما الفوز في تسلم الحكم أو الموت ، لأن برنامج الفاشية بسيط جدا ، هو حكم إيطاليا [4] .
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في إيطاليا وفي العالم أيضا ، عمل الحزب الفاشي الإيطالي عام 1923 على إصدار قانون ( اشيربو ) الذي يمنح الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية بأغلبية بسيطة الحق في الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان ، إذ هيأ موسوليني الأمور تمهيدا لإنفراد الحزب الفاشستي بالتفوق في البرلمان الإيطالي حيث استصدر قانون ( أشيربو ) 1923 ، الذي يمنح بموجبه أكثر الأحزاب الإيطالية أصواتا نسبة ثلثي مقاعد المجلس النيابي . فالحزب الفاشستي كان ذو تنظيم قوي وديناميكي ، وبهذا فقد حصل على أكبر عدد من الأصوات مشكلا الأغلبية ، وحسب قانون ( اشيربو ) أصبح له ثلثا مقاعد البرلمان الإيطالي [5] .
وعلى الصعيد السياسي المحلي الإيطالي ، لجأ الدوتشي بنيتو موسوليني إلى تقييد الحريات الأساسية ، وخاصة السياسية منها ، وعمل في الخصوم والمعارضة ضربا مبرحا وتقتيلا ، وظهرت عنصريته في إلغاء كل ما هو غير فاشي ، فالفاشية فوق الجميع . وافصح موسوليني انه قد آن الأوان لتصفية الخصوم ، وضربهم بقوة ، على أساس عنصري ، إذ أكد قائلا حينما يتصارع عنصران ويستحيل حل الصراع بينهما ينبغي استخدام القوة للحسم [6] .
واستهل الدوتشي موسوليني ، خطابه الأول في مجلس النواب الإيطالي في 28 تشرين الأول 1924 بالتهديد والوعيد لأعضاء البرلمان حيث أدلى بتصريح نص على انه كان بوسعه أن يحيل هذه القاعة الشاحبة إلى معسكر مسلح لذوي القمصان السوداء ، وان يجعل منها معرضا للجثث وبإمكانه أن يقفل أبواب البرلمان بالمسامير . وفي عام 1926 اصدر موسوليني ( قوانين استثنائية ) أعطت الدولة سلطات واسعة لقمع المعارضة . وحسب إحصاءات رسمية بلغ عدد الذين حوكموا على أساس قوانين الطوارئ الاستثنائية العنصرية ، 044 ر 10 شخصا ، وخصصت ثلاث جزر قريبة من إيطاليا لنفي غير المرغوب فيهم وهي جزر : بونزا ، فنتولين ، وترميتي ، باحوال معيشية سيئة للغاية [7] .
وكانت الفاشية العنصرية لا تسمح لأي إيطالي أن يعمل في أي مجال من مجالات القطاع الحكومي إذا لم يكن منتسبا للحزب الفاشي ، فالجميع مكره على اقتفاء اثر الحزب القومي الفاشي الإيطالي ليضمن له وظيفة ، إذ تتمثل عملية الاكراه غير المباشرة في إجبار الناس على الانتساب إلى الحزب الفاشي للتمكن من التقدم لأية وظيفة عامة ، وهو شرط مطلق ليستطيع الإنسان التقدم إلى منافسات الوظائف في الدولة فلا يمكن لإنسان إيطالي ، أن يغدو كاتبا أو معلما أو أستاذا في الجامعة إذا لم يكن ملتحقا بأحد فروع الحزب الفاشي . وهذا الإكراه يشمل كافة المهن الحرة كالمحاماة والصحافة والطب [8] .
كما أن عملية إكراه الناس الإيطاليين للانتساب والانخراط في صفوف الحزب الفاشي للحصول على مركز أو وظيفة حكومية شملت فئات كثيرة من المجتمع الإيطالي غير الفئات السابقة من ذوي المهن المهمة الحرة . وازداد وتيرة الخطر الفاشي بتصاعد الحملات الدعائية العرقية : " وحملات العنصرية ، وشوفينية القوة الكبرى ، والعداء للسامية " [9] .
وأما بالنسبة للفاشية والعنصرية ، فإن التفرقة الاجتماعية تقوم على نظريات في صلبها تنبع من نبع واحد ، وتتخذ أشكالا وألوانا متعددة ، حسبما ترتأيه الجماعة المتعصبة التي ترى في ذاتها التفوق الحضاري العام . ومن الممكن أن يرافق النظرة أو النزعة العنصرية سن القوانين التي قننت عملية التمييز بصورة واضحة كما برز في التمييز والفصل العنصري في جنوب أفريقيا ، أو بالتلميح دون التصريح في بعض الحالات القديمة أو التي ما زالت تنبض بالحياة ، في وقتنا المعاصر كما هو ظاهر بصورة مبطنة في البراهمة في الهند . ومن الممكن أن تتخذ النزعة العنصرية سبيل حياة وتتوكأ على الأعراف والتقاليد المتوارثة جيلا عن جيل . وفي أحيان أخرى تجمع بين الطريقين ، القانونية والعرفية المتداولة . وبعد أن تسود الظاهرة العنصرية ، فانه تظهر فجوات عميقة في المجتمع الواحد ، بين ( فئة الصفوة ) والفئة المحتقرة وتعدم علاقات التعاون ، ويفقد الاستقرار ، ويأتي النظام الاجتماعي القائم على التمييز العنصري ليزيد المشكلة تعقيدا ، بممارسة الظلم والاضطهاد باسم القانون وسلب البشر حقوقهم الأساسية ، وعدم إتاحة أدنى حد من الحياة اللائقة بالإنسان [10] .
وبذلك تتباعد وتتنافر وتتباين الأمم بدلا من تجاذبها الإيجابي وتمركزها وتجمعها وتعاونها فيما بينها لمصلحة الجميع ، فتسود النظرة الاستعلائية ، التي تستند إلى تصنيف البشرية إلى عناصر وعروق وأجناس وطبقات اجتماعية ، على النظرة المجتمعية أو العالمية أو الأممية الشاملة . أما بشأن التمييز عبر التاريخ القديم والمعاصر ، فان أدلة التاريخ وحيثياته تدلل على أن الزعامات السياسية والثقافية دارت وتم تداولها من شعب لآخر ، من المصريين والبابليين ، إلى الفرس ، فاليونان والرومان ، ثم العرب ، ومن العرب إلى الإيطاليين ، فالأسبانيين والفرنسيين والهولنديين ، ثم إلى الإنجليز والألمان والأمريكيين والروس والاسكندنافيين ، بمعنى أن غالبية شعوب العالم قد ساهمت البناء الحضاري بصورة أو بأخرى [11] .
والفاشية لم تتوقف بعد خسران الفاشية الأيديولوجية الانتقائية الإيطالية ، في الحرب العالمية الثانية ، فالدعوات الفاشية التي تدعي السمو والتفوق ما زالت موجودة على ارض الواقع ، تظهر وتختفي كلما سنحت لها الفرصة بذلك ، يقول بالميرو تولياتي :" أحذركم من الاتجاه الرامي إلى اعتبار الأيديولوجية الفاشية شيئا منتهيا متجانسا ومكونا بصلابة ، فلا شيء يشبه الحرباء كالأيديولوجية الفاشية ، لا تبحثوا في الأيديولوجية الفاشية بدون رؤية الهدف الذي تكون الفاشية قد آلت على نفسها أن تبلغه في وقت محدد وبأيديولوجية محددة " [12]. وبالتالي فان العنصرية تقف حائلا أمام الإنتاج العالمي المثمر والإنجاز النافع للجميع .